قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون
قد عرفت آنفا نكتة تكرير القول .
والملكوت : مبالغة في الملك بضم الميم . فالملكوت : الملك المقترن بالتصرف في مختلف الأنواع والعوالم لذلك جاء بعده ( كل شيء ) .
واليد : القدرة . ومعنى ( يجير ) يغيث ويمنع من يشاء من الأذى . ومصدره الإجارة فيفيد معنى الغلبة ، وإذا عدي بحرف الاستعلاء أفاد أن المجرور [ ص: 112 ] مغلوب على أن لا ينال المجار بأذى ، فمعنى ( لا يجار عليه ) لا يستطيع أحد أن يمنع أحدا من عقابه ، فيفيد معنى العزة التامة .
وبني فعل ( يجار عليه ) للمجهول لقصد انتفاء الفعل عن كل فاعل فيفيد العموم مع الاختصار .
ولما كان تصرف الله هذا خفيا يحتاج إلى تدبر العقل لإدراكه عقب الاستفهام بقوله : إن كنتم تعلمون كما عقب الاستفهام الأول بمثله حثا لهم على علمه والاهتداء إليه .
ثم عقب بما يدل على أنهم إذا تدبروا علموا فقيل : سيقولون لله .
وقرأ الجمهور سيقولون لله بلام الجر داخلة على اسم الجلالة مثل سالفه . وقرأه أبو عمرو ويعقوب بدون لام وقد علمت ذلك في نظيره السابق .
( وأنى ) يجوز أن تكون بمعنى ( من أين ) كما تقدم في سورة آل عمران قال يا مريم أنى لك هذا . والاستفهام تعجيبي . والسحر مستعار لترويج الباطل بجامع تخيل ما ليس بواقع واقعا . والمعنى : فمن أين اختل شعوركم فراج عليكم الباطل . فالمراد بالسحر : ترويج أيمة الكفر عليهم الباطل حتى جعلوهم كالمسحورين .