قد أفلح المؤمنون
[ ص: 8 ] افتتاح بديع ; لأنه من جوامع الكلم فإن الفلاح غاية كل ساع إلى عمله ، فالإخبار بفلاح المؤمنين دون ذكر متعلق بفعل الفلاح يقتضي في المقام الخطابي تعميم ما به الفلاح المطلوب ، فكأنه قيل : قد أفلح المؤمنون في كل ما رغبوا فيه .
ولما كانت همة المؤمنين منصرفة إلى تمكن الإيمان والعمل الصالح من نفوسهم كان ذلك إعلاما بأنهم نجحوا فيما تعلقت به هممهم من خير الآخرة وللحق من خير الدنيا ، ويتضمن بشارة برضى الله عنهم ووعدا بأن الله مكمل لهم ما يتطلبونه من خير .
وأكد هذا الخبر بحرف ( قد ) الذي إذا دخل على الفعل الماضي أفاد التحقيق أي : التوكيد . فحرف ( قد ) في الجملة الفعلية يفيد مفاد ( إن واللام ) في الجملة الاسمية ، أي يفيد توكيدا قويا .
ووجه التوكيد هنا أن المؤمنين كانوا مؤملين مثل هذه البشارة فيما سبق لهم من رجاء فلاحهم كالذي في قوله : وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ، فكانوا لا يعرفون تحقق أنهم أتوا بما أرضى ربهم ويخافون أن يكونوا فرطوا في أسبابه وما علق عليه وعده إياهم ، بله أن يعرفوا اقتراب ذلك ، فلما أخبروا بأن ما ترجوه قد حصل حقق لهم بحرف التحقيق وبفعل المضي المستعمل في معنى التحقق . فالإتيان بحرف التحقيق لتنزيل ترقبهم إياه لفرط الرغبة والانتظار منزلة الشك في حصوله . ولعل منه : قد قامت الصلاة ، إشارة إلى رغبة المصلين في حلول وقت الصلاة ، وقد قال النبيء صلى الله عليه وسلم : بلال وشأن المؤمنين التشوق إلى عبادتهم كما يشاهد في تشوق كثير إلى قيام رمضان . أرحنا بها يا
وحذف المتعلق للإشارة إلى أنهم أفلحوا فلاحا كاملا .
والفلاح : الظفر بالمطلوب من عمل العامل . وقد تقدم في أول البقرة . ونيط الفلاح بوصف الإيمان للإشارة إلى أنه السبب الأعظم في الفلاح فإن الإيمان وصف جامع للكمال لتفرع جميع الكمالات عليه .