قوله - تعالى : وإلى ثمود أخاهم صالحا إلى قوله ( غيره ) الكلام فيه كالذي في قوله : وإلى عاد أخاهم هودا إلخ .
وذكر ثمود وصالح - عليه السلام - تقدم في سورة الأعراف .
وثمود اسم جد سميت به القبيلة ، فلذلك منع من الصرف بتأويل القبيلة .
وجملة هو أنشأكم من الأرض في موضع التعليل للأمر بعبادة الله ونفي إلهية غيره ، وكأنهم كانوا مثل مشركي قريش لا يدعون لأصنامهم خلقا ولا رزقا ، فلذلك كانت الحجة عليهم ناهضة واضحة .
[ ص: 108 ] والإنشاء : الإيجاد والإحداث ، وتقدم في قوله تعالى : وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين في الأنعام .
وجعل الخبرين عن الضمير فعلين دون : هو منشئكم ومستعمركم لإفادة القصر ، أي لم ينشئكم من الأرض إلا هو ولم يستعمركم فيها غيره .
والإنشاء من الأرض خلق آدم من الأرض لأن إنشاءه إنشاء لنسله ، وإنما ذكر تعلق خلقهم بالأرض لأنهم كانوا أهل غرس وزرع ، كما قال في سورة الشعراء أتتركون فيما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم ولأنهم كانوا ينحتون من جبال الأرض بيوتا ويبنون في الأرض قصورا ، كما قال في الآية الأخرى وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا ، فكانت لهم منافع من الأرض تناسب نعمة إنشائهم من الأرض فلأجل منافعهم في الأرض قيدت نعمة الخلق بأنها من الأرض التي أنشئوا منها ، ولذلك عطف عليه واستعمركم فيها
والاستعمار : الإعمار ، أي جعلكم عامريها ، فالسين والتاء للمبالغة كالتي في استبقى واستفاق . ومعنى الإعمار أنهم جعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع لأن ذلك يعد تعميرا للأرض حتى سمي الحرث عمارة لأن المقصود منه عمر الأرض .
وفرع على التذكير بهذه النعم أمرهم باستغفاره والتوبة إليه ، أي طلب مغفرة إجرامهم ، والإقلاععما لا يرضاه من الشرك والفساد . ومن تفنن الأسلوب أن جعلت هذه النعمعلة لأمرهم بعبادة الله وحده بطريق جملة التعليل ، وجعلت علة أيضا للأمر بالاستغفار والتوبة بطريق التفريع .
وعطف الأمر بالتوبة بحرف التراخي للوجه المتقدم في قوله : ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه في الآية المتقدمة .
[ ص: 109 ] وجملة إن ربي قريب مجيب استئناف بياني كأنهم استعظموا أن يكون جرمهم مما يقبل الاستغفار عنه ، فأجيبوابأن الله قريب مجيب ، وبذلك ظهر أن الجملة ليست بتعليل . وحرف ( إن ) فيها للتأكيد تنزيلا لهم في تعظيم جرمهم منزلة من يشك في قبول استغفاره .
والقرب : هنا مستعار للرأفة والإكرام ؛ لأن البعد يستعار للجفاء والإعراض . قال جبير بن الأضبط .
تباعد عني مطحل إذ دعوته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
فكذلك يستعار ضده لضده . وتقدم في قوله : فإني قريب أجيب دعوة الداعي في سورة البقرة . والمجيب هنا : مجيب الدعاء ، وهو الاستغفار . وإجابة الدعاء : إعطاء السائل مسئوله .