الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .

لا شك أن لنزول هذه الآية سببا خاصا ; إذ لا موجب لذكر هذا التخيير بين دعاء الله تعالى باسمه العلم وبين دعائه بصفة الرحمن خاصة دون [ ص: 236 ] ذكر غير تلك الصفة من صفات الله مثل : الرحيم أو العزيز وغيرهما من الصفات الحسنى .

ثم لا بد بعد ذلك من طلب المناسبة ; لوقوعها في هذا الموضع من السورة .

فأما سبب نزولها ، فروى الطبري ، والواحدي عن ابن عباس قال : كان النبيء صلى الله عليه وسلم ساجدا يدعو يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى ، فأنزل الله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، وعليه فالاقتصار على التخيير في الدعاء بين اسم الله ، وبين صفة الرحمن اكتفاء ، أي : أو الرحيم .

وفي الكشاف : عن ابن عباس : سمع أبو جهل النبيء صلى الله عليه وسلم يقول : يا الله يا رحمن ; فقال أبو جهل : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر ، وأخرجه ابن مردويه ، وهذا أنسب بالآية ; لاقتصارها على اسم الله ، وصفة الرحمن .

وأما موقعها هنا فيتعين أن يكون سبب نزولها حدث حين نزول الآية التي قبلها .

والكلام رد وتعليم بأن تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى ، وشتان بين ذلك ، وبين دعاء المشركين آلهة مختلفة الأسماء والمسميات ، والتوحيد والإشراك يتعلقان بالذوات ، لا بالأسماء .

و ( أي ) اسم استفهام في الأصل ، فإذا اقترنت بها ( ما ) الزائدة أفادت الشرط ، كما تفيده ( كيف ) إذا اقترنت بها ( ما ) الزائدة ، ولذلك جزم الفعل بعدها وهو " تدعوا " شرطا ، وجيء لها بجواب مقترن بالفاء ، وهو فله الأسماء الحسنى .

[ ص: 237 ] والتحقيق أن فله الأسماء الحسنى علة الجواب ، والتقدير : أي اسم من أسمائه تعالى تدعون فلا حرج في دعائه بعدة أسماء ; إذ له الأسماء الحسنى ، وإذ المسمى واحد .

ومعنى ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم ، أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا ، فالمسمى واحد ، وعلى هذا التفسير قد وقع تجوز في فعل " ادعوا " مستعملا في معنى ( اذكروا ) أو ( سموا ) في دعائكم .

ويجوز أن يكون الدعاء مستعملا في معنى ( سموا ) ، وهو حينئذ يتعدى إلى مفعولين ، والتقدير : سموا ربكم الله ، أو سموه الرحمن ، وحذف المفعول الأول من الفعلين ، وأبقي الثاني لدلالة المقام .

التالي السابق


الخدمات العلمية