ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين
عطف على جملة ثم إليه ترجعون تبيينا لحال المشركين في وقت ذلك الإرجاع كأنه قيل : ثم إليه ترجعون ويومئذ يبلس المجرمون . وله مزيد اتصال بجملة ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى وكان مقتضى الظاهر أن يقال ويومئذ يبلس المجرمون أو ويومئذ تبلسون ، أي ويوم ترجعون إليه يبلس المجرمون ، فعدل عن تقدير الجملة المضاف إليها ( يوم ) التي يدل عليها إليه ترجعون بذكر جملة أخرى هي في معناها لتزيد الإرجاع بيانا أنه إرجاع الناس إليه يوم تقوم الساعة ، فهو إطناب لأجل البيان وزيادة التهويل لما يقتضيه إسناد القيام إلى الساعة من المباغتة والرعب . ويدل لهذا القصد تكرير هذا الظرف في الآية بعدها بهذا الإطناب .
وشاع إطلاق الساعة على وقت الحشر والحساب وأصل الساعة : المقدار من الزمن ، ويتعين تحديده بالإضافة أو التعريف .
والإبلاس : سكون بحيرة . يقال : أبلس ، إذا لم يجد مخرجا من شدة هو فيها . وتقدم عند قوله تعالى إذا هم فيه مبلسون في سورة المؤمنين .
والمجرمون المشركون ، وهم الذين أجريت عليهم ضمائر الغيبة وضمائر الخطاب بقرينة قوله ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء .
والإظهار في مقام الإضمار لإجراء وصف الإجرام عليهم وكان مقتضى الظاهر أنه يقال : تبلسون ، بالخطاب أو بياء الغيبة . ووصفوا بالإجرام لتحقير دين الشرك وأنه مشتمل على إجرام كبير .
وقد ذكر أحد أسباب الإبلاس وأعظمها حينئذ وهو أنهم لم يجدوا شفعاء من [ ص: 63 ] آلهتهم التي أشركوا بها وكانوا يحسبونها شفعاء عند الله ، فلما نظروا وقلبوا النظر فلم يجدوا شفعاء خابوا وخسئوا وأبلسوا ، ولهم أسباب خيبة أخرى لم يتعلق الغرض بذكرها . وأما ما ينالهم من العذاب فذلك حالة يأس لا حالة إبلاس .
ومن تبعيضية ، وليس الكلام من قبيل التجريد .
ونفي فعل ( يكن ) بـ ( لم ) التي تخلص المضارع للمضي للإشارة إلى تحقيق حصول هذا النفي مثل قوله أتى أمر الله .
ومقابلة ضمير الجمع بصيغة جمع الشركاء من باب التوزيع ، أي لم يكن لأحد من المجرمين أحد شفيع فضلا عن عدة شفعاء .
وكذلك قوله وكانوا بشركائهم كافرين لأن المراد أنهم يكفرون بهم يوم تقوم الساعة كقوله تعالى ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا .
وكتب في المصحف ( شفعؤا ) بواو بعد العين وألف بعد الواو ، أرادوا بالجمع بين الواو والألف أن ينبهوا على أن الهمزة مضمومة ليعلم أن شفعاء اسم كان وأن ليس اسمها قوله ( من شركائهم ) بتوهم أن من اسم بمعنى بعض ، أو أنها مزيدة في النفي ، فأثبتوا الواو تحقيقا لضم الهمزة وأثبتوا الألف لأن الألف صورة للهمزة .