nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267nindex.php?page=treesubj&link=28973_23468_23509_29711يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد .
إفضاء إلى المقصود وهو الأمر بالصدقات بعد أن قدم بين يديه مواعظ وترغيب وتحذير ، وهو طريقة بلاغية في الخطابة والخطاب ، فربما قدموا المطلوب ثم جاءوا بما يكسبه قبولا عند السامعين ، وربما قدموا ما يكسب القبول قبل المقصود كما هنا ، وهذا من ارتكاب خلاف مقتضى الظاهر في ترتيب الجمل ، ونكتة ذلك أنه قد شاع بين الناس الترغيب في الصدقة وتكرر ذلك في نزول القرآن فصار غرضا دينيا مشهورا ، وكان الاهتمام بإيضاحه والترغيب في أحواله والتنفير من نقائصه أجدر بالبيان ، ونظير هذا قول
علي في خطبته التي خطبها حين دخل
سفيان الغامدي - أحد قواد
أهل الشام - بلد
الأنبار - وهي من البلاد المطيعة للخليفة
علي - وقتلوا عاملها
حسان بن حسان البكري : أما بعد فإن من ترك الجهاد رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل ، وشمله البلاء ، وديث بالصغار ، وضرب على قلبه ، وسيم الخسف ، ومنع النصف ، ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم ، هذا أخو غامد قد وردت خيله
الأنبار . . . إلخ . وانظر كلمة الجهاد في هذه الخطبة فلعل أصلها القتال كما يدل عليه قوله بعده : إلى قتال هؤلاء . فحرفها قاصد أو غافل ، ولا إخالها تصدر عن
علي - رضي الله عنه - .
[ ص: 56 ] والأمر يجوز أن يكون للوجوب ، فتكون الآية في الأمر بالزكاة ، أو للندب ، فهي في صدقة التطوع ، أو هو للقدر المشترك في الطلب فتشمل الزكاة وصدقة التطوع ، والأدلة الأخرى تبين حكم كل ، والقيد بالطيبات يناسب تعميم النفقات .
nindex.php?page=treesubj&link=24477_28905_28973والمراد بالطيبات خيار الأموال ، فيطلق الطيب على الأحسن في صنفه ، والكسب ما يناله المرء بسعيه كالتجارة والغنيمة والصيد ، ويطلق الطيب على المال المكتسب بوجه حلال لا يخالطه ظلم ولا غش ، وهو الطيب عند الله كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341333من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا تلقاها الرحمن بيمينه الحديث ، وفي الحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341334إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا . ولم يذكر الطيبات مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267ومما أخرجنا لكم من الأرض اكتفاء بتقدم ذكره في قسيمه ، ويظهر أن ذلك لم يقيد بالطيبات لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أخرجنا لكم أشعر بأنه مما اكتسبه المرء بعمله بالحرث والغرس ونحو ذلك ، لأن الأموال الخبيثة تحصل غالبا من ظلم الناس أو التحيل عليهم وغشهم وذلك لا يتأتى في الثمرات المستخرجة من الأرض غالبا .
nindex.php?page=treesubj&link=2921_28973والمراد بما أخرج من الأرض الزروع والثمار ، فمنه ما يخرج بنفسه ، ومنه ما يعالج بأسبابه كالسقي للشجر والزرع ، ثم يخرجه الله بما أوجد من الأسباب العادية ، وبعض المفسرين عد المعادن داخلة في
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267مما أخرجنا لكم من الأرض وتجب على المعدن الزكاة عند
مالك إذا بلغ مقدار النصاب ، وفيه ربع العشر ، وهو من الأموال المفروضة وليس بزكاة عند
أبي حنيفة ، ولذلك قال : فيه الخمس ، وبعضهم عد الركاز داخلا فيما أخرج من الأرض ولكنه يخمس ، وألحق في الحكم بالغنيمة عند المالكية ، ولعل المراد بـ ( ما كسبتم ) الأموال المزكاة من العين والماشية ، وبالمخرج من الأرض الحبوب والثمار المزكاة .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28905وقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون أصل ( تيمموا ) تتيمموا ، حذفت تاء المضارعة في المضارع وتيمم بمعنى قصد وعمد .
والخبيث : الشديد سوءا في صنفه ؛ فلذلك يطلق على الحرام وعلى المستقذر . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويحرم عليهم الخبائث وهو الضد الأقصى للطيب ، فلا يطلق على الرديء إلا على وجه المبالغة ، ووقوع لفظه في سياق النهي يفيد عموم ما يصدق عليه اللفظ .
[ ص: 57 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267منه تنفقون حال والجار والمجرور للحال قدما عليه للدلالة على الاختصاص ، أي لا تقصدوا الخبيث في حال ألا تنفقوا إلا منه ، لأن محل النهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=23509يخرج الرجل صدقته من خصوص رديء ماله ، أما إخراجه من الجيد ومن الرديء فليس بمنهي لاسيما في الزكاة الواجبة ؛ لأنه يخرج عن كل ما هو عنده من نوعه ، وفي حديث الموطأ في البيوع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341335أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أرسل عاملا على صدقات خيبر فأتاه بتمر جنيب فقال له : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا ، ولكني أبيع الصاعين من الجمع بصاع من جنيب . فقال له : بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا . فدل على أن الصدقة تؤخذ من كل نصاب من نوعه ، ولكن المنهي عنه أن يخص الصدقة بالأصناف الرديئة ، وأما في الحيوان فيؤخذ الوسط لتعذر التنويع غالبا إلا إذا أكثر عدده فلا إشكال في تقدير الظرف هنا .
وقرأ الجمهور " تيمموا " بتاء واحدة خفيفة وصلا وابتداء ، أصله تتيمموا . وقرأه
البزي عن
ابن كثير بتشديد التاء في الوصل على اعتبار الإدغام .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه جملة حالية من ضمير " تنفقون " ويجوز أن يكون الكلام على ظاهره من الإخبار ، فتكون جملة الحال تعليلا لنهيهم عن
nindex.php?page=treesubj&link=23507الإنفاق من المال الخبيث شرعا بقياس الإنفاق منه على اكتسابه قياس مساواة ، أي كما تكرهون كسبه كذلك ينبغي أن تكرهوا إعطاءه ، وكأن كراهية كسبه كانت معلومة لديهم متقررة في نفوسهم ، ولذلك وقع القياس عليها .
ويجوز أن يكون الكلام مستعملا في النهي عن أخذ المال الخبيث ، فيكون الكلام منصرفا إلى غرض ثان وهو النهي عن أخذ المال الخبيث والمعنى : لا تأخذوه ، وعلى كلا الوجهين هو مقتض تحريم أخذ المال المعلومة حرمته على من هو بيده ولا يحله انتقاله إلى غيره .
nindex.php?page=treesubj&link=28907_28973والإغماض إطباق الجفن ، ويطلق مجازا على لازم ذلك ، فيطلق تارة على الهناء والاستراحة لأن من لوازم الإغماض راحة النائم . قال
الأعشى :
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي جفنا فإن لجنب المرء مضطجعا
[ ص: 58 ] أراد فاهنئي .
ويطلق تارة على لازمه من عدم الرؤية فيدل على التسامح في الأمر المكروه كقول
الطرماح :
لم يفتنا بالوتر قوم وللضي م رجال يرضون بالإغماض
فإذا أرادوا المبالغة في التغافل عن المكروه قالوا : أغمض عينه على قذى ، وذلك لأن إغماض الجفن مع وجود القذى في العين ، لقصد الراحة من تحرك القذى . قال
عبد العزيز بن زرارة الكلائي :
وأغمضت العيون على قذاها ولم أسمع إلى قال وقيل
والاستثناء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267إلا أن تغمضوا فيه على الوجه الأول من جعل الكلام إخبارا هو تقييد للنفي ، وأما على الوجه الثاني من جعل النفي بمعنى النهي فهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ؛ أما لا تأخذوه إلا إذا تغاضيتم عن النهي وتجاهلتموه .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267واعلموا أن الله غني حميد تذييل ، أي غني عن صدقاتكم التي لا تنفع الفقراء ، أو التي فيها استساغة الحرام ، حميد ، أي : شاكر لمن تصدق صدقة طيبة ، وافتتحه بـ " اعلموا " للاهتمام بالخبر كما تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه أو نزل المخاطبون الذين نهوا عن الإنفاق من الخبيث منزلة من لا يعلم أن الله غني فأعطوا لوجهه ما يقبله المحتاج بكل حال ، ولم يعلموا أنه يحمد من يعطي لوجهه من طيب الكسب .
والغني الذي لا يحتاج إلى ما تكثر حاجة غالب الناس إليه ، ولله الغنى المطلق فلا يعطى لأجله ولامتثال أمره إلا خير ما يعطيه أحد للغني عن المال .
والحميد من أمثلة المبالغة ، أي : شديد الحمد ، لأنه يثني على فاعلي الخيرات ، ويجوز أن يكون المراد أنه محمود ، فيكون " حميد " بمعنى مفعول ، أي فتخلقوا بذلك ؛ لأن صفات الله تعالى كمالات ، فكونوا أغنياء القلوب عن الشح محمودين على صدقاتكم ، ولا تعطوا صدقات تؤذن بالشح ولا تشكرون عليها .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267nindex.php?page=treesubj&link=28973_23468_23509_29711يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجَنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيُّ حَمِيدٌ .
إِفْضَاءٌ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ قُدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَوَاعِظُ وَتَرْغِيبٌ وَتَحْذِيرٌ ، وَهُوَ طَرِيقَةٌ بَلَاغِيَّةٌ فِي الْخَطَابَةِ وَالْخِطَابِ ، فَرُبَّمَا قَدَّمُوا الْمَطْلُوبَ ثُمَّ جَاءُوا بِمَا يُكْسِبُهُ قَبُولًا عِنْدَ السَّامِعِينَ ، وَرُبَّمَا قَدَّمُوا مَا يُكْسِبُ الْقَبُولَ قَبْلَ الْمَقْصُودِ كَمَا هُنَا ، وَهَذَا مِنِ ارْتِكَابِ خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فِي تَرْتِيبِ الْجُمَلِ ، وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ التَّرْغِيبُ فِي الصَّدَقَةِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ فَصَارَ غَرَضًا دِينِيًّا مَشْهُورًا ، وَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِإِيضَاحِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِي أَحْوَالِهِ وَالتَّنْفِيرُ مِنْ نَقَائِصِهِ أَجْدَرَ بِالْبَيَانِ ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ
عَلِيٍّ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي خَطَبَهَا حِينَ دَخَلَ
سُفْيَانُ الْغَامِدِيُّ - أَحَدَ قُوَّادِ
أَهْلِ الشَّامِ - بَلَدَ
الْأَنْبَارِ - وَهِيَ مِنَ الْبِلَادِ الْمُطِيعَةِ لِلْخَلِيفَةِ
عَلِيٍّ - وَقَتَلُوا عَامِلَهَا
حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ ، وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ ، وَسِيمَ الْخَسْفَ ، وَمُنِعَ النَّصَفَ ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذُلُّوا ، فَتَوَاكَلْتُمْ ، هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ
الْأَنْبَارَ . . . إلخ . وَانْظُرْ كَلِمَةَ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّ أَصْلَهَا الْقِتَالُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ : إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ . فَحَرَّفَهَا قَاصِدٌ أَوْ غَافِلٌ ، وَلَا إِخَالُهَا تَصْدُرُ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
[ ص: 56 ] وَالْأَمْرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ ، فَتَكُونَ الْآيَةُ فِي الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ ، أَوْ لِلنَّدَبِ ، فَهِيَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، أَوْ هُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الطَّلَبِ فَتَشْمَلُ الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ ، وَالْأَدِلَّةُ الْأُخْرَى تُبَيِّنُ حُكْمَ كُلٍّ ، وَالْقَيْدُ بِالطَّيِّبَاتِ يُنَاسِبُ تَعْمِيمَ النَّفَقَاتِ .
nindex.php?page=treesubj&link=24477_28905_28973وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ خِيَارُ الْأَمْوَالِ ، فَيُطْلَقُ الطَّيِّبُ عَلَى الْأَحْسَنِ فِي صِنْفِهِ ، وَالْكَسْبُ مَا يَنَالُهُ الْمَرْءُ بِسَعْيِهِ كَالتِّجَارَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّيْدِ ، وَيُطْلَقُ الطَّيِّبُ عَلَى الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ بِوَجْهٍ حَلَالٍ لَا يُخَالِطُهُ ظُلْمٌ وَلَا غِشٌّ ، وَهُوَ الطَّيِّبُ عِنْدَ اللَّهِ كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341333مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طِيبًا تَلَقَّاهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ الْحَدِيثَ ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341334إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا . وَلَمْ يَذْكُرِ الطَّيِّبَاتِ مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ اكْتِفَاءً بِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَسِيمِهِ ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالطَّيِّبَاتِ لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أَخْرَجْنَا لَكُمْ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ الْمَرْءُ بِعَمَلِهِ بِالْحَرْثِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الْخَبِيثَةَ تُحَصَّلُ غَالِبًا مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ أَوِ التَّحَيُّلِ عَلَيْهِمْ وَغِشِّهِمْ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الثَّمَرَاتِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنَ الْأَرْضِ غَالِبًا .
nindex.php?page=treesubj&link=2921_28973وَالْمُرَادُ بِمَا أُخْرِجَ مِنَ الْأَرْضِ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ ، فَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُ مَا يُعَالَجُ بِأَسْبَابِهِ كَالسَّقْيِ لِلشَّجَرِ وَالزَّرْعِ ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ بِمَا أَوْجَدَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ ، وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَدَّ الْمَعَادِنَ دَاخِلَةً فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267مِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَتَجِبُ عَلَى الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ عِنْدَ
مَالِكٍ إِذَا بَلَغَ مِقْدَارَ النِّصَابِ ، وَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ ، وَهُوَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَيْسَ بِزَكَاةٍ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : فِيهِ الْخُمُسُ ، وَبَعْضُهُمْ عَدَّ الرِّكَازَ دَاخِلًا فِيمَا أُخْرِجَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَكِنَّهُ يُخَمَّسُ ، وَأُلْحِقَ فِي الْحُكْمِ بِالْغَنِيمَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِـ ( مَا كَسَبْتُمُ ) الْأَمْوَالُ الْمُزَكَّاةُ مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ ، وَبِالْمُخْرَجِ مِنَ الْأَرْضِ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ الْمُزَكَّاةُ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28905وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ أَصْلُ ( تَيَمَّمُوا ) تَتَيَمَّمُوا ، حُذِفَتْ تَاءُ الْمُضَارَعَةِ فِي الْمُضَارِعِ وَتَيَمَّمَ بِمَعْنَى قَصَدَ وَعَمَدَ .
وَالْخَبِيثُ : الشَّدِيدُ سُوءًا فِي صِنْفِهِ ؛ فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ وَعَلَى الْمُسْتَقْذَرِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَهُوَ الضِّدُّ الْأَقْصَى لِلطَّيِّبِ ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الرَّدِيءِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ ، وَوُقُوعُ لَفْظِهِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ يُفِيدُ عُمُومَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ .
[ ص: 57 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267مِنْهُ تُنْفِقُونَ حَالٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لِلْحَالِ قُدِّمَا عَلَيْهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ ، أَيْ لَا تَقْصِدُوا الْخَبِيثَ فِي حَالِ أَلَّا تُنْفِقُوا إِلَّا مِنْهُ ، لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23509يُخْرِجَ الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ مِنْ خُصُوصِ رَدِيءِ مَالِهِ ، أَمَّا إِخْرَاجُهُ مِنَ الْجَيِّدِ وَمِنَ الرَّدِيءِ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ لَاسِيَّمَا فِي الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ عِنْدَهُ مِنْ نَوْعِهِ ، وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ فِي الْبُيُوعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341335أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ عَامِلًا عَلَى صَدَقَاتِ خَيْبَرَ فَأَتَاهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي أَبِيعُ الصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ بِصَاعٍ مِنْ جَنِيبٍ . فَقَالَ لَهُ : بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مَنْ كُلِّ نِصَابٍ مِنْ نَوْعِهِ ، وَلَكِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يَخُصَّ الصَّدَقَةَ بِالْأَصْنَافِ الرَّدِيئَةِ ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ فَيُؤْخَذُ الْوَسَطُ لِتَعَذُّرِ التَّنْوِيعِ غَالِبًا إِلَّا إِذَا أَكْثَرَ عَدَدَهُ فَلَا إِشْكَالَ فِي تَقْدِيرِ الظَّرْفِ هُنَا .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " تَيَمَّمُوا " بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ وَصْلًا وَابْتِدَاءً ، أَصْلُهُ تَتَيَمَّمُوا . وَقَرَأَهُ
الْبَزِّيُّ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ فِي الْوَصْلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِدْغَامِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ ضَمِيرِ " تُنْفِقُونَ " وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْإِخْبَارِ ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ الْحَالِ تَعْلِيلًا لِنَهْيِهِمْ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=23507الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَالِ الْخَبِيثِ شَرْعًا بِقِيَاسِ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَى اكْتِسَابِهِ قِيَاسَ مُسَاوَاةٍ ، أَيْ كَمَا تَكْرَهُونَ كَسْبَهُ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكْرَهُوا إِعْطَاءَهُ ، وَكَأَنَّ كَرَاهِيَةَ كَسْبِهِ كَانَتْ مَعْلُومَةً لَدَيْهِمْ مُتَقَرِّرَةً فِي نُفُوسِهِمْ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ الْخَبِيثِ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُنْصَرِفًا إِلَى غَرَضٍ ثَانٍ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ الْخَبِيثِ وَالْمَعْنَى : لَا تَأْخُذُوهُ ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ مُقْتَضٍ تَحْرِيمَ أَخْذِ الْمَالِ الْمَعْلُومَةِ حُرْمَتُهُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَلَا يُحِلُّهُ انْتِقَالُهُ إِلَى غَيْرِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28907_28973وَالْإِغْمَاضُ إِطْبَاقُ الْجَفْنِ ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى لَازِمِ ذَلِكَ ، فَيُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْهَنَاءِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْإِغْمَاضِ رَاحَةَ النَّائِمِ . قَالَ
الْأَعْشَى :
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي جَفْنًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
[ ص: 58 ] أَرَادَ فَاهْنَئِي .
وَيُطْلَقُ تَارَةً عَلَى لَازَمِهِ مِنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ فَيَدُلُّ عَلَى التَّسَامُحِ فِي الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ كَقَوْلِ
الطِّرِمَّاحِ :
لَمْ يَفُتْنَا بِالْوِتْرِ قَوْمٌ وَلِلضَّيْ مِ رِجَالٌ يَرْضَوْنَ بِالْإِغْمَاضِ
فَإِذَا أَرَادُوا الْمُبَالَغَةَ فِي التَّغَافُلِ عَنِ الْمَكْرُوهِ قَالُوا : أَغْمَضَ عَيْنَهُ عَلَى قَذًى ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِغْمَاضَ الْجَفْنِ مَعَ وُجُودِ الْقَذَى فِي الْعَيْنِ ، لِقَصْدِ الرَّاحَةِ مِنْ تَحَرُّكِ الْقَذَى . قَالَ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ زُرَارَةَ الْكَلَّائِيُّ :
وَأَغْمَضْتُ الْعُيُونَ عَلَى قَذَاهَا وَلَمْ أَسْمَعْ إِلَى قَالٍ وَقِيلِ
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ جَعْلِ الْكَلَامِ إِخْبَارًا هُوَ تَقْيِيدٌ لِلنَّفْيِ ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ جَعْلِ النَّفْيِ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَهُوَ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ ؛ أَمَا لَا تَأْخُذُوهُ إِلَّا إِذَا تَغَاضَيْتُمْ عَنِ النَّهْيِ وَتَجَاهَلْتُمُوهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ تَذْيِيلٌ ، أَيْ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَاتِكُمُ الَّتِي لَا تَنْفَعُ الْفُقَرَاءَ ، أَوِ الَّتِي فِيهَا اسْتِسَاغَةُ الْحَرَامِ ، حَمِيدٌ ، أَيْ : شَاكِرٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ صَدَقَةً طَيِّبَةً ، وَافْتَتَحَهُ بِـ " اعْلَمُوا " لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ أَوْ نُزِّلَ الْمُخَاطَبُونَ الَّذِينَ نُهُوا عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْخَبِيثِ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ فَأَعْطَوْا لِوَجْهِهِ مَا يَقْبَلُهُ الْمُحْتَاجُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يَحْمَدُ مَنْ يُعْطِي لِوَجْهِهِ مِنْ طَيِّبِ الْكَسْبِ .
وَالْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا تَكْثُرُ حَاجَةُ غَالِبِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، وَلِلَّهِ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَلَا يُعْطَى لِأَجْلِهِ وَلِامْتِثَالِ أَمْرِهِ إِلَّا خَيْرَ مَا يُعْطِيهِ أَحَدٌ لِلْغَنِيِّ عَنِ الْمَالِ .
وَالْحَمِيدُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ ، أَيْ : شَدِيدُ الْحَمْدِ ، لِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَى فَاعِلِي الْخَيْرَاتِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَحْمُودٌ ، فَيَكُونُ " حَمِيدٌ " بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، أَيْ فَتَخَلَّقُوا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَالَاتٌ ، فَكُونُوا أَغْنِيَاءَ الْقُلُوبِ عَنِ الشُّحِّ مَحْمُودِينَ عَلَى صَدَقَاتِكُمْ ، وَلَا تُعْطُوا صَدَقَاتٍ تُؤْذِنُ بِالشُّحِّ وَلَا تُشْكَرُونَ عَلَيْهَا .