ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل هذا تذييل وحوصلة لما تقدم من أنباء القرى وأنباء الرسل .
فجملة وكلا نقص عليك من أنباء الرسل إلى آخرها عطف الإخبار على الإخبار والقصة على القصة ، ولك أن تجعل الواو اعتراضية أو استئنافية . وهذا تهيئة لاختتام السورة وفذلكة لما سيق فيها من القصص والمواعظ .
وانتصب كلا على المفعولية لفعل نقص . وتقديمه على فعله للاهتمام ولما فيه من الإبهام ليأتي بيانه بعده فيكون أرسخ في ذهن السامع .
وتنوين كلا تنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف المبين بقوله : من أنباء الرسل . فالتقدير : وكل نبأ عن الرسل نقصه عليك ، فقوله : من أنباء الرسل بيان للتنوين الذي لحق كلا . و ما نثبت به فؤادك بدل من كلا .
والقصص يأتي عند قوله - تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص في أول سورة يوسف .
والتثبيت : حقيقته التسكين في المكان بحيث ينتفي الاضطراب والتزلزل . وتقدم في قوله - تعالى : لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا في سورة النساء ، وقوله : [ ص: 192 ] فثبتوا الذين آمنوا في سورة الأنفال ، وهو هنا مستعار للتقرير كقوله : ولكن ليطمئن قلبي .
والفؤاد : أطلق على الإدراك كما هو الشائع في كلام العرب .
وتثبيت فؤاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - زيادة يقينه ومعلوماته بما وعده الله لأن كل يزيده تذكرا وعلما بأن حاله جار على سنن الأنبياء وازداد تذكرا بأن عاقبته النصر على أعدائه ، وتجدد تسلية على ما يلقاه من قومه من التكذيب وذلك يزيده صبرا . والصبر : تثبيت الفؤاد . ما يعاد ذكره من قصص الأنبياء وأحوال أممهم معهم
وأن تماثل أحوال الأمم تلقاء دعوة أنبيائها مع اختلاف العصور يزيده علما بأن وأن قبول الهدى هو منتهى ارتقاء العقل ، فيعلم أن الاختلاف شنشنة قديمة في البشر ، وأن المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم ، وهي من النواميس التي جبل عليها النظام البشري ، فلا يحزنه مخالفة قومه عليه ، ويزيده علما بسمو أتباعه الذين قبلوا هداه ، واعتصموا من دينه بعراه ، فجاءه في مثل قصة مراتب العقول البشرية متفاوتة ، موسى - عليه السلام - واختلاف أهل الكتاب فيه بيان الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين فلا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب .
والإشارة من قوله : في هذه قيل إلى السورة وروي عن ، فيقتضي أن هذه السورة كانت أوفى بأنباء الرسل من السور النازلة قبلها وبهذا يجري على قول من يقول : إنها نزلت قبل سورة يونس . والأظهر أن تكون الإشارة إلى الآية التي قبلها وهي ابن عباس فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلى قوله من الجنة والناس أجمعين . فتكون هذه الآيات الثلاث أول ما نزل في شأن النهي عن المنكر .
على أن قوله : وجاءك في هذه الحق ليس صريحا في أنه لم يجئ مثله قبل هذه الآيات ، فتأمل .
[ ص: 193 ] ولعل المراد بـ الحق تأمين الرسول من اختلاف أمته في كتابه بإشارة قوله : فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية المفهم أن المخاطبين ليسوا بتلك المثابة ، كما تقدمت الإشارة إليه آنفا .
وتعريفه إشارة إلى حق معهود للنبي ؛ إما بأن كان يتطلبه ، أو يسأل ربه .
والموعظة : اسم مصدر الوعظ ، وهو التذكير بما يصد المرء عن عمل مضر .
والذكرى : مجرد التذكير بما ينفع . فهذه موعظة للمسلمين ليحذروا ذلك وتذكيرا لهم بأحوال الأمم ليقيسوا عليها ويتبصروا في أحوالها . وتنكير موعظة وذكرى للتعظيم .