nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28987_32416_32424إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون موقع هذه الآية ينادي على أنها تضمنت معنى يرتبط بملة
إبراهيم ، وبمجيء الإسلام على أساسها .
فلما نفت الآية قبل هذه أن يكون
إبراهيم عليه السلام من المشركين ردا على مزاعم العرب المشركين أنهم على ملة
إبراهيم ؛ انتقل بهذه المناسبة إلى إبطال ما يشبه تلك المزاعم ، وهي مزاعم
اليهود أن ملة اليهودية هي ملة
إبراهيم زعما ابتدعوه حين ظهور الإسلام ; جحدا لفضيلة فاتتهم ، وهي فضيلة بناء دينهم على أول دين للفطرة الكاملة حسدا من عند أنفسهم ، وقد بينا ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم في سورة آل عمران .
فهذه الآية مثل آية آل عمران
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين فذلك دال على أن هؤلاء الفرق الثلاث اختلفوا في
إبراهيم ، فكل واحدة من هؤلاء تدعي أنها على ملته ، إلا أنه اقتصر في هذه الآية على إبطال مزاعم المشركين بأعظم دليل ، وهو أن دينهم الإشراك ،
وإبراهيم عليه السلام ما كان من المشركين ، وعقب ذلك
[ ص: 322 ] بإبطال مزاعم
اليهود ; لأنها قد تكون أكثر رواجا ; لأن
اليهود كانوا مخالطين العرب في بلادهم ، فأهل
مكة كانوا يتصلون
باليهود في أسفارهم ، وأسواقهم بخلاف
النصارى .
ولما كانت هذه السورة مكية لم يتعرض فيها
للنصارى الذين تعرض لهم في سورة آل عمران .
ولهذا تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إنما جعل السبت استئنافا بيانيا نشأ عن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا إذ يثير سؤالا من المخالفين : كيف يكون الإسلام من ملة
إبراهيم ؟ وفيه جعل يوم الجمعة اليوم المقدس ، وقد جعلت التوراة
لليهود يوم التقديس يوم السبت ، ولعل
اليهود شغبوا بذلك على المسلمين ، فكان قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه بيانا لجواب هذا السؤال .
وقد وقعت هذه الجملة معترضة بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة إلخ .
ولذلك افتتحت الجملة بأداة الحصر ; إشعارا بأنها لقلب ما ظنه السائلون المشغبون .
وهذا أسلوب معروف في كثير من الأجوبة الموردة لرد رأي موهوم ، فالضمير في قوله فيه عائد إلى
إبراهيم على تقدير مضاف ، أي اختلفوا في ملته ، وليس عائدا على السبت ، إذ لا طائل من المعنى في ذلك ، والذين اختلفوا في
إبراهيم ، أي في ملته هم
اليهود ; لأنهم أصحاب السبت .
ومعنى ( جعل السبت ) فرض وعين عليهم ، أي فرضت عليهم أحكام السبت : من تحريم العمل فيه ، وتحريم استخدام الخدم والدواب في يوم السبت .
وعدل عن ذكر اسم
اليهود أو
بني إسرائيل مع كونه أوجز إلى التعبير عنهم بالموصول ; لأن اشتهارهم بالصلة كاف في تعريفهم مع ما في
[ ص: 323 ] الموصول وصلته من الإيماء إلى وجه بناء الخبر ، وذلك الإيماء هو المقصود هنا ; لأن المقصود إثبات أن
اليهود لم يكونوا على الحنيفية كما علمت آنفا .
وليس معنى فعل اختلفوا وقوع خلاف بينهم بأمر السبت بل فعل ( اختلفوا ) مراد به خالفوا كما في قول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342045واختلافهم على أنبيائهم ، أي عملهم خلاف ما أمر به أنبياؤهم ، فحاصل المعنى هكذا : ما فرض السبت على أهل السبت إلا لأنهم لم يكونوا على ملة
إبراهيم ، إذ مما لا شك فيه عندهم أن ملة
إبراهيم ليس منها حرمة السبت ، ولا هو من شرائعها .
ولم يقع التعرض لليوم المقدس عند
النصارى لعدم الداعي إلى ذلك حين نزول هذه السورة كما علمت .
ولا يؤخذ من هذا أن ملة
إبراهيم كان اليوم المقدس فيها يوم الجمعة ; لعدم ما يدل على ذلك ، والكافي في نفي أن يكون
اليهود على ملة
إبراهيم أن يوم حرمة السبت لم تكن من ملة
إبراهيم .
ثم الأظهر أن حرمة يوم الجمعة ادخرت للملة الإسلامية ; لقول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342046فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه فالناس لنا فيه تبع ؛ اليهود غدا والنصارى بعد غد ؛ فقوله ( فهدانا الله إليه ) يدل على أنه لم يسبق ذلك في ملة أخرى .
فهذا وجه تفسير هذه الآية ، ومحمل الفعل والضمير المجرور في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124اختلفوا فيه .
وما ذكره المفسرون من وجوه لا يخلو من تكلف ، وعدم طائل ، وقد جعلوا ضمير ( فيه ) عائدا إلى السبت ، وتأولوا معنى الاختلاف فيه بوجوه ، ولا مناسبة بين الخبر وبين ما توهم أنه تعليل له على معنى جعل السبت عليهم ; لأنهم اختلفوا على نبيهم
موسى عليه السلام لأجل السبت ; لأن نبيهم
[ ص: 324 ] أمرهم أن يعظموا يوم الجمعة فأبوا ، وطلبوا أن يكون السبت هو المفضل من الأسبوع ; بعلة أن الله قضى خلق السماوات والأرضين قبل يوم السبت ، ولم يكن في يوم السبت خلق ، فعاقبهم الله بالتشديد عليهم في حرمة السبت ، كذا نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو لا يصح عنه . وكيف وقد قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ، وكيف يستقيم أن يعدل
موسى عليه السلام عن اليوم الذي أمر الله بتعظيمه إلى يوم آخر لشهوة قومه ، وقد عرف بالصلابة في الدين .
ومن المفسرين من زعم أن التوراة أمرتهم بيوم غير معين فعينوه السبت ، وهذا لا يستقيم ; لأن
موسى عليه السلام عاش بينهم ثمانين سنة ، فكيف يصح أن يكونوا فعلوا ذلك لسوء فهمهم في التوراة ؟ ولعلك تلوح لك حيرة المفسرين في التئام معاني هذه الآية .
و ( إنما ) للحصر ، وهو قصر قلب مقصود به الرد على
اليهود بالاستدلال عليهم بأنهم ليسوا على ملة
إبراهيم ; لأن السبت جعله الله لهم شرعا جديدا بصريح كتابهم ، إذ لم يكن عليه سلفهم ، وتركيب الاستدلال : إن حرمة السبت لم تكن من ملة
إبراهيم فأصحاب تلك الحرمة ليسوا على ملة
إبراهيم .
ومعنى ( جعل السبت ) أنه جعل يوما معظما لا عمل فيه ، أي جعل الله السبت معظما ، فحذف المفعول الثاني لفعل الجعل ; لأنه نزل منزلة اللازم ; إيجازا ليشمل كل أحوال السبت المحكية في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=163إذ يعدون في السبت .
وضمن فعل ( جعل ) معنى ( فرض ) فعدي بحرف ( على ) .
وقد ادخر الله تعالى
لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الوارث لأصول
إبراهيم ، فجعل
لليهود والنصارى دينا مخالفا لملة
إبراهيم ، ونصب على ذلك شعارا ، وهو اليوم الذي يعرف به أصل ذلك الدين . وتغيير ذلك اليوم عند بعثة
المسيح عليه السلام إشارة إلى ذلك ; لئلا يكون يوم السبت مسترسلا
[ ص: 325 ] في
بني إسرائيل ، تنبيها على أنهم عرضة لنسخ دينهم بدين
عيسى عليه السلام ، وإعدادا لهم لتلقي نسخ آخر بعد ذلك بدين آخر ، يكون شعاره يوما آخر غير السبت ، وغير الأحد . فهذا هو التفسير الذي به يظهر انتساق الآي بعضها مع بعض .
و ( بينهم ) ظرف للحكم المستفاد من ( يحكم ) ، أي حكما بين ظهرانيهم ، وليست ( بينهم ) لتعدية ( يحكم ) إذ ليس ثمة ذكر الاختلاف بين فريقين هنا .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28987_32416_32424إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ يُنَادِي عَلَى أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنًى يَرْتَبِطُ بِمِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَبِمَجِيءِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَسَاسِهَا .
فَلَمَّا نَفَتِ الْآيَةُ قَبْلَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدًّا عَلَى مَزَاعِمِ الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ؛ انْتَقَلَ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ إِلَى إِبْطَالِ مَا يُشْبِهُ تِلْكَ الْمَزَاعِمَ ، وَهِيَ مَزَاعِمُ
الْيَهُودِ أَنَّ مِلَّةَ الْيَهُودِيَّةِ هِيَ مِلَّةُ
إِبْرَاهِيمَ زَعْمًا ابْتَدَعُوهُ حِينَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ ; جَحْدًا لِفَضِيلَةٍ فَاتَتْهُمْ ، وَهِيَ فَضِيلَةُ بِنَاءِ دِينِهِمْ عَلَى أَوَّلِ دِينٍ لِلْفِطْرَةِ الْكَامِلَةِ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
فَهَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِرَقَ الثَّلَاثَ اخْتَلَفُوا فِي
إِبْرَاهِيمَ ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تَدَّعِي أَنَّهَا عَلَى مِلَّتِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ بِأَعْظَمِ دَلِيلٍ ، وَهُوَ أَنَّ دِينَهُمُ الْإِشْرَاكَ ،
وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَقَّبَ ذَلِكَ
[ ص: 322 ] بِإِبْطَالِ مَزَاعِمِ
الْيَهُودِ ; لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ رَوَاجًا ; لِأَنَّ
الْيَهُودَ كَانُوا مُخَالِطِينَ الْعَرَبَ فِي بِلَادِهِمْ ، فَأَهْلُ
مَكَّةَ كَانُوا يَتَّصِلُونَ
بِالْيَهُودِ فِي أَسْفَارِهِمْ ، وَأَسْوَاقِهِمْ بِخِلَافِ
النَّصَارَى .
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةً لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا
لِلنَّصَارَى الَّذِينَ تَعَرَّضَ لَهُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَلِهَذَا تَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا إِذْ يُثِيرُ سُؤَالًا مِنَ الْمُخَالِفِينَ : كَيْفَ يَكُونُ الْإِسْلَامُ مِنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ؟ وَفِيهِ جُعِلَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ الْيَوْمَ الْمُقَدَّسَ ، وَقَدْ جَعَلَتِ التَّوْرَاةُ
لِلْيَهُودِ يَوْمَ التَّقْدِيسِ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَلَعَلَّ
الْيَهُودَ شَغَبُوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَيَانًا لِجَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ .
وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ إِلَخْ .
وَلِذَلِكَ افْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ ; إِشْعَارًا بِأَنَّهَا لِقَلْبِ مَا ظَنَّهُ السَّائِلُونَ الْمُشَغِّبُونَ .
وَهَذَا أُسْلُوبٌ مَعْرُوفٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمُورَدَةِ لِرَدِّ رَأْيِ مَوْهُومٍ ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ عَلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ ، أَيِ اخْتَلَفُوا فِي مِلَّتِهِ ، وَلَيْسَ عَائِدًا عَلَى السَّبْتِ ، إِذْ لَا طَائِلَ مِنَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ، وَالَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي
إِبْرَاهِيمَ ، أَيْ فِي مِلَّتِهِ هُمُ
الْيَهُودُ ; لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ السَّبْتِ .
وَمَعْنَى ( جُعِلَ السَّبْتُ ) فُرِضَ وَعُيِّنَ عَلَيْهِمْ ، أَيْ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ السَّبْتِ : مِنْ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ فِيهِ ، وَتَحْرِيمِ اسْتِخْدَامِ الْخَدَمِ وَالدَّوَابِّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ .
وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ
الْيَهُودِ أَوْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ كَوْنِهِ أَوْجَزَ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ ; لِأَنَّ اشْتِهَارَهُمْ بِالصِّلَةِ كَافٍ فِي تَعْرِيفِهِمْ مَعَ مَا فِي
[ ص: 323 ] الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ ، وَذَلِكَ الْإِيمَاءُ هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ أَنَّ
الْيَهُودَ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا .
وَلَيْسَ مَعْنَى فِعْلِ اخْتَلَفُوا وُقُوعُ خِلَافٍ بَيْنِهِمْ بِأَمْرِ السَّبْتِ بَلْ فِعْلُ ( اخْتَلَفُوا ) مُرَادٌ بِهِ خَالَفُوا كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342045وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، أَيْ عَمَلِهِمْ خِلَافَ مَا أَمَرَ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ ، فَحَاصِلُ الْمَعْنَى هَكَذَا : مَا فُرِضَ السَّبْتُ عَلَى أَهْلِ السَّبْتِ إِلَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَهُمْ أَنَّ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ مِنْهَا حُرْمَةُ السَّبْتِ ، وَلَا هُوَ مِنْ شَرَائِعِهَا .
وَلَمْ يَقَعِ التَّعَرُّضُ لِلْيَوْمِ الْمُقَدَّسِ عِنْدَ
النَّصَارَى لِعَدَمِ الدَّاعِي إِلَى ذَلِكَ حِينَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا عَلِمْتَ .
وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ الْيَوْمُ الْمُقَدَّسُ فِيهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ ; لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْكَافِي فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ
الْيَهُودُ عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ أَنَّ يَوْمَ حُرْمَةِ السَّبْتِ لَمْ تَكُنْ مِنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ .
ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ حُرْمَةَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ ادُّخِرَتْ لِلْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; لِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342046فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَيْهِ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ؛ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ؛ فَقَوْلُهُ ( فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَيْهِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ ذَلِكَ فِي مِلَّةٍ أُخْرَى .
فَهَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَمَحْمَلُ الْفِعْلِ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124اخْتَلَفُوا فِيهِ .
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ وُجُوهٍ لَا يَخْلُو مِنْ تَكَلُّفٍ ، وَعَدَمِ طَائِلٍ ، وَقَدْ جَعَلُوا ضَمِيرَ ( فِيهِ ) عَائِدًا إِلَى السَّبْتِ ، وَتَأَوَّلُوا مَعْنَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ بِوُجُوهٍ ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ مَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لَهُ عَلَى مَعْنَى جَعْلِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى نَبِيِّهِمْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَجْلِ السَّبْتِ ; لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ
[ ص: 324 ] أَمَرَهُمْ أَنْ يُعَظِّمُوا يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَأَبَوْا ، وَطَلَبُوا أَنْ يَكُونَ السَّبْتُ هُوَ الْمُفَضَّلَ مِنَ الْأُسْبُوعِ ; بِعِلَّةِ أَنَّ اللَّهَ قَضَى خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ قَبْلَ يَوْمِ السَّبْتِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ خَلْقٌ ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ بِالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ فِي حُرْمَةِ السَّبْتِ ، كَذَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ . وَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ، وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَعْدِلَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِتَعْظِيمِهِ إِلَى يَوْمٍ آخَرَ لِشَهْوَةِ قَوْمِهِ ، وَقَدْ عُرِفَ بِالصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّوْرَاةَ أَمَرَتْهُمْ بِيَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَعَيَّنُوهُ السَّبْتَ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ; لِأَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ بَيْنَهُمْ ثَمَانِينَ سَنَةً ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ لَسُوءِ فَهْمِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ ؟ وَلَعَلَّكَ تَلُوحُ لَكَ حَيْرَةُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْتِئَامِ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَ ( إِنَّمَا ) لِلْحَصْرِ ، وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ مَقْصُودٌ بِهِ الرَّدُّ عَلَى
الْيَهُودِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ; لِأَنَّ السَّبْتَ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ شَرْعًا جَدِيدًا بِصَرِيحِ كِتَابِهِمْ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ ، وَتَرْكِيبُ الِاسْتِدْلَالِ : إِنْ حُرْمَةَ السَّبْتِ لَمْ تَكُنْ مِنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ فَأَصْحَابُ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لَيْسُوا عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَمَعْنَى ( جُعِلَ السَّبْتُ ) أَنَّهُ جُعِلَ يَوْمًا مُعَظَّمًا لَا عَمَلَ فِيهِ ، أَيْ جَعَلَ اللَّهُ السَّبْتَ مُعَظَّمًا ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِفِعْلِ الْجَعْلِ ; لِأَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ ; إِيجَازًا لِيَشْمَلَ كُلَّ أَحْوَالِ السَّبْتِ الْمَحْكِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=163إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ .
وَضُمِّنَ فِعْلُ ( جُعِلَ ) مَعْنَى ( فُرِضَ ) فَعُدِّيَ بِحَرْفِ ( عَلَى ) .
وَقَدِ ادَّخَرَ اللَّهُ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَارِثُ لِأُصُولِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَجَعَلَ
لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى دِينًا مُخَالِفًا لِمِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَنَصَبَ عَلَى ذَلِكَ شِعَارًا ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الدِّينِ . وَتَغْيِيرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ بِعْثَةِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ ; لِئَلَّا يَكُونَ يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَرْسِلًا
[ ص: 325 ] فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ عُرْضَةٌ لِنَسْخِ دِينِهِمْ بِدِينِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِعْدَادًا لَهُمْ لِتَلَقِّي نَسْخٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدِينٍ آخَرَ ، يَكُونُ شِعَارُهُ يَوْمًا آخَرَ غَيْرَ السَّبْتِ ، وَغَيْرَ الْأَحَدِ . فَهَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي بِهِ يَظْهَرُ انْتِسَاقُ الْآيِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ .
وَ ( بَيْنَهُمْ ) ظَرْفٌ لِلْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ( يَحْكُمُ ) ، أَيْ حُكْمًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، وَلَيْسَتْ ( بَيْنَهُمْ ) لِتَعْدِيَةِ ( يَحْكُمُ ) إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ هُنَا .