وهذا يؤذن بأن ، وأن أهل الجنة غير حاضرين ذلك المحضر . أهل الجنة عجل بهم إلى النعيم قبل أن يبعث إلى النار أهلها
وتعريف اليوم للعهد كما تقدم . وفائدة ذكر الظرف وهو " اليوم " التنويه بذلك اليوم بأنه يوم الفضل على المؤمنين المتقين .
والشغل : مصدر شغله ، إذا ألهاه . يقال : شغله بكذا عن كذا فاشتغل به . والظرفية مجازية ، جعل تلبسهم بالشغل كأنهم مظروفون فيه ، أي أحاط بهم شغل عن مشاهدة موقف أهل العذاب صرفهم الله عن منظر المزعجات لأن مشاهدتها لا تخلو من انقباض النفوس ، ولكون هذا هو المقصود عدل عن ذكر ما يشغلهم إذ لا غرض في ذكره ، فقوله ( في شغل ) خبر " إن " و " فاكهون " خبر ثان .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب " شغل " بضم فسكون . وقرأه الباقون بضمتين وهما لغتان فيه .
والفاكهه : ذو الفكاهة بضم الفاء ، وهي المزاح بالكلام المسر والمضحك ، وهي اسم مصدر ، فكه بكسر الكاف ، إذا مزح وسر . وعن بعض أهل اللغة : أنه لم [ ص: 42 ] يسمع له فعل من الثلاثي ، وكأنه يعني قلة استعماله ، وأما الأفعال غير الثلاثية من هذه المادة فقد جاء في المثل : لا تفاكه أمه ولا تبل على أكمه ، وقال تعالى فظلتم تفكهون .
وقرأ الجمهور " فاكهون " بصيغة اسم الفاعل . وقرأه أبو جعفر بدون ألف بصيغة مثال المبالغة .
وجملة هم وأزواجهم في ظلال إلى آخرها واقعة موقع البيان لجملة إن أصحاب الجنة إلخ . والمراد بـ ( أزواجهم ) لهم في الجنة . ومنهن من كن أزواجا لهم في الدنيا إن كن غير ممنوعات من الجنة قال تعالى الأزواج اللاتي أعدت جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .
والظلال قرأه الجمهور بوزن فعال بكسر أوله على جمع ظل ، أي ظل الجنات . وقرأه حمزة والكسائي وخلف " ظلل " بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلة وهي ما يظل كالقباب .
وجمع الظلال على القراءتين لأجل مقابلته بالجمع وهم أصحاب الجنة ، فكل منهم في ظل أو في ظلة .
والأرائك : جمع أريكة ، والأريكة : اسم لمجموع السرير والحجلة ، فإذا كان السرير في الحجلة سمي الجميع أريكة . وهذا من الكلمات الدالة على شيء مركب من شيئين مثل المائدة اسم للخوان الذي عليه طعام .
والاتكاء : هيئة بين الاضطجاع والجلوس وهو اضطجاع على جنب دون وضع الرأس والكتف على الفراش . وهو افتعال من وكأ المهموز ، إذا اعتمد ، أبدلت واوه تاء كما أبدلت في : تجاه وتراث ، وأخذ منه فعل اتكاء لأن المتكئ يشد قعدته ويرسخها بضرب من الاضطجاع . والاسم منه التكأة بوزن همزة ، وهو جلوس المتطلب للراحة والإطالة ، وهو جلسة أهل الرفاهية ، وقد تقدم عند قوله تعالى وأعتدت لهن متكأ في سورة يوسف . وكان المترفهون من الأمم المتحضرة يأكلون متكئين كان ذلك عادة سادة الفرس والروم ومن يتشبه بهم من العرب ولذا قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن الاتكاء يعين على امتداد [ ص: 43 ] المعدة فتقبل زيادة الطعام ولذلك كان الاتكاء في الطعام مكروها للإفراط في الرفاهية . أما أنا فلا آكل متكئا
وأما الاتكاء في غير حال الأكل فقد اتكأ النبيء - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه كما في حديث ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر : أنه . دخل المسجد فسأل عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقيل له هو ذلك الأزهر المتكئ
والفاكهة : ما يؤكل للتلذذ لا للشبع كالثمار والنقول ، وإنما خصت بالذكر لأنها عزيزة النوال للناس في الدنيا ، ولأنها استجلبها ذكر الاتكاء ؛ لأن شأن المتكئين أن يشتغلوا بتناول الفواكه .
ثم عمم ما أعد لهم بقوله ولهم ما يدعون و " يدعون " يجوز أن يكون متصرفا من الدعاء أو من الادعاء ، أي ما يدعون إليه أو ما يدعون في أنفسهم أنه لهم بإلهام إلهي . وصيغ له وزن الافتعال للمبالغة ، فوزن يدعون يفتعلون . أصله يدتعيون نقلت حركة الياء إلى العين طلبا للتخفيف ؛ لأن الضم على الياء ثقيل بعد حذف حركة العين فبقيت الياء ساكنة وبعدها واو الجماعة لأنه مفيد معنى الإسناد إلى الجمع .
وهذا الافتعال لك أن تجعله من " دعا " ، والافتعال هنا يجعل فعل " دعا " قاصرا فينبغي تعليق مجرور به . والتقدير : ما يدعون لأنفسهم ، كقول لبيد :
فاشتوى ليلة ريح واجتمل
اشتوى إذا شوى لنفسه واجتمل إذا جمل لنفسه ، أي جمع الجميل وهو الشحم المذاب وهو الإهالة .وإن جعلته من الادعاء فمعناه : أنهم يدعون ذلك حقا لهم ، أي تتحدث أنفسهم بذلك فيؤول إلى معنى : ويتمنون في أنفسهم دون احتياج إلى أن يسألوا [ ص: 44 ] بالقول فلذلك قيل معنى يدعون يتمنون . يقال : ادع علي ما شئت ، أي تمن علي ، وفلان في خير ما ادعى ، أي في خير ما يتمنى ، ومنه قوله تعالى ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون في سورة فصلت .