nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28991_33952فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى .
أي تفرع على موعظة
موسى تنازعهم الأمر بينهم ، وهذا يؤذن بأن منهم من تركت فيه الموعظة بعض الأثر ، ومنهم من خشي الانخذال ، فلذلك دعا بعضهم بعضا للتشاور في ماذا يصنعون .
[ ص: 251 ] والتنازع : تفاعل من النزع ، وهو الجذب من البئر ، وجذب الثوب من الجسد ، وهو مستعمل تمثيلا في اختلاف الرأي ومحاولة كل صاحب رأي أن يقنع المخالف له بأن رأيه هو الصواب . فالتنازع : التخالف .
والنجوى : الحديث السري ، أي اختلوا وتحادثوا سرا ليصدروا عن رأي لا يطلع عليه غيرهم ، فجعل النجوى معمولا ل أسروا يفيد المبالغة في الكتمان ، كأنه قيل : أسروا سرهم ، كما يقال : شعر شاعر .
وزاده مبالغة قوله ( بينهم ) المقتضي أن النجوى بين طائفة خاصة لا يشترك معهم فيها غيرهم .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63قالوا إن هذان لساحران ) بدل اشتمال من جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62وأسروا النجوى ) ، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذكر منها هذا القول ، لأنه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه ، فهو زبدة مخيض النجوى . وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه .
وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى : قال بعضهم : هذان لساحران ، فقال جميعهم : نعم هذان لساحران ، فأسند هذا القول إلى جميعهم ، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها وقال بعضهم لبعض : نعم هو كذلك ، ونطقوا بالكلام الذي استقر عليه رأيهم ، وهو تحققهم أن
موسى وأخاه ساحران .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28917_28926جميع القراء المعتبرين قرءوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله هذان ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري من الأربعة عشر . وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ ( هذان ) أكثر تواترا بقطع النظر عن كيفية النطق بكلمة ( إن )
[ ص: 252 ] مشددة أو مخففة ، وأن أكثر مشهور
nindex.php?page=treesubj&link=28917القراءات المتواترة قرأوا - بتشديد نون - ( أن ) ما عدا
ابن كثير وحفصا عن
عاصم فهما قرءا ( أن ) بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة .
وإن المصحف الإمام ما رسموه إلا اتباعا لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، وقراء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القراء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلا من حفظ الكاتبين ، وما كتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .
فأما قراءة الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إن هذان لساحران ) بتشديد نون ( إن ) وبالألف في هذان وكذلك في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63لساحران ) ، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستة . وأظهرها أن تكون ( إن ) حرف جواب مثل : نعم وأجل ، وهو استعمال من استعمالات ( إن ) ، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النجوى كقول
عبد الله بن قيس الرقيات :
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاء السكت ، وقول
عبد الله بن الزبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ، فقال الأعرابي : لعن الله ناقة حملتني إليك . قال
ابن الزبير : إن وراكبها . وهذا التوجيه من مبتكرات
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبي إسحاق الزجاج ذكره في تفسيره . وقال : عرضته على عالمينا وشيخينا وأستاذينا
محمد بن يزيد يعني
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ،
وإسماعيل بن إسحاق بن حماد يعني القاضي الشهير فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .
وقلت : لقد صدقا وحققا . وما أورده
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني عليه من الرد فيه نظر .
[ ص: 253 ] وفي التفسير الوجيز
للواحدي سأل
إسماعيل القاضي ( هو ابن إسحاق بن حماد ) ابن كيسان عن هذه المسألة ، فقال
ابن كيسان : لما لم يظهر في المبهم إعراب في الواحد ولا في الجمع ( أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان ) جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغير . فقال له
إسماعيل : ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يؤنس به ؟ فقال له
ابن كيسان : فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم .
وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إن هذان لساحران ) حكاية لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبل هذا الرأي لأن حرف الجواب يقتضي كلاما سبقه .
ودخلت اللام على الخبر : إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدأها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجود اللام ينبئ بأن الجملة التي وقعت خبرا عن اسم الإشارة جملة قسمية ؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة .
ووجهت هذه القراءة أيضا بجعل ( إن ) حرف توكيد ، وإعراب اسمها المثنى جرى على لغة
كنانة وبلحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألف في أحوال الإعراب كلها ، وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول
المتلمس :
فأطرق إطراق الشجاع ولو درى مساغا لناباه الشجاع لصمما
nindex.php?page=treesubj&link=28934وقرأه حفص بكسر الهمزة وتخفيف نون ( إن ) مسكنة على أنها مخففة ( إن ) المشددة . ووجه ذلك أن يكون اسم ( إن ) المخففة ضمير شأن محذوفا على المشهور . وتكون اللام في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63لساحران ) اللام الفارقة بين ( إن ) المخففة وبين ( إن ) النافية .
[ ص: 254 ] nindex.php?page=treesubj&link=28923وقرأ ابن كثير بسكون نون ( إن ) على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في ( هذان ) وبتشديد نون ( هاذان ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28926وأما قراءة أبي عمرو وحده ( إن هذين ) بتشديد نون ( إن ) وبالياء بعد ذال ( هذين ) . فقال القرطبي : هي مخالفة للمصحف . وأقول : ذلك لا يطعن فيها لأنها رواية صحيحة ووافقت وجها مقبولا في العربية .
ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من
nindex.php?page=treesubj&link=28899ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود . فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة ( إن هاذان ) خطأ من كاتب المصحف ، وروايتهم ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن
عائشة ، وليس في ذلك سند صحيح . حسبوا أن المسلمين أخذوا قراءة القرآن من المصاحف وهذا تغفل ، فإن المصحف ما كتب إلا بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيفا وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلا من حفظ الحفاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلا من أفواه حفاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخط لما تبعه القراء ، ولكان بمنزلة ما ترك من الألفات في كلمات كثيرة وبمنزلة كتابة ألف الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والربا بالواو في موضع الألف وما قرءوها إلا بألفاتها .
وتأكيد السحرة كون
موسى وهارون ساحرين بحرف ( إن ) لتحقيق ذلك عند من يخامره الشك في صحة دعوتهما ، وجعل ما أظهره
موسى من المعجزة بين يدي
فرعون سحرا
nindex.php?page=treesubj&link=25582لأنهم يطلقون السحر عندهم على خوارق العادات ، كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342144قالت المرأة التي [ ص: 255 ] شاهدت نبع الماء من بين أصابع النبيء - صلى الله عليه وسلم - لقومها : جئتكم من عند أسحر الناس ، وهو في كتاب المغازي من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
والقائلون : قد يكون بعضهم ممن شاهد ما أتى به
موسى في مجلس
فرعون ، أو ممن بلغهم ذلك بالتسامع والاستفاضة .
والخطاب في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63أن يخرجاكم ) لملئهم . ووجه اتهامهما بذلك هو ما تقدم عند قوله تعالى قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=57أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ) . ونزيد هنا أن يكون هذا من النجوى بين السحرة ، أي يريدان الاستئثار بصناعة السحر في أرضكم فتخرجوا من الأرض بإهمال الناس لكم وإقبالهم على سحر
موسى وهارون .
والطريقة : السنة والعادة ؛ شبهت بالطريق الذي يسير فيه السائر ، لجامع الملازمة . والمثلى : مؤنث الأمثل . وهو اسم تفضيل مشتق من المثالة ، وهي حسن الحالة يقال : فلان أمثل قومه ، أي أقربهم إلى الخير وأحسنهم حالا .
وأرادوا من هذا إثارة حمية بعضهم غيرة على عوائدهم ، فإن لكل أمة غيرة على عوائدها وشرائعها وأخلاقها . ولذا فرعوا على ذلك أمرهم بأن يجمعوا حيلهم وكل ما في وسعهم أن يغلبوا به
موسى .
والباء في (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63بطريقتكم ) لتعدية فعل ( يذهبا ) . والمعنى : يذهبانها ، وهو أبلغ في تعلق الفعل بالمفعول من نصب المفعول . وتقدم عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) في أول سورة البقرة .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64فأجمعوا ) بهمزة قطع وكسر الميم أمرا من : أجمع أمره ، إذا جعله متفقا عليه لا يختلف فيه .
[ ص: 256 ] وقرأ
أبو عمرو ( فاجمعوا ) بهمزة وصل وبفتح الميم أمرا من جمع ، كقوله فيما مضى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=60فجمع كيده ) . أطلق الجمع على التعاضد والتعاون ، تشبيها للشيء المختلف بالمتفرق ، وهو مقابل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62فتنازعوا أمرهم ) . وسموا عملهم كيدا لأنهم تواطئوا على أن يظهروا للعامة أن ما جاء به
موسى ليس بعجيب ، فهم يأتون بمثله أو أشد منه ليصرفوا الناس عن سماع دعوته فيكيدوا له بإبطال خصيصية ما أتى به .
والظاهر أن عامة الناس تسامعوا بدعوة
موسى ، وما أظهره الله على يديه من المعجزة ، وأصبحوا متحيرين في شأنه ، فمن أجل ذلك اهتم السحرة بالكيد له ، وهو ما حكاه قوله تعالى في آية سورة الشعراء (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=38فجمع السحرة لميقات يوم معلوم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39وقيل للناس هل أنتم مجتمعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=40لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ) .
ودبروا لإرهاب الناس وإرهاب
موسى وهارون بالاتفاق على أن يأتوا حين يتقدمون لإلقاء سحرهم مصطفين لأن ذلك أهيب لهم .
ولم يزل الذين يرومون إقناع العموم بأنفسهم يتخيرون لذلك بهاء الهيئة وحسن السمت وجلال المظهر . فكان من ذلك جلوس الملوك على جلود الأسود ، وربما لبس الأبطال جلود النمور في الحرب . وقد فسر به فعل ( تنمروا ) في قول ابن معدي كرب :
قوم إذا لبسوا الحديد تنمروا حلقا وقدا
وقيل : إن ذلك المراد من قولهم الجاري مجرى المثل ( لبس لي فلان جلد النمر ) ؛ وثبت في التاريخ المستند للآثار أن كهنة
القبط في
مصر كانوا يلبسون جلود النمور .
[ ص: 257 ] والصف : مصدر معنى الفاعل أو المفعول ، أي صافين أو مصفوفين ، إذا ترتبوا واحدا حذو الآخر بانتظام بحيث لا يكونون مختلطين ، لأنهم إذا كانوا الواحد حذو الآخر وكان الصف منهم تلو الآخر كانوا أبهر منظرا ، قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ) . وكان جميع سحرة
البلاد المصرية قد أحضروا بأمر
فرعون فكانوا عددا كثيرا . فالصف هنا مراد به الجنس لا الوحدة ، أي ثم ائتوا صفوفا ، فهو كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) وقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22والملك صفا صفا ) .
وانتصب صفا على الحال من فاعل ( ائتوا ) . والمقصود الإتيان إلى موضع إلقاء سحرهم وشعوذتهم ، لأن التناجي والتآمر كان في ذلك اليوم بقرينة قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64وقد أفلح اليوم من استعلى ) .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64وقد أفلح اليوم من استعلى ) تذييل للكلام يجمع ما قصدوه من تآمرهم بأن الفلاح يكون لمن غلب وظهر في ذلك الجمع . فـ ( استعلى ) مبالغة في علا ، أي علا صاحبه وقهره . فالسين والتاء للتأكيد مثل استأخر . وأرادوا الفلاح في الدنيا لأنهم لم يكونوا يؤمنون بأن أمثال هذه المواقف مما يؤثر في حال الحياة الأبدية وإن كانوا يؤمنون بالحياة الثانية .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=28991_33952فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63قَالُوا إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى .
أَيْ تَفَرَّعَ عَلَى مَوْعِظَةِ
مُوسَى تَنَازُعُهُمُ الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَرَكَتْ فِيهِ الْمَوْعِظَةُ بَعْضَ الْأَثَرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَشِيَ الِانْخِذَالَ ، فَلِذَلِكَ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِلتَّشَاوُرِ فِي مَاذَا يَصْنَعُونَ .
[ ص: 251 ] وَالتَّنَازُعُ : تَفَاعُلٌ مِنَ النَّزْعِ ، وَهُوَ الْجَذْبُ مِنَ الْبِئْرِ ، وَجَذْبُ الثَّوْبِ مِنَ الْجَسَدِ ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ تَمْثِيلًا فِي اخْتِلَافِ الرَّأْيِ وَمُحَاوَلَةِ كُلِّ صَاحِبِ رَأْيٍ أَنْ يُقْنِعَ الْمُخَالِفَ لَهُ بِأَنَّ رَأْيَهُ هُوَ الصَّوَابُ . فَالتَّنَازُعُ : التَّخَالُفُ .
وَالنَّجْوَى : الْحَدِيثُ السِّرِّيُّ ، أَيِ اخْتَلَوْا وَتَحَادَثُوا سِرًّا لِيَصْدُرُوا عَنْ رَأْيٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ ، فَجَعَلَ النَّجْوَى مَعْمُولًا لِ أَسَرُّوا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكِتْمَانِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : أَسَرُّوا سِرَّهُمْ ، كَمَا يُقَالُ : شِعْرُ شَاعِرٍ .
وَزَادَهُ مُبَالَغَةً قَوْلُهُ ( بَيْنَهُمْ ) الْمُقْتَضِي أَنَّ النَّجْوَى بَيْنَ طَائِفَةٍ خَاصَّةٍ لَا يَشْتَرِكُ مَعَهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63قَالُوا إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) ، لِأَنَّ إِسْرَارَ النَّجْوَى يَشْتَمِلُ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ ذُكِرَ مِنْهَا هَذَا الْقَوْلُ ، لِأَنَّهُ الْقَوْلُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ وَالرَّأْيُ الَّذِي أَرْسَوْا عَلَيْهِ ، فَهُوَ زُبْدَةُ مَخِيضِ النَّجْوَى . وَذَلِكَ شَأْنُ التَّشَاوُرِ وَتَنَازُعِ الْآرَاءِ أَنْ يُسْفِرَ عَنْ رَأْيٍ يَصْدُرُ الْجَمِيعُ عَنْهُ .
وَإِسْنَادُ الْقَوْلِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِهِمْ عَلَى مَعْنَى : قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ، فَقَالَ جَمِيعُهُمْ : نَعَمْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ، فَأُسْنِدَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى جَمِيعِهِمْ ، أَيْ مَقَالَةً تَدَاوَلُوا الْخَوْضَ فِي شَأْنِهَا فَأَرْسَوْا عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ ، وَنَطَقُوا بِالْكَلَامِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ ، وَهُوَ تَحَقُّقُهُمْ أَنَّ
مُوسَى وَأَخَاهُ سَاحِرَانِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28917_28926جَمِيعَ الْقُرَّاءِ الْمُعْتَبَرِينَ قَرَءُوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ هَذَانِ مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ . وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ ( هَذَانِ ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ ( إِنَّ )
[ ص: 252 ] مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً ، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ
nindex.php?page=treesubj&link=28917الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا - بِتَشْدِيدِ نُونِ - ( أَنَّ ) مَا عَدَا
ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ
عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا ( أَنْ ) بِسُكُونِ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ .
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ .
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) بِتَشْدِيدِ نُونِ ( إِنَّ ) وَبِالْأَلِفِ فِي هَذَانِ وَكَذَلِكَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63لَسَاحِرَانِ ) ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ . وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ ( إِنَّ ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ : نَعَمْ وَأَجَلْ ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ ( إِنَّ ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ :
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ ، وَقَوْلِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ . قَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ : إِنَّ وَرَاكِبَهَا . وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ . وَقَالَ : عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا
مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدَ ،
وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا .
وَقُلْتُ : لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا . وَمَا أَوْرَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ .
[ ص: 253 ] وَفِي التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ
لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ
إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ( هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ ( أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ . فَقَالَ لَهُ
إِسْمَاعِيلُ : مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ
ابْنُ كَيْسَانَ : فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ ، فَتَبَسَّمَ .
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ .
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ : إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ ، وَوُجُودُ اللَّامِ يُنْبِئُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ ؛ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ .
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ ( إِنَّ ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ ، وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ
كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا ، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ
الْمُتَلَمِّسِ :
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28934وَقَرَأَهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ ( إِنْ ) مُسَكَّنَةً عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ ( إِنَّ ) الْمُشَدَّدَةِ . وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ ( إِنِ ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ . وَتَكُونُ اللَّامُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63لَسَاحِرَانِ ) اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ ( إِنِ ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ ( إِنِ ) النَّافِيَةِ .
[ ص: 254 ] nindex.php?page=treesubj&link=28923وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِسُكُونِ نُونِ ( إِنْ ) عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي ( هَذَانِ ) وَبِتَشْدِيدِ نُونِ ( هَاذَانِّ ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28926وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ ( إِنَّ هَذَيْنِ ) بِتَشْدِيدِ نُونِ ( إِنَّ ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ ( هَذَيْنِ ) . فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ . وَأَقُولُ : ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ .
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28899ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ . فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ ( إِنَّ هَاذَانِ ) خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11795أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ . حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْحَيَاةِ ، وَالرِّبَا بِالْوَاوِ فِي مَوْضِعِ الْأَلِفِ وَمَا قَرَءُوهَا إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا .
وَتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ
مُوسَى وَهَارُونَ سَاحِرَيْنِ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُخَامِرُهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِمَا ، وَجَعَلَ مَا أَظْهَرَهُ
مُوسَى مِنَ الْمُعْجِزَةِ بَيْنَ يَدَيْ
فِرْعَوْنَ سِحْرًا
nindex.php?page=treesubj&link=25582لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ السِّحْرَ عِنْدَهُمْ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342144قَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي [ ص: 255 ] شَاهَدَتْ نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهَا : جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَسْحَرِ النَّاسِ ، وَهُوَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ .
وَالْقَائِلُونَ : قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ شَاهَدَ مَا أَتَى بِهِ
مُوسَى فِي مَجْلِسِ
فِرْعَوْنَ ، أَوْ مِمَّنْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ بِالتَّسَامُعِ وَالِاسْتِفَاضَةِ .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63أَنْ يُخْرِجَاكُمْ ) لِمَلَئِهِمْ . وَوَجْهُ اتِّهَامِهِمَا بِذَلِكَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=57أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ) . وَنَزِيدُ هُنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ النَّجْوَى بَيْنَ السَّحَرَةِ ، أَيْ يُرِيدَانِ الِاسْتِئْثَارَ بِصِنَاعَةِ السِّحْرِ فِي أَرْضِكُمْ فَتَخْرُجُوا مِنَ الْأَرْضِ بِإِهْمَالِ النَّاسِ لَكُمْ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى سِحْرِ
مُوسَى وَهَارُونَ .
وَالطَّرِيقَةُ : السُّنَّةُ وَالْعَادَةُ ؛ شُبِّهَتْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ السَّائِرُ ، لِجَامِعِ الْمُلَازَمَةِ . وَالْمُثْلَى : مُؤَنَّثُ الْأَمْثَلِ . وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَثَالَةِ ، وَهِيَ حُسْنُ الْحَالَةِ يُقَالُ : فُلَانٌ أمْثَلُ قَوْمِهِ ، أَيْ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَأَحْسَنُهُمْ حَالًا .
وَأَرَادُوا مِنْ هَذَا إِثَارَةَ حَمِيَّةِ بَعْضِهِمْ غَيْرَةً عَلَى عَوَائِدِهِمْ ، فَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ غَيْرَةً عَلَى عَوَائِدِهَا وَشَرَائِعِهَا وَأَخْلَاقِهَا . وَلِذَا فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أَمْرَهُمْ بِأَنْ يَجْمَعُوا حِيَلَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي وُسْعِهِمْ أَنْ يَغْلِبُوا بِهِ
مُوسَى .
وَالْبَاءُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63بِطَرِيقَتِكُمُ ) لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ ( يَذْهَبَا ) . وَالْمَعْنَى : يُذْهِبَانِهَا ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ مِنْ نَصْبِ الْمَفْعُولِ . وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64فَأَجْمِعُوا ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَمْرًا مِنْ : أَجْمَعَ أَمْرَهُ ، إِذَا جَعَلَهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ .
[ ص: 256 ] وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو ( فَاجْمَعُوا ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ أَمْرًا مِنْ جَمَعَ ، كَقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=60فَجَمَعَ كَيْدَهُ ) . أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّعَاوُنِ ، تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ الْمُخْتَلِفِ بِالْمُتَفَرِّقِ ، وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=62فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ ) . وَسَمَّوْا عَمَلَهُمْ كَيْدًا لِأَنَّهُمْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا لِلْعَامَّةِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ
مُوسَى لَيْسَ بِعَجِيبٍ ، فَهُمْ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَتِهِ فَيَكِيدُوا لَهُ بِإِبْطَالِ خِصِّيصِيَّةِ مَا أَتَى بِهِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ تَسَامَعُوا بِدَعْوَةِ
مُوسَى ، وَمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ ، وَأَصْبَحُوا مُتَحَيِّرِينَ فِي شَأْنِهِ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اهْتَمَّ السَّحَرَةُ بِالْكَيْدِ لَهُ ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=38فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=40لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ) .
وَدَبَّرُوا لِإِرْهَابِ النَّاسِ وَإِرْهَابِ
مُوسَى وَهَارُونَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا حِينَ يَتَقَدَّمُونَ لِإِلْقَاءِ سِحْرِهِمْ مُصْطَفِّينَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهْيَبُ لَهُمْ .
وَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ يَرُومُونَ إِقْنَاعَ الْعُمُومِ بِأَنْفُسِهِمْ يَتَخَيَّرُونَ لِذَلِكَ بَهَاءَ الْهَيْئَةِ وَحُسْنَ السَّمْتِ وَجَلَالَ الْمَظْهَرِ . فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ جُلُوسُ الْمُلُوكِ عَلَى جُلُودِ الْأُسُودِ ، وَرُبَّمَا لَبِسَ الْأَبْطَالُ جُلُودَ النُّمُورِ فِي الْحَرْبِ . وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ فِعْلَ ( تَنَمَّرُوا ) فِي قَوْلِ ابْنِ مَعْدِي كَرِبَ :
قَوْمٌ إِذَا لَبِسُوا الْحَدِيدَ تَنَمَّرُوا حِلَقًا وَقَدَّا
وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمُ الْجَارِي مَجْرَى الْمَثَلِ ( لَبِسَ لِي فُلَانٌ جِلْدَ النَّمِرِ ) ؛ وَثَبَتَ فِي التَّارِيخِ الْمُسْتَنِدِ لِلْآثَارِ أَنَّ كَهَنَةَ
الْقِبْطِ فِي
مِصْرَ كَانُوا يَلْبِسُونَ جُلُودَ النُّمُورِ .
[ ص: 257 ] وَالصَّفُّ : مَصْدَرُ مَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ ، أَيْ صَافِّينَ أَوْ مَصْفُوفِينَ ، إِذَا تَرَتَّبُوا وَاحِدًا حَذْوَ الْآخَرِ بِانْتِظَامٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُونَ مُخْتَلِطِينَ ، لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا الْوَاحِدَ حَذْوَ الْآخَرِ وَكَانَ الصَّفُّ مِنْهُمْ تِلْوَ الْآخَرِ كَانُوا أَبْهَرَ مَنْظَرًا ، قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ) . وَكَانَ جَمِيعُ سَحَرَةِ
الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ قَدْ أُحْضِرُوا بِأَمْرِ
فِرْعَوْنَ فَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا . فَالصَّفُّ هُنَا مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ لَا الْوَحْدَةُ ، أَيْ ثُمَّ ائْتُوا صُفُوفًا ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ) وَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) .
وَانْتَصَبَ صَفًّا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ ( ائْتُوا ) . وَالْمَقْصُودُ الْإِتْيَانُ إِلَى مَوْضِعِ إِلْقَاءِ سِحْرِهِمْ وَشَعْوَذَتِهِمْ ، لِأَنَّ التَّنَاجِيَ وَالتَّآمُرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=64وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ يَجْمَعُ مَا قَصَدُوهُ مِنْ تَآمُرِهِمْ بِأَنَّ الْفَلَاحَ يَكُونُ لِمَنْ غَلَبَ وَظَهَرَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ . فَـ ( اسْتَعْلَى ) مُبَالَغَةٌ فِي عَلَا ، أَيْ عَلَا صَاحِبَهُ وَقَهَرَهُ . فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلُ اسْتَأْخَرَ . وَأَرَادُوا الْفَلَاحَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ .