nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28991_28908_28714_31920قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى .
فصلت الجملتان لوقوعهما موقع المحاورة بين
موسى مع أخيه وبين الله تعالى على كلا الوجهين اللذين ذكرناهما آنفا ، أي جمعا أمرهما وعزم
موسى وهارون على الذهاب إلى
فرعون فناجيا ربهما
[ ص: 227 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) ، لأن غالب التفكير في العواقب والموانع يكون عند العزم على الفعل والأخذ في التهيؤ له ، ولذلك أعيد أمرهما بقوله تعالى ( فأتياه ) .
ويفرط معناه يعجل ويسبق ، ويقال : فرط يفرط من باب نصر . والفارط : الذي يسبق الوراد إلى الحوض للشرب . والمعنى : نخاف أن يعجل بعقابنا بالقتل أو غيره من العقوبات قبل أن نبلغه ونحجه .
والطغيان : التظاهر بالتكبر . وتقدم آنفا عند قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذهب إلى فرعون إنه طغى ) ، أي نخاف أن يخامره كبره فيعد ذكرنا إلها دونه تنقيصا له وطعنا في دعواه الإلهية فيطغى ، أي يصدر منه ما هو أثر الكبر من التحقير والإهانة . فذكر الطغيان بعد الفرط إشارة إلى أنهما لا يطيقان ذلك ، فهو انتقال من الأشد إلى الأضعف لأن ( نخاف ) يئول إلى معنى النفي . وفي النفي يذكر الأضعف بعد الأقوى بعكس الإثبات ما لم يوجد ما يقتضي عكس ذلك .
وحذف متعلق ( يطغي ) فيحتمل أن حذفه لدلالة نظيره عليه ، وأوثر بالحذف لرعاية الفواصل . والتقدير : أو أن يطغى علينا . ويحتمل أن متعلقه ليس نظير المذكور قبله بل هو متعلق آخر لكون التقسيم التقديري دليلا عليه لأنهما لما ذكر متعلق (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45يفرط علينا ) وكان الفرط شاملا لأنواع العقوبات حتى الإهانة بالشتم لزم أن يكون التقسيم ب ( أو ) منظورا فيه إلى حالة أخرى وهي طغيانه على من لا يناله عقابه ، أي أن يطغى على الله بالتنقيص كقوله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري ) وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38لعلي أطلع إلى إله موسى ) ، فحذف متعلق يطغى حينئذ لتنزيهه على التصريح به في هذا المقام ، والتقدير : أو أن يطغى عليك فيتصلب في كفره ويعسر صرفه
[ ص: 228 ] عنه . وفي التحرز من ذلك غيرة على جانب الله تعالى ، وفيه أيضا تحرز من رسوخ عقيدة الكفر في نفس الطاغي فيصير الرجاء في إيمانه بعد ذلك أضعف منه فيما قبل ، وتلك مفسدة في نظر الدين . وحصلت مع ذلك رعاية الفاصلة .
قال الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46لا تخافا ) ، أي لا تخافا حصول شيء من الأمرين . وهو نهي مكنى به عن نفي وقوع المنهي عنه .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إنني معكما ) تعليل للنهي عن الخوف الذي هو في معنى النفي ، والمعية معية حفظ .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أسمع وأرى ) حالان من ضمير المتكلم ، أي أنا حافظكما من كل ما تخافانه ، وأنا أعلم الأقوال والأعمال فلا أدع عملا أو قولا تخافانه .
ونزل فعلا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أسمع وأرى ) منزلة اللازمين إذ لا غرض لبيان مفعولهما بل المقصود : أني لا يخفى علي شيء . وفرع عليه إعادة الأمر بالذهاب إلى فرعون .
والإتيان : الوصول والحلول ، أي فحلا عنده ، لأن الإتيان أثر الذهاب المأمور به في الخطاب السابق ، وكانا قد اقتربا من مكان فرعون لأنهما في مدينته ، فلذا أمرا بإتيانه ودعوته . وجاءت تثنية رسول على الأصل في مطابقة الوصف الذي يجرى عليه في الإفراد وغيره .
وفعول الذي بمعنى مفعول تجوز فيه المطابقة ، كقولهم ناقة طروقة الفحل ، وعدم المطابقة كقولهم : وحشية خلوج ، أي اختلج ولدها . وجاء الوجهان في نحو ( رسول ) وهما وجهان مستويان .
[ ص: 229 ] ومن مجيئه غير مطابق قوله تعالى في سورة الشعراء (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ) وسيجيء تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله .
وأدخل فاء التفريع على طلب إطلاق
بني إسرائيل لأنه جعل طلب إطلاقهم كالمستقر المعلوم عند
فرعون ، إما لأنه سبقت إشاعة عزمهما على الحضور عند
فرعون لذلك المطلب ، وإما لأنه جعله لأهميته كالمقرر . وتفريع ذلك على كونهما مرسلين من الله ظاهرا ، لأن المرسل من الله تجب طاعته .
وخصا الرب بالإضافة إلى ضمير
فرعون قصدا لأقصى الدعوة ، لأن كون الله ربهما معلوم من قولهما (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47إنا رسولا ربك ) وكونه رب الناس معلوم بالأحرى لأن
فرعون علمهم أنه هو الرب .
والتعذيب الذي سألاه الكف عنه هو ما كان
فرعون يسخر له
بني إسرائيل من الأعمال الشاقة في الخدمة ، لأنه كان يعد
بني إسرائيل كالعبيد والخول جزاء إحلالهم بأرضه .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47قد جئناك بآية من ربك ) فيها بيان لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47إنا رسولا ربك ) فكانت الأولى إجمالا والثانية بيانا . وفيها معنى التعليل لتحقيق كونهما مرسلين من الله بما يظهره الله على يد أحدهما من دلائل الصدق . وكلا الغرضين يوجب فصل الجملة عن التي قبلها .
واقتصر على أنهما مصاحبان لآية إظهارا لكونهما مستعدين لإظهار الآية إذا أراد فرعون ذلك ، فأما إن آمن بدون احتياج إلى إظهار الآية يكن إيمانه أكمل ، ولذلك حكي في سورة الأعراف قول فرعون (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=106قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ) وهذه الآية هي
nindex.php?page=treesubj&link=31942انقلاب العصا حية ، وقد تبعها آيات أخرى .
[ ص: 230 ] والاقتصار على طلب إطلاق
بني إسرائيل يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28749موسى أرسل لإنقاذ بني إسرائيل وتكوين أمة مستقلة ، بأن يبث فيهم الشريعة المصلحة لهم والمقيمة لاستقلالهم وسلطانهم ، ولم يرسل لخطاب القبط بالشريعة ومع ذلك دعا فرعون وقومه إلى التوحيد لأنه يجب عليه تغيير المنكر الذي هو بين ظهرانيه . وأيضا لأن ذلك وسيلة إلى إجابته طلب إطلاق
بني إسرائيل . وهذا يؤخذ مما في هذه الآية وما في آية سورة الإسراء وما في آية سورة النازعات والآيات الأخرى .
والسلام : السلامة والإكرام . وليس المراد به هنا التحية ، إذ ليس ثم معين يقصد بالتحية . ولا يراد تحية
فرعون لأنها إنما تكون في ابتداء المواجهة لا في أثناء الكلام ، وهذا كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - في كتابه إلى
هرقل وغيره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342139أسلم تسلم .
و ( على ) للتمكن ، أي سلامة من اتبع الهدى ثابتة لهم دون ريب . وهذا احتراس ومقدمة للإنذار الذي في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47والسلام على من اتبع الهدى ) تعريض بأن يطلب
فرعون nindex.php?page=treesubj&link=31912الهدى الذي جاء به موسى - عليه السلام - .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إنا قد أوحي إلينا ) تعريض لإنذاره على التكذيب قبل حصوله منه لتبليغ الرسالة على أتم وجه قبل ظهور رأي
فرعون في ذلك حتى لا يجابهه بعد ظهور رأيه بتصريح توجيه الإنذار إليه ، وهذا أسلوب القول اللين الذي أمرهما الله به .
وتعريف العذاب تعريف الجنس ، فالمعرف بمنزلة النكرة ، كأنه قيل : إن عذابا على من كذب .
[ ص: 231 ] وإطلاق السلام والعذاب دون تقيد بالدنيا أو الآخرة تعميم للبشارة والنذارة ، قال تعالى في سورة النازعات (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=25فأخذه الله نكال الآخرة والأولى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) .
وهذا كله كلام الله الذي أمرهما بتبليغه إلى
فرعون ، كما يدل لذلك تعقيبه بقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49قال فمن ربكما يا موسى ) على أسلوب حكاية المحاورات . وما ذكر من أول القصة إلى هنا لم يتقدم في السور الماضية .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28991_28908_28714_31920قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى .
فُصِلْتِ الْجُمْلَتَانِ لِوُقُوعِهِمَا مَوْقِعَ الْمُحَاوَرَةِ بَيْنَ
مُوسَى مَعَ أَخِيهِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا ، أَيْ جَمَعَا أَمَرَهُمَا وَعَزَمَ
مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى
فِرْعَوْنَ فَنَاجِيَا رَبَّهُمَا
[ ص: 227 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ) ، لِأَنَّ غَالِبَ التَّفْكِيرِ فِي الْعَوَاقِبِ وَالْمَوَانِعِ يَكُونُ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَخْذِ فِي التَّهَيُّؤِ لَهُ ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ أَمْرُهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَأْتِيَاهُ ) .
وَيَفْرُطُ مَعْنَاهُ يُعَجِّلُ وَيَسْبِقُ ، وَيُقَالُ : فَرَطَ يَفْرُطُ مِنْ بَابِ نَصَرَ . وَالْفَارِطُ : الَّذِي يَسْبِقُ الْوُرَّادَ إِلَى الْحَوْضِ لِلشُّرْبِ . وَالْمَعْنَى : نَخَافُ أَنْ يُعَجِّلَ بِعِقَابِنَا بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ قَبْلَ أَنْ نُبَلِّغَهُ وَنُحِجَّهُ .
وَالطُّغْيَانُ : التَّظَاهُرُ بِالتَّكَبُّرِ . وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=24اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) ، أَيْ نَخَافُ أَنْ يُخَامِرَهُ كِبْرُهُ فَيَعُدَّ ذِكْرَنَا إِلَهًا دُونَهُ تَنْقِيصًا لَهُ وَطَعْنًا فِي دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةِ فَيَطْغَى ، أَيْ يَصْدُرَ مِنْهُ مَا هُوَ أَثَرُ الْكِبَرِ مِنَ التَّحْقِيرِ وَالْإِهَانَةِ . فَذَكَرَ الطُّغْيَانَ بَعْدَ الْفَرْطِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ ذَلِكَ ، فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْأَشَدِّ إِلَى الْأَضْعَفِ لِأَنَّ ( نَخَافُ ) يُئَوَّلُ إِلَى مَعْنَى النَّفِيِ . وَفِي النَّفْي يُذْكَرُ الْأَضْعَفُ بَعْدَ الْأَقْوَى بِعَكْسِ الْإِثْبَاتِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ ( يَطْغَي ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَذْفَهُ لِدَلَالَةِ نَظِيرِهِ عَلَيْهِ ، وَأُوثِرَ بِالْحَذْفِ لِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ . وَالتَّقْدِيرُ : أَوْ أَنْ يَطْغَى عَلَيْنَا . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ لَيْسَ نَظِيرُ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ آخَرُ لِكَوْنِ التَّقْسِيمِ التَّقْدِيرِيِّ دَلِيلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَ مُتَعَلِّقُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) وَكَانَ الْفَرْطُ شَامِلًا لِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ حَتَّى الْإِهَانَةَ بِالشَّتْمِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّقْسِيمُ بِ ( أَوْ ) مَنْظُورًا فِيهِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ طُغْيَانُهُ عَلَى مَنْ لَا يَنَالُهُ عِقَابُهُ ، أَيْ أَنْ يَطْغَى عَلَى اللَّهِ بِالتَّنْقِيصِ كَقَوْلِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38لَعَلِّيَ أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ) ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَطْغَى حِينَئِذٍ لِتَنْزِيهِهِ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَوْ أَنْ يَطْغَى عَلَيْكَ فَيَتَصَلَّبَ فِي كُفْرِهِ وَيَعْسُرُ صَرْفُهُ
[ ص: 228 ] عَنْهُ . وَفِي التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَةٌ عَلَى جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ أَيْضًا تَحَرُّزٌ مِنْ رُسُوخِ عَقِيدَةِ الْكُفْرِ فِي نَفْسِ الطَّاغِي فَيَصِيرُ الرَّجَاءُ فِي إِيمَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَضْعَفَ مِنْهُ فِيمَا قَبْلُ ، وَتِلْكَ مَفْسَدَةٌ فِي نَظَرِ الدِّينِ . وَحَصَلَتْ مَعَ ذَلِكَ رِعَايَةُ الْفَاصِلَةِ .
قَالَ اللَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46لَا تَخَافَا ) ، أَيْ لَا تَخَافَا حُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ . وَهُوَ نَهْيٌ مُكَنًّى بِهِ عَنْ نَفْيِ وُقُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إِنَّنِي مَعَكُمَا ) تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى النَّفِي ، وَالْمَعِيَّةُ مَعِيَّةُ حِفْظٍ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أَسْمَعُ وَأَرَى ) حَالَانِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ، أَيْ أَنَا حَافِظُكُمَا مِنْ كُلِّ مَا تَخَافَانِهِ ، وَأَنَا أَعْلَمُ الْأَقْوَالَ وَالْأَعْمَالَ فَلَا أَدَعُ عَمَلًا أَوْ قَوْلًا تَخَافَانِهِ .
وَنُزِّلَ فِعْلَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46أَسْمَعُ وَأَرَى ) مَنْزِلَةَ اللَّازِمَيْنِ إِذْ لَا غَرَضَ لِبَيَانِ مَفْعُولِهِمَا بَلِ الْمَقْصُودُ : أَنِّي لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ . وَفُرِّعَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ .
وَالْإِتْيَانُ : الْوُصُولُ وَالْحُلُولُ ، أَيْ فَحُلَّا عِنْدَهُ ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ أَثَرُ الذَّهَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْخِطَابِ السَّابِقِ ، وَكَانَا قَدِ اقْتَرَبَا مِنْ مَكَانِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُمَا فِي مَدِينَتِهِ ، فَلِذَا أُمِرَا بِإِتْيَانِهِ وَدَعْوَتِهِ . وَجَاءَتْ تَثْنِيَةُ رَسُولٍ عَلَى الْأَصْلِ فِي مُطَابَقَةِ الْوَصْفِ الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِ فِي الْإِفْرَادِ وَغَيْرِهِ .
وَفَعُولٌ الَّذِي بِمَعْنَى مَفْعُولٍ تَجُوزُ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ ، كَقَوْلِهِمْ نَاقَةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ كَقَوْلِهِمْ : وَحْشِيَّةٌ خَلُوجٌ ، أَيِ اخْتُلِجَ وَلَدُهَا . وَجَاءَ الْوَجْهَانِ فِي نَحْوِ ( رَسُولُ ) وَهُمَا وَجْهَانِ مُسْتَوِيَانِ .
[ ص: 229 ] وَمِنْ مَجِيئِهِ غَيْرَ مُطَابِقٍ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ هُنَالِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَأَدْخَلَ فَاءَ التَّفْرِيعِ عَلَى طَلَبِ إِطْلَاقِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَبَ إِطْلَاقِهِمْ كَالْمُسْتَقَرِّ الْمَعْلُومِ عِنْدَ
فِرْعَوْنَ ، إِمَّا لِأَنَّهُ سَبَقَتْ إِشَاعَةُ عَزْمِهِمَا عَلَى الْحُضُورِ عِنْدَ
فِرْعَوْنَ لِذَلِكَ الْمَطْلَبِ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِأَهَمِّيَّتِهِ كَالْمُقَرَّرِ . وَتَفْرِيعُ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِمَا مُرْسَلَيْنِ مِنَ اللَّهِ ظَاهِرًا ، لِأَنَّ الْمُرْسَلَ مِنَ اللَّهِ تَجِبُ طَاعَتُهُ .
وَخَصَّا الرَّبَّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ
فِرْعَوْنَ قَصْدًا لِأَقْصَى الدَّعْوَةِ ، لِأَنَّ كَوْنَ اللَّهِ رَبَّهُمَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِمَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ) وَكَوْنَهُ رَبَّ النَّاسِ مَعْلُومٌ بِالْأَحْرَى لِأَنَّ
فِرْعَوْنَ عَلَّمَهُمْ أَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ .
وَالتَّعْذِيبُ الَّذِي سَأَلَاهُ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ
فِرْعَوْنُ يُسَخِّرُ لَهُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ فِي الْخِدْمَةِ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعُدُّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْعَبِيدِ وَالْخَوَلِ جَزَاءَ إِحْلَالِهِمْ بِأَرْضِهِ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ) فِيهَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ) فَكَانَتِ الْأُولَى إِجْمَالًا وَالثَّانِيَةُ بَيَانًا . وَفِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِتَحْقِيقِ كَوْنِهِمَا مُرْسَلَيْنِ مِنَ اللَّهِ بِمَا يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَى يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ دَلَائِلَ الصِّدْقِ . وَكِلَا الْغَرَضَيْنِ يُوجِبُ فَصْلَ الْجُمْلَةِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُمَا مُصَاحِبَانِ لِآيَةٍ إِظْهَارًا لِكَوْنِهِمَا مُسْتَعِدَّيْنِ لِإِظْهَارِ الْآيَةِ إِذَا أَرَادَ فِرْعَوْنُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا إِنْ آمَنَ بِدُونِ احْتِيَاجٍ إِلَى إِظْهَارِ الْآيَةِ يَكُنْ إِيمَانُهُ أَكْمَلَ ، وَلِذَلِكَ حُكِي فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ قَوْلُ فِرْعَوْنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=106قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=31942انْقِلَابُ الْعَصَا حَيَّةً ، وَقَدْ تَبِعَهَا آيَاتٌ أُخْرَى .
[ ص: 230 ] وَالِاقْتِصَارُ عَلَى طَلَبِ إِطْلَاقِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28749مُوسَى أُرْسِلَ لِإِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكْوِينِ أُمَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ ، بِأَنْ يَبُثَّ فِيهِمُ الشَّرِيعَةَ الْمُصْلِحَةَ لَهُمْ وَالْمُقِيمَةَ لِاسْتِقْلَالِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ ، وَلَمْ يُرْسَلْ لِخِطَابِ الْقِبْطِ بِالشَّرِيعَةِ وَمَعَ ذَلِكَ دَعَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ . وَأَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى إِجَابَتِهِ طَلَبَ إِطْلَاقِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَهَذَا يُؤْخَذُ مِمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ النَّازِعَاتِ وَالْآيَاتِ الْأُخْرَى .
وَالسَّلَامُ : السَّلَامَةُ وَالْإِكْرَامُ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّحِيَّةُ ، إِذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَيَّنٌ يُقْصَدُ بِالتَّحِيَّةَ . وَلَا يُرَادُ تَحِيَّةُ
فِرْعَوْنَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ الْمُوَاجَهَةِ لَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ، وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ إِلَى
هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342139أَسْلِمْ تَسْلَمْ .
وَ ( عَلَى ) لِلتَّمَكُّنِ ، أَيْ سَلَامَةُ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ثَابِتَةٌ لَهُمْ دُونَ رَيْبٍ . وَهَذَا احْتِرَاسٌ وَمُقَدِّمَةٌ لِلْإِنْذَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) تَعْرِيضٌ بِأَنْ يَطْلُبَ
فِرْعَوْنُ nindex.php?page=treesubj&link=31912الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا ) تَعْرِيضٌ لِإِنْذَارِهِ عَلَى التَّكْذِيبِ قَبْلَ حُصُولِهِ مِنْهُ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ قَبْلَ ظُهُورِ رَأْيِ
فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يُجَابِهَهُ بَعْدَ ظُهُورِ رَأْيِهِ بِتَصْرِيحِ تَوْجِيهِ الْإِنْذَارِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا أُسْلُوبُ الْقَوْلِ اللَّيِّنِ الَّذِي أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ .
وَتَعْرِيفُ الْعَذَابِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، فَالْمُعَرَّفُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّ عَذَابًا عَلَى مَنْ كَذَّبَ .
[ ص: 231 ] وَإِطْلَاقُ السَّلَامِ وَالْعَذَابِ دُونَ تَقَيُّدٍ بِالدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ تَعْمِيمٌ لِلْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=25فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) .
وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَهُمَا بِتَبْلِيغِهِ إِلَى
فِرْعَوْنَ ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) عَلَى أُسْلُوبِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ . وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْقِصَّةِ إِلَى هُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي السُّوَرِ الْمَاضِيَةِ .