اسم الإشارة مستعمل هنا للفصل بين كلامين أو بين وجهين من كلام واحد . والقصد منه التنبيه على الاهتمام بما سيذكر بعده . فالإشارة مراد بها التنبيه ، وذلك حيث يكون ما بعده غير صالح لوقوعه خبرا عن اسم الإشارة فيتعين تقدير خبر عنه في معنى : ذلك بيان ، أو ذكر ، وهو من أساليب الاقتضاب في الانتقال . والمشهور في هذا الاستعمال لفظ هذا كما في قوله تعالى هذا وإن للطاغين لشر مئاب وقول زهير :
هذا وليس كمن يعيا بخطبته وسط الندي إذا ما قائل نطقا
وأوثر في الآية اسم إشارة البعيد للدلالة على بعد المنزلة كناية عن تعظيم مضمون ما قبله . فاسم الإشارة مبتدأ حذف خبره لظهور تقديره ، أي ذلك بيان ونحوه . وهو كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض الأغراض فإذا أراد الخوض في غرض آخر ، قال : هذا ، وقد كان كذا وكذا . [ ص: 252 ] وجملة ومن يعظم إلخ معترضة عطفا على جملة وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت عطف الغرض على الغرض . وهو انتقال إلى بيان ما يجب الحفاظ عليه من الحنيفية والتنبيه إلى أن الإسلام بني على أساسها . وضمير ( فهو ) عائد إلى التعظيم المأخوذ من فعل ومن يعظم حرمات الله . والكلام موجه إلى المسلمين تنبيها لهم على أن تلك الحرمات لم يعطل الإسلام حرمتها ، فيكون الانتقال من غرض إلى غرض ومن مخاطب إلى مخاطب آخر . فإن . أي قبل فتح المسلمين كانوا يعتمرون ويحجون قبل إيجاب الحج عليهم مكة .
والحرمات : جمع حرمة بضمتين : وهي ما يجب احترامه .
والاحترام : اعتبار الشيء ذا حرم ، كناية عن عدم الدخول فيه ، أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه ، والحرمات يشمل كل ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحج كلها . وعن : الحرمات خمس : زيد بن أسلم المسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم ما دام محرما . فقصره على الذوات دون الأعمال . والذي يظهر أن الحرمات يشمل الهدايا والقلائد والمشعر الحرام وغير ذلك من أعمال الحج . كالغسل في مواقعه ، والحلق ومواقيته ومناسكه .