nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174nindex.php?page=treesubj&link=28973_32420_32428_27962إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم
عود إلى محاجة أهل الكتاب لاحق بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى بمناسبة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم تحذيرا للمسلمين مما أحدثه
اليهود في دينهم من تحريم بعض ما أحل الله لهم ، وتحليل بعض ما حرم الله عليهم; لأنهم كانوا إذا أرادوا التوسيع والتضييق تركوا أن يقرءوا من كتابهم ما غيروا العمل بأحكامه كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا كما فعلوا في ترك قراءة حكم رجم الزاني في التوراة حين دعا النبيء صلى الله عليه وسلم أحد
اليهود ليقرأ ذلك الحكم من التوراة فوضع اليهودي يده على الكلام الوارد في ذلك كما أخرجه البخاري في كتاب الحدود ولجريانه على مناسبة إباحة ما أبيح من المأكولات جاء قوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار لقصد المشاكلة .
وفي هذا تهيئة للتخلص إلى ابتداء شرائع الإسلام; فإن هذا الكلام فيه إبطال لما شرعه أهل الكتاب في دينهم فكون التخلص ملونا بلوني الغرض السابق والغرض اللاحق .
وعدل عن تعريفهم بغير الموصول إلى الموصول لما في الصلة من الإيماء إلى سبب الخير وعلته نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين .
والقول في الكتمان تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى والكتاب المذكور هنا هو الكتاب المعهود من السياق وهو كتاب الذين يكتمون ، فيشبه أن تكون " أل " عوضا عن المضاف إليه ، والذين يكتمونه هم
اليهود والنصارى أي يكتمون البشارة
بمحمد صلى الله عليه وسلم ويكتمون بعض الأحكام التي بدلوها .
[ ص: 123 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174ويشترون به ثمنا قليلا تقدم تفسيره عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وهو المال الذي يأخذونه من الناس جزاء على إفتائهم بما يلائم هواهم مخالفا لشرعهم أو على الحكم بذلك ، فالثمن يطلق على الرشوة لأنها ثمن يدفع عوضا عن جور الحاكم وتحريف المفتي .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار جيء باسم الإشارة لإشهارهم لئلا يخفى أمرهم على الناس وللتنبيه على أن ما يخبر به عن اسم الإشارة استحقوه بسبب ما ذكر قبل اسم الإشارة ، كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم ، وهو تأكيد للسببية المدلول عليها بالموصول ، وفعل يأكلون مستعار لأخذ الرشا المعبر عنها بالثمن والظاهر أنه مستعمل في زمان الحال ، أي ما يأكلون وقت كتمانهم واشترائهم إلا النار لأنه الأصل في المضارع .
والأكل مستعار للانتفاع مع الإخفاء ، لأن الأكل انتفاع بالطعام وتغييب له فهو خفي لا يظهر كحال الرشوة ، ولما لم يكن لآكل الرشوة على كتمان الأحكام أكل نار تعين أن في الكلام مجازا ، فقيل هو مجاز عقلي في تعلق الأكل بالنار وليست هي له وإنما له سببها أعني الرشوة ، قال
التفتازاني : وهو الذي يوهمه ظاهر كلام الكشاف لكنه صرح أخيرا بغيره ، وقيل هو مجاز في الطرف بأن أطلق لفظ النار على الرشوة إطلاقا للاسم على سببه قال
التفتازاني : وهو الذي صرح به في الكشاف ونظره بقول الأعرابي يوبخ امرأته وكان يقلاها :
أكلت دما إن لم أرعك بضرة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
أراد الحلف بطريقة الدعاء على نفسه أن يأكل دما أي دية دم فقد تضمن الدعاء على نفسه بقتل أحد أقاربه وبذهاب مروءته ، لأنهم كانوا يتعيرون بأخذ الدية عن القتيل ولا يرضون إلا بالقود ، واختار
عبد الحكيم أنه استعارة تمثيلية : شبهت الهيئة الحاصلة من أكلهم الرشا بالهيئة المنتزعة من أكلهم النار وأطلق المركب الدال على الهيئة المشبه بها على الهيئة المشبهة .
قلت : ولا يضر كون الهيئة المشبه بها غير محسوسة لأنها هيئة متخيلة كقوله )
أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
( فالمركب الذي من شأنه أن يدل على الهيئة المشبهة
[ ص: 124 ] أن يقال : أولئك ما يأخذون إلا أخذا فظيعا مهلكا فإن تناولها كتناول النار للأكل فإنه كله هلاك من وقت تناولها باليد إلى حصولها في البطن ، ووجه كون الرشوة مهلكة أن فيها اضمحلال أمر الأمة وذهاب حرمة العلماء والدين فتكون هذه الاستعارة بمنزلة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها أي على وشك الهلاك والاضمحلال .
والذي يدعو إلى المصير للتمثيلية هو قوله تعالى في بطونهم فإن الرشوة لا تؤكل في البطن فيتعين أن يكون المركب كله استعارة ، ولو جعلت الاستعارة في خصوص لفظ النار لكان قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174يأكلون في بطونهم مستعملا في المركب الحقيقي ، وهو لا يصح ، ولولا قوله في بطونهم لأمكن أن يقال : إن يأكلون هنا مستعمل حقيقة عرفية في غضب الحق ونحو ذلك .
وجوزوا أن يكون قوله يأكلون مستقبلا ، أي ما سيأكلون إلا النار على أنه تهديد ووعيد بعذاب الآخرة ، وهو وجيه ، ونكتة استعارة الأكل هنا إلى اصطلائهم بنار جهنم هي مشاكلة تقديرية لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174يشترون به ثمنا قليلا فإن المراد بالثمن هنا الرشوة ، وقد شاع تسمية
nindex.php?page=treesubj&link=18536أخذ الرشوة أكلا .
وقوله ولا يكلمهم الله نفي للكلام والمراد به لازم معناه وهو الكناية عن الغضب ، فالمراد نفي كلام التكريم ، فلا ينافي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عما كانوا يعملون ، وقوله ولا يزكيهم أي لا يثني عليهم في ذلك المجمع ، وذلك إشعار لهم بأنهم صائرون إلى العذاب; لأنه إذا نفيت التزكية أعقبها الذم والتوبيخ ، فهو كناية عن ذمهم في ذلك الجمع إذ ليس يومئذ سكوت .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174nindex.php?page=treesubj&link=28973_32420_32428_27962إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمُ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
عَوْدٌ إِلَى مُحَاجَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَاحِقٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى بِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ تَحْذِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ مِمَّا أَحْدَثَهُ
الْيَهُودُ فِي دِينِهِمْ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ ، وَتَحْلِيلِ بَعْضِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا التَّوْسِيعَ وَالتَّضْيِيقَ تَرَكُوا أَنْ يَقْرَءُوا مِنْ كِتَابِهِمْ مَا غَيَّرُوا الْعَمَلَ بِأَحْكَامِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا كَمَا فَعَلُوا فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ حُكْمِ رَجْمِ الزَّانِي فِي التَّوْرَاةِ حِينَ دَعَا النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ
الْيَهُودِ لِيَقْرَأَ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنَ التَّوْرَاةِ فَوَضَعَ الْيَهُودِيُّ يَدَهُ عَلَى الْكَلَامِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى مُنَاسَبَةِ إِبَاحَةِ مَا أُبِيحَ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ جَاءَ قَوْلُهُ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمُ إِلَّا النَّارَ لِقَصْدِ الْمُشَاكَلَةِ .
وَفِي هَذَا تَهْيِئَةٌ لِلتَّخَلُّصِ إِلَى ابْتِدَاءِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ; فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ إِبْطَالٌ لِمَا شَرَعَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي دِينِهِمْ فَكَوْنُ التَّخَلُّصِ مُلَوَّنًا بِلَوْنَيِ الْغَرَضِ السَّابِقِ وَالْغَرَضِ اللَّاحِقِ .
وَعُدِلَ عَنْ تَعْرِيفِهِمْ بِغَيْرِ الْمَوْصُولِ إِلَى الْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ الْخَيْرِ وَعِلَّتِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .
وَالْقَوْلُ فِي الْكِتْمَانِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وَالْكِتَابُ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الْكِتَابُ الْمَعْهُودُ مِنَ السِّيَاقِ وَهُوَ كِتَابُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ، فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ " أَلْ " عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَالَّذِينَ يَكْتُمُونَهُ هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَيْ يَكْتُمُونَ الْبِشَارَةَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْتُمُونَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَدَّلُوهَا .
[ ص: 123 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُونَهُ مِنَ النَّاسِ جَزَاءً عَلَى إِفْتَائِهِمْ بِمَا يُلَائِمُ هَوَاهُمْ مُخَالِفًا لِشَرْعِهِمْ أَوْ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ ، فَالثَّمَنُ يُطْلَقُ عَلَى الرِّشْوَةِ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ يُدْفَعُ عِوَضًا عَنْ جَوْرِ الْحَاكِمِ وَتَحْرِيفِ الْمُفْتِي .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمُ إِلَّا النَّارَ جِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِإِشْهَارِهِمْ لِئَلَّا يَخْفَى أَمْرُهُمْ عَلَى النَّاسِ وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ اسْتَحَقُّوهُ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلسَّبَبِيَّةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالْمَوْصُولِ ، وَفِعْلُ يَأْكُلُونَ مُسْتَعَارٌ لِأَخْذِ الرِّشَا الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالثَّمَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي زَمَانِ الْحَالِ ، أَيْ مَا يَأْكُلُونَ وَقْتَ كِتْمَانِهِمْ وَاشْتِرَائِهِمْ إِلَّا النَّارَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْمُضَارِعِ .
وَالْأَكْلُ مُسْتَعَارٌ لِلِانْتِفَاعِ مَعَ الْإِخْفَاءِ ، لِأَنَّ الْأَكْلَ انْتِفَاعٌ بِالطَّعَامِ وَتَغْيِيبٌ لَهُ فَهُوَ خَفِيٌّ لَا يَظْهَرُ كَحَالِ الرِّشْوَةِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِآكِلِ الرِّشْوَةِ عَلَى كِتْمَانِ الْأَحْكَامِ أَكْلُ نَارٍ تَعَيَّنَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ مَجَازًا ، فَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي تَعَلُّقِ الْأَكْلِ بِالنَّارِ وَلَيْسَتْ هِيَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ سَبَبُهَا أَعْنِي الرِّشْوَةَ ، قَالَ
التَّفْتَازَانِيُّ : وَهُوَ الَّذِي يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكَشَّافِ لَكِنَّهُ صَرَّحَ أَخِيرًا بِغَيْرِهِ ، وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ فِي الطَّرَفِ بِأَنْ أَطْلَقَ لَفْظَ النَّارِ عَلَى الرِّشْوَةِ إِطْلَاقًا لِلِاسْمِ عَلَى سَبَبِهِ قَالَ
التَّفْتَازَانِيُّ : وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَشَّافِ وَنَظَّرَهُ بِقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ يُوَبِّخُ امْرَأَتَهُ وَكَانَ يَقْلَاهَا :
أَكَلْتُ دَمًا إِنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ بَعِيدَةِ مَهْوَى الْقُرْطِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
أَرَادَ الْحَلْفَ بِطَرِيقَةِ الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَأْكُلَ دَمًا أَيْ دِيَةَ دَمٍ فَقَدْ تَضَمَّنَ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ بِقَتْلِ أَحَدِ أَقَارِبِهِ وَبِذَهَابِ مُرُوءَتِهِ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَيَّرُونَ بِأَخْذِ الدِّيَةِ عَنِ الْقَتِيلِ وَلَا يَرْضَوْنَ إِلَّا بِالْقَوَدِ ، وَاخْتَارَ
عَبْدُ الْحَكِيمِ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ : شُبِّهَتِ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ أَكْلِهِمُ الرِّشَا بِالْهَيْئَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مَنْ أَكْلِهِمُ النَّارَ وَأِطْلِقَ الْمُرَكَّبُ الدَّالُّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ .
قُلْتُ : وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا غَيْرَ مَحْسُوسَةٍ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ مُتَخَيَّلَةٌ كَقَوْلِهِ )
أَعْلَامُ يَاقُوتٍ نُشِرْنَ عَلَى رِمَاحٍ مِنْ زَبَرْجَدِ
( فَالْمُرَكَّبُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ
[ ص: 124 ] أَنْ يُقَالَ : أُولَئِكَ مَا يَأْخُذُونَ إِلَّا أَخْذًا فَظِيعًا مُهْلِكًا فَإِنْ تَنَاوَلَهَا كَتَنَاوُلِ النَّارِ لِلْأَكْلِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ هَلَاكٌ مِنْ وَقْتِ تَنَاوُلِهَا بِالْيَدِ إِلَى حُصُولِهَا فِي الْبَطْنِ ، وَوَجْهُ كَوْنِ الرِّشْوَةِ مُهْلِكَةً أَنَّ فِيهَا اضْمِحْلَالَ أَمْرِ الْأُمَّةِ وَذَهَابَ حُرْمَةِ الْعُلَمَاءِ وَالدِّينِ فَتَكُونُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا أَيْ عَلَى وَشْكِ الْهَلَاكِ وَالِاضْمِحْلَالِ .
وَالَّذِي يَدْعُو إِلَى الْمَصِيرِ لِلتَّمْثِيلِيَّةِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي بُطُونِهِمْ فَإِنَّ الرِّشْوَةَ لَا تُؤْكَلُ فِي الْبَطْنِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَكَّبُ كُلُّهُ اسْتِعَارَةً ، وَلَوْ جُعِلَتِ الِاسْتِعَارَةُ فِي خُصُوصِ لَفْظِ النَّارِ لَكَانَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُرَكَّبِ الْحَقِيقِيِّ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ ، وَلَوْلَا قَوْلُهُ فِي بُطُونِهِمْ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ يَأْكُلُونَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي غَضَبِ الْحَقِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَأْكُلُونَ مُسْتَقْبَلًا ، أَيْ مَا سَيَأْكُلُونَ إِلَّا النَّارَ عَلَى أَنَّهُ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ وَجِيهٌ ، وَنُكْتَةُ اسْتِعَارَةِ الْأَكْلِ هُنَا إِلَى اصْطِلَائِهِمْ بِنَارِ جَهَنَّمَ هِيَ مُشَاكَلَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ هُنَا الرِّشْوَةُ ، وَقَدْ شَاعَ تَسْمِيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=18536أَخْذِ الرَّشْوَةِ أَكْلًا .
وَقَوْلُهُ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ نَفْيٌ لِلْكَلَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْكِنَايَةُ عَنِ الْغَضَبِ ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ كَلَامِ التَّكْرِيمِ ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَكِّيهِمْ أَيْ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَجْمَعِ ، وَذَلِكَ إِشْعَارٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْعَذَابِ; لِأَنَّهُ إِذَا نُفِيَتِ التَّزْكِيَةُ أَعْقَبَهَا الذَّمُّ وَالتَّوْبِيخُ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ ذَمِّهِمْ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ إِذْ لَيْسَ يَوْمَئِذٍ سُكُوتٌ .