ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا لما ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله أعقب ذلك بأن في القرآن هديا كافيا ، ولكنهم يزدادون نفورا من تدبره .
فجملة ولقد صرفنا في هذا القرآن معترضة مقترنة بواو الاعتراض .
والضمير عائد إلى الذين عبدوا الملائكة ، وزعموهم بنات الله .
والتصريف : أصله تعدد الصرف ، وهو النقل من جهة إلى أخرى ، ومنه تصريف الرياح ، وهو هنا كناية عن التبيين بمختلف البيان ومتنوعه ، وتقدم في قوله تعالى انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون في سورة الأنعام .
وحذف مفعول صرفنا ; لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول ، أي ، بينا البيان ، أي ليذكروا ببيانه ، ويذكروا : أصله يتذكروا ، فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما ، وقد تقدم في أول سورة يونس ، وهو من الذكر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان .
وضمير ليذكروا عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله أفأصفاكم ربكم بالبنين أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله أفأصفاكم ربكم ، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين .
وقوله وما يزيدهم إلا نفورا تعجب من حالهم .
[ ص: 110 ] وقرأ حمزة ، ، والكسائي وخلف ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ( ذكر ) الذي مصدره الذكر بضم الذال .
وجملة وما يزيدهم إلا نفورا في موضع الحال ، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم ، إذ كانوا يزدادون نفورا من كلام فصل وبين لتذكيرهم ، وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود ، والنفور : هروب الوحشي والدابة بجزع وخشية من الأذى ، واستعير هنا لإعراضهم تنزيلا لهم منزلة الدواب والأنعام .