nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=29014ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
قد علمت آنفا أن هذا هو المقصود من ذكر
عيسى عليه السلام فهو عطف على قصة إرسال
موسى .
ولم يذكر جواب ( لما ) فهو محذوف لدلالة بقية الكلام عليه .
وموقع حرف ( لما ) هنا أن مجيء
عيسى بالبينات صار معلوما للسامع مما تقدم
[ ص: 246 ] في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل الآية ، أي لما جاءهم
عيسى اختلف الأحزاب فيما جاء به ، فحذف جواب ( لما ) لأن المقصود هو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم لأنه يفيد أن سنن الأمم المبعوث إليهم الرسل لم يختلف فإنه لم يخل رسول عن قوم آمنوا به وقوم كذبوه ثم كانوا سواء في نسبة الشركاء في الإلهية بمزاعم
النصارى أن
عيسى ابن لله تعالى كما أشار إليه قوله فويل للذين ظلموا أي أشركوا كما هو اصطلاح القرآن غالبا . فتم التشابه بين الرسل السابقين وبين
محمد صلى الله عليهم أجمعين ، فحصل في الكلام إيجاز تدل عليه فاء التفريع .
وفي قصة
عيسى مع قومه تنبيه على أن الإشراك من عوارض أهل الضلالة لا يلبث أن يخامر نفوسهم وإن لم يكن عالقا بها من قبل ، فإن
عيسى بعث إلى قوم لم يكونوا يدينون بالشرك إذ هو قد بعث
لبني إسرائيل وكلهم موحدون فلما اختلف أتباعه بينهم وكذبت به فرق وصدقه فريق ثم لم يتبعوا ما أمرهم به لم يلبثوا أن حدثت فيهم نحلة الإشراك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63قال قد جئتكم بالحكمة مبينة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63جاء عيسى بالبينات وليست جوابا لشرط " لما " الذي جعل التفريع في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فاختلف الأحزاب من بينهم دليلا عليه .
وفي إيقاع جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63قد جئتكم بالحكمة بيانا لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63جاء عيسى بالبينات إيماء إلى أنه بادأهم بهذا القول ، لأن شأن أهل الضلالة أن يسرعوا إلى غاياتها ، ولو كانت مبادئ الدعوة تنافي عقائدهم ، أي لم يدعهم
عيسى إلى أكثر من اتباع الحكمة وبيان المختلف فيه ولم يدعهم إلى ما ينافي أصول شريعة التوراة ومع ذلك لم يخل حاله من صدود مريع عنه وتكذيب .
وابتداؤه بإعلامهم أنه جاءهم بالحكمة والبيان وهو إجمال حال رسالته ترغيب لهم في وعي ما سيلقيه إليهم من تفاصيل الدعوة المفرع بعضها على هذه المقدمة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فاتقوا الله وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه .
والحكمة هي معرفة ما يؤدي إلى الحسن ويكف عن القبيح وهي هنا النبوة ،
[ ص: 247 ] وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يؤتي الحكمة من يشاء في سورة البقرة .
وقد جاء
عيسى بتعليمهم حقائق من الأخلاق الفاضلة والمواعظ .
وقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63ولأبين لكم ، عطف على بالحكمة لأن كليهما متعلق بفعل " جئتكم " . واللام للتعليل . والتبيين : تجلية المعاني الخفية لغموض أو سوء تأويل ، والمراد ما بينه
عيسى في الإنجيل وغيره مما اختلفت فيه أفهام
اليهود من الأحكام المتعلقة بفهم التوراة أو بتعيين الأحكام للحوادث الطارئة .
ولم يذكر في هذه الآية قوله المحكي في آية سورة النساء
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم لأن ذلك قد قاله في مقام آخر .
والمقصود حكاية ما قاله لهم مما ليس شأنه أن يثير عليه قومه بالتكذيب فهم كذبوه في وقت لم يذكر لهم فيه أنه جاء بنسخ بعض الأحكام من التوراة ، أي كذبوه في حال ظهور آيات صدقه بالمعجزات وفي حال انتفاء ما من شأنه أن يثير عليه شكا .
وإنما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بعض الذي تختلفون فيه ، إما لأن الله أعلمه بأن المصلحة لم تتعلق ببيان كل ما اختلفوا فيه بل يقتصر على البعض ثم يكمل بيان الباقي على لسان رسول يأتي من بعده يبين جميع ما يحتاج إلى البيان .
وإما لأن ما أوحي إليه من البيان غير شامل لجميع ما هم مختلفون في حكمه وهو ينتظر بيانه من بعد تدريجا في التشريع كما وقع في تدريج تحريم الخمر في الإسلام .
وقيل : المراد بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بعض الذي تختلفون فيه ما كان الاختلاف فيه راجعا إلى أحكام الدين دون ما كان من الاختلاف في أمور الدنيا .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بعض الذي تختلفون فيه تهيئة لهم لقبول ما سيبين لهم حينئذ أو من بعد .
[ ص: 248 ] وهذه الآية تدل على جواز تأخير البيان فيما له ظاهر وفي ما يرجع إلى البيان بالنسخ ، والمسألة من أصول الفقه .
وفرع على إجمال فاتحة كلامه قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فاتقوا الله وأطيعون " . وهذا كلام جامع لتفاصيل الحكمة وبيان ما يختلفون فيه ، فإن التقوى مخافة الله . وقد جاء في الأثر "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002362رأس الحكمة مخافة الله " ، وطاعة الرسول تشمل معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فإذا أطاعوه عملوا بما يبين لهم فيحصل المقصود من البيان وهو العمل . وأجمع منه
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002363قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لسفيان الثقفي وقد سأله أن يقول له في الإسلام قولا لا يسأل عنه أحدا غيره قل آمنت بالله ثم استقم ، لأنه أليق بكلمة جامعة في شريعة لا يترقب بعدها مجيء شريعة أخرى ، بخلاف قول
عيسى عليه السلام " وأطيعون " فإنه محدود بمدة وجوده بينهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إن الله هو ربي وربكم تعليل لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فاتقوا الله وأطيعون لأنه إذا ثبت تفرده بالربوبية توجه الأمر بعبادته إذ لا يخاف الله إلا من اعترف بربوبيته وانفراده بها .
وضمير الفصل أفاد القصر ، أي الله ربي لا غيره . وهذا إعلان بالوحدانية وإن كان القوم الذين أرسل إليهم
عيسى موحدين ، لكن قد ظهرت بدعة في بعض فرقهم الذين قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير ابن الله .
وتأكيد الجملة بـ ( إن ) لمزيد الاهتمام بالخبر فإن المخاطبين غير منكرين ذلك .
وتقديم نفسه على قومه في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64ربي وربكم " لقصد
nindex.php?page=treesubj&link=31994_32430سد ذرائع الغلو في تقديس عيسى ، وذلك من معجزاته لأن الله علم أنه ستغلو فيه فرق من أتباعه فيزعمون بنوته من الله على الحقيقة ، ويضلون بكلمات الإنجيل التي يقول فيها
عيسى : أبي ، مريدا به الله تعالى .
وفرع على إثبات التوحيد لله الأمر بعبادته بقوله " فاعبدوه " فإن المنفرد بالإلهية حقيق بأن يعبد .
[ ص: 249 ] والإشارة بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=61هذا صراط مستقيم إلى مضمون قوله فاتقوا الله وأطيعون ، أي هذا طريق الوصول إلى الفوز عن بصيرة ودون تردد ، كما أن الصراط المستقيم لا ينبهم السير فيه على السائر .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=29014وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
قَدْ عَلِمْتَ آنِفًا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قِصَّةِ إِرْسَالِ
مُوسَى .
وَلَمْ يُذْكَرْ جَوَابُ ( لَمَّا ) فَهُوَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
وَمَوْقِعُ حَرْفِ ( لَمَّا ) هُنَا أَنَّ مَجِيءَ
عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ صَارَ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ مِمَّا تَقَدَّمَ
[ ص: 246 ] فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْآيَةَ ، أَيْ لَمَّا جَاءَهُمْ
عِيسَى اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ فِيمَا جَاءَ بِهِ ، فَحُذِفَ جَوَابُ ( لَمَّا ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ سَنَنَ الْأُمَمِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ لَمْ يَخْتَلِفْ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ رَسُولٌ عَنْ قَوْمٍ آمَنُوا بِهِ وَقَوْمٍ كَذَّبُوهُ ثُمَّ كَانُوا سَوَاءً فِي نِسْبَةِ الشُّرَكَاءِ فِي الْإِلَهِيَّةِ بِمَزَاعِمِ
النَّصَارَى أَنَّ
عِيسَى ابْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فَوَيْلٌ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَيْ أَشْرَكُوا كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْقُرْآنِ غَالِبًا . فَتَمَّ التَّشَابُهُ بَيْنَ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ وَبَيْنَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، فَحَصَلَ فِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَاءُ التَّفْرِيعِ .
وَفِي قِصَّةِ
عِيسَى مَعَ قَوْمِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِشْرَاكَ مِنْ عَوَارِضِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يُخَامِرَ نُفُوسَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِقًا بِهَا مِنْ قَبْلُ ، فَإِنَّ
عِيسَى بُعِثَ إِلَى قَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا يَدِينُونَ بِالشِّرْكِ إِذْ هُوَ قَدْ بُعِثَ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّهُمْ مُوَحِّدُونَ فَلَمَّا اخْتَلَفَ أَتْبَاعُهُ بَيْنَهُمْ وَكَذَّبَتْ بِهِ فِرَقٌ وَصَدَّقَهُ فَرِيقٌ ثُمَّ لَمْ يَتَّبِعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ حَدَثَتْ فِيهِمْ نِحْلَةُ الْإِشْرَاكِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَلَيْسَتْ جَوَابًا لِشَرْطِ " لَمَّا " الَّذِي جُعِلَ التَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=65فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ دَلِيلًا عَلَيْهِ .
وَفِي إِيقَاعِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ بَيَانًا لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ بَادَأَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ ، لِأَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَنْ يُسْرِعُوا إِلَى غَايَاتِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ مَبَادِئُ الدَّعْوَةِ تُنَافِي عَقَائِدَهُمْ ، أَيْ لَمْ يَدْعُهُمْ
عِيسَى إِلَى أَكْثَرَ مِنِ اتِّبَاعِ الْحِكْمَةِ وَبَيَانِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَى مَا يُنَافِي أُصُولَ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ صُدُودٍ مُرِيعٍ عَنْهُ وَتَكْذِيبٍ .
وَابْتِدَاؤُهُ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُ جَاءَهُمْ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَهُوَ إِجْمَالُ حَالِ رِسَالَتِهِ تَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي وَعْيِ مَا سَيُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ مِنْ تَفَاصِيلِ الدَّعْوَةِ الْمُفَرَّعِ بَعْضُهَا عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ .
وَالْحِكْمَةُ هِيَ مَعْرِفَةُ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَسَنِ وَيَكُفُّ عَنِ الْقَبِيحِ وَهِيَ هُنَا النُّبُوَّةُ ،
[ ص: 247 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَدْ جَاءَ
عِيسَى بِتَعْلِيمِهِمْ حَقَائِقَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَوَاعِظِ .
وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ ، عُطِفَ عَلَى بِالْحِكْمَةِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ " جِئْتُكُمْ " . وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ . وَالتَّبْيِينُ : تَجْلِيَةُ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ لِغُمُوضٍ أَوْ سُوءِ تَأْوِيلٍ ، وَالْمُرَادُ مَا بَيَّنَهُ
عِيسَى فِي الْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَفْهَامُ
الْيَهُودِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِفَهْمِ التَّوْرَاةِ أَوْ بِتَعْيِينِ الْأَحْكَامِ لِلْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ الْمَحْكِيَّ فِي آيَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ قَالَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ .
وَالْمَقْصُودُ حِكَايَةُ مَا قَالَهُ لَهُمْ مِمَّا لَيْسَ شَأْنُهُ أَنْ يُثِيرَ عَلَيْهِ قَوْمَهُ بِالتَّكْذِيبِ فَهُمْ كَذَّبُوهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِيهِ أَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، أَيْ كَذَّبُوهُ فِي حَالِ ظُهُورِ آيَاتِ صِدْقِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَفِي حَالِ انْتِفَاءِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ عَلَيْهِ شَكًّا .
وَإِنَّمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، إِمَّا لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِبَيَانِ كُلِّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْبَعْضِ ثُمَّ يَكْمُلُ بَيَانُ الْبَاقِي عَلَى لِسَانِ رَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ يُبَيِّنُ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ .
وَإِمَّا لِأَنَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْبَيَانِ غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ مَا هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ بَيَانَهُ مِنْ بَعْدُ تَدْرِيجًا فِي التَّشْرِيعِ كَمَا وَقَعَ فِي تَدْرِيجِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ رَاجِعًا إِلَى أَحْكَامِ الدِّينِ دُونَ مَا كَانَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَهْيِئَةٌ لَهُمْ لِقَبُولِ مَا سَيُبَيَّنُ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَوْ مِنْ بَعْدُ .
[ ص: 248 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ وَفِي مَا يَرْجِعُ إِلَى الْبَيَانِ بِالنَّسْخِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ .
وَفَرَّعَ عَلَى إِجْمَالِ فَاتِحَةِ كَلَامِهِ قَوْلَهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ " . وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ لِتَفَاصِيلِ الْحِكْمَةِ وَبَيَانِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، فَإِنَّ التَّقْوَى مَخَافَةَ اللَّهِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002362رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ " ، وَطَاعَةُ الرَّسُولِ تَشْمَلُ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَإِذَا أَطَاعُوهُ عَمِلُوا بِمَا يُبَيِّنُ لَهُمْ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَيَانِ وَهُوَ الْعَمَلُ . وَأَجْمَعُ مِنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002363قَوْلُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ سَأَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا يَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَهُ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ، لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِكَلِمَةٍ جَامِعَةٍ فِي شَرِيعَةٍ لَا يُتَرَقَّبُ بَعْدَهَا مَجِيءُ شَرِيعَةٍ أُخْرَى ، بِخِلَافِ قَوْلِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَأَطِيعُونِ " فَإِنَّهُ مَحْدُودٌ بِمُدَّةِ وُجُودِهِ بَيْنَهُمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=63فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَفَرُّدُهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ تَوَجَّهَ الْأَمْرُ بِعِبَادَتِهِ إِذْ لَا يَخَافُ اللَّهَ إِلَّا مَنِ اعْتَرَفَ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِهَا .
وَضَمِيرُ الْفَصْلِ أَفَادَ الْقَصْرَ ، أَيِ اللَّهُ رَبِّي لَا غَيْرُهُ . وَهَذَا إِعْلَانٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
عِيسَى مُوَحِّدِينَ ، لَكِنْ قَدْ ظَهَرَتْ بِدْعَةٌ فِي بَعْضِ فِرَقِهِمُ الَّذِينَ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ .
وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِـ ( إِنَّ ) لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ فَإِنَّ الْمُخَاطَبِينَ غَيْرُ مُنْكِرِينَ ذَلِكَ .
وَتَقْدِيمُ نَفْسِهِ عَلَى قَوْمِهِ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=64رَبِّي وَرَبُّكُمْ " لِقَصْدِ
nindex.php?page=treesubj&link=31994_32430سَدِّ ذَرَائِعِ الْغُلُوِّ فِي تَقْدِيسِ عِيسَى ، وَذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ سَتَغْلُو فِيهِ فِرَقٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ فَيَزْعُمُونَ بُنُوَّتَهَ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَيَضِلُّونَ بِكَلِمَاتِ الْإِنْجِيلِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا
عِيسَى : أَبِي ، مُرِيدًا بِهِ اللَّهَ تَعَالَى .
وَفُرِّعَ عَلَى إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ الْأَمْرُ بِعِبَادَتِهِ بِقَوْلِهِ " فَاعْبُدُوهُ " فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ بِالْإِلَهِيَّةِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُعْبَدَ .
[ ص: 249 ] وَالْإِشَارَةُ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=61هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، أَيْ هَذَا طَرِيقُ الْوُصُولِ إِلَى الْفَوْزِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَدُونَ تَرَدُّدٍ ، كَمَا أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لَا يَنْبَهِمُ السَّيْرُ فِيهِ عَلَى السَّائِرِ .