nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28995_29382_18796إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
( إذ ) ظرف متعلق بـ ( أفضتم ) والمقصود منه ومن الجملة المضاف هو إليها استحضار صورة حديثهم في الإفك وبتفظيعها .
وأصل ( تلقونه ) تتلقونه بتاءين حذفت إحداهما .
nindex.php?page=treesubj&link=28910وأصل التلقي أنه التكلف للقاء الغير ، وتقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فتلقى آدم من ربه كلمات أي علمها ولقنها ، ثم يطلق التلقي على أخذ شيء باليد من يد الغير كما قال
الشماخ :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341333من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا تلقاها الرحمن بيمينه . . الحديث ، وذلك بتشبيه التهيؤ لأخذ المعطى
[ ص: 178 ] بالتهيؤ للقاء الغير وذلك هو إطلاقه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15إذ تلقونه بألسنتكم . ففي قوله : ( بألسنتكم ) تشبيه الخبر بشخص وتشبيه الراوي للخبر بمن يتهيأ ويستعد للقائه استعارة مكنية فجعلت الألسن آلة للتلقي على طريقة تخييلية بتشبيه الألسن في رواية الخبر بالأيدي في تناول الشيء . وإنما جعلت الألسن آلة للتلقي مع أن تلقي الأخبار بالأسماع ; لأنه لما كان هذا التلقي غايته التحدث بالخبر جعلت الألسن مكان الأسماع مجازا بعلاقة الأيلولة . وفيه تعريض بحرصهم على تلقي هذا الخبر فهم حين يتلقونه يبادرون بالإخبار به بلا ترو ولا تريث . وهذا تعريض بالتوبيخ أيضا .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وتقولون بأفواهكم فوجه ذكر ( بأفواهكم ) مع أن القول لا يكون بغير الأفواه أنه أريد التمهيد لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15ما ليس لكم به علم ، أي : هو قول غير موافق لما في العلم ولكنه عن مجرد تصور ; لأن أدلة العلم قائمة بنقيض مدلول هذا القول فصار الكلام مجرد ألفاظ تجري على الأفواه .
وفي هذا من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا ما يعلمه ويتحققه وإلا فهو أحد رجلين : أفن الرأي يقول الشيء قبل أن يتبين له الأمر فيوشك أن يقول الكذب فيحسبه الناس كذابا . وفي الحديث : بـ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342223حسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ، أو رجل مموه مراء يقول ما يعتقد خلافه قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .
هذا في الخبر وكذلك الشأن في الوعد فلا يعد إلا بما يعلم أنه يستطيع الوفاء به . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342224آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان .
وزاد في توبيخهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، أي : تحسبون الحديث بالقذف أمرا هينا . وإنما حسبوه هينا ; لأنهم استخفوا الغيبة والطعن في الناس استصحابا لما كانوا عليه في مدة الجاهلية إذ لم يكن
[ ص: 179 ] لهم وازع من الدين يزعهم ، فلذلك هم يحذرون الناس فلا يعتدون عليهم باليد وبالسب خشية منهم ، فإذا خلوا أمنوا من ذلك . فهذا سبب حسبانهم الحديث في الإفك شيئا هينا وقد جاء الإسلام بإزالة مساوي الجاهلية وإتمام مكارم الأخلاق .
والهين : مشتق من الهوان ، وهوان الشيء عدم توقيره والمبالاة بشأنه ، يقال : هان على فلان كذا ، أي لم يعد ذلك أمرا مهما ، والمعنى : شيئا هينا . وإنما حسبوه هينا مع أن الحد ثابت قبل نزول الآية بحسب ظاهر ترتيب الآية في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم الآية لجواز أنه لم تحدث قضية قذف فيما بين نزول تلك الآية ونزول هذه الآية ، أو حدثت قضية
عويمر العجلاني ولم يعلم بها أصحاب الإفك ، أو حسبوه هينا لغفلتهم عما تقدم من حكم الحد إذ كان العهد به حديثا . وفيه من أدب الشريعة أن احترام القوانين الشرعية يجب أن يكون سواء في الغيبة والحضرة والسر والعلانية .
ومعنى ( عند الله ) في علم الله مما شرعه لكم من الحكم كما تقدم آنفا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فأولئك عند الله هم الكاذبون .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28995_29382_18796إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسِبُونَهُ هَيِّنًا وَهْوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ
( إِذْ ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( أَفَضْتُمْ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ وَمِنَ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهَا اسْتِحْضَارُ صُورَةِ حَدِيثِهِمْ فِي الْإِفْكِ وَبِتَفْظِيعِهَا .
وَأَصْلُ ( تَلَقَّوْنَهُ ) تَتَلَقَّوْنَهُ بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا .
nindex.php?page=treesubj&link=28910وَأَصْلُ التَّلَقِّي أَنَّهُ التَّكَلُّفُ لِلِقَاءِ الْغَيْرِ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ أَيْ عَلِمَهَا وَلَقَّنَهَا ، ثُمَّ يُطْلَقُ التَّلَقِّي عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ بِالْيَدِ مِنْ يَدِ الْغَيْرِ كَمَا قَالَ
الشَّمَّاخُ :
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341333مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا تَلَقَّاهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ . . الْحَدِيثَ ، وَذَلِكَ بِتَشْبِيهِ التَّهَيُّؤِ لِأَخْذِ الْمُعْطَى
[ ص: 178 ] بِالتَّهَيُّؤِ لِلِقَاءِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ هُوَ إِطْلَاقُهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ . فَفِي قَوْلِهِ : ( بِأَلْسِنَتِكُمْ ) تَشْبِيهُ الْخَبَرِ بِشَخْصٍ وَتَشْبِيهُ الرَّاوِي لِلْخَبَرِ بِمَنْ يَتَهَيَّأُ وَيَسْتَعِدُّ لِلِقَائِهِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ فَجُعِلَتِ الْأَلْسُنُ آلَةً لِلتَّلَقِّي عَلَى طَرِيقَةٍ تَخْيِيلِيِّةٍ بِتَشْبِيهِ الْأَلْسُنِ فِي رِوَايَةِ الْخَبَرِ بِالْأَيْدِي فِي تَنَاوُلِ الشَّيْءِ . وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْأَلْسُنُ آلَةً لِلتَّلَقِّي مَعَ أَنَّ تَلَقِّيَ الْأَخْبَارِ بِالْأَسْمَاعِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا التَّلَقِّي غَايَتُهُ التَّحَدُّثُ بِالْخَبَرِ جُعِلَتِ الْأَلْسُنُ مَكَانَ الْأَسْمَاعِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْأَيْلُولَةِ . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِحِرْصِهِمْ عَلَى تَلَقِّي هَذَا الْخَبَرِ فَهُمْ حِينَ يَتَلَقَّوْنَهُ يُبَادِرُونَ بِالْإِخْبَارِ بِهِ بِلَا تَرَوٍّ وَلَا تَرَيُّثٍ . وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ أَيْضًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ فَوَجْهُ ذِكْرِ ( بِأَفْوَاهِكُمْ ) مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْأَفْوَاهِ أَنَّهُ أُرِيدَ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ، أَيْ : هُوَ قَوْلٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا فِي الْعِلْمِ وَلَكِنَّهُ عَنْ مُجَرَّدِ تَصَوُّرٍ ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْعِلْمِ قَائِمَةٌ بِنَقِيضِ مَدْلُولِ هَذَا الْقَوْلِ فَصَارَ الْكَلَامُ مُجَرَّدَ أَلْفَاظٍ تَجْرِي عَلَى الْأَفْوَاهِ .
وَفِي هَذَا مِنَ الْأَدَبِ الْأَخْلَاقِيِّ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ إِلَّا مَا يَعْلَمُهُ وَيَتَحَقَّقُهُ وَإِلَّا فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : أَفِنُ الرَّأْيِ يَقُولُ الشَّيْءَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْأَمْرُ فَيُوشِكُ أَنْ يَقُولَ الْكَذِبَ فَيَحْسَبُهُ النَّاسُ كَذَّابًا . وَفِي الْحَدِيثِ : بِـ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342223حَسْبُ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، أَوْ رَجُلٌ مُمَوِّهٌ مُرَاءٍ يَقُولُ مَا يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
هَذَا فِي الْخَبَرِ وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي الْوَعْدِ فَلَا يَعِدُ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ بِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342224آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ .
وَزَادَ فِي تَوْبِيخِهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ، أَيْ : تَحْسَبُونَ الْحَدِيثَ بِالْقَذْفِ أَمْرًا هَيِّنًا . وَإِنَّمَا حَسِبُوهُ هَيِّنًا ; لِأَنَّهُمُ اسْتَخَفُّوا الْغِيبَةَ وَالطَّعْنَ فِي النَّاسِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ
[ ص: 179 ] لَهُمْ وَازِعٌ مِنَ الدِّينِ يَزَعُهُمْ ، فَلِذَلِكَ هُمْ يَحْذَرُونَ النَّاسَ فَلَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالْيَدِ وَبِالسَّبِّ خَشْيَةً مِنْهُمْ ، فَإِذَا خَلَوْا أَمِنُوا مِنْ ذَلِكَ . فَهَذَا سَبَبُ حُسْبَانِهِمُ الْحَدِيثَ فِي الْإِفْكِ شَيْئًا هَيِّنًا وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِزَالَةِ مَسَاوِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِتْمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ .
وَالْهَيِّنُ : مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَوَانِ ، وَهَوَانُ الشَّيْءِ عَدَمُ تَوْقِيرِهِ وَالْمُبَالَاةِ بِشَأْنِهِ ، يُقَالُ : هَانَ عَلَى فُلَانٍ كَذَا ، أَيْ لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ أَمْرًا مُهِمًّا ، وَالْمَعْنَى : شَيْئًا هَيِّنًا . وَإِنَّمَا حَسِبُوهُ هَيِّنًا مَعَ أَنَّ الْحَدَّ ثَابِتٌ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ تَرْتِيبِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ الْآيَةَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ تَحْدُثْ قَضِيَّةُ قَذْفٍ فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ تِلْكَ الْآيَةِ وَنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ، أَوْ حَدَثَتْ قَضِيَّةُ
عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْحَابُ الْإِفْكِ ، أَوْ حَسِبُوهُ هَيِّنًا لِغَفْلَتِهِمْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ الْحَدِّ إِذْ كَانَ الْعَهْدُ بِهِ حَدِيثًا . وَفِيهِ مِنْ أَدَبِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ احْتِرَامَ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءً فِي الْغَيْبَةِ وَالْحَضْرَةِ وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ .
وَمَعْنَى ( عِنْدَ اللَّهِ ) فِي عِلْمِ اللَّهِ مِمَّا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ .