إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون
استئناف يفيد تعليل الإبانة من جهتي لفظه ومعناه ، فإن كونه قرآنا يدل على إبانة المعاني ؛ لأنه ما جعل مقروءا إلا لما في تراكيبه من المعاني المفيدة للقارئ .
وكونه عربيا يفيد إبانة ألفاظه المعاني المقصودة للذين خوطبوا به ابتداء ، وهم العرب ، إذ لم يكونوا يتبينون شيئا من الأمم التي حولهم لأن كتبهم كانت باللغات غير العربية .
والتأكيد بـ " إن " متوجه إلى خبرها وهو فعل أنزلناه ردا على الذين أنكروا أن يكون منزلا من عند الله .
وضمير أنزلناه عائد إلى الكتاب في قوله : الكتاب المبين .
و قرآنا حال من الهاء في أنزلناه ، أي كتابا يقرأ ، أي منظما على أسلوب معد لأن يقرأ لا كأسلوب الرسائل والخطب أو الأشعار ، بل هو أسلوب كتاب نافع نفعا مستمرا يقرأه الناس .
و عربيا صفة لـ قرآنا . فهو كتاب بالعربية ليس كالكتب السالفة فإنه
[ ص: 202 ] وقد أفصح عن التعليل المقصود جملة لعلكم تعقلون ، أي رجاء حصول العلم لكم من لفظه ومعناه ؛ لأنكم عرب فنزوله بلغتكم مشتملا على ما فيه نفعكم هو سبب لعقلكم ما يحتوي عليه ، وعبر عن العلم بالعقل للإشارة إلى أن دلالة القرآن على هذا العلم قد بلغت في الوضوح حد أن ينزل من لم يحصل له العلم منها منزلة من لا عقل له ، وأنهم ما داموا معرضين عنه فهم في عداد غير العقلاء . لم يسبقه كتاب بلغة العرب .
وحذف مفعول تعقلون للإشارة إلى أن إنزاله كذلك هو سبب لحصول تعقل لأشياء كثيرة من العلوم من إعجاز وغيره .
وتقدم وجه وقوع لعل في كلام الله تعالى . ومحمل الرجاء المفاد بها على ما يئول إلى التعليل عند قوله - تعالى : ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون في سورة البقرة . وفي آيات كثيرة بعدها بما لا التباس بعده .