وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين
كما ضرب الله المثل لقريش بالأمم التي كذبت رسلها فانتقم الله منها ، كذلك ضرب المثل لصناديد قريش مثل أبي جهل ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، وأبي لهب ، بصناديد بعض الأمم السالفة ، كانوا سبب مصاب أنفسهم ومصاب قومهم الذين اتبعوهم ؛ إنذارا لقريش بما عسى أن يصيبهم من جراء تغرير قادتهم بهم وإلقائهم في خطر سوء العاقبة . وهؤلاء الثلاثة جاءهم موسى بالبينات . وتقدمت قصصهم وقصة قارون في سورة القصص .
[ ص: 250 ] فأما ما جاء به موسى من البينات لفرعون وهامان فهي المعجزات التي تحداهم بها على صدقه فأعرض فرعون عنها واتبعه هامان وقومه . وأما ما جاء به موسى لقارون فنهيه عن البطر .
وأومأ قوله تعالى : فاستكبروا في الأرض إلى أنهم كفروا عن عناد وكبرياء لا عن جهل وغلواء كما قال تعالى : وأضله الله على علم فكان حالهم كحال صناديد قريش الذين لا يظن أن فطنتهم لم تبلغ بهم إلى تحقق أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - صدق وأن ما جاء به القرآن حق ولكن غلبت الأنفة . وموقع جملة ولقد جاءهم موسى كموقع جملة وقد تبين لكم من مساكنهم .
والاستكبار : شدة الكبر ، فالسين والتاء للتأكيد كقوله : وكانوا مستبصرين .
وتعليق قوله : " في الأرض " بـ استكبروا للإشعار بأن استكبار كل منهم كان في جميع البلاد التي هو منها ، فيومئ ذلك أن كل واحد من هؤلاء كان سيدا مطاعا في الأرض .
فالتعريف في الأرض للعهد ، فيصح أن يكون المعهود هو أرض كل منهم ، أو أن يكون المعهود الكرة الأرضية ، مبالغة في انتشار استكبار كل منهم في البلاد حتى كأنه يعم الدنيا كلها .
ومعنى السبق في قوله : وما كانوا سابقين الانفلات من تصريف الحكم فيهم . وقد تقدم في قوله تعالى : " ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا " في سورة الأنفال ، فالواو للحال ، أي استكبروا في حال أنهم لم يفدهم استكبارهم .
وإقحام فعل الكون بعد النفي لأن المنفي هو ما حسبوه نتيجة استكبارهم ، أي أنهم لا ينالهم أحد لعظمتهم . ومثل هذا الحال مثل أبي جهل حين قتله ابنا عفراء يوم بدر ، فقال له حين وجده محتضرا : أنت عبد الله بن مسعود أبو جهل ؟ فقال : وهل أعمد من رجل قتلتموه ، لو غير أكار قتلني " أي زراع ، يعني رجلا من الأنصار ؛ لأن الأنصار أهل حرث وزرع " .