ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين
قد أشعر قوله : إنا مهلكو أهل هذه القرية أن الملائكة يحلون بالقرية ، واقتضى ذلك أن يخبروا لوطا بحلولهم بالقرية ، وأنهم مرسلون من عند الله استجابة لطلب لوط النصر على قومه ، فكان هذا المجيء مقدرا حصوله ، فمن ثم جعل شرطا لحرف لما كما تقدم آنفا في قوله : ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى .
و " أن " حرف مزيد للتوكيد ، وأكثر ما يزاد بعد " لما " ، وهو يفيد تحقيق الربط بين مضمون الجملتين اللتين بعد " لما " ، فهي لتحقيق الربط بين مجيء الرسل ومساءة لوط بهم . ومعنى تحقيقه هنا سرعة الاقتران والتوقيت بين الشرط والجزاء تنبيها على أن الإشاءة عقبت مجيئهم وفاجأته من غير ريث ، وذلك لما يعلم من عادة معاملة قومه مع الوافدين على قريتهم ، فلم يكن لوط عالما بأنهم ملائكة ؛ لأنهم جاءوا في صورة رجال ، فأريد هنا التنبيه على أن ما حدث به من المساءة وضيق الذرع كان قبل أن يعلم بأنهم ملائكة جاءوا لإهلاك أهل القرية وقبل أن يقولوا : لا تخف ولا تحزن .
[ ص: 245 ] ولم تقع " أن " المؤكدة في آية سورة هود ؛ لأن في تلك السورة تفصيلا لسبب إساءته وضيق ذرعه ، فكان ذلك مغنيا عن التنبيه عليه في هذه الآية ، فكان التأكيد هنا ضربا من الإطناب . وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة هود وتفسيرها هناك .
وبناء فعل سيء للمجهول ؛ لأن المقصود حصول المفعول دون فاعله .
وعطف عليه جملة وقالوا لا تخف ؛ لأنها من جملة ما وقع عقب مجيء الرسل لوطا . وقد طويت جمل دل عليها قوله : إنا منجوك وأهلك وهي الجمل التي ذكرت معانيها في قوله : وجاءه قومه يهرعون إليه إلى قوله : قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك في سورة هود . وقدموا تأمينه قبل إعلامه بأنهم منزلون العذاب على أهل القرية تعجيلا بتطمينه .
وعطف ولا تحزن على لا تخف جمع بين تأمينه من ضر العذاب وبين إعلامه بأن الذين سيهلكون ليسوا أهلا لأن يحزن عليهم ومن أولئك امرأته ؛ لأنه لا يحزن على من ليس بمؤمن به .
وجملة إنا منجوك تعليل للنهي عن الأمرين .
واستثناء امرأته من عموم أهله استثناء من التعليل لا من النهي ، ففي ذلك معذرة له بما عسى أن يحصل له من الحزن على هلاك امرأته مع أنه كان يحسبها مخلصة له ، وقد بينا وجه ذلك في تفسير سورة هود .
وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، " منجوك " بسكون النون ، وقرأ الباقون بفتح النون وتشديد الجيم . والكسائي