وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا
الضمير عائد إلى الذين كفروا ، فمدلول الصلة مراعى في هذا الضمير إيماء إلى أن هذا القول من آثار كفرهم .
والأساطير : جمع أسطورة بضم الهمزة كالأحدوثة والأحاديث ، والأغلوطة والأغاليط ، وهي القصة المسطورة . وقد تقدم معناها مفصلا عند قوله ( حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) في سورة الأنعام . وقائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث العبدري قال : إن القرآن قصص من قصص الماضين . وكان النضر هذا قد تعلم بالحيرة قصص ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار فكان يقول لقريش : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا من محمد فهلم أحدثكم ؛ وكان يقول في القرآن : هو أساطير الأولين . قال : كل ما ذكر فيه أساطير الأولين في القرآن فالمقصود منه قول ابن عباس النضر بن الحارث . وقد تقدم هذا في سورة الأنعام وفي أول سورة يوسف .
[ ص: 325 ] وجملة ( اكتتبها ) نعت أو حال لـ ( أساطير الأولين ) .
والاكتتاب : افتعال من الكتابة ، وصيغة الافتعال تدل على التكلف لحصول الفعل ، أي : حصوله من فاعل الفعل ، فيفيد قوله : ( اكتتبها ) أنه تكلف أن يكتبها . ومعنى هذا التكلف أن النبيء عليه الصلاة والسلام لما كان أميا كان إسناد الكتابة إليه إسنادا مجازيا فيئول المعنى : أنه سأل من يكتبها له ، أي : ينقلها ، فكان إسناد الاكتتاب إليه إسنادا مجازيا ؛ لأنه سببه ، والقرينة ما هو مقرر لدى الجميع من أنه أمي لا يكتب ، ومن قوله : فهي تملى عليه ؛ لأنه لو كتبها لنفسه لكان يقرؤها بنفسه . فالمعنى : استنسخها . وهذا كله حكاية لكلام النضر بلفظه أو بمعناه . ومراد النضر بهذا الوصف ترويج بهتانه ؛ لأنه علم أن هذا الزور مكشوف قد لا يقبل عند الناس لعلمهم بأن النبيء أمي فكيف يستمد قرآنه من كتب الأولين فهيأ لقبول ذلك أنه كتبت له ، فاتخذها عنده فهو يناولها لمن يحسن القراءة فيملي عليه ما يقصه القرآن .
والإملاء : هو الإملال وهو إلقاء الكلام لمن يكتب ألفاظه أو يرويها أو يحفظها . وتفريع الإملاء على الاكتتاب كان بالنظر إلى أن إملاءها عليه ليقرأها أو ليحفظها .
والبكرة : أول النهار . والأصيل : آخر المساء ، وتقدم في قوله : ( بالغدو والآصال ) في آخر سورة الأعراف ، أي : تملى عليه طرفي النهار . وهذا مستعمل كناية عن كثرة الممارسة لتلقي الأساطير .