nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902_29468ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير .
عطف
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله على
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264مثل الذي ينفق ماله رئاء الناس لزيادة بيان ما بين المرتبتين من البون ، وتأكيدا للثناء على المنفقين بإخلاص ، وتفننا في التمثيل ، فإنه قد مثله فيما سلف بحبة أنبتت سبع سنابل ، ومثله فيما سلف تمثيلا غير كثير التركيب ، لتحصل السرعة بتخيل مضاعفة الثواب ، فلما مثل حال المنفق رئاء بالتمثيل الذي مضى أعيد
nindex.php?page=treesubj&link=28902_26093تمثيل حال المنفق ابتغاء مرضاة الله بما هو أعجب في حسن التخيل ، فإن الأمثال تبهج السامع كلما كانت أكثر تركيبا وضمنت الهيئة المشبهة بها أحوالا حسنة تكسبها حسنا ليسري ذلك التحسين إلى المشبه ، وهذا من جملة مقاصد التشبيه .
[ ص: 51 ] وانتصب
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا على الحال بتأويل المصدر بالوصف ، أي مبتغين مرضاة الله ومثبتين من أنفسهم ، ولا يحسن نصبهما على المفعول له ، أما قوله : " ابتغاء " فلأن مفاد الابتغاء هو مفاد اللام التي ينتصب المفعول لأجله بإضمارها لأنه يأول إلى معنى : لأجل طلبهم مرضاة الله ، وأما قوله " وتثبيتا " فلأن حكمه حكم ما عطف هو عليه .
والتثبيت تحقيق الشيء وترسيخه ، وهو تمثيل يجوز أن يكون لكبح النفس عن التشكك والتردد . أي أنهم يمنعون أنفسهم من التردد في الإنفاق في وجوه البر ولا يتركون مجالا لخواطر الشح ، وهذا من قولهم : ثبت قدمه ، أي : لم يتردد ولم ينكص ، فإن إراضة النفس على فعل ما يشق عليها لها أثر في رسوخ الأعمال حتى تعتاد الفضائل وتصير لها ديدنا .
nindex.php?page=treesubj&link=23468_19921وإنفاق المال من أعظم ما ترسخ به الطاعة في النفس لأن المال ليس أمرا هينا على النفس ، وتكون ( من ) على هذا الوجه للتبعيض ، لكنه تبعيض مجازي باعتبار الأحوال ، أي تثبيتا لبعض أحوال النفس .
وموقع ( من ) هذه في الكلام يدل على الاستنزال والاقتصاد في تعلق الفعل ، بحيث لا يطلب تسلط الفعل على جميع ذات المفعول بل يكتفى ببعض المفعول ، والمقصود الترغيب في تحصيل الفعل والاستدراج إلى تحصيله ، وظاهر كلام الكشاف يقتضي أنه جعل التبعيض فيها حقيقيا .
ويجوز أن يكون ( تثبيتا ) تمثيلا للتصديق ، أي : تصديقا لوعد الله وإخلاصا في الدين ليخالف حال المنافقين ، فإن امتثال الأحكام الشاقة لا يكون إلا عن تصديق للآمر بها ، أي يدلون على تثبيت من أنفسهم .
و ( من ) على هذا الوجه ابتدائية ، أي تصديقا صادرا من أنفسهم .
ويجيء على الوجه الأول في تفسير التثبيت معنى أخلاقي جليل أشار إليه
الفخر ، وهو ما تقرر في الحكمة الخلقية أن تكرر الأفعال هو الذي يوجب حصول الملكة الفاضلة في النفس ، بحيث تنساق عقب حصولها إلى الكمالات باختيارها ، وبلا كلفة ولا
[ ص: 52 ] ضجر ، فالإيمان يأمر بالصدقة وأفعال البر ، والذي يأتي تلك المأمورات يثبت نفسه بأخلاق الإيمان ، وعلى هذا الوجه تصير الآية تحريضا على تكرير الإنفاق .
ومثل هذا الإنفاق بجنة بربوة إلخ ، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من مجموع أشياء تكامل بها تضعيف المنفعة ، فالهيئة المشبهة هي النفقة التي حف بها طلب رضا الله والتصديق بوعده فضوعفت أضعافا كثيرة أو دونها في الكثرة ، والهيئة المشبهة بها هي هيئة الجنة الطيبة المكان التي جاءها التهتان فزكا ثمرها وتزايد فأكملت الثمرة ، أو أصابها طل فكانت دون ذلك .
والجنة مكان من الأرض ذو شجر كثير بحيث يجن - أي يستر - الكائن فيها ، فاسمها مشتق من جن : إذا ستر ، وأكثر ما تطلق الجنة في كلامهم على ذات الشجر المثمر المختلف الأصناف ، فأما ما كان مغروسا نخيلا بحتا فإنما يسمى حائطا ، والمشتهر في بلاد العرب من الشجر المثمر غير النخيل هو الكرم وثمره العنب أشهر الثمار في بلادهم بعد التمر ، فقد كان الغالب على بلاد
اليمن والطائف ، ومن ثمارهم الرمان ، فإن كان النخل معها قيل لها جنة أيضا كما في الآية التي بعد هذه ، ومما يدل على أن الجنة لا يراد بها حائط النخل قوله تعالى في سورة الأنعام :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع فعطف النخل على الجنات ، وذكر العريش وهو مما يجعل للكرم ، هذا ما يستخلص من كلام علماء اللغة .
وقد حصل من تمثيل حال الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بحبة ثم بجنة جناس مصحف .
nindex.php?page=treesubj&link=28907_28973والربوة بضم الراء وفتحها مكان من الأرض مرتفع دون الجبيل ، وقرأ جمهور العشرة " بربوة " ، بضم الراء وقرأه
ابن عامر وعاصم بفتح الراء ، وتخصيص الجنة بأنها في ربوة لأن أشجار الربى تكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا فكان لهذا القيد فائدتان إحداهما قوة وجه الشبه كما أفاده قول ( ضعفين ) والثانية تحسين المشبه به الراجع إلى تحسين المشبه في تخيل السامع .
[ ص: 53 ] و ( الأكل ) بضم الهمزة وسكون الكاف وبضم الكاف أيضا ، وقد قيل إن كل ( فعل ) في كلام العرب فهو مخفف ( فعل ) ؛ كعنق وفلك وحمق . وهو في الأصل ما يؤكل ، وشاع في ثمار الشجر ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=16ذواتي أكل خمط وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=25تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وقرأ
نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ( أكلها ) بسكون الكاف . وقرأه
ابن عامر وحمزة وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف بضم الكاف .
وقوله : " ضعفين " التثنية فيه لمجرد التكرير ، مثل لبيك ، أي آتت أكلها مضاعفا على تفاوتها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265فإن لم يصبها وابل فطل أي فإن لم يصبها مطر غزير كفاها مطر قليل فآتت أكلها دون الضعفين ، والمعنى أن الإنفاق لابتغاء مرضاة الله له ثواب عظيم ، وهو مع ذلك متفاوت على تفاوت مقدار الإخلاص في الابتغاء والتثبيت كما تتفاوت أحوال الجنات الزكية في مقدار زكائها ولكنها لا تخيب صاحبها .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902_29468وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرُبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
عُطِفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264مَثَلُ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ لِزِيَادَةِ بَيَانِ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مِنَ الْبَوْنِ ، وَتَأْكِيدًا لِلثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْفِقِينَ بِإِخْلَاصٍ ، وَتَفَنُّنًا فِي التَّمْثِيلِ ، فَإِنَّهُ قَدْ مَثَّلَهُ فِيمَا سَلَفَ بِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ، وَمَثَّلَهُ فِيمَا سَلَفَ تَمْثِيلًا غَيْرَ كَثِيرِ التَّرْكِيبِ ، لِتَحْصُلَ السُّرْعَةُ بِتَخَيُّلِ مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ ، فَلَمَّا مَثَّلَ حَالَ الْمُنْفِقِ رِئَاءً بِالتَّمْثِيلِ الَّذِي مَضَى أُعِيدَ
nindex.php?page=treesubj&link=28902_26093تَمْثِيلُ حَالِ الْمُنْفِقِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ فِي حُسْنِ التَّخَيُّلِ ، فَإِنَّ الْأَمْثَالَ تُبْهِجُ السَّامِعَ كُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ تَرْكِيبًا وَضُمِّنَتِ الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِهَا أَحْوَالًا حَسَنَةً تُكْسِبُهَا حُسْنًا لِيَسْرِيَ ذَلِكَ التَّحْسِينُ إِلَى الْمُشَبَّهِ ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَقَاصِدِ التَّشْبِيهِ .
[ ص: 51 ] وَانْتَصَبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِالْوَصْفِ ، أَيْ مُبْتَغِينَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَمُثَبِّتِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَا يَحْسُنُ نَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ ، أَمَّا قَوْلُهُ : " ابْتِغَاءَ " فَلِأَنَّ مُفَادَ الِابْتِغَاءِ هُوَ مُفَادُ اللَّامِ الَّتِي يَنْتَصِبُ الْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ بِإِضْمَارِهَا لِأَنَّهُ يَأُولُ إِلَى مَعْنَى : لِأَجْلِ طَلَبِهِمْ مَرْضَاةَ اللَّهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَتَثْبِيتًا " فَلِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا عُطِفَ هُوَ عَلَيْهِ .
وَالتَّثْبِيتُ تَحْقِيقُ الشَّيْءِ وَتَرْسِيخُهُ ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَبْحِ النَّفْسِ عَنِ التَّشَكُّكِ وَالتَّرَدُّدِ . أَيْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ التَّرَدُّدِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَا يَتْرُكُونَ مَجَالًا لِخَوَاطِرِ الشُّحِّ ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ : ثَبَتَ قَدَمُهُ ، أَيْ : لَمْ يَتَرَدَّدْ وَلَمْ يَنْكِصْ ، فَإِنَّ إِرَاضَةَ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا لَهَا أَثَرٌ فِي رُسُوخِ الْأَعْمَالِ حَتَّى تَعْتَادَ الْفَضَائِلَ وَتَصِيرَ لَهَا دَيْدَنًا .
nindex.php?page=treesubj&link=23468_19921وَإِنْفَاقُ الْمَالِ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَرَسُخُ بِهِ الطَّاعَةُ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ أَمْرًا هَيِّنًا عَلَى النَّفْسِ ، وَتَكُونُ ( مِنْ ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلتَّبْعِيضِ ، لَكِنَّهُ تَبْعِيضٌ مَجَازِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ ، أَيْ تَثْبِيتًا لِبَعْضِ أَحْوَالِ النَّفْسِ .
وَمُوقِعُ ( مِنْ ) هَذِهِ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنْزَالِ وَالِاقْتِصَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ ، بِحَيْثُ لَا يُطْلَبُ تَسَلُّطُ الْفِعْلِ عَلَى جَمِيعِ ذَاتِ الْمَفْعُولِ بَلْ يُكْتَفَى بِبَعْضِ الْمَفْعُولِ ، وَالْمَقْصُودُ التَّرْغِيبُ فِي تَحْصِيلِ الْفِعْلِ وَالِاسْتِدْرَاجُ إِلَى تَحْصِيلِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَشَّافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ التَّبْعِيضَ فِيهَا حَقِيقِيًّا .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( تَثْبِيتًا ) تَمْثِيلًا لِلتَّصْدِيقِ ، أَيْ : تَصْدِيقًا لِوَعْدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصًا فِي الدِّينِ لِيُخَالِفَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ ، فَإِنَّ امْتِثَالَ الْأَحْكَامِ الشَّاقَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ تَصْدِيقٍ لِلْآمِرِ بِهَا ، أَيْ يَدُلُّونَ عَلَى تَثْبِيتٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَ ( مِنْ ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ابْتِدَائِيَّةٌ ، أَيْ تَصْدِيقًا صَادِرًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَيَجِيءُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ التَّثْبِيتِ مَعْنًى أَخْلَاقِيٌّ جَلِيلٌ أَشَارَ إِلَيْهِ
الْفَخْرُ ، وَهُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحِكْمَةِ الْخُلُقِيَّةِ أَنَّ تَكَرُّرَ الْأَفْعَالِ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ حُصُولَ الْمَلَكَةِ الْفَاضِلَةِ فِي النَّفْسِ ، بِحَيْثُ تَنْسَاقُ عَقِبَ حُصُولِهَا إِلَى الْكَمَالَاتِ بِاخْتِيَارِهَا ، وَبِلَا كُلْفَةٍ وَلَا
[ ص: 52 ] ضَجَرٍ ، فَالْإِيمَانُ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَأَفْعَالِ الْبِرِّ ، وَالَّذِي يَأْتِي تِلْكَ الْمَأْمُورَاتِ يُثَبِّتُ نَفْسَهُ بِأَخْلَاقِ الْإِيمَانِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ الْآيَةُ تَحْرِيضًا عَلَى تَكْرِيرِ الْإِنْفَاقِ .
وَمُثِّلَ هَذَا الْإِنْفَاقُ بِجَنَّةٍ بِرُبْوَةٍ إلخ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ تَكَامَلَ بِهَا تَضْعِيفُ الْمَنْفَعَةِ ، فَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ هِيَ النَّفَقَةُ الَّتِي حَفَّ بِهَا طَلَبُ رِضَا اللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِوَعْدِهِ فَضُوعِفَتْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً أَوْ دُونَهَا فِي الْكَثْرَةِ ، وَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِهَا هِيَ هَيْئَةُ الْجَنَّةِ الطَّيِّبَةِ الْمَكَانِ الَّتِي جَاءَهَا التَّهْتَانُ فَزَكَا ثَمَرُهَا وَتَزَايَدَ فَأُكْمِلَتِ الثَّمَرَةُ ، أَوْ أَصَابَهَا طَلٌّ فَكَانَتْ دُونَ ذَلِكَ .
وَالْجَنَّةُ مَكَانٌ مِنَ الْأَرْضِ ذُو شَجَرٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يُجَنُّ - أَيْ يُسْتَرُ - الْكَائِنُ فِيهَا ، فَاسْمُهَا مُشْتَقٌّ مِنْ جَنَّ : إِذَا سَتَرَ ، وَأَكْثَرُ مَا تُطْلَقُ الْجَنَّةُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى ذَاتِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ الْمُخْتَلِفِ الْأَصْنَافِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ مَغْرُوسًا نَخِيلًا بَحْتًا فَإِنَّمَا يُسَمَّى حَائِطًا ، وَالْمُشْتَهِرُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ غَيْرِ النَّخِيلِ هُوَ الْكَرْمُ وَثَمَرُهُ الْعِنَبُ أَشْهَرُ الثِّمَارِ فِي بِلَادِهِمْ بَعْدَ التَّمْرِ ، فَقَدْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى بِلَادِ
الْيَمَنِ وَالطَّائِفِ ، وَمِنْ ثِمَارِهِمُ الرُّمَّانُ ، فَإِنْ كَانَ النَّخْلُ مَعَهَا قِيلَ لَهَا جَنَّةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يُرَادُ بِهَا حَائِطُ النَّخْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ فَعَطَفَ النَّخْلَ عَلَى الْجَنَّاتِ ، وَذَكَرَ الْعَرِيشَ وَهُوَ مِمَّا يُجْعَلُ لِلْكَرْمِ ، هَذَا مَا يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ .
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِحَبَّةٍ ثُمَّ بِجَنَّةٍ جِنَاسٌ مُصَحَّفٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=28907_28973وَالرَّبْوَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَكَانٌ مِنَ الْأَرْضِ مُرْتَفِعٌ دُونَ الْجُبَيْلِ ، وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْعَشَرَةِ " بِرُبْوَة " ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَتَخْصِيصُ الْجَنَّةِ بِأَنَّهَا فِي رَبْوَةٍ لِأَنَّ أَشْجَارَ الرُّبَى تَكُونُ أَحْسَنَ مَنْظَرًا وَأَزْكَى ثَمَرًا فَكَانَ لِهَذَا الْقَيْدِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا قُوَّةُ وَجْهِ الشَّبَهِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ ( ضِعْفَيْنِ ) وَالثَّانِيَةُ تَحْسِينُ الْمُشَبَّهِ بِهِ الرَّاجِعُ إِلَى تَحْسِينِ الْمُشَبَّهِ فِي تَخَيُّلِ السَّامِعِ .
[ ص: 53 ] وَ ( الْأُكْلُ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَبِضَمِّ الْكَافِ أَيْضًا ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ كُلَّ ( فُعْلٍ ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَهُوَ مُخَفَّفُ ( فُعُلٍ ) ؛ كَعُنْقٍ وَفُلْكٍ وَحُمْقٍ . وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يُؤْكَلُ ، وَشَاعَ فِي ثِمَارِ الشَّجَرِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=16ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=25تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ ( أُكْلَهَا ) بِسُكُونِ الْكَافِ . وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِضَمِّ الْكَافِ .
وَقَوْلُهُ : " ضِعْفَيْنِ " التَّثْنِيَةُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّكْرِيرِ ، مِثْلُ لَبَّيْكَ ، أَيْ آتَتْ أُكُلَهَا مُضَاعَفًا عَلَى تَفَاوُتِهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ كَفَاهَا مَطَرٌ قَلِيلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا دُونَ الضِّعْفَيْنِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ لَهُ ثَوَابٌ عَظِيمٌ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَفَاوِتٌ عَلَى تَفَاوُتِ مِقْدَارِ الْإِخْلَاصِ فِي الِابْتِغَاءِ وَالتَّثْبِيتِ كَمَا تَتَفَاوَتُ أَحْوَالُ الْجَنَّاتِ الزَّكِيَّةِ فِي مِقْدَارِ زَكَائِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُخَيِّبُ صَاحِبَهَا .