nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238nindex.php?page=treesubj&link=28973_880_24589حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين
الانتقال من غرض إلى غرض ، في آي القرآن ، لا تلزم له قوة ارتباط ، لأن القرآن ليس كتاب تدريس يرتب بالتبويب وتفريع المسائل بعضها على بعض ولكنه كتاب تذكير ، وموعظة فهو مجموع ما نزل من الوحي في هدي الأمة ، وتشريعها وموعظتها ، وتعليمها ، فقد يجمع فيه الشيء للشيء ، من غير لزوم ارتباط ، وتفرع مناسبة ، وربما كفى في ذلك نزول الغرض الثاني ، عقب الغرض الأول ، أو تكون الآية مأمورا بإلحاقها بموضع معين من إحدى سور القرآن . كما تقدم في المقدمة الثامنة ، ولا يخلو ذلك من مناسبة في المعاني ، أو في انسجام نظم الكلام ، فلعل آية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات نزلت عقب آيات تشريع العدة والطلاق ، لسبب اقتضى ذلك : من غفلة عن
nindex.php?page=treesubj&link=859الصلاة الوسطى ، أو استشعار مشقة في المحافظة عليها ، فموقع هذه الآية موقع الجملة المعترضة بين أحكام الطلاق والعدد ، وإذا أبيت ألا تطلب الارتباط فالظاهر أنه لما طال تبيان أحكام كثيرة متوالية : ابتداء من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يسألونك ماذا ينفقون ، جاءت هذه الآية مرتبطة بالتذييل الذي ذيلت به الآية السابقة : وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم فإن الله دعانا إلى خلق حميد ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=20032العفو عن الحقوق ، ولما كان ذلك الخلق قد يعسر على النفس ، لما فيه من ترك ما تحبه من الملائم ، من مال وغيره : كالانتقام من الظالم ، وكان في طباع الأنفس الشح ، علمنا الله تعالى دواء
[ ص: 466 ] هذا الداء بدواءين ، أحدهما دنيوي عقلي ، وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237ولا تنسوا الفضل بينكم ، المذكر بأن العفو يقرب إليك البعيد ، ويصير العدو صديقا وإنك إن عفوت فيوشك أن تقترف ذنبا فيعفى عنك ، إذا تعارف الناس الفضل بينهم ، بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازعون عن الحق .
الدواء الثاني أخروي روحاني : وهو الصلاة التي وصفها الله تعالى في آية أخرى بأنها
nindex.php?page=treesubj&link=24589_25208تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فلما كانت معينة على التقوى ، ومكارم الأخلاق ، حث الله على المحافظة عليها ، ولك أن تقول : لما طال تعاقب الآيات المبينة تشريعات تغلب فيها الحظوظ الدنيوية للمكلفين ، عقبت تلك التشريعات بتشريع تغلب فيه الحظوظ الأخروية ، لكي لا يشتغل الناس بدراسة أحد الصنفين من التشريع ، عن دراسة الصنف الآخر ، قال
البيضاوي : أمر بالمحافظة عليها في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج ، لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها .
وقال بعضهم : ( لما ذكر حقوق الناس دلهم على المحافظة على حقوق الله ) وهو في الجملة . مع الإشارة إلى أن في
nindex.php?page=treesubj&link=19609_19611_19612العناية بالصلوات أداء حق الشكر لله تعالى على ما وجه إلينا من عنايته بأمورنا التي بها قوام نظامنا وقد أومأ إلى ذلك قوله في آخر الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=239كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون أي من قوانين المعاملات النظامية .
وعلى هذين الوجهين الآخرين تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات معترضة وموقعها ومعناها مثل موقع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا بالصبر والصلاة بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي . وبين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=47يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين . وكموقع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فلا تخشوهم واخشوني الآية وبين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية .
( وحافظوا ) صيغة مفاعلة استعملت هنا للمبالغة على غير حقيقتها . والمحافظة عليها هي المحافظة على أوقاتها من أن تؤخر عنها والمحافظة تؤذن بأن المتعلق بها حق عظيم يخشى التفريط فيه .
[ ص: 467 ] والمراد :
nindex.php?page=treesubj&link=847الصلوات المفروضة و ( ال ) في الصلوات للعهد ، وهي الصلوات الخمس المتكررة ; لأنها التي تطلب المحافظة عليها .
والصلاة الوسطى لا شك أنها صلاة من جملة الصلوات المفروضة : لأن الأمر بالمحافظة عليها يدل على أنها من الفرائض ، وقد ذكرها الله تعالى في هذه الآية معرفة بلام التعريف ، وموصوفة بأنها وسطى ، فسمعها المسلمون وقرءوها ، فإما عرفوا المقصود منها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم طرأ عليهم الاحتمال بعده فاختلفوا ، وإما شغلتهم العناية بالسؤال عن مهمات الدين في حياة الرسول عن السؤال عن تعيينها : لأنهم كانوا عازمين على المحافظة على الجميع ، فلما تذاكروها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم اختلفوا في ذلك فنبع من ذلك خلاف شديد : أنهيت الأقوال فيه إلى نيف وعشرين قولا ، بالتفريق والجمع ، وقد سلكوا للكشف عنها مسالك ; مرجعها إلى أخذ ذلك من الوصف بالوسطى ، أو من الوصاية بالمحافظة عليها .
فأما الذين تعلقوا بالاستدلال بوصف الوسطى : فمنهم من حاول جعل الوصف من الوسط بمعنى الخيار والفضل ، فرجع إلى تتبع ما ورد في تفضيل بعض الصلوات على بعض ، مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78إن قرآن الفجر كان مشهودا وحديث
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=10341297أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب .
ومنهم من حاول جعل الوصف من الوسط : وهو الواقع بين جانبين متساويين من العدد فذهب يتطلب الصلاة التي هي بين صلاتين من كل جانب ، ولما كانت كل واحدة من الصلوات الخمس صالحة لأن تعتبر واقعة بين صلاتين ، لأن ابتداء الأوقات اعتباري ، ذهبوا يعينون المبدأ : فمنهم من جعل المبدأ ابتداء النهار ، فجعل مبدأ الصلوات الخمس صلاة الصبح فقضي بأن الوسطى : العصر ، ومنهم من جعل المبدأ الظهر ، لأنها أول صلاة فرضت ; كما في حديث
جبريل في الموطأ ، فجعل الوسطى : المغرب .
وأما الذين تعقلوا بدليل الوصاية على المحافظة ، فذهبوا يتطلبون أشق صلاة على الناس : تكثر المتطلبات عنها ، فقال قوم : هي الظهر لأنها أشق صلاة عليهم
بالمدينة ، كانوا أهل شغل ، وكانت تأتيهم الظهر وهم قد أتعبتهم أعمالهم ، وربما كانوا في إكمال أعمالهم ، وقال قوم : هي العشاء ; لما ورد أنها أثقل صلاة على المنافقين ، وقال بعضهم : هي العصر لأنها وقت شغل وعمل ; وقال قوم : هي الصبح لأنها وقت نوم في الصيف ، ووقت تطلب الدفء في الشتاء .
[ ص: 468 ] وأصح ما في هذا الخلاف : ما جاء من جهة الأثر وذلك قولان : أحدهما أنها الصبح . هذا قول جمهور فقهاء
المدينة ، وهو قول
عمر ، وابنه
عبد الله وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ، وبه قال
مالك ، وهو عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا ، لأن الشائع عندهم أنها الصبح ، وهم أعلم الناس بما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قول ، أو فعل ، أو قرينة حال .
القول الثاني : أنها العصر ، وهذا قول جمهور من أهل الحديث ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، وروي عن
علي أيضا ، وهو الأصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري ، ونسب إلى
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ،
والحسن ، وبه قال
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في رواية ، ومال إليه
ابن حبيب من المالكية ، وحجتهم ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341298أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق حين نسي أن يصلي العصر من شدة الشغل في حفر الخندق ، حتى غربت الشمس فقال : شغلونا - أي المشركون - عن الصلاة الوسطى ، أضرم الله قبورهم نارا .
والأصح من هذين القولين أولهما : لما في الموطأ والصحيحين ، أن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أمرتا كاتبي مصحفيهما أن يكتبا قوله تعالى ( حافظوا على الصلوات الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وأسندت
عائشة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تسنده
حفصة ، فإذا بطل أن تكون الوسطى هي العصر ، بحكم عطفها على الوسطى تعين كونها الصبح ، هذا من جهة الأثر .
وأما من جهة مسالك الأدلة المتقدمة ، فأفضلية الصبح ثابتة بالقرآن ، قال تعالى ، مخصصا لها بالذكر
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وفي الصحيح أن ملائكة الليل ، وملائكة النهار ، يجتمعون عند صلاة الصبح ، وتوسطها بالمعنى الحقيقي ظاهر ، لأن وقتها بين الليل والنهار ، فالظهر والعصر نهاريتان ، والمغرب والعشاء ليليتان ، والصبح وقت متردد بين الوقتين ، حتى إن الشرع عامل نافلته معاملة نوافل النهار : فشرع فيها الإسرار ، وفريضته معاملة فرائض الليل : فشرع فيها الجهر .
ومن جهة الوصايا بالمحافظة عليها ، هي أجدر الصلوات بذلك : لأنها الصلاة التي تكثر المثبطات عنها ، باختلاف الأقاليم والعصور والأمم ، بخلاف غيرها فقد تشق إحدى الصلوات الأخرى على طائفة دون أخرى ، بحسب الأحوال والأقاليم والفصول .
[ ص: 469 ] ومن الناس من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى قصد إخفاؤها ليحافظ الناس على جميع الصلوات ، وهذا قول باطل ; لأن الله تعالى عرفها باللام ووصفها . فكيف يكون مجموع هذين المعرفين غير مفهوم ، وأما قياس ذلك على ساعة الجمعة وليلة القدر ففاسد ، لأن كليهما قد ذكر بطريق الإبهام وصحت الآثار بأنها غير معينة . هذا خلاصة ما يعرض هنا من تفسير الآية .
وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين أمر بالقيام في الصلاة بخضوع ، فالقيام : الوقوف ، وهو ركن في الصلاة فلا يترك إلا لعذر ، وأما القنوت : فهو الخضوع والخشوع قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وكانت من القانتين وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا وسمي به الدعاء المخصوص الذي يدعى به في صلاة الصبح أو في صلاة المغرب ، على خلاف بينهم ، وهو هنا محمول على الخضوع والخشوع ، وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341299كنا نسلم على رسول الله وهو يصلي فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، وقال : إن في الصلاة لشغلا nindex.php?page=hadith&LINKID=10341300وعن nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم : كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه ، في الصلاة ، حتى نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت .
فليس قانتين هنا بمعنى قارئين دعاء القنوت ، لأن ذلك الدعاء إنما سمي قنوتا استرواحا من هذه الآية عند الذين فسروا الوسطى بصلاة الصبح كما في حديث
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=10341301دعا النبيء على رعل وذكوان في صلاة الغداة شهرا وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238nindex.php?page=treesubj&link=28973_880_24589حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
الِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ ، فِي آيِ الْقُرْآنِ ، لَا تَلْزَمُ لَهُ قُوَّةُ ارْتِبَاطٍ ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كِتَابَ تَدْرِيسٍ يُرَتَّبُ بِالتَّبْوِيبِ وَتَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَكِنَّهُ كِتَابُ تَذْكِيرٍ ، وَمَوْعِظَةٍ فَهُوَ مَجْمُوعُ مَا نَزَلَ مِنَ الْوَحْيِ فِي هَدْيِ الْأُمَّةِ ، وَتَشْرِيعِهَا وَمَوْعِظَتِهَا ، وَتَعْلِيمِهَا ، فَقَدْ يُجْمَعُ فِيهِ الشَّيْءُ لِلشَّيْءِ ، مِنْ غَيْرِ لُزُومِ ارْتِبَاطٍ ، وَتَفَرُّعِ مُنَاسَبَةٍ ، وَرُبَّمَا كَفَى فِي ذَلِكَ نُزُولُ الْغَرَضِ الثَّانِي ، عَقِبَ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ ، أَوْ تَكُونُ الْآيَةُ مَأْمُورًا بِإِلْحَاقِهَا بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِحْدَى سُوَرِ الْقُرْآنِ . كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ ، وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعَانِي ، أَوْ فِي انْسِجَامِ نَظْمِ الْكَلَامِ ، فَلَعَلَّ آيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ نَزَلَتْ عَقِبَ آيَاتِ تَشْرِيعِ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ ، لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ : مِنْ غَفْلَةٍ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=859الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، أَوِ اسْتِشْعَارِ مَشَقَّةٍ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعُ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْعَدَدِ ، وَإِذَا أَبَيْتَ أَلَّا تَطْلُبَ الِارْتِبَاطَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمَّا طَالَ تِبْيَانُ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ : ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=215يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ، جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرْتَبِطَةً بِالتَّذْيِيلِ الَّذِي ذُيِّلَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ : وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ دَعَانَا إِلَى خُلُقٍ حُمَيْدٍ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20032الْعَفْوُ عَنِ الْحُقُوقِ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْخُلُقُ قَدْ يَعْسُرُ عَلَى النَّفْسِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ مَا تُحِبُّهُ مِنَ الْمَلَائِمِ ، مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ : كَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ ، وَكَانَ فِي طِبَاعِ الْأَنْفُسِ الشُّحُّ ، عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى دَوَاءَ
[ ص: 466 ] هَذَا الدَّاءِ بِدَوَاءَيْنِ ، أَحَدُهُمَا دُنْيَوِيٌّ عَقْلِيٌّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ، الْمُذَكِّرُ بِأَنَّ الْعَفْوَ يُقَرِّبُ إِلَيْكَ الْبَعِيدَ ، وَيُصَيِّرُ الْعَدُوَّ صَدِيقًا وَإِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ فَيُوشِكُ أَنْ تَقْتَرِفَ ذَنْبًا فَيُعْفَى عَنْكَ ، إِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْفَضْلَ بَيْنَهُمْ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصْبَحُوا لَا يَتَنَازَعُونَ عَنِ الْحَقِّ .
الدَّوَاءُ الثَّانِي أُخْرَوِيٌّ رُوحَانِيٌّ : وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=24589_25208تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، فَلَمَّا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى التَّقْوَى ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، حَثَّ اللَّهُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ : لَمَّا طَالَ تَعَاقُبُ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ تَشْرِيعَاتٍ تَغْلُبُ فِيهَا الْحُظُوظُ الدُّنْيَوِيَّةُ لِلْمُكَلَّفِينَ ، عُقِبَّتْ تِلْكَ التَّشْرِيعَاتُ بِتَشْرِيعٍ تَغْلِبُ فِيهِ الْحُظُوظُ الْأُخْرَوِيَّةُ ، لِكَيْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِدِرَاسَةِ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ التَّشْرِيعِ ، عَنْ دِرَاسَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ ، قَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ : أُمِرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي تَضَاعِيفِ أَحْكَامِ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ ، لِئَلَّا يُلْهِيَهُمُ الِاشْتِغَالُ بِشَأْنِهِمْ عَنْهَا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ( لَمَّا ذَكَرَ حُقُوقَ النَّاسِ دَلَّهُمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ ) وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ . مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19609_19611_19612الْعِنَايَةِ بِالصَّلَوَاتِ أَدَاءَ حَقِّ الشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَجَّهَ إِلَيْنَا مِنْ عِنَايَتِهِ بِأُمُورِنَا الَّتِي بِهَا قِوَامُ نِظَامِنَا وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=239كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ أَيْ مِنْ قَوَانِينِ الْمُعَامَلَاتِ النِّظَامِيَّةِ .
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ تَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ مُعْتَرِضَةً وَمَوْقِعُهَا وَمَعْنَاهَا مِثْلُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي . وَبَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=47يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَكَمَوْقِعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=153يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْآيَةَ وَبَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=154وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ الْآيَةَ .
( وَحَافِظُوا ) صِيغَةُ مُفَاعَلَةٍ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا . وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوْقَاتِهَا مِنْ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْهَا وَالْمُحَافَظَةُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ عَظِيمٌ يُخْشَى التَّفْرِيطُ فِيهِ .
[ ص: 467 ] وَالْمُرَادُ :
nindex.php?page=treesubj&link=847الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ وَ ( الْ ) فِي الصَّلَوَاتِ لِلْعَهْدِ ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ الْمُتَكَرِّرَةُ ; لِأَنَّهَا الَّتِي تُطْلَبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا .
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى لَا شَكَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ : لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَرَائِضِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُعَرَّفَةً بِلَامِ التَّعْرِيفِ ، وَمَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا وُسْطَى ، فَسَمِعَهَا الْمُسْلِمُونَ وَقَرَءُوهَا ، فَإِمَّا عَرَفُوا الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمُ الِاحْتِمَالُ بَعْدَهُ فَاخْتَلَفُوا ، وَإِمَّا شَغَلَتْهُمُ الْعِنَايَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ تَعْيِينِهَا : لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَلَمَّا تَذَاكَرُوهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَنَبَعَ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ شَدِيدٌ : أَنْهَيْتُ الْأَقْوَالَ فِيهِ إِلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ قَوْلًا ، بِالتَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ ، وَقَدْ سَلَكُوا لِلْكَشْفِ عَنْهَا مَسَالِكَ ; مَرْجِعُهَا إِلَى أَخْذِ ذَلِكَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْوُسْطَى ، أَوْ مِنِ الْوِصَايَةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا .
فَأَمَّا الَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِالِاسْتِدْلَالِ بِوَصْفِ الْوُسْطَى : فَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ جَعْلَ الْوَصْفِ مِنَ الْوَسَطِ بِمَعْنَى الْخِيَارِ وَالْفَضْلِ ، فَرَجَعَ إِلَى تَتَبُّعِ مَا وَرَدَ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى بَعْضٍ ، مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَحَدِيثِ
عَائِشَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341297أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ جَعْلَ الْوَصْفِ مِنَ الْوَسَطِ : وَهُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ جَانِبَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنَ الْعَدَدِ فَذَهَبَ يَتَطَلَّبُ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَلَمَّا كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ صَالِحَةً لِأَنْ تُعْتَبَرَ وَاقِعَةً بَيْنَ صَلَاتَيْنِ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارِيٌّ ، ذَهَبُوا يُعَيِّنُونَ الْمَبْدَأَ : فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَبْدَأَ ابْتِدَاءَ النَّهَارِ ، فَجَعَلَ مَبْدَأَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقُضِيَ بِأَنَّ الْوُسْطَى : الْعَصْرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَبْدَأَ الظَّهْرَ ، لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ ; كَمَا فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ فِي الْمُوَطَّأِ ، فَجَعَلَ الْوُسْطَى : الْمَغْرِبَ .
وَأَمَّا الَّذِينَ تَعَقَّلُوا بِدَلِيلِ الْوِصَايَةِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ ، فَذَهَبُوا يَتَطَلَّبُونَ أَشَقَّ صَلَاةٍ عَلَى النَّاسِ : تَكْثُرُ الْمُتَطَلَّبَاتُ عَنْهَا ، فَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ الظُّهْرُ لِأَنَّهَا أَشَقُّ صَلَاةٍ عَلَيْهِمْ
بِالْمَدِينَةِ ، كَانُوا أَهْلَ شُغْلٍ ، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمُ الظُّهْرُ وَهُمْ قَدْ أَتْعَبَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ ، وَرُبَّمَا كَانُوا فِي إِكْمَالِ أَعْمَالِهِمْ ، وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ الْعِشَاءُ ; لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ الْعَصْرُ لِأَنَّهَا وَقْتُ شُغْلٍ وَعَمَلٍ ; وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ الصُّبْحُ لِأَنَّهَا وَقْتُ نَوْمٍ فِي الصَّيْفِ ، وَوَقْتُ تَطَلُّبِ الدِّفْءِ فِي الشِّتَاءِ .
[ ص: 468 ] وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْخِلَافِ : مَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا الصُّبْحُ . هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ
الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
عُمَرَ ، وَابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ وَعَلِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَعَائِشَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ ، وَهُوَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَيْضًا ، لِأَنَّ الشَّائِعَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ قَوْلٍ ، أَوْ فِعْلٍ ، أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا الْعَصْرُ ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ أَيْضًا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَنُسِبَ إِلَى
عَائِشَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ ،
وَالْحَسَنِ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ ، وَمَالَ إِلَيْهِ
ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَحُجَّتُهُمْ مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341298أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مِنْ شِدَّةِ الشُّغْلِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ : شَغَلُونَا - أَيِ الْمُشْرِكُونَ - عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، أَضْرَمَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا .
وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلُهُمَا : لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ ، أَنْ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ أَمَرَتَا كَاتِبَيْ مُصْحَفَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَا قَوْلَهُ تَعَالَى ( حَافَظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) وَأَسْنَدَتْ
عَائِشَةُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ تُسْنِدْهُ
حَفْصَةُ ، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرَ ، بِحُكْمِ عَطْفِهَا عَلَى الْوُسْطَى تَعَيَّنَ كَوْنُهَا الصُّبْحَ ، هَذَا مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَسَالِكِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَأَفْضَلِيَّةُ الصُّبْحِ ثَابِتَةٌ بِالْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى ، مُخَصِّصًا لَهَا بِالذِّكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ ، وَمَلَائِكَةَ النَّهَارِ ، يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَتَوَسُّطُهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ وَقْتَهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ نَهَارِيَّتَانِ ، وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ لَيْلِيَّتَانِ ، وَالصُّبْحُ وَقْتٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ ، حَتَّى إِنَّ الشَّرْعَ عَامَلَ نَافِلَتَهُ مُعَامَلَةَ نَوَافِلِ النَّهَارِ : فَشَرَعَ فِيهَا الْإِسْرَارَ ، وَفَرِيضَتَهُ مُعَامَلَةَ فَرَائِضِ اللَّيْلِ : فَشَرَعَ فِيهَا الْجَهْرَ .
وَمِنْ جِهَةِ الْوَصَايَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، هِيَ أَجْدَرُ الصَّلَوَاتِ بِذَلِكَ : لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَكْثُرُ الْمُثَبِّطَاتُ عَنْهَا ، بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ وَالْعُصُورِ وَالْأُمَمِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَقَدْ تَشُقُّ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْأُخْرَى عَلَى طَائِفَةٍ دُونَ أُخْرَى ، بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَقَالِيمِ وَالْفُصُولِ .
[ ص: 469 ] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى قُصِدَ إِخْفَاؤُهَا لِيُحَافِظَ النَّاسُ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَهَا بِاللَّامِ وَوَصَفَهَا . فَكَيْفَ يَكُونُ مَجْمُوعُ هَذَيْنِ الْمُعَرَّفَيْنِ غَيْرَ مَفْهُومٍ ، وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى سَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَفَاسِدٌ ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا قَدْ ذُكِرَ بِطَرِيقِ الْإِبْهَامِ وَصَحَّتِ الْآثَارُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ . هَذَا خُلَاصَةُ مَا يُعْرَضُ هُنَا مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ أَمْرٌ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِخُضُوعٍ ، فَالْقِيَامُ : الْوُقُوفُ ، وَهُوَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَأَمَّا الْقُنُوتُ : فَهُوَ الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَسُمِّيَ بِهِ الدُّعَاءُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يُدْعَى بِهِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ ، وَهُوَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341299كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا ، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا ، وَقَالَ : إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا nindex.php?page=hadith&LINKID=10341300وَعَنْ nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : كَانَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ ، فِي الصَّلَاةِ ، حَتَّى نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ .
فَلَيْسَ قَانِتِينَ هُنَا بِمَعْنَى قَارِئِينَ دُعَاءَ الْقُنُوتِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الدُّعَاءَ إِنَّمَا سُمِّيَ قُنُوتًا اسْتِرْوَاحًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ الَّذِينَ فَسَّرُوا الْوُسْطَى بِصَلَاةِ الصُّبْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ
أَنَسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341301دَعَا النَّبِيءُ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ شَهْرًا وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ .