" وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " .
الواو عاطفة على جملة ( فكيف كان عقاب ) ، أي ومثل ذلك الحق حقت كلمات ربك فالمشار إليه المصدر المأخوذ من قوله " حقت كلمات ربك " على نحو ما قرر غير مرة ، أولاها عند قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة ، وهو يفيد أن المشبه بلغ الغاية في وجه الشبه حتى لو أراد أحد أن يشبهه لم يشبهه إلا بنفسه .
ولك أن تجعل المشار إليه الأخذ المأخوذ من قوله ( فأخذتهم ) ، أي ومثل ذلك الأخذ الذي أخذ الله به قوم نوح والأحزاب من بعدهم حقت كلمات الله على الذين كفروا ، فعلم من تشبيه تحقق كلمات الله على الذين كفروا بذلك [ ص: 88 ] الأخذ لأن ذلك الأخذ كان تحقيقا لكلمات الله ، أي تصديقا لما أخبرهم به من الوعيد ، فالمراد ب ( الذين كفروا ) جميع الكافرين ، فالكلام تعميم بعد تخصيص فهو تذييل لأن المراد بالأحزاب الأمم المعهودة التي ذكرت قصصها فيكون ( الذين كفروا ) أعم . وبذلك يكون التشبيه في قوله " وكذلك حقت كلمات ربك " جاريا على أصل التشبيه من المغايرة بين المشبه والمشبه به ، وليس هو من قبيل قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ونظائره .
ويجوز أن يكون المراد ب ( الذين كفروا ) عين المراد بقوله آنفا ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا أي مثل أخذ قوم نوح والأحزاب حقت كلمات ربك على كفار قومك ، أي حقت عليهم كلمات الوعيد إذا لم يقلعوا عن كفرهم .
و ( كلمات الله ) هي أقواله التي أوحى بها إلى الرسل بوعيد المكذبين ، و ( على الذين كفروا ) يتعلق ب ( حقت ) .
وقوله أصحاب النار أنهم يجوز أن يكون بدلا من ( كلمات ربك ) بدلا مطابقا فيكون ضمير ( أنهم ) عائدا إلى ( الذين كفروا ) ، أي حق عليهم أن يكونوا أصحاب النار ، وفي هذا إيماء إلى أن الله غير معاقب أمة الدعوة المحمدية بالاستئصال لأنه أراد أن يخرج منهم ذرية مؤمنين .
ويجوز أن يكون على تقدير لام التعليل محذوفة على طريقة كثرة حذفها قبل أن ، والمعنى : لأنهم أصحاب النار ، فيكون ضمير ( أنهم ) عائدا إلى جميع ما ذكر قبله من قوم نوح والأحزاب من بعدهم ومن الذين كفروا .
وقرأ الجمهور كلمة ربك بالإفراد . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بصيغة الجمع ، والإفراد هنا مساو للجمع لأن المراد به الجنس بقرينة أن الضمير المجرور ب ( على ) تعلق بفعل ( حقت ) وهو ضمير جمع فلا جرم أن تكون الكلمة جنسا صادقا بالمتعدد بحسب تعدد أزمان كلمات الوعيد وتعدد الأمم المتوعدة .