[ ص: 300 ] ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا رجوع إلى بقية القصة بعد أن تخلل الاعتراض بينها بقوله فلا تمار فيهم إلى قوله " رشدا " .
فيجوز أن تكون جملة " ولبثوا " عطفا على مقولهم في قوله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ، أي ويقولون : لبثوا في كهفهم ، ليكون موقع قوله قل الله أعلم بما لبثوا كموقع قوله السابق قل ربي أعلم بعدتهم ، وعليه فلا يكون هذا إخبارا عن مدة لبثهم ، وعن ابن مسعود أنه قرأ ( وقالوا لبثوا في كهفهم ) إلى آخره ، فذلك تفسير لهذا العطف .
ويجوز أن يكون العطف على القصة كلها ، والتقدير : وكذلك أعثرنا عليهم إلى آخره ، وهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين .
وعلى اختلاف الوجهين يختلف المعنى في قوله قل الله أعلم بما لبثوا كما سيأتي ، ثم إن الظاهر أن القرآن أخبر بمدة لبث أهل الكهف في كهفهم ، وأن المراد لبثهم الأول قبل الإفاقة ، وهو المناسب لسبق الكلام على اللبث في قوله قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ، وقد قدمنا عند قوله تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم إلخ أن مؤرخي النصارى يزعمون أن مدة نومة أهل الكهف مائتان وأربعون سنة ، وقيل : المراد لبثهم من وقت موتهم الأخير إلى زمن نزول هذه الآية .
والمعنى : أن يقدر لبثهم بثلاثمائة وتسع سنين ، فعبر عن هذا العدد بأنه ثلاثمائة سنة وزيادة تسع ، ليعلم أن التقدير بالسنين القمرية المناسبة لتاريخ العرب والإسلام مع الإشارة إلى موافقة ذلك المقدار بالسنين الشمسية التي بها تاريخ القوم الذين منهم أهل الكهف ، وهم أهل بلاد الروم ، قال السهيلي [ ص: 301 ] في الروض الأنف : النصارى يعرفون حديث أهل الكهف ويؤرخون به ، وأقول : واليهود الذين لقنوا قريشا السؤال عنهم يؤرخون الأشهر بحساب القمر ، ويؤرخون السنين بحساب الدورة الشمسية ، فالتفاوت بين أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية يحصل منه سنة قمرية كاملة في كل ثلاث وثلاثين سنة شمسية ، فيكون التفاوت في مائة سنة شمسية بثلاث سنين زائدة قمرية ، كذا نقله ابن عطية عن النقاش المفسر ، وبهذا تظهر نكتة التعبير عن التسع السنين بالازدياد ، وهذا من علم القرآن وإعجازه العلمي الذي لم يكن لعموم العرب علم به .
وقرأ الجمهور " ثلاثمائة " بالتنوين ، وانتصب سنين على البدلية من اسم العدد على رأي من يمنع مجيء تمييز المائة منصوبا ، أو هو تمييز عند من يجيز ذلك .
وقرأه حمزة والكسائي وخلف بإضافة مائة إلى سنين على أنه تمييز للمائة ، وقد جاء تمييز المائة جمعا ، وهو نادر لكنه فصيح .