ومن تاب معك فاستقم كما أمرت
ترتب عن التسلية التي تضمنها قوله : ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه وعن التثبيت المفاد بقوله : فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء الحض على الدوام على التمسك بالإسلام على وجه قويم . وعبر عن ذلك بالاستقامة لإفادة ، دواما جماعه الاستقامة عليه والحذر من تغييره . الدوام على العمل بتعاليم الإسلام
ولما كان الاختلاف في كتاب موسى - عليه السلام - إنما جاء من أهل الكتاب عطف على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستقامة على كتابه أمر المؤمنين بتلك الاستقامة أيضا ؛ لأن الاعوجاج من دواعي الاختلاف في الكتاب بنهوض فرق من الأمة إلى تبديله لمجاراة أهوائهم ، ولأن مخالفة الأمة عمدا إلى أحكام كتابها إن هو إلا ضرب من ضروب الاختلاف فيه ؛ لأنه اختلافها على أحكامه . وفي الحديث : ، فلا جرم أن كانت الاستقامة حائلا دون ذلك ، إذ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم هي العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قيد شبر . ومتعلقها العمل بالشريعة [ ص: 176 ] بعد الإيمان لأن الإيمان أصل فلا تتعلق به الاستقامة . وقد أشار إلى صحة هذا المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستقامة لأبي عمرة الثقفي لما قال له : قل آمنت بالله ثم استقم فجعل الاستقامة شيئا بعد الإيمان . يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك . قال :
ووجه الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تنويها ليبنى عليه قوله : كما أمرت فيشير إلى أنه المتلقي للأوامر الشرعية ابتداء . وهذا تنويه له بمقام رسالته ، ثم أعلم بخطاب أمته بذلك بقوله : ومن تاب معك . وكاف التشبيه في قوله : كما أمرت في موضع الحال من الاستقامة المأخوذة من استقم . ومعنى تشبيه الاستقامة المأمور بها بما أمر به النبيء - صلى الله عليه وسلم - لكون الاستقامة ممثالة لسائر ما أمر به ، وهو تشبيه المجمل بالمفصل في تفصيله بأن يكون طبقه . ويئول هذا المعنى إلى أن تكون الكاف في معنى ( على ) كما يقال : كن كما أنت . أي لا تتغير ولتشبه أحوالك المستقبلة حالتك هذه .
( ومن تاب ) عطف على الضمير المتصل في ( أمرت ) . ومصحح العطف موجود وهو الفصل بالجار والمجرور .
و ( من تاب ) هم المؤمنون ؛ لأن الإيمان توبة من الشرك . و ( معك ) حال من ( تاب ) وليس متعلقا بتاب لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من المشركين .
وقد جمع قوله : فاستقم كما أمرت أصول الصلاح الديني وفروعه لقوله : كما أمرت .
قال : ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه . ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب ابن عباس شيبتني هود وأخواتها . وسئل عما في هود فقال : قوله : فاستقم كما أمرت .