كاف الخطاب المتصل باسم الإشارة موجه إلى غير معين ، والمقصود به المشركون بقرينة قوله ( وأن ما تدعون من دونه الباطل ) بتاء الخطاب في قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي بكر عن عاصم . والمشار إليه هو المذكور آنفا وهو الإيلاج والتسخير .
وموقع هذه الجملة موقع النتيجة من الدليل فلها حكم بدل الاشتمال ولذلك فصلت ولم تعطف فإنهم معترفون بأن الله هو فاعل ذلك فلزمهم الدليل ونتيجته .
والمعنى : أن إيلاج الليل في النهار وعكسه وتسخير الشمس والقمر مسبب عن انفراد الله تعالى بالإلهية ، فالباء للسببية ، وهو ظرف مستقر خبر عن اسم الإشارة .
وضمير الفصل مفيد للاختصاص ، أي هو الحق لا أصنامكم ولا غيرها مما يدعى إلهية غيره تعالى .
[ ص: 187 ] والحق : هنا بمعنى الثابت ، ويفهم أن المراد حقية ثبوت إلهيته بقرينة السياق ولمقابلته بقوله ( وأن ما تدعون من دونه الباطل ) ، والمعنى : لما كان ذلك الصنع البديع مسببا عن انفراد الله بالإلهية كان ذلك أيضا دليلا على انفراد الله بالإلهية للتلازم بين السبب والمسبب . والتعريف في الحق والباطل تعريف الجنس .
وإنما لم يؤت بضمير الفصل في الشق الثاني لأن ما يدعونه من دون الله من أصنامهم يشترك معها في أنه باطل . وذكر ضمير الفصل في نظيره من سورة الحج لاقتضاء المقام ذلك كما تقدم .
والظاهر أنا إذا جعلنا الباء في بأن الله هو الحق باء السببية أن يكون قوله ( وأن ما تدعون من دونه الباطل ) عطفا على الخبر وهو مجموع ( بأن الله ) .
فالتقدير : ذلك أن ما تدعون من دونه الباطل . ويقدر حرف جر مناسب للمعنى حذف قبل أن وهو حرف على أي ذلك دال . وهذا كما قدر حرف ( عن ) في قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن ولا يكون عطفا على مدخول باء السببية إذ ليس لبطلان آلهتهم أثر في إيلاج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر ، أو تقدر لام العلة ، أي ذلك ، لأن ما تدعونه باطل ، فلذلك لم يكن لها حظ في إيلاج الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر باعتراف المشركين .
وقوله وأن الله هو العلي الكبير واقع موقع الفذلكة لما تقدم من دلالة إيلاج الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر لأنه إذا استقر أن ما ذكر دال على أن الله هو الحق بالإلهية ، ودال على أن ما يدعونه باطل ، ثبت أنه العلي الكبير دون أصنامهم . وقد اجتلب ضمير الفصل هنا للدلالة على الاختصاص وسلب العلو والعظمة عن أصنامهم .
والأحسن أن نجعل الباء للملابسة أو المصاحبة وهي ظرف مستقر خبر عن اسم الإشارة ، فإن شأن الباء التي للملابسة أن تكون ظرفا مستقرا بل قال الرضي : إنها لا تكون إلا كذلك ، أي أنها لا تتعلق إلا بنحو الخبر أو الحال كما قال :
وما لي بحمد الله لحم ولا دم
[ ص: 188 ] أي حالة كوني ملابسا حمد الله ، أي غير ساخط من قضائه ، ويقال : أنت بخير النظرين ، أي مستقر .فالتقدير : ذلك المذكور من الإيلاج والتسخير ملابس لحقية إلهية الله تعالى ، ويكون المعطوفان معطوفين على المجرور بالياء ، أي ملابس لكون الله إلها حقا ، ولكون ما تدعون من دونه باطل الإلهية ولكون الله هو العلي الكبير . والملابسة المفادة بالباء هي ملابسة الدليل للمدلول وبذلك يستقيم النظم بدون تكلف ، ويزداد وقوع جملة ذلك بأن الله هو الحق إلى آخرها في موقع النتيجة وضوحا .
وضمير الفصل في قوله وأن الله هو العلي الكبير للاختصاص كما تقدم في قوله إن الله هو الغني الحميد .
والعلي : صفة مشتقة من العلو المعنوي المجازي وهو القدسية والشرف .
والكبير : وصف مشتق من الكبر المجازي وهو عظمة الشأن . وتقدم نظير هذه الآية في سورة الحج مع زيادة ضمير الفصل في قوله وأن ما تدعون من دونه الباطل وأن .