nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275nindex.php?page=treesubj&link=28973_5366_33579_4419_28902_32396الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
نظم القرآن أهم أصول حفظ مال الأمة في سلك هاته الآيات ، فبعد أن ابتدأ بأعظم تلك الأصول وهو تأسيس مال للأمة به قوام أمرها ، يؤخذ من أهل الأموال أخذا عدلا مما كان فضلا عن الغنى ففرضه على الناس ، يؤخذ من أغنيائهم فيرد على فقرائهم ، سواء في ذلك ما كان مفروضا وهو الزكاة ، أو تطوعا وهو الصدقة ، فأطنب في الحث عليه ، والترغيب في ثوابه ، والتحذير في إمساكه ، ما كان فيه موعظة لمن اتعظ ، عطف الكلام إلى إبطال وسيلة كانت من أسباب ابتزاز الأغنياء أموال المحتاجين إليهم
[ ص: 79 ] وهي المعاملة بالربا الذي لقبه النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=treesubj&link=23758_5366ربا الجاهلية ، وهو أن يعطي المدين مالا لدائنه زائدا على قدر الدين لأجل الانتظار ، فإذا حل الأجل ولم يدفع زاد في الدين ، يقولون : إما أن تقضي وإما أن تربي ، وقد كان ذلك شائعا في الجاهلية ، كذا قال الفقهاء ، والظاهر أنهم كانوا يأخذون الربا على المدين من وقت إسلامه ، وكلما طلب النظرة أعطى ربا آخر ، وربما تسامح بعضهم في ذلك ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب مشتهرا بالمراباة في الجاهلية ، وجاء في خطبة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341345ألا وإن ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي nindex.php?page=showalam&ids=18عباس بن عبد المطلب .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا استئناف . وجيء بالموصول للدلالة على علة بناء الخبر وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لا يقومون إلى آخره .
والأكل في الحقيقة ابتلاع الطعام ، ثم أطلق على الانتفاع بالشيء وأخذه بحرص وأصله تمثيل ، ثم صار حقيقة عرفية فقالوا : أكل مال الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم ولا يختص بأخذ الباطل . ففي القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا .
nindex.php?page=treesubj&link=5363_28905والربا : اسم على وزن فعل بكسر الفاء وفتح العين ، لعلهم خففوه من الرباء - بالمد - فصيروه اسم مصدر لفعل ربا الشيء يربو ربوا بسكون الباء على القياس كما في الصحاح وبضم الراء والباء كعلو ، ورباء بكسر الراء وبالمد مثل الرماء : إذا زاد . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فلا يربو عند الله وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5اهتزت وربت ولكونه من ذوات الواو ثني على ربوان ، وكتب بالألف ، وكتبه بعض الكوفيين بالياء نظرا لجواز الإمالة فيه لمكان كسرة الراء ، ثم ثنوه بالياء لأجل الكسرة أيضا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ما رأيت خطأ أشنع من هذا ، ألا يكفيهم الخطأ في الخط حتى أخطأوا في التثنية كيف وهم يقرءون
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو بفتحة على الواو
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39في أموال الناس يشير إلى قراءة
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، وهما كوفيان ، وبقراءتهما يقرأ أهل
الكوفة .
[ ص: 80 ] وكتب الربا في المصحف حيثما وقع بعدها بواو بعدها ألف ، والشأن أن يكتب ألفا ، فقال صاحب الكشاف : كتبت كذلك على لغة من يفخم أي ينحو بالألف منحى الواو ، والتفخيم عكس الإمالة ، وهذا بعيد ، إذ ليس التفخيم لغة
قريش حتى يكتب بها المصحف ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : كتب كذلك للفرق بين الربا والزنا ، وهو أبعد لأن سياق الكلام لا يترك اشتباها بينهما من جهة المعنى إلا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32ولا تقربوا الزنا وقال
الفراء : إن العرب تعلموا الخط من
أهل الحيرة وهم
نبط يقولون في الربا : ربو - بواو ساكنة - فكتبت كذلك ، وهذا أبعد من الجميع .
والذي عندي أن الصحابة كتبوه بالواو ليشيروا إلى أصله كما كتبوا الألفات المنقلبة عن الياء في أواسط الكلمات بياءات عليها ألفات ، وكأنهم أرادوا في ابتداء الأمر أن يجعلوا الرسم مشيرا إلى أصول الكلمات ثم استعجلوا فلم يطرد في رسمهم ، ولذلك كتبوا الزكاة بالواو ، وكتبوا الصلاة بالواو تنبيها على أن أصلها هو الركوع من تحريك الصلوين لا من الاصطلاء ، وقال صاحب الكشاف : وكتبوا بعدها ألفا تشبيها بواو الجمع ، وعندي أن هذا لا معنى للتعليل به ، بل إنما كتبوا الألف بعدها عوضا عن أن يضعوا الألف فوق الواو ، كما وضعوا المنقلب عن ياء ألفا فوق الياء لئلا يقرأها الناس الربو .
وأريد بالذين يأكلون الربا هنا من كان على دين الجاهلية ، لأن هذا الوعيد والتشنيع لا يناسب إلا التوجه إليهم لأن ذلك من جملة أحوال كفرهم وهم لا يرعوون عنها ما داموا على كفرهم ، أما المسلمون فسبق لهم تشريع بتحريم الربا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة في سورة آل عمران ، وهم لا يقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا ، فجعل الله هذا الوعيد من جملة أصناف العذاب خاصا للكافرين لأجل ما تفرع عن كفرهم من وضع الربا .
وتقدم ذلك كله
nindex.php?page=treesubj&link=5366إنكار القرآن على أهل الجاهلية إعطاءهم الربا وهو من أول ما نعاه القرآن عليهم في
مكة ، فقد جاء في سورة الروم
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون [ ص: 81 ] وهو خطاب للمشركين لأن السورة مكية ولأن بعد الآية قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40الله خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء .
ومن عادات القرآن أن يذكر أحوال الكفار إغلاظا عليهم ، وتعريضا بتخويف المسلمين ليكره إياهم أحوال أهل الكفر ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كل
nindex.php?page=treesubj&link=28914ما جاء في القرآن من ذم أحوال الكفار فمراد منه أيضا تحذير المسلمين من مثله في الإسلام ، ولذلك قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276والله لا يحب كل كفار أثيم .
ثم عطف إلى خطاب المسلمين فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الآيات ، ولعل بعض المسلمين لم ينكف عن تعاطي الربا أو لعل بعضهم فتن بقول الكفار :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا ، فكانت آية سورة آل عمران مبدأ التحريم ، وكانت هذه الآية إغلاق باب المعذرة في أكل الربا وبيانا لكيفية تدارك ما سلف منه .
nindex.php?page=treesubj&link=5372والربا يقع على وجهين : أحدهما السلف بزيادة على ما يعطيه المسلف ، والثاني السلف بدون زيادة إلى أجل ، يعني فإذا لم يوف المستسلف أداء الدين عند الأجل كان عليه أن يزيد فيه زيادة يتفقان عليها عند حلول كل أجل .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لا يقومون حقيقة القيام النهوض والاستقلال ، ويطلق مجازا على تحسن الحال ، وعلى القوة ، من ذلك : قامت السوق ، وقامت الحرب ، فإن كان القيام المنفي هنا القيام الحقيقي فالمعنى : لا يقومون
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=6يوم يقوم الناس لرب العالمين إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، أي : إلا قياما كقيام الذي يتخبطه الشيطان ، وإن كان القيام المجازي فالمعنى إما على أن حرصهم ونشاطهم في معاملات الربا كقيام المجنون تشنيعا لجشعهم ، قاله
ابن عطية ، ويجوز على هذا أن يكون المعنى تشبيه ما يعجب الناس من استقامة حالهم ووفرة مالهم ، وقوة تجارتهم ، بما يظهر من حال الذي يتخبطه الشيطان حتى تخاله قويا سريع الحركة ، مع أنه لا يملك لنفسه شيئا ، فالآية على المعنى الحقيقي وعيد لهم بابتداء تعذيبهم من وقت القيام للحساب إلى أن يدخلوا النار ، وهذا هو الظاهر وهو المناسب لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وهي على المعنى المجازي
[ ص: 82 ] تشنيع ، أو توعد بسوء الحال في الدنيا ولقي المتاعب ومرارة الحياة تحت صورة يخالها الرائي مستقيمة .
nindex.php?page=treesubj&link=28905والتخبط مطاوع ( خبطه ) : إذا ضربه ضربا شديدا فاضطرب له ، أي : تحرك تحركا شديدا ، ولما كان من لازم هذا التحرك عدم الاتساق ، أطلق التخبط على اضطراب الإنسان من غير اتساق ، ثم إنهم يعمدون إلى فعل المطاوعة فيجعلونه متعديا إلى مفعول إذا أرادوا الاختصار ، فعوضا عن أن يقولوا خبطه فتخبط يقولون : تخبطه . كما قالوا : اضطره إلى كذا . فتخبط الشيطان المرء جعله إياه متخبطا ، أي : متحركا على غير اتساق .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902والذي يتخبطه الشيطان هو المجنون الذي أصابه الصرع ، فيضطرب به اضطرابات ، ويسقط على الأرض إذا أراد القيام ، فلما شبهت الهيئة بالهيئة جيء في لفظ الهيئة المشبه بها ، بالألفاظ الموضوعة للدلالة عليها في كلامهم ، وإلا لما فهمت الهيئة المشبه بها ، وقد عرف ذلك عندهم ، قال
الأعشى يصف ناقته بالنشاط وسرعة السير ، بعد أن سارت ليلا كاملا :
وتصبح عن غب السرى وكأنها ألم بها من طائف الجن أولق
nindex.php?page=treesubj&link=28905والمس في الأصل هو اللمس باليد كقولها : المس مس أرنب ، وهو إذا أطلق معرفا بدون عهد مس معروف دل عندهم على مس الجن ، فيقولون : رجل ممسوس أي مجنون ، وإنما احتيج إلى زيادة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275من المس ليظهر المراد من تخبط الشيطان فلا يظن أنه تخبط مجازي بمعنى الوسوسة و " من " ابتدائية متعلقة بـ " يتخبطه " لا محالة .
وهذا عند
المعتزلة جار على ما عهده العربي مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طلعها كأنه رءوس الشياطين وقول
امرئ القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال .
إلا أن هذا مشاهد وعلته متخيلة ، والآخران متخيلان لأنهم ينكرون تأثير الشياطين بغير الوسوسة ، وعندنا هو أيضا مبني على تخييلهم والصرع إنما يكون من علل
[ ص: 83 ] تعتري الجسم مثل فيضان المرة عند الأطباء المتقدمين وتشنج المجموع العصبي عند المتأخرين ، إلا أنه يجوز عندنا أن تكون هاته العلل كلها تنشأ في الأصل من توجهات شيطانية ، فإن عوالم المجردات - كالأرواح - لم تنكشف أسرارها لنا حتى الآن ولعل لها ارتباطات شعاعية هي مصادر الكون والفساد .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا الإشارة إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275كما يقوم لأن ( ما ) مصدرية والباء سببية .
والمحكي عنهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275قالوا إنما البيع مثل الربا إن كان قولا لسانيا فالمراد به قول بعضهم أو قول دعاتهم وهم المنافقون
بالمدينة ، ظنوا بسوء فهمهم أن تحريم الربا اضطراب في حين تحليل البيع ، لقصد أن يفتنوا المسلمين في صحة أحكام شريعتهم ، إذ يتعذر أن يكون كل من أكل الربا قال هذا الكلام ، وإن كان قولا حاليا بحيث يقوله كل من يأكل الربا لو سأله سائل عن وجه تعاطيه الربا ، فهو استعارة ، ويجوز أن يكون ( قالوا ) مجازا ; لأن اعتقادهم مساواة البيع للربا يستلزم أن يقوله قائل ، فأطلق القول وأريد لازمه وهو الاعتقاد به .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28914وقولهم : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا قصر إضافي للرد على من زعم تخالف حكمهما فحرم الربا وأحل البيع ، ولما صرح فيه بلفظ مثل ساغ أن يقال : البيع مثل الربا كما يسوغ أن يقال الربا مثل البيع . ولا يقال : إن الظاهر أن يقولوا إنما الربا مثل البيع لأنه هو الذي قصد إلحاقه به ، كما في سؤال الكشاف وبنى عليه جعل الكلام من قبيل المبالغة ، لأنا نقول : ليسوا هم بصدد إلحاق الفروع بالأصول على طريقة القياس بل هم كانوا يتعاطون الربا والبيع ، فهما في الخطور بأذهانهم سواء ، غير أنهم لما سمعوا بتحريم الربا وبقاء البيع على الإباحة سبق البيع حينئذ إلى أذهانهم فأحضروه ليثبتوا به إباحة الربا ، أو أنهم جعلوا البيع هو الأصل تعريضا بالإسلام في تحريمه الربا على الطريقة المسماة في الأصول بقياس العكس ، لأن قياس العكس إنما يلتجأ إليه عند كفاح المناظرة ، لا في وقت استنباط المجتهد في خاصة نفسه .
[ ص: 84 ] وأرادوا بالبيع هنا بيع التجارة لا بيع المحتاج سلعته برأس ماله .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع وحرم الربا من كلام الله تعالى جواب لهم وللمسلمين ، فهو إعراض عن مجادلتهم إذ لا جدوى فيها لأنهم قالوا ذلك كفرا ونفاقا فليسوا ممن تشملهم أحكام الإسلام ، وهو إقناع للمسلمين بأن ما قاله الكفار هو شبهة محضة ، وأن الله العليم قد حرم هذا وأباح ذاك ، وما ذلك إلا حكمة وفروق معتبرة لو تدبرها أهل التدبر لأدركوا الفرق بين البيع والربا ، وليس في هذا الجواب كشف للشبهة فهو مما وكله الله تعالى لمعرفة أهل العلم من المؤمنين ، مع أن ذكر تحريم الربا عقب التحريض على الصدقات يومئ إلى كشف الشبهة .
واعلم أن مبنى
nindex.php?page=treesubj&link=5380_5367شبهة القائلين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا أن التجارة فيها زيادة على ثمن المبيعات لقصد انتفاع التاجر في مقابلة جلب السلع وإرصادها للطالبين في البيع الناض ، ثم لأجل انتظار الثمن في البيع المؤجل ، فكذلك إذا أسلف عشرة دراهم مثلا على أنه يرجعها له أحد عشر درهما ، فهو قد أعطاه هذا الدرهم الزائد لأجل إعداد ماله لمن يستسلفه ; لأن المقرض تصدى لإقراضه وأعد ماله لأجله ، ثم لأجل انتظار ذلك بعد محل أجله .
وكشف هاته الشبهة قد تصدى له القفال فقال : من باع ثوبا يساوي عشرة بعشرين فقد جعل ذات الثوب مقابلا بالعشرين ، فلما حصل التراضي على هذا التقابل صارت العشرون عوضا للثوب في المالية فلم يأخذ البائع من المشتري شيئا بدون عوض ، أما إذا أقرضه عشرة بعشرين فقد أخذ المقرض العشرة الزائدة من غير عوض ، ولا يقال إن الزائد عوض الإمهال ؛ لأن الإمهال ليس مالا أو شيئا يشار إليه حتى يجعله عوضا عن العشرة الزائدة . ومرجع هذه التفرقة إلى أنها مجرد اصطلاح اعتباري فهي تفرقة قاصرة .
وأشار
الفخر في أثناء تقرير
nindex.php?page=treesubj&link=5367حكمة تحريم الربا إلى تفرقة أخرى زادها
البيضاوي تحريرا ، حاصلها أن الذي يبيع الشيء المساوي عشرة بأحد عشر يكون قد مكن المشتري من الانتفاع بالمبيع إما بذاته وإما بالتجارة به ، فذلك الزائد لأجل تلك المنفعة وهي مسيس الحاجة أو توقع الرواج والربح ، وأما الذي دفع درهما لأجل السلف فإنه لم يحصل
[ ص: 85 ] منفعة أكثر من مقدار المال الذي أخذه . ولا يقال : إنه يستطيع أن يتجر به فيربح لأن هذه منفعة موهومة غير محققة الحصول ، مع أن أخذ الزائد أمر محقق على كل تقدير .
وهذه التفرقة أقرب من تفرقة
القفال ، لكنها يرد عليها أن انتفاع المقترض بالمال فيه سد حاجاته فهو كانتفاع المشتري بالسلعة ، وأما تصديه للمتاجرة بمال القرض أو بالسلعة المشتراة فأمر نادر فيها .
فالوجه عندي في
nindex.php?page=treesubj&link=5363_4416_4419_5367التفرقة بين البيع والربا أن مرجعها إلى التعليل بالمظنة مراعاة للفرق بين حالي المقترض والمشتري ، فقد كان الاقتراض لدفع حاجة المقترض للإنفاق على نفسه وأهله لأنهم كانوا يعدون التداين هما وكربا ، وقد استعاذ منه النبيء - صلى الله عليه وسلم - وحال التاجر حال التفضل ، وكذلك اختلاف حالي المسلف والبائع ، فحال باذل ماله للمحتاجين لينتفع بما يدفعونه من الربا فيزيدهم ضيقا ؛ لأن المستسلف مظنة الحاجة ، ألا تراه ليس بيده مال ، وحال بائع السلعة تجارة حال من تجشم مشقة لجلب ما يحتاجه المتفضلون وإعداده لهم عند دعاء حاجتهم إليه مع بذلهم له ما بيدهم من المال ، فالتجارة معاملة بين غنيين ، ألا ترى أن كليهما باذل لما لا يحتاج إليه وآخذ ما يحتاج إليه ، فالمتسلف مظنة الفقر ، والمشتري مظنة الغنى ، فلذلك حرم الربا لأنه استغلال لحاجة الفقير وأحل البيع لأنه إعانة لطالب الحاجات ، فتبين أن الإقراض من نوع المواساة والمعروف ، وأنها مؤكدة التعين على المواسي وجوبا أو ندبا ، وأيا ما كان فلا يحل للمقرض أن يأخذ أجرا على عمل المعروف ، فأما الذي يستقرض مالا ليتجر به أو ليوسع تجارته فليس مظنة الحاجة ، فلم يكن من أهل استحقاق مواساة المسلمين ، فلذلك لا يجب على الغني إقراضه بحال ، فإذا أقرضه فقد تطوع بمعروف ، وكفى بهذا تفرقة بين الحالين .
وقد ذكر
الفخر nindex.php?page=treesubj&link=5367لحكمة تحريم الربا أسبابا أربعة : أولها أن فيه أخذ مال بغير عوض ، وأورد عليه ما تقدم في الفرق بينه وبين البيع ، وهو فرق غير وجيه .
[ ص: 86 ] الثاني : أن في تعاطي الربا ما يمنع الناس من اقتحام مشاق الاشتغال في الاكتساب ؛ لأنه إذا تعود صاحب المال أخذ الربا خف عنه اكتساب المعيشة ، فإذا فشا في الناس أفضى إلى انقطاع منافع الخلق ؛ لأن مصلحة العالم لا تنتظم إلا بالتجارة والصناعة والعمارة .
الثالث : أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس بالقرض .
الرابع : أن الغالب في المقرض أن يكون غنيا وفي المستقرض أن يكون فقيرا ، فلو أبيح الربا لتمكن الغني من أخذ مال الضعيف .
وقد أشرنا فيما مر في الفرق بين الربا والبيع إلى علة تحريمه وسنبسط ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة من سورة آل عمران .
هذا وقد تعرضت الآية إلى حكم هو تحليل البيع وتحريم الربا ، لأنها من قول الله تعالى لإعلان هذا التشريع بعد تقديم الموعظة بين يديه .
و " ال " في كل من ( البيع والربا ) لتعريف الجنس ، فثبت بها حكم أصلين عظيمين في معاملات الناس ، محتاج إليهما فيها : أحدهما يسمى بيعا والآخر يسمى ربا ، أولهما مباح معتبر كونه حاجيا للأمة ، وثانيهما محرم ألغيت حاجيته لما عارضها من المفسدة .
وظاهر تعريف الجنس أن الله أحل البيع بجنسه فيشمل التحليل سائر أفراده ، وأنه حرم الربا بجنسه كذلك ، ولما كان معنى أحل الله البيع : أذن فيه . كان في قوة قضية موجبة فلم يقتض استغراق الجنس بالصيغة ، ولم تقم قرينة على قصد الاستغراق قيامها في نحو ( الحمد لله ) فبقي محتملا شمول الحل لسائر أفراد البيع ، ولما كان البيع قد تعتريه أسباب توجب فساده وحرمته تتبعت الشريعة أسباب تحريمه ، فتعطل احتمال الاستغراق في شأنه في هذه الآية .
أما معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وحرم الربا فهو في حكم المنفي لأن ( حرم ) في معنى منع ، فكان مقتضيا استغراق جنس الربا بالصيغة ; إذ لا يطرأ عليه ما يصيره حلالا .
ثم اختلف علماء الإسلام في أن
nindex.php?page=treesubj&link=28905لفظ الربا في الآية باق على معناه المعروف في اللغة ، أو هو منقول إلى معنى جديد في اصطلاح الشرع .
[ ص: 87 ] فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ومعاوية إلى أنه باق على معناه المعروف وهو ربا الجاهلية ، أعني الزيادة لأجل التأخير ، وتمسك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بحديث
أسامة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341346إنما الربا في النسيئة ولم يأخذ بما ورد في إثبات ربا الفضل بدون نسيئة ، قال
الفخر : ولعله لا يرى تخصيص القرآن بخبر الآحاد ، يعني أنه حمل أحل الله البيع على عمومه .
وأما جمهور العلماء فذهبوا إلى أن الربا منقول في عرف الشرع إلى معنى جديد كما دلت عليه أحاديث كثيرة ، وإلى هذا نحا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت ، بل رأى
عمر أن لفظ الربا نقل إلى معنى جديد ولم يبين جميع المراد منه ، فكأنه عنده مما يشبه المجمل ، فقد حكى عنه
ابن رشد في المقدمات أنه قال : كان من آخر ما أنزل الله على رسوله آية الربا فتوفي رسول الله ولم يفسرها ، وإنكم تزعمون أنا نعلم أبواب الربا ، ولأن أكون أعلمها أحب إلي من أن يكون لي مثل مصر وكورها . قال
ابن رشد : ولم يرد
عمر بذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفسر آية الربا ، وإنما أراد - والله أعلم - أنه لم يعم وجوه الربا بالنص عليها ، وقال
ابن العربي : بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى الربا في ستة وخمسين حديثا .
والوجه عندي أن ليس مراد
عمر أن لفظ الربا مجمل لأنه قابله بالبيان وبالتفسير بل أراد أن تحقيق حكمه في صور البيوع الكثيرة خفي لم يعمه النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالتنصيص ، لأن المتقدمين لا يتوخون في عباراتهم ما يساوي المعاني الاصطلاحية ، فهؤلاء الحنفية سموا المخصصات بيان تغيير ، وذكر
ابن العربي في العواصم أن أهل الحديث يتوسعون في معنى البيان ، وفي تفسير
الفخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع وحرم الربا من المجملات التي لا يجوز التمسك بها ، أي بعموميها : عموم البيع وعموم الربا ، لأنه إن كان المراد جنس البيع وجنس الزيادة لزم بيان أي بيع وأي زيادة ، وإن كان المراد كل بيع وكل زيادة فما من بيع إلا وفيه زيادة ، فأول الآية أباح جميع البيوع ، وآخرها حرم الجميع ، فوجب الرجوع إلى بيان الرسول عليه السلام ، والذي حمل الجمهور على اعتبار لفظ الربا مستعملا في معنى جديد أحاديث وردت عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل دلت على
nindex.php?page=treesubj&link=5365تفسير الربا بما هو أعم من ربا الجاهلية المعروف عندهم قبل الإسلام ، وأصولها ستة أحاديث :
[ ص: 88 ] الحديث الأول : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341347الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد وازداد فقد أربى ، الآخذ والمعطي في ذلك سواء .
الثاني حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت nindex.php?page=hadith&LINKID=10341348الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدا بمد والشعير بالشعير مدا بمد والتمر بالتمر مدا بمد والملح بالملح مدا بمد ، فمن زاد واستزاد فقد أربى ، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب أكثرهما يدا بيد ، وأما النسيئة فلا ، رواه
أبو داود ، فسماه في هذين الحديثين ربا .
الثالث : حديث
أبي سعيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341349أن بلالا جاء إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - بتمر برني ، فقال له : من أين هذا ؟ فقال بلال : تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لطعم النبيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوه ، عين الربا ، لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ثم اشتر من هذا فسمى التفاضل ربا .
الرابع حديث الموطأ
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري عن
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=10341350أن سواد بن غزية جاء من خيبر بتمر جنيب فقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم - : أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال : يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا .
الخامس : حديث
عائشة في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341351قالت : لما نزلت الآيات من آخر البقرة في الربا قرأها النبيء ثم حرم التجارة في الخمر ، فظاهره أن تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=4454_4456التجارة في الخمر كان عملا بآية النهي عن الربا وليس في تجارة الخمر معنى من معنى الربا المعروف عندهم وإنما هو بيع فاسد .
السادس : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني - ورواه
ابن وهب عن
مالك - أن
العالية بنت أينع وفدت إلى
المدينة من
الكوفة ، فلقيت
عائشة فأخبرتها أنها باعت من
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم في
الكوفة جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء ، ثم إن
زيدا باع الجارية فاشترتها
العالية منه بستمائة نقدا ، فقالت لها
عائشة : بئسما شريت وما اشتريت ، أبلغي
زيدا أنه
[ ص: 89 ] قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب . قالت : فقلت لها : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ؟ قالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف . فجعلته
عائشة من الربا ولذلك تلت الآية .
فلأجل هذه الأحاديث الستة أثبت الفقهاء
nindex.php?page=treesubj&link=5372ثلاثة أنواع للربا في اصطلاح الشرع : الأول : ربا الجاهلية وهو زيادة على الدين لأجل التأخير .
الثاني : ربا الفضل وهو زيادة أحد العوضين في بيع الصنف بصنفه من الأصناف المذكورة في حديث
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت .
الثالث : ربا النسيئة وهو بيع شيء من تلك الأصناف بمثله مؤخرا ، وزاد المالكية نوعا رابعا : وهو ما يئول إلى واحد من الأصناف بتهمة التحيل على الربا ، وترجمه في المدونة ببيوع الآجال ، ودليل
مالك فيه حديث
العالية ، ومن العلماء من زعم أن لفظ الربا يشمل كل بيع فاسد أخذا من حديث
عائشة في تحريم تجارة الخمر ، وإليه مال
ابن العربي .
وعندي أن أظهر المذاهب في هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وأن أحاديث ربا الفضل تحمل على حديث
أسامة : إنما الربا في النسيئة . ليجمع بين الحديثين . وتسمية التفاضل بالربا في حديثي
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت دليل على ما قلناه ، وأن ما راعاه
مالك من إبطال ما يفضي إلى تعامل الربا إن صدر من مواقع التهمة رعي حسن ، وما عداه إغراق في الاحتياط ، وقد يؤخذ من بعض أقوال
مالك في الموطأ وغيره أن انتفاء التهمة لا يبطل العقد .
ولا متمسك في نحو حديث
عائشة في
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم لأن المسلمين في أمرهم الأول كانوا قريبي عهد بربا الجاهلية ، فكان حالهم مقتضيا لسد الذرائع .
وفي تفسير
القرطبي : كان
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان يذهب إلى أن النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=33285بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلا إنما ورد في الدينار المضروب والدرهم المضروب لا في التبر ولا في المصوغ ، فروى
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت قال : غزونا وعلى الناس
معاوية فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان فيما غنمنا آنية من ذهب ، فأمر
معاوية رجالا ببيعها في أعطيات الناس ، فتنازع الناس في ذلك ، فبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت فقام فقال
[ ص: 90 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10341352سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا سواء بسواء عينا بعين ، من زاد وازداد فقد أربى ، فبلغ ذلك
معاوية فقام خطيبا فقال : ألا ما بال أقوام يتحدثون عن رسول الله أحاديث كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله وإن كره
معاوية .
والظاهر أن الآية لم يقصد منها إلا ربا الجاهلية ، وأن ما عداه من المعاملات الباطلة التي فيها أكل مال بالباطل مندرجة في أدلة أخرى .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى الآية . تفريع على الوعيد في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا .
والمجيء بمعنى العلم والبلاغ ، أي : من علم هذا الوعيد . وهذا عذر لمن استرسل على معاملة الربا قبل بلوغ التحريم إليه ، فالمراد بالموعظة هذه الآية وآية آل عمران .
والانتهاء مطاوع نهاه : إذا صده عما لا يليق ، وكأنه مشتق من النهى - بضم النون - وهو العقل ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فله ما سلف أي : ما سلف قبضه من مال الربا لا ما سلف عقده ولم يقبض ، بقرينة قوله الآتي :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأمره إلى الله فرضوا فيه احتمالات يرجع بعضها إلى رجوع الضمير إلى ( من جاءه ) وبعضها إلى رجوعه إلى ( ما سلف ) والأظهر أنه راجع إلى ( من جاءه ) لأنه المقصود ، وأن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأمره إلى الله ، أن أمر جزائه على الانتهاء موكول إلى الله تعالى ، وهذا من الإيهام المقصود منه التفخيم ، فالمقصود الوعد بقرينة مقابلته بالوعيد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
وجعل العائد خالدا في النار إما لأن المراد العود إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا أي عاد إلى استحلال الربا وذلك نفاق ، فإن كثيرا منهم قد شق عليهم ترك التعامل بالربا ، فعلم الله منهم ذلك وجعل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم ، فالخلود على حقيقته ، وإما لأن المراد العود إلى المعاملة بالربا ، وهو الظاهر من مقابلته بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى والخلود : طول المكث كقول
لبيد :
فوقفت أسألها وكيف سؤالنا
صما خوالد ما يبين كلامها
ومنه : خلد الله ملك فلان .
[ ص: 91 ] وتمسك بظاهر هذه الآية ونحوها
الخوارج القائلون بتكفير مرتكب الكبيرة كما تمسكوا بنظائرها ، وغفلوا عن تغليظ وعيد الله تعالى في وقت نزول القرآن ، إذ الناس يومئذ قريب عهدهم بكفر ، ولا بد من الجمع بين أدلة الكتاب والسنة .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275nindex.php?page=treesubj&link=28973_5366_33579_4419_28902_32396الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
نَظَمَ الْقُرْآنُ أَهَمَّ أَصُولِ حِفْظِ مَالِ الْأُمَّةِ فِي سِلْكِ هَاتِهِ الْآيَاتِ ، فَبَعْدَ أَنِ ابْتَدَأَ بِأَعْظَمِ تِلْكَ الْأُصُولِ وَهُوَ تَأْسِيسُ مَالٍ لِلْأُمَّةِ بِهِ قِوَامُ أَمْرِهَا ، يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ أَخْذًا عَدْلًا مِمَّا كَانَ فَضْلًا عَنِ الْغِنَى فَفَرَضَهُ عَلَى النَّاسِ ، يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مَفْرُوضًا وَهُوَ الزَّكَاةُ ، أَوْ تَطَوُّعًا وَهُوَ الصَّدَقَةُ ، فَأَطْنَبَ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ ، وَالتَّرْغِيبِ فِي ثَوَابِهِ ، وَالتَّحْذِيرِ فِي إِمْسَاكِهِ ، مَا كَانَ فِيهِ مَوْعِظَةٌ لِمَنِ اتَّعَظَ ، عَطَفَ الْكَلَامَ إِلَى إِبْطَالِ وَسِيلَةٍ كَانَتْ مِنْ أَسْبَابِ ابْتِزَازِ الْأَغْنِيَاءِ أَمْوَالَ الْمُحْتَاجِينَ إِلَيْهِمْ
[ ص: 79 ] وَهِيَ الْمُعَامَلَةُ بِالرِّبَا الَّذِي لَقَّبَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=treesubj&link=23758_5366رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَدِينُ مَالًا لِدَائِنِهِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ لِأَجْلِ الِانْتِظَارِ ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَدْفَعْ زَادَ فِي الدَّيْنِ ، يَقُولُونَ : إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، كَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الرِّبَا عَلَى الْمَدِينِ مِنْ وَقْتِ إِسْلَامِهِ ، وَكُلَّمَا طَلَبَ النَّظْرَةَ أَعْطَى رِبًا آخَرَ ، وَرُبَّمَا تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُشْتَهِرًا بِالْمُرَابَاةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَجَاءَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341345أَلَا وَإِنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ رِبًا أَبْدَأُ بِهِ رِبَا عَمِّي nindex.php?page=showalam&ids=18عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا اسْتِئْنَافٌ . وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عِلَّةِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لَا يَقُومُونَ إِلَى آخِرِهِ .
وَالْأَكْلُ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِلَاعُ الطَّعَامِ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ وَأَخْذِهِ بِحِرْصٍ وَأَصْلُهُ تَمْثِيلٌ ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فَقَالُوا : أَكَلَ مَالَ النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَخْذِ الْبَاطِلِ . فَفِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا .
nindex.php?page=treesubj&link=5363_28905وَالرِّبَا : اسْمٌ عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ ، لَعَلَّهُمْ خَفَّفُوهُ مِنَ الرِّبَاءِ - بِالْمَدِّ - فَصَيَّرُوهُ اسْمَ مَصْدَرٍ لِفِعْلِ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو رَبْوًا بِسُكُونِ الْبَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَبِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ كَعُلُوٍّ ، وَرِبَاءٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ مِثْلُ الرِّمَاءِ : إِذَا زَادَ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَلِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ ثُنِّيَ عَلَى رَبَوَانِ ، وَكُتِبَ بِالْأَلِفِ ، وَكَتَبَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِالْيَاءِ نَظَرًا لِجَوَازِ الْإِمَالَةِ فِيهِ لِمَكَانِ كَسْرَةِ الرَّاءِ ، ثُمَّ ثَنَّوْهُ بِالْيَاءِ لِأَجْلِ الْكَسْرَةِ أَيْضًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : مَا رَأَيْتُ خَطَأً أَشْنَعَ مِنْ هَذَا ، أَلَا يَكْفِيهِمُ الْخَطَأُ فِي الْخَطِّ حَتَّى أَخْطَأُوا فِي التَّثْنِيَةِ كَيْفَ وَهَمَ يَقُرَءُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ بِفَتْحَةٍ عَلَى الْوَاوِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فِي أَمْوَالِ النَّاسِ يُشِيرُ إِلَى قِرَاءَةِ
عَاصِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ ، وَهُمَا كُوفِيَّانِ ، وَبِقِرَاءَتِهِمَا يَقْرَأُ أَهْلُ
الْكُوفَةِ .
[ ص: 80 ] وَكُتِبَ الرِّبَا فِي الْمُصْحَفِ حَيْثُمَا وَقَعَ بَعْدَهَا بِوَاوٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ، وَالشَّأْنُ أَنْ يُكْتَبَ أَلِفًا ، فَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : كُتِبَتْ كَذَلِكَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُفَخِّمُ أَيْ يَنْحُو بِالْأَلِفِ مَنْحَى الْوَاوِ ، وَالتَّفْخِيمُ عَكْسُ الْإِمَالَةِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ ، إِذْ لَيْسَ التَّفْخِيمُ لُغَةَ
قُرَيْشٍ حَتَّى يُكْتَبَ بِهَا الْمُصْحَفُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : كُتِبَ كَذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَا وَالزِّنَا ، وَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لَا يَتْرُكُ اشْتِبَاهًا بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : إِنَّ الْعَرَبَ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ
أَهْلِ الْحِيرَةِ وَهُمْ
نَبَطٌ يَقُولُونَ فِي الرِّبَا : رِبَوْ - بِوَاوٍ سَاكِنَةٍ - فَكُتِبَتْ كَذَلِكَ ، وَهَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْجَمِيعِ .
وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِيُشِيرُوا إِلَى أَصْلِهِ كَمَا كَتَبُوا الْأَلِفَاتِ الْمُنْقَلِبَةَ عَنِ الْيَاءِ فِي أَوَاسِطِ الْكَلِمَاتِ بِيَاءَاتٍ عَلَيْهَا أَلِفَاتٌ ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَنْ يَجْعَلُوا الرَّسْمَ مُشِيرًا إِلَى أُصُولِ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ اسْتَعْجَلُوا فَلَمْ يَطَّرِدْ فِي رَسْمِهِمْ ، وَلِذَلِكَ كَتَبُوا الزَّكَاةَ بِالْوَاوِ ، وَكَتَبُوا الصَّلَاةَ بِالْوَاوِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنْ أَصْلَهَا هُوَ الرُّكُوعُ مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلْوَيْنِ لَا مِنَ الِاصْطِلَاءِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : وَكَتَبُوا بَعْدَهَا أَلِفًا تَشْبِيهًا بِوَاوِ الْجَمْعِ ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا مَعْنًى لِلتَّعْلِيلِ بِهِ ، بَلْ إِنَّمَا كَتَبُوا الْأَلِفَ بَعْدَهَا عِوَضًا عَنْ أَنْ يَضَعُوا الْأَلِفَ فَوْقَ الْوَاوِ ، كَمَا وَضَعُوا الْمُنْقَلِبَ عَنْ يَاءٍ أَلِفًا فَوْقَ الْيَاءِ لِئَلَّا يَقْرَأَهَا النَّاسُ الرَّبْوَ .
وَأُرِيدَ بِالَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا هُنَا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْجَاهِلِيَّةِ ، لِأَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ وَالتَّشْنِيعَ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا التَّوَجُّهَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ كُفْرِهِمْ وَهُمْ لَا يَرْعَوُونَ عَنْهَا مَا دَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ ، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَسَبَقَ لَهُمْ تَشْرِيعٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ، فَجَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْوَعِيدَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْنَافِ الْعَذَابِ خَاصًّا لِلْكَافِرِينَ لِأَجْلِ مَا تَفَرَّعَ عَنْ كُفْرِهِمْ مِنْ وَضْعِ الرِّبَا .
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=5366إِنْكَارُ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِعْطَاءَهُمُ الرِّبَا وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَعَاهُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ فِي
مَكَّةَ ، فَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ الرُّومِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتُرْبُوا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [ ص: 81 ] وَهُوَ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلِأَنَّ بَعْدَ الْآيَةِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ .
وَمِنْ عَادَاتِ الْقُرْآنِ أَنْ يَذْكُرَ أَحْوَالَ الْكُفَّارِ إِغْلَاظًا عَلَيْهِمْ ، وَتَعْرِيضًا بِتَخْوِيفِ الْمُسْلِمِينَ لِيُكَرِّهَ إِيَّاهُمْ أَحْوَالَ أَهْلِ الْكُفْرِ ، وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كُلُّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ أَحْوَالِ الْكُفَّارِ فَمُرَادٌ مِنْهُ أَيْضًا تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ .
ثُمَّ عَطَفَ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الْآيَاتِ ، وَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْكَفَّ عَنْ تَعَاطِي الرِّبَا أَوْ لَعَلَّ بَعْضَهُمْ فُتِنَ بِقَوْلِ الْكُفَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ، فَكَانَتْ آيَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ مَبْدَأَ التَّحْرِيمِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِغْلَاقَ بَابِ الْمَعْذِرَةِ فِي أَكْلِ الرِّبَا وَبَيَانًا لِكَيْفِيَّةِ تَدَارُكِ مَا سَلَفَ مِنْهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=5372وَالرِّبَا يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا السَّلَفُ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يُعْطِيهِ الْمُسَلِّفُ ، وَالثَّانِي السَّلَفُ بِدُونِ زِيَادَةٍ إِلَى أَجَلٍ ، يَعْنِي فَإِذَا لَمْ يُوَفِّ الْمُسْتَسْلِفُ أَدَاءَ الدَّيْنِ عِنْدَ الْأَجَلِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ زِيَادَةً يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ أَجَلٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لَا يَقُومُونَ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ النُّهُوضُ وَالِاسْتِقْلَالُ ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى تَحَسُّنِ الْحَالِ ، وَعَلَى الْقُوَّةِ ، مِنْ ذَلِكَ : قَامَتِ السُّوقُ ، وَقَامَتِ الْحَرْبُ ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ الْمَنْفِيُّ هُنَا الْقِيَامَ الْحَقِيقِيَّ فَالْمَعْنَى : لَا يَقُومُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=6يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ، أَيْ : إِلَّا قِيَامًا كَقِيَامِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامَ الْمَجَازِيَّ فَالْمَعْنَى إِمَّا عَلَى أَنَّ حِرْصَهُمْ وَنَشَاطَهُمْ فِي مُعَامَلَاتِ الرِّبَا كَقِيَامِ الْمَجْنُونِ تَشْنِيعًا لِجَشَعِهِمْ ، قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَشْبِيهُ مَا يُعْجِبُ النَّاسَ مِنِ اسْتِقَامَةِ حَالِهِمْ وَوَفْرَةِ مَالِهِمْ ، وَقُوَّةِ تِجَارَتِهِمْ ، بِمَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى تَخَالَهُ قَوِيًّا سَرِيعَ الْحَرَكَةِ ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، فَالْآيَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَعِيدٌ لَهُمْ بِابْتِدَاءِ تَعْذِيبِهِمْ مِنْ وَقْتِ الْقِيَامِ لِلْحِسَابِ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَهِيَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ
[ ص: 82 ] تَشْنِيعٌ ، أَوْ تَوَعُّدٌ بِسُوءِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا وَلُقِيِّ الْمَتَاعِبِ وَمَرَارَةِ الْحَيَاةِ تَحْتَ صُورَةٍ يَخَالُهَا الرَّائِي مُسْتَقِيمَةً .
nindex.php?page=treesubj&link=28905وَالتَّخَبُّطُ مُطَاوِعُ ( خَبَطَهُ ) : إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَاضْطَرَبَ لَهُ ، أَيْ : تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ لَازِمِ هَذَا التَّحَرُّكِ عَدَمُ الِاتِّسَاقِ ، أَطْلَقَ التَّخَبُّطَ عَلَى اضْطِرَابِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ اتِّسَاقٍ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى فِعْلِ الْمُطَاوَعَةِ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ إِذَا أَرَادُوا الِاخْتِصَارَ ، فَعِوَضًا عَنْ أَنْ يَقُولُوا خَبَطَهُ فَتَخَبَّطَ يَقُولُونَ : تَخَبَّطَهُ . كَمَا قَالُوا : اضْطَرَّهُ إِلَى كَذَا . فَتَخَبُّطُ الشَّيْطَانِ الْمَرْءَ جَعْلُهُ إِيَّاهُ مُتَخَبِّطًا ، أَيْ : مُتَحَرِّكًا عَلَى غَيْرِ اتِّسَاقٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَجْنُونُ الَّذِي أَصَابَهُ الصَّرْعُ ، فَيَضْطَرِبُ بِهِ اضْطِرَابَاتٍ ، وَيَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ ، فَلَمَّا شُبِّهَتِ الْهَيْئَةُ بِالْهَيْئَةِ جِيءَ فِي لَفْظِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا ، بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا فِي كَلَامِهِمْ ، وَإِلَّا لَمَا فُهِمَتِ الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، قَالَ
الْأَعْشَى يَصِفُ نَاقَتَهُ بِالنَّشَاطِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ ، بَعْدَ أَنْ سَارَتْ لَيْلًا كَامِلًا :
وَتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وَكَأَنَّهَا أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905وَالْمَسُّ فِي الْأَصْلِ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ كَقَوْلِهَا : الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ ، وَهُوَ إِذَا أُطْلِقَ مُعَرَّفًا بِدُونِ عَهْدِ مَسٍّ مَعْرُوفٍ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَسِّ الْجِنِّ ، فَيَقُولُونَ : رَجُلٌ مَمْسُوسٌ أَيْ مَجْنُونٌ ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275مِنَ الْمَسِّ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْ تَخَبُّطِ الشَّيْطَانِ فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ تَخَبُّطٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْوَسْوَسَةِ وَ " مِنْ " ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ " يَتَخَبَّطُهُ " لَا مَحَالَةَ .
وَهَذَا عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ جَارٍ عَلَى مَا عَهِدَهُ الْعَرَبِيُّ مِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ وَقَوْلِ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ .
إِلَّا أَنَّ هَذَا مُشَاهَدٌ وَعِلَّتُهُ مُتَخَيَّلَةٌ ، وَالْآخَرَانِ مُتَخَيَّلَانِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ تَأْثِيرَ الشَّيَاطِينِ بِغَيْرِ الْوَسْوَسَةِ ، وَعِنْدَنَا هُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَخَيِيلِهِمْ وَالصَّرَعُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عِلَلٍ
[ ص: 83 ] تَعْتَرِي الْجِسْمَ مِثْلِ فَيَضَانِ الْمِرَّةِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَتَشَنُّجِ الْمَجْمُوعِ الْعَصَبِيِّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ هَاتِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا تَنْشَأُ فِي الْأَصْلِ مِنْ تَوَجُّهَاتٍ شَيْطَانِيَّةٍ ، فَإِنَّ عَوَالِمَ الْمُجَرَّدَاتِ - كَالْأَرْوَاحِ - لَمْ تَنْكَشِفْ أَسْرَارُهَا لَنَا حَتَّى الْآنَ وَلَعَلَّ لَهَا ارْتِبَاطَاتٍ شُعَاعِيَّةً هِيَ مَصَادِرُ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا الْإِشَارَةُ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275كَمَا يَقُومُ لِأَنَّ ( مَا ) مَصْدَرِيَّةٌ وَالْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ .
وَالْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا إِنْ كَانَ قَوْلًا لِسَانِيًّا فَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْ قَوْلُ دُعَاتِهِمْ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ
بِالْمَدِينَةِ ، ظَنُّوا بِسُوءِ فَهْمِهِمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا اضْطِرَابٌ فِي حِينِ تَحْلِيلِ الْبَيْعِ ، لِقَصْدِ أَنْ يَفْتِنُوا الْمُسْلِمِينَ فِي صِحَّةِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِمْ ، إِذْ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَكَلَ الرِّبَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا حَالِيًّا بِحَيْثُ يَقُولُهُ كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا لَوْ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ وَجْهِ تَعَاطِيهِ الرِّبَا ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( قَالُوا ) مَجَازًا ; لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمْ مُسَاوَاةَ الْبَيْعِ لِلرِّبَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَقُولَهُ قَائِلٌ ، فَأُطْلِقَ الْقَوْلُ وَأُرِيدَ لَازِمُهُ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28914وَقَوْلُهُمْ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ تَخَالُفَ حُكْمِهِمَا فَحُرِّمَ الرِّبَا وَأُحِلَّ الْبَيْعُ ، وَلَمَّا صَرَّحَ فِيهِ بِلَفْظِ مِثْلُ سَاغَ أَنْ يُقَالَ : الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا كَمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعِ . وَلَا يُقَالُ : إِنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَقُولُوا إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قُصِدَ إِلْحَاقُهُ بِهِ ، كَمَا فِي سُؤَالِ الْكَشَّافِ وَبَنَى عَلَيْهِ جَعْلَ الْكَلَامِ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، لِأَنَّا نَقُولُ : لَيْسُوا هُمْ بِصَدَدِ إِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ بَلْ هُمْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعَ ، فَهُمَا فِي الْخُطُورِ بِأَذْهَانِهِمْ سَوَاءٌ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحْرِيمِ الرِّبَا وَبَقَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ سَبَقَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ إِلَى أَذْهَانِهِمْ فَأَحْضَرُوهُ لِيُثْبِتُوا بِهِ إِبَاحَةَ الرِّبَا ، أَوْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْبَيْعَ هُوَ الْأَصْلَ تَعْرِيضًا بِالْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيمِهِ الرِّبَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي الْأُصُولِ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ ، لِأَنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ إِنَّمَا يُلْتَجَأُ إِلَيْهِ عِنْدَ كِفَاحِ الْمُنَاظَرَةِ ، لَا فِي وَقْتِ اسْتِنْبَاطِ الْمُجْتِهِدِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ .
[ ص: 84 ] وَأَرَادُوا بِالْبَيْعِ هُنَا بَيْعَ التِّجَارَةِ لَا بَيْعَ الْمُحْتَاجِ سِلْعَتَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابٌ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، فَهُوَ إِعْرَاضٌ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ إِذْ لَا جَدْوَى فِيهَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ كُفْرًا وَنِفَاقًا فَلَيْسُوا مِمَّنْ تَشْمَلُهُمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ إِقْنَاعٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْكُفَّارُ هُوَ شُبْهَةٌ مَحْضَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ الْعَلِيمَ قَدْ حَرَّمَ هَذَا وَأَبَاحَ ذَاكَ ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا حِكْمَةٌ وَفُرُوقٌ مُعْتَبَرَةٌ لَوْ تَدَبَّرَهَا أَهْلُ التَّدَبُّرِ لَأَدْرَكُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجَوَابِ كَشْفٌ لِلشُّبْهَةِ فَهُوَ مِمَّا وَكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَعَ أَنَّ ذِكْرَ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَقِبَ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَاتِ يُومِئُ إِلَى كَشْفِ الشُّبْهَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=5380_5367شُبْهَةِ الْقَائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أَنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعَاتِ لِقَصْدِ انْتِفَاعِ التَّاجِرِ فِي مُقَابَلَةِ جَلْبِ السِّلَعِ وَإِرْصَادِهَا لِلطَّالِبِينَ فِي الْبَيْعِ النَّاضِّ ، ثُمَّ لِأَجْلِ انْتِظَارِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَفَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا عَلَى أَنَّهُ يُرْجِعُهَا لَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، فَهُوَ قَدْ أَعْطَاهُ هَذَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ لِأَجْلِ إِعْدَادِ مَالِهِ لِمَنْ يَسْتَسْلِفُهُ ; لِأَنَّ الْمُقْرِضَ تَصَدَّى لِإِقْرَاضِهِ وَأَعَدَّ مَالَهُ لِأَجْلِهِ ، ثُمَّ لِأَجْلِ انْتِظَارِ ذَلِكَ بَعْدَ مَحِلِّ أَجَلِهِ .
وَكَشْفُ هَاتِهِ الشُّبْهَةِ قَدْ تَصَدَّى لَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ : مَنْ بَاعَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً بِعِشْرِينَ فَقَدْ جَعَلَ ذَاتَ الثَّوْبِ مُقَابَلًا بِالْعِشْرِينَ ، فَلَمَّا حَصَلَ التَّرَاضِي عَلَى هَذَا التَّقَابُلِ صَارَتِ الْعِشْرُونَ عِوَضًا لِلثَّوْبِ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَمْ يَأْخُذِ الْبَائِعُ مِنَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِدُونِ عِوَضٍ ، أَمَّا إِذَا أَقْرَضَهُ عَشْرَةً بِعِشْرِينَ فَقَدْ أَخَذَ الْمُقْرِضُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ الزَّائِدَ عِوَضُ الْإِمْهَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ لَيْسَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يُشَارُ إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنِ الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ . وَمَرْجِعُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ إِلَى أَنَّهَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ اعْتِبَارِيٍّ فَهِيَ تَفْرِقَةٌ قَاصِرَةٌ .
وَأَشَارَ
الْفَخْرُ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ
nindex.php?page=treesubj&link=5367حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا إِلَى تَفْرِقَةٍ أُخْرَى زَادَهَا
الْبَيْضَاوِيُّ تَحْرِيرًا ، حَاصِلُهَا أَنَّ الَّذِي يَبِيعُ الشَّيْءَ الْمُسَاوِيَ عَشْرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ يَكُونُ قَدْ مَكَّنَ الْمُشْتَرِيَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ إِمَّا بِذَاتِهِ وَإِمَّا بِالتِّجَارَةِ بِهِ ، فَذَلِكَ الزَّائِدُ لِأَجْلِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَسِيسُ الْحَاجَةِ أَوْ تَوَقُّعُ الرَّوَاجِ وَالرِّبْحِ ، وَأَمَّا الَّذِي دَفَعَ دِرْهَمًا لِأَجْلِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ
[ ص: 85 ] مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ . وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ فَيَرْبَحَ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَوْهُومَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةِ الْحُصُولِ ، مَعَ أَنَّ أَخْذَ الزَّائِدِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ أَقْرَبُ مِنْ تَفْرِقَةِ
الْقَفَّالِ ، لَكِنَّهَا يَرِدُ عَلَيْهَا أَنَّ انْتِفَاعَ الْمُقْتَرِضِ بِالْمَالِ فِيهِ سَدُّ حَاجَاتِهِ فَهُوَ كَانْتِفَاعِ الْمُشْتَرِي بِالسِّلْعَةِ ، وَأَمَّا تَصَدِّيهِ لِلْمُتَاجَرَةِ بِمَالِ الْقَرْضِ أَوْ بِالسِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فِيهَا .
فَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي
nindex.php?page=treesubj&link=5363_4416_4419_5367التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا أَنَّ مَرْجِعَهَا إِلَى التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ مُرَاعَاةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَالَيِ الْمُقْتَرِضِ وَالْمُشْتَرِي ، فَقَدْ كَانَ الِاقْتِرَاضُ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمُقْتَرِضِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ التَّدَايُنَ هَمًّا وَكَرْبًا ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَالُ التَّاجِرِ حَالُ التَّفَضُّلِ ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ حَالَيِ الْمُسْلِفِ وَالْبَائِعِ ، فَحَالُ بَاذِلِ مَالِهِ لِلْمُحْتَاجِينَ لِيَنْتَفِعَ بِمَا يَدْفَعُونَهُ مِنَ الرِّبَا فَيَزِيدَهُمْ ضِيقًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْلِفَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ ، أَلَا تَرَاهُ لَيْسَ بِيَدِهِ مَالٌ ، وَحَالُ بَائِعِ السِّلْعَةِ تِجَارَةً حَالُ مَنْ تَجَشَّمَ مَشَقَّةً لِجَلْبِ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُتَفَضِّلُونَ وَإِعْدَادِهِ لَهُمْ عِنْدَ دُعَاءِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ مَعَ بَذْلِهِمْ لَهُ مَا بِيَدِهِمْ مِنَ الْمَالِ ، فَالتِّجَارَةُ مُعَامَلَةٌ بَيْنَ غَنِيَّيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كِلَيْهِمَا بَاذِلٌ لِمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَآخِذٌ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، فَالْمُتَسَلِّفُ مَظِنَّةُ الْفَقْرِ ، وَالْمُشْتَرِي مَظِنَّةُ الْغِنَى ، فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الرِّبَا لِأَنَّهُ اسْتِغْلَالٌ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَحَلَّ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ لِطَالِبِ الْحَاجَاتِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِقْرَاضَ مِنْ نَوْعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ ، وَأَنَّهَا مُؤَكَّدَةُ التَّعَيُّنِ عَلَى الْمُوَاسِي وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى عَمَلِ الْمَعْرُوفِ ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْتَقْرِضُ مَالًا لِيَتَّجِرَ بِهِ أَوْ لِيُوَسِّعَ تِجَارَتَهُ فَلَيْسَ مَظِنَّةَ الْحَاجَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ مُوَاسَاةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ إِقْرَاضُهُ بِحَالٍ ، فَإِذَا أَقْرَضَهُ فَقَدْ تَطَوَّعَ بِمَعْرُوفٍ ، وَكَفَى بِهَذَا تَفْرِقَةً بَيْنَ الْحَالَيْنِ .
وَقَدْ ذَكَرَ
الْفَخْرُ nindex.php?page=treesubj&link=5367لِحِكْمَةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَسْبَابًا أَرْبَعَةً : أَوَّلُهَا أَنَّ فِيهِ أَخْذَ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ ، وَهُوَ فَرْقٌ غَيْرُ وَجِيهٍ .
[ ص: 86 ] الثَّانِي : أَنَّ فِي تَعَاطِي الرِّبَا مَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنِ اقْتِحَامِ مَشَاقِّ الِاشْتِغَالِ فِي الِاكْتِسَابِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَوَّدَ صَاحِبُ الْمَالِ أَخْذَ الرِّبَا خَفَّ عَنْهُ اكْتِسَابُ الْمَعِيشَةِ ، فَإِذَا فَشَا فِي النَّاسِ أَفْضَى إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَالَمِ لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالْعِمَارَةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْقَرْضِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُقْرِضِ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَفِي الْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا ، فَلَوْ أُبِيحَ الرِّبَا لَتَمَكَّنَ الْغَنِيُّ مِنْ أَخْذِ مَالِ الضَّعِيفِ .
وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ إِلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
هَذَا وَقَدْ تَعَرَّضَتِ الْآيَةُ إِلَى حُكْمٍ هُوَ تَحْلِيلُ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمُ الرِّبَا ، لِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْلَانِ هَذَا التَّشْرِيعِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْمَوْعِظَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ .
وَ " الْ " فِي كُلٍّ مِنَ ( الْبَيْعِ وَالرِّبَا ) لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ ، فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ ، مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمَا فِيهَا : أَحَدُهُمَا يُسَمَّى بَيْعًا وَالْآخَرُ يُسَمَّى رِبًا ، أَوَّلُهُمَا مُبَاحٌ مُعْتَبَرٌ كَوْنُهُ حَاجِيًّا لِلْأُمَّةِ ، وَثَانِيهِمَا مُحَرَّمٌ أُلْغِيَتْ حَاجِيَّتُهُ لِمَا عَارَضَهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ .
وَظَاهِرُ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْبَيْعَ بِجِنْسِهِ فَيَشْمَلُ التَّحْلِيلُ سَائِرَ أَفْرَادِهِ ، وَأَنَّهُ حَرَّمَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ ، وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ : أَذِنَ فِيهِ . كَانَ فِي قُوَّةِ قَضِيَّةٍ مُوجَبَةٍ فَلَمْ يَقْتَضِ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ بِالصِّيغَةِ ، وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ قِيَامَهَا فِي نَحْوِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) فَبَقِيَ مُحْتَمِلًا شُمُولَ الْحِلِّ لِسَائِرِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ ، وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ قَدْ تَعْتَرِيهِ أَسْبَابٌ تُوجِبُ فَسَادَهُ وَحُرْمَتَهُ تَتَبَّعَتِ الشَّرِيعَةُ أَسْبَابَ تَحْرِيمِهِ ، فَتَعَطَّلَ احْتِمَالُ الِاسْتِغْرَاقِ فِي شَأْنِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
أَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَحَرَّمَ الرِّبَا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْفِيِّ لِأَنَّ ( حَرَّمَ ) فِي مَعْنَى مَنَعَ ، فَكَانَ مُقْتَضِيًا اسْتِغْرَاقَ جِنْسِ الرِّبَا بِالصِّيغَةِ ; إِذْ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مَا يُصَيِّرُهُ حَلَالًا .
ثُمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28905لَفْظَ الرِّبَا فِي الْآيَةِ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ ، أَوْ هُوَ مَنْقُولٌ إِلَى مَعْنًى جَدِيدٍ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ .
[ ص: 87 ] فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةُ إِلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ ، أَعْنِي الزِّيَادَةَ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ ، وَتَمَسَّكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِحَدِيثِ
أُسَامَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341346إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِمَا وَرَدَ فِي إِثْبَاتِ رِبَا الْفَضْلِ بِدُونِ نَسِيئَةٍ ، قَالَ
الْفَخْرُ : وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى تَخْصِيصَ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْآحَادِ ، يَعْنِي أَنَّهُ حَمَلَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ عَلَى عُمُومِهِ .
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الرِّبَا مَنْقُولٌ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إِلَى مَعْنًى جَدِيدٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، وَإِلَى هَذَا نَحَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةُ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=63وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، بَلْ رَأَى
عُمَرُ أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا نُقِلَ إِلَى مَعْنًى جَدِيدٍ وَلَمْ يُبَيَّنْ جَمِيعُ الْمُرَادِ مِنْهُ ، فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِمَّا يُشْبِهُ الْمُجْمَلَ ، فَقَدْ حَكَى عَنْهُ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مِنْ آخِرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ آيَةُ الرِّبَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا ، وَإِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ أَبْوَابَ الرِّبَا ، وَلَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ مِصْرَ وَكُورِهَا . قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ : وَلَمْ يُرِدْ
عُمَرُ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَسِّرْ آيَةَ الرِّبَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ وُجُوهَ الرِّبَا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا ، وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى الرِّبَا فِي سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا .
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ لَيْسَ مُرَادُ
عُمَرَ أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا مُجْمَلٌ لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالْبَيَانِ وَبِالتَّفْسِيرِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ تَحْقِيقَ حُكْمِهِ فِي صُوَرِ الْبُيُوعِ الْكَثِيرَةِ خَفِيٌّ لَمْ يَعُمُّهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّنْصِيصِ ، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَتَوَخَّوْنَ فِي عِبَارَاتِهِمْ مَا يُسَاوِي الْمَعَانِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ ، فَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيَّةُ سَمَّوُا الْمُخَصِّصَاتِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ ، وَذَكَرَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَوَاصِمِ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَتَوَسَّعُونَ فِي مَعْنَى الْبَيَانِ ، وَفِي تَفْسِيرِ
الْفَخْرِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا مِنَ الْمُجْمَلَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا ، أَيْ بِعُمُومَيْهَا : عُمُومِ الْبَيْعِ وَعُمُومِ الرِّبَا ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ جِنْسَ الْبَيْعِ وَجِنْسَ الزِّيَادَةِ لَزِمَ بَيَانُ أَيِّ بَيْعٍ وَأَيِّ زِيَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كُلَّ بَيْعٍ وَكُلَّ زِيَادَةٍ فَمَا مِنْ بَيْعٍ إِلَّا وَفِيهِ زِيَادَةٌ ، فَأَوَّلُ الْآيَةِ أَبَاحَ جَمِيعَ الْبُيُوعِ ، وَآخِرُهَا حَرَّمَ الْجَمِيعَ ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى بَيَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالَّذِي حَمَلَ الْجُمْهُورَ عَلَى اعْتِبَارِ لِفَظِ الرِّبَا مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى جَدِيدٍ أَحَادِيثُ وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَلَّتْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=5365تَفْسِيرِ الرِّبَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَأُصُولُهَا سِتَّةُ أَحَادِيثَ :
[ ص: 88 ] الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341347الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَمَنْ زَادَ وَازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ .
الثَّانِي حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341348الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدًّا بِمُدٍّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدًّا بِمُدٍّ ، فَمَنْ زَادَ وَاسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ ، وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا ، رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ ، فَسَمَّاهُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ رِبًا .
الثَّالِثُ : حَدِيثُ
أَبِي سَعِيدٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341349أَنَّ بِلَالًا جَاءَ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ ، فَقَالَ لَهُ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ فَقَالَ بِلَالٌ : تَمْرٌ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِطَعْمِ النَّبِيءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوَّهْ ، عَيْنُ الرِّبَا ، لَا تَفْعَلْ ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ مِنْ هَذَا فَسَمَّى التَّفَاضُلَ رِبًا .
الرَّابِعُ حَدِيثُ الْمُوَطَّأِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ عَنِ
أَبِي سَعِيدٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341350أَنَّ سَوَادَ بْنَ غَزِيَّةَ جَاءَ مِنْ خَيْبَرَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا تَفْعَلْ ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا .
الْخَامِسُ : حَدِيثُ
عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341351قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَرَأَهَا النَّبِيءُ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ
nindex.php?page=treesubj&link=4454_4456التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ كَانَ عَمَلًا بِآيَةِ النَّهْيِ عَنِ الرِّبَا وَلَيْسَ فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ مَعْنًى مِنْ مَعْنَى الرِّبَا الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ .
السَّادِسُ : حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيِّ - وَرَوَاهُ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مَالِكٍ - أَنَّ
الْعَالِيَةَ بِنْتَ أَيْنَعَ وَفَدَتْ إِلَى
الْمَدِينَةِ مِنَ
الْكُوفَةِ ، فَلَقِيَتْ
عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا بَاعَتْ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي
الْكُوفَةِ جَارِيَةً بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى الْعَطَاءِ ، ثُمَّ إِنَّ
زَيْدًا بَاعَ الْجَارِيَةَ فَاشْتَرَتْهَا
الْعَالِيَةُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا ، فَقَالَتْ لَهَا
عَائِشَةُ : بِئْسَمَا شَرَيْتِ وَمَا اشْتَرَيْتِ ، أَبْلِغِي
زَيْدًا أَنَّهُ
[ ص: 89 ] قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ . قَالَتْ : فَقُلْتُ لَهَا : أَرَأَيْتِ إِنْ لَمْ آخُذْ إِلَّا رَأْسَ مَالِي ؟ قَالَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ . فَجَعَلَتْهُ
عَائِشَةُ مِنَ الرِّبَا وَلِذَلِكَ تَلَتِ الْآيَةَ .
فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ السِّتَّةِ أَثْبَتَ الْفُقَهَاءُ
nindex.php?page=treesubj&link=5372ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ لِلرِّبَا فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ : الْأَوَّلُ : رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الدَّيْنِ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ .
الثَّانِي : رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ زِيَادَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي بَيْعِ الصِّنْفِ بِصِنْفِهِ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ nindex.php?page=showalam&ids=63وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ .
الثَّالِثُ : رِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ بِمِثْلِهِ مُؤَخَّرًا ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ نَوْعًا رَابِعًا : وَهُوَ مَا يَئُولُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ بِتُهْمَةِ التَّحَيُّلِ عَلَى الرِّبَا ، وَتَرْجَمَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِبُيُوعِ الْآجَالِ ، وَدَلِيلُ
مَالِكٍ فِيهِ حَدِيثُ
الْعَالِيَةِ ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا يَشْمَلُ كُلَّ بَيْعٍ فَاسِدٍ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ ، وَإِلَيْهِ مَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ .
وَعِنْدِي أَنَّ أَظْهَرَ الْمَذَاهِبِ فِي هَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ رِبَا الْفَضْلِ تُحْمَلُ عَلَى حَدِيثِ
أُسَامَةَ : إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ . لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ . وَتَسْمِيَةُ التَّفَاضُلِ بِالرِّبَا فِي حَدِيثَيْ
أَبِي سَعِيدٍ nindex.php?page=showalam&ids=63وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ ، وَأَنَّ مَا رَاعَاهُ
مَالِكٌ مِنْ إِبْطَالِ مَا يُفْضِي إِلَى تَعَامُلِ الرِّبَا إِنْ صَدَرَ مِنْ مَوَاقِعِ التُّهْمَةِ رَعْيٌ حَسَنٌ ، وَمَا عَدَاهُ إِغْرَاقٌ فِي الِاحْتِيَاطِ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ أَقْوَالِ
مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ .
وَلَا مُتَمَسَّكَ فِي نَحْوِ حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِهِمُ الْأَوَّلِ كَانُوا قَرِيبِي عَهِدٍ بِرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ ، فَكَانَ حَالُهُمْ مُقْتَضِيًا لِسَدِّ الذَّرَائِعِ .
وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ : كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33285بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا إِنَّمَا وَرَدَ فِي الدِّينَارِ الْمَضْرُوبِ وَالدِّرْهَمِ الْمَضْرُوبِ لَا فِي التِّبْرِ وَلَا فِي الْمَصُوغِ ، فَرَوَى
مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : غَزَوْنَا وَعَلَى النَّاسِ
مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً ، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَأَمَرَ
مُعَاوِيَةُ رِجَالًا بِبَيْعِهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ ، فَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ
[ ص: 90 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10341352سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ ، مَنْ زَادَ وَازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : أَلَا مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَحَادِيثَ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنْ كَرِهَ
مُعَاوِيَةُ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهَا إِلَّا رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي فِيهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ مُنْدَرِجَةٌ فِي أَدِلَّةٍ أُخْرَى .
nindex.php?page=treesubj&link=28973وَقَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى الْآيَةَ . تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا .
وَالْمَجِيءُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْبَلَاغِ ، أَيْ : مَنْ عَلِمَ هَذَا الْوَعِيدَ . وَهَذَا عُذْرٌ لِمَنِ اسْتَرْسَلَ عَلَى مُعَامَلَةَ الرِّبَا قَبْلَ بُلُوغِ التَّحْرِيمِ إِلَيْهِ ، فَالْمُرَادُ بِالْمَوْعِظَةِ هَذِهِ الْآيَةُ وَآيَةُ آلِ عِمْرَانَ .
وَالِانْتِهَاءُ مُطَاوِعُ نَهَاهُ : إِذَا صَدَّهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ ، وَكَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ النُّهَى - بِضَمِّ النُّونِ - وَهُوَ الْعَقْلُ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَلَهُ مَا سَلَفَ أَيْ : مَا سَلَفَ قَبْضُهُ مِنْ مَالِ الرِّبَا لَا مَا سَلَفَ عَقْدُهُ وَلَمْ يُقْبَضْ ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فَرَضُوا فِيهِ احْتِمَالَاتٍ يَرْجِعُ بَعْضُهَا إِلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى ( مَنْ جَاءَهُ ) وَبَعْضُهَا إِلَى رُجُوعِهِ إِلَى ( مَا سَلَفَ ) وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى ( مَنْ جَاءَهُ ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ، وَأَنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، أَنَّ أَمْرَ جَزَائِهِ عَلَى الِانْتِهَاءِ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا مِنَ الْإِيهَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ التَّفْخِيمُ ، فَالْمَقْصُودُ الْوَعْدُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وَجُعِلَ الْعَائِدُ خَالِدًا فِي النَّارِ إِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَوْدُ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أَيْ عَادَ إِلَى اسْتِحْلَالِ الرِّبَا وَذَلِكَ نِفَاقٌ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ التَّعَامُلِ بِالرِّبَا ، فَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَجَعَلَ عَدَمَ إِقْلَاعِهِمْ عَنْهُ أَمَارَةً عَلَى كَذِبِ إِيمَانِهِمْ ، فَالْخُلُودُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَوْدُ إِلَى الْمُعَامَلَةِ بِالرِّبَا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى وَالْخُلُودُ : طُولُ الْمُكْثِ كَقَوْلِ
لَبِيدٍ :
فَوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيْفَ سُؤَالُنَا
صُمًّا خَوَالِدَ مَا يَبِينُ كَلَامُهَا
وَمِنْهُ : خَلَّدَ اللَّهُ مُلْكَ فُلَانٍ .
[ ص: 91 ] وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا
الْخَوَارِجُ الْقَائِلُونَ بِتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ كَمَا تَمَسَّكُوا بِنَظَائِرِهَا ، وَغَفُلُوا عَنْ تَغْلِيظِ وَعِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، إِذِ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ عَهْدُهُمْ بِكَفْرٍ ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .