nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29024_28676_28862_29255أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تلك إذا قسمة ضيزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان .
لما جرى في صفة الوحي ومشاهدة رسول - صلى الله عليه وسلم -
جبريل عليه السلام وما دل على شئون جليلة من عظمة الله تعالى وشرف رسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرف
جبريل عليه السلام إذ وصف بصفات الكمال ومنازل العزة كما وصف النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالعروج في المنازل العليا ، كان ذلك مما يثير موازنة هذه الأحوال الرفيعة بحال أعظم آلهتهم الثلاث في زعمهم وهي : اللات ، والعزى ، ومناة ؛ التي هي أحجار مقرها الأرض لا تملك تصرفا ولا يعرج بها إلى رفعة . فكان هذا التضاد جامعا خياليا يقتضي تعقيب ذكر تلك الأحوال بذكر أحوال هاته .
فانتقل الكلام من غرض إثبات أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - موحى إليه بالقرآن ، إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30554إبطال عبادة الأصنام ، ومناط الإبطال قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان .
فالفاء لتفريع الاستفهام وما بعده على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أفتمارونه على ما يرى المفرعة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى .
والرؤية في " أفرأيتم " يجوز أن تكون بصرية تتعدى إلى مفعول واحد فلا تطلب مفعولا ثانيا ويكون الاستفهام تقريريا تهكميا ، أي : كيف ترون اللات
[ ص: 103 ] والعزى ومناة بالنسبة لما وصف في عظمة الله تعالى وشرف ملائكته وشرف رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا تهكم بهم وإبطال لإلهية تلك الأصنام بطريق الفحوى ، ودليله العيان . وأكثر استعمال أرأيت أن تكون للرؤية البصرية على ما اختاره رضي الدين .
وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر إلخ استئنافا وارتقاء في الرد أو بدل اشتمال من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى ؛ لأن مضمونها مما تشتمل عليه مزاعمهم ، كانوا يزعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله كما حكى عنهم
ابن عطية وصاحب الكشاف وسياق الآيات يقتضيه .
ويجوز أن تكون الرؤيا علمية ، أي : أزعمتم اللات والعزى ومناة ، فحذف المفعول الثاني اختصارا لدلالة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى عليه ، والتقدير : أزعمتموهن بنات الله ، أتجعلون له الأنثى وأنتم تبتغون الأبناء الذكور ، وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر إلخ بيانا للإنكار وارتقاء في إبطال مزاعمهم ، أي : أتجعلون لله البنات خاصة وتغتبطون لأنفسكم بالبنين الذكور .
وجعل صاحب الكشف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى سادا مسد المفعول الثاني أرأيتم .
وأيضا لما كان فيما جرى من صفة الوحي ومنازل الزلفى التي حظي بها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وعظمة
جبريل إشعار بسعة قدرة الله تعالى وعظيم ملكوته مما يسجل على المشركين في زعمهم شركاء لله أصناما مثل اللات والعزى ومناة فساد زعمهم وسفاهة رأيهم ، أعقب ذكر دلائل العظمة الإلهية بإبطال إلهية أصنامهم بأنها أقل من مرتبة الإلهية إذ تلك أوهام لا حقائق لها ولكن اخترعتها مخيلات أهل الشرك ووضعوا لها أسماء ما لها حقائق ففرع
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى إلخ فيكون الاستفهام تقريريا إنكاريا ، والرؤيا علمية والمفعول الثاني هو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها .
وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى إلخ معترضة بين المفعولين للارتقاء في الإنكار ، أي : وزعمتوهن بنات لله أو وزعمتم الملائكة بنات لله .
[ ص: 104 ] وهذه الوجوه غير متنافية فنحملها على أن جميعها مقصود في هذا المقام .
ولك أن تجعل فعل " أرأيتم " ( على اعتبار الرؤية علمية ) معلقا عن العمل لوقوع إن النافية بعده في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها وتجعل جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى إلى قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22ضيزى " اعتراضا .
واللات : صنم كان
لثقيف بالطائف ، وكانت
قريش وجمهور العرب يعبدونه ، وله شهرة عند
قريش ، وهو صخرة مربعة بنوا عليها بناء . وقال
الفخر : كان على صورة إنسان ، وكان في موضع منارة
مسجد الطائف اليسرى كذا قال
القرطبي فلعل المسجد كانت له منارتان .
والألف واللام في أول اللات زائدتان . و " أل " الداخلة عليه زائدة ولعل ذلك ؛ لأن أصله : لات ، بمعنى معبود ، فلما أرادوا جعله علما على معبود خاص أدخلوا عليه لام تعريف العهد كما في الله ، فإن أصله إله . ويوقف عليه بسكون تائه في الفصحى .
وقرأ الجمهور : ( اللات ) بتخفيف المثناة الفوقية . وقرأ
رويس عن
يعقوب بتشديد التاء وذلك لغة في هذا الاسم ؛ لأن كثيرا من العرب يقولون : أصل صخرته موضع كان يجلس عليه رجل في الجاهلية يلت السويق للحاج فلما مات اتخذوا مكانه معبدا .
والعزى : فعلى من العز : اسم صنم حجر أبيض عليه بناء وقال
الفخر : كان على صورة نبات ولعله يعني : أن الصخرة فيها صورة شجر ، وكان ببطن نخلة فوق ذات عرق وكان جمهور العرب يعبدونها وخاصة
قريشا وقد قال
أبو سفيان يوم
أحد يخاطب المسلمين لنا العزى ولا عزى لكم .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير سورة الفاتحة أن
nindex.php?page=treesubj&link=29255_28680_28676العرب كانوا إذ شرعوا في عمل قالوا : باسم اللات باسم العزى .
وأما مناة فعلم مرتجل ، وهو مؤنث فحقه أن يكتب بهاء تأنيث في آخره ويوقف عليه بالهاء ، ويكون ممنوعا من الصرف ، وفيه لغة بالتاء الأصلية في آخره
[ ص: 105 ] فيوقف عليه بالتاء ويكون مصروفا ؛ لأن تاء لات مثل باء باب ، وأصله : منواة بالتحريك وقد يمد فيقال : مناءة وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث . وقياس الوقف عليه أن يوقف عليه بالهاء ، وبعضهم يقف عليه بالتاء تبعا لخط المصحف ، وكان صخرة وقد عبده جمهور العرب وكان موضعه في المشلل حذو قديد بين
مكة والمدينة ، وكان
الأوس والخزرج يطوفون حوله في الحج عوضا عن
الصفا والمروة فلما حج المسلمون وسعوا بين
الصفا والمروة تحرج
الأنصار من السعي لأنهم كانوا يسعون بين
الصفا والمروة فنزل فيهم قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما كما تقدم عن حديث
عائشة في الموطإ في سورة البقرة .
وقرأ الجمهور " ومناة " بتاء بعد الألف وقرأه
ابن كثير بهمزة بعد الألف على إحدى اللغتين . والجمهور يقفون عليه بالتاء تبعا لرسم المصحف فتكون التاء حرفا من الكلمة غير علامة تأنيث فهي مثل تاء اللات ويجعلون رسمها في المصحف على غير قياس .
ووصفها بالثالثة ؛ لأنها ثالثة في الذكر وهو صفة كاشفة ، ووصفها بالأخرى أيضا صفة كاشفة ؛ لأن كونها ثالثة في الذكر غير المذكورتين قبلها معلوم للسامع ، فالحاصل من الصفتين تأكيد ذكرها ؛ لأن اللات والعزى عند
قريش وعند جمهور العرب أشهر من مناة لبعد مكان مناة عن بلادهم ولأن ترتيب مواقع بيوت هذه الأصنام كذلك ، فاللات في أعلى
تهامة بالطائف ، والعزى في وسطها بنخلة بين
مكة والطائف ، ومناة بالمشلل بين
مكة والمدينة فهي ثالثة البقاع .
وقال
ابن عطية :
nindex.php?page=treesubj&link=29255كانت مناة أعظم هذه الأوثان قدرا وأكثرها عبادة ولذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين .
والأحسن أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20الثالثة الأخرى جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد وكان فيه من يظن أنه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر فيقولوا : وفلان هو الآخر ، ووجهه هنا أن عباد مناة كثيرون في قبائل العرب فنبه على أن كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بقية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها وكل ذلك جار مجرى التهكم والتسفيه .
[ ص: 106 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى ارتقاء في الإبطال والتهكم والتسفيه كما تقدم ، وهي مجاراة لاعتقادهم أن تلك الأصنام الثلاثة بنات الله وأن الملائكة بنات الله ، أي : أجعلتم لله بنات خاصة وأنتم تعلمون أن لكم أولادا ذكورا وإناثا وأنكم تفضلون الذكور وتكرهون الإناث وقد خصصتم الله بالإناث دون الذكور والله أولى بالفضل والكمال لو كنتم تعلمون فكان في هذا زيادة تشنيع لكفرهم إذ كان كفرا وسخافة عقل .
وكون العزى ومناة عندهم انثتين ظاهر من صيغة اسميهما ، وأما اللات فبقطع النظر عن اعتبار التاء في الاسم علامة تأثيث أو أصلا من الكلمة فهم كانوا يتوهمون اللات أنثى ، ولذلك قال
أبو بكر رضي الله عنه
لعروة بن مسعود الثقفي يوم
الحديبية امصص أو اعضض بظر اللات .
وتقديم المجرورين في
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى للاهتمام بالاختصاص الذي أفاده اللام اهتماما في مقام التهكم والتسفيه على أن في تقديم ( وله الأنثى ) إفادة الاختصاص ، أي : دون الذكر .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تلك إذا قسمة ضيزى تعليل للإنكار والتهكم المفاد من الاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى ، أي : قد جرتم في القسمة وما عدلتم فأنتم أحقاء بالإنكار .
والإشارة ب " تلك " إلى المذكور باعتبار الإخبار عنه بلفظ " قسمة " فإنه مؤنث اللفظ .
و " إذن " حرف جواب أريد به جواب الاستفهام الإنكاري ، أي : يترتب على ما زعمتم أن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29024_28907قسمة ضيزى ، أي : قسمتم قسمة جائرة .
وضيزى : وزنه فعلى بضم الفاء من ضازه حقه ، إذا نقصه ، وأصل عين ضاز همزة ، يقال : ضأزه حقه كمنعه ثم كثر في كلامهم تخفيف الهمزة فقالوا : ضازه بالألف . ويجوز في مضارعه أن يكون يائي العين أو واويها قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : يجوز ضاز يضيز ، وضاز يضوز . وكأنه يريد أن لك الخيار في المهموز العين إذا خفف
[ ص: 107 ] أن تلحقه بالواو أو الياء ، لكن الأكثر في كلامهم اعتبار العين ياء فقالوا : ضازه حقه ضيزا ولم يقولوا ضوزا ؛ لأن الضوز لوك التمر في الفم ، فأرادوا التفرقة بين المصدرين ، وهذا من محاسن الاستعمال . وعن
المؤرج السدوسي كرهوا ضم الضاد في ضوزى فقالوا : ضيزى . كأنه يريد استثقلوا ضم الضاد ، أي : في أول الكلمة مع أن لهم مندوحة عنه بالزنة الأخرى .
ووزن ضيزى : فعلى اسم تفصيل مثل كبرى وطوبى أي : شديدة الضيز فلما وقعت الياء الساكنة بعد الضمة حركوه بالكسر محافظة على الياء لئلا يقلبوها واوا فتصير ضوزى وهو ما كرهوه كما قال
المؤرج . وهذا كما فعلوا في بيض جمع أبيض ولو اعتبروه تفضيلا من ضاز يضوز لقالوا : ضوزى ولكنهم أهملوه .
وقيل : وزن ضيزى فعلى بكسر الفاء على أنه اسم ، مثل دفلى وشعرى ، ويبعد هذا أنه مشتق فهو بالوصفية أجدر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : لا يوجد فعلى بكسر الفاء في الصفات ، أو على أنه مصدر ، مثل ذكرى وعلى الوجهين كسرته أصلية .
وقرأ الجمهور ضيزي بياء ساكنة بعد الضاد ، وقرأه
ابن كثير بهمزة ساكنة بعد الضاد مراعاة لأصل الفعل كما تقدم آنفا . وهذا وسم لهم بالجور زيادة على الكفر ؛ لأن التفكير في الجور كفعله فإن تخيلات الإنسان ومعتقداته عنوان على أفكاره وتصرفاته .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها استئناف يكر بالإبطال على معتقدهم من أصله بعد إبطاله بما هو من لوازمه على مجاراتهم فيه لإظهار اختلال معتقدهم وفي هذه الجملة احتراس لئلا يتوهم متوهم إنكار نسبتهم البنات لله أنه إنكار لتخصيصهم الله بالبنات وأن له أولادا ذكورا وإناثا أو أن مصب الإنكار على زعمهم أنها بنات وليست ببنات فيكون كالإنكار عليهم في زعمهم الملائكة بنات . والضمير هي عائد إلى اللات والعزى ومناة . وماصدق الضمير الذات والحقيقة ، أي : ليست هذه الأصنام إلا أسماء لا مسميات لها ولا حقائق ثابتة وهذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها .
والقصر إضافي ، أي : هي أسماء لا حقائق عاقلة متصرفة كما تزعمون ، وليس
[ ص: 108 ] القصر حقيقيا ؛ لأن لهاته الأصنام مسميات وهي الحجارة أو البيوت التي يقصدونها بالعبادة ويجعلون لها سدنة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23ما أنزل الله بها من سلطان تعليل لمعنى القصر بطريقة الاكتفاء ؛ لأن كونها لا حقائق لها في عالم الشهادة أمر محسوس إذ ليست إلا حجارة .
وأما كونها لا حقائق لها من عالم الغيب فلأن عالم الغيب لا طريق إلى إثبات ما يحتويه إلا بإعلام من عالم الغيب سبحانه ، أو بدليل العقل كدلالة العالم على وجود الصانع وبعض صفاته ، والله لم يخبر أحدا من رسله بأن للأصنام أرواحا أو ملائكة ، مثل ما أخبر عن حقائق الملائكة والجن والشياطين .
والسلطان : الحجة ، وإنزالها من الله : الإخبار بها ، وهذا كناية عن انتفاء أن تكون عليها حجة ؛ لأن وجود الحجة يستلزم ظهورها ، فنفي إنزال الحجة بها من باب :
على لاحب لا يهتدى بمناره
، أي : لا منار له فيهتدى به .
وعبر عن الإخبار الموحى به بفعل " أنزل " ؛ لأنه إخبار يرد من العالم العلوي فشبه بإدلاء جسم من أعلى إلى أسفل .
وكذلك عبر عن إقامة دلائل الوجود بالإنزال ؛ لأن النظر الفكري من خلق الله فشبه بالإنزال كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ، فاستعمال
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23ما أنزل الله بها من سلطان من استعمال اللفظ في معنييه المجازيين . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=71ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم في سورة الحج ، وتقدم في سورة يوسف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان .
وأكد نفي إنزال السلطان بحرف من الزائدة لتوكيد نفي الجنس .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=29024_28676_28862_29255أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
لَمَّا جَرَى فِي صِفَةِ الْوَحْيِ وَمُشَاهَدَةِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا دَلَّ عَلَى شُئُونٍ جَلِيلَةٍ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرَفِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَفِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ وُصِفَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَمَنَازِلِ الْعِزَّةِ كَمَا وُصِفَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرُوجِ فِي الْمَنَازِلِ الْعُلْيَا ، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ مُوَازَنَةَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الرَّفِيعَةِ بِحَالِ أَعْظَمِ آلِهَتِهِمُ الثَّلَاثِ فِي زَعْمِهِمْ وَهِيَ : اللَّاتُ ، وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةُ ؛ الَّتِي هِيَ أَحْجَارٌ مَقَرُّهَا الْأَرْضُ لَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا وَلَا يُعَرَجُ بِهَا إِلَى رِفْعَةٍ . فَكَانَ هَذَا التَّضَادُّ جَامِعًا خَيَالِيًّا يَقْتَضِي تَعْقِيبَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ بِذِكْرِ أَحْوَالِ هَاتِهِ .
فَانْتَقَلَ الْكَلَامُ مِنْ غَرَضِ إِثْبَاتِ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوحًى إِلَيْهِ بِالْقُرْآنِ ، إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30554إِبْطَالِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَمَنَاطُ الْإِبْطَالِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
فَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى الْمُفَرَّعَةِ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى .
وَالرُّؤْيَةُ فِي " أَفَرَأَيْتُمْ " يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةٌ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَلَا تَطْلَبُ مَفْعُولًا ثَانِيًا وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيًّا تَهَكُّمِيًّا ، أَيْ : كَيْفَ تَرَوْنَ اللَّاتَ
[ ص: 103 ] وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُصِفَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرَفِ مَلَائِكَتِهِ وَشَرَفَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهَذَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ وَإِبْطَالٌ لِإِلَهِيَّةِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى ، وَدَلِيلُهُ الْعِيَانُ . وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ أَرَأَيْتَ أَنْ تَكُونَ لِلرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ رَضِيُّ الدِّينِ .
وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ إِلَخِ اسْتِئْنَافًا وَارْتِقَاءً فِي الرَّدِّ أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَهَا مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مَزَاعِمُهُمْ ، كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بِنَاتُ اللَّهِ كَمَا حَكَى عَنْهُمُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَصَاحِبُ الْكَشَّافِ وَسِيَاقُ الْآيَاتِ يَقْتَضِيهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا عِلْمِيَّةً ، أَيْ : أَزَعَمْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي اخْتِصَارًا لِدِلَالَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى عَلَيْهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَزْعَمْتُمُوهُنَّ بَنَاتِ اللَّهِ ، أَتَجْعَلُونَ لَهُ الْأُنْثَى وَأَنْتُمْ تَبْتَغُونَ الْأَبْنَاءَ الذُّكُورَ ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ إِلَخْ بَيَانًا لِلْإِنْكَارِ وَارْتِقَاءً فِي إِبْطَالِ مَزَاعِمِهِمْ ، أَيْ : أَتَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ خَاصَّةً وَتَغْتَبِطُونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْبَنِينَ الذُّكُورِ .
وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَشْفِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى سَادًّا مَسَدَّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي أَرَأَيْتُمْ .
وَأَيْضًا لِمَا كَانَ فِيمَا جَرَى مِنْ صِفَةِ الْوَحْيِ وَمَنَازِلِ الزُّلْفَى الَّتِي حَظِيَ بِهَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَظَمَةُ
جِبْرِيلَ إِشْعَارٌ بِسِعَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ مَلَكُوتِهِ مِمَّا يُسَجِّلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي زَعْمِهِمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ أَصْنَامًا مِثْلَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ فَسَادَ زَعْمِهِمْ وَسَفَاهَةَ رَأْيِهِمْ ، أُعْقِبَ ذِكْرُ دَلَائِلِ الْعَظَمَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِهِمْ بِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ مَرْتَبَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِذْ تِلْكَ أَوْهَامٌ لَا حَقَائِقَ لَهَا وَلَكِنِ اخْتَرَعَتْهَا مُخَيِّلَاتُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَوَضَعُوا لَهَا أَسْمَاءَ مَا لَهَا حَقَائِقُ فَفَرَّعَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى إِلَخْ فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيًّا إِنْكَارِيًّا ، وَالرُّؤْيَا عِلْمِيَّةً وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا .
وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى إِلَخْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْمَفْعُولَيْنِ لِلِارْتِقَاءِ فِي الْإِنْكَارِ ، أَيْ : وَزَعَمْتُوهُنَّ بَنَاتٍ لِلَّهِ أَوْ وَزَعَمْتُمُ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتٍ لِلَّهِ .
[ ص: 104 ] وَهَذِهِ الْوُجُوهُ غَيْرُ مُتَنَافِيَةٍ فَنَحْمِلُهَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَهَا مَقْصُودٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ فِعْلَ " أَرَأَيْتُمْ " ( عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ عِلْمِيَّةً ) مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ لِوُقُوعِ إِنْ النَّافِيَةَ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا وَتَجْعَلُ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى إِلَى قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22ضِيزَى " اعْتِرَاضًا .
وَاللَّاتُ : صَنَمٌ كَانَ
لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ ، وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ وَجُمْهُورُ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهُ ، وَلَهُ شُهْرَةٌ عِنْدَ
قُرَيْشٍ ، وَهُوَ صَخْرَةٌ مُرَبَّعَةٌ بَنَوْا عَلَيْهَا بِنَاءً . وَقَالَ
الْفَخْرُ : كَانَ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ ، وَكَانَ فِي مَوْضِعِ مَنَارَةِ
مَسْجِدِ الطَّائِفِ الْيُسْرَى كَذَا قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فَلَعَلَّ الْمَسْجِدَ كَانَتْ لَهُ مَنَارَتَانِ .
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَوَّلِ اللَّاتِ زَائِدَتَانِ . وَ " أَلْ " الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ زَائِدَةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ : لَاتٌ ، بِمَعْنَى مَعْبُودٍ ، فَلَمَّا أَرَادُوا جَعْلَهُ عَلَمًا عَلَى مَعْبُودٍ خَاصٍّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ لَامَ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ كَمَا فِي اللَّهِ ، فَإِنَّ أَصْلَهُ إِلَهٌ . وَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِسِكُونِ تَائِهِ فِي الْفُصْحَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( اللَّاتَ ) بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ . وَقَرَأَ
رُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَذَلِكَ لُغَةٌ فِي هَذَا الِاسْمِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ : أَصْلُ صَخْرَتِهِ مَوْضِعٌ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ فَلَمَّا مَاتَ اتَّخَذُوا مَكَانَهُ مَعْبَدًا .
وَالْعُزَّى : فُعْلَى مِنَ الْعِزِّ : اسْمُ صَنَمِ حَجَرٍ أَبْيَضَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَقَالَ
الْفَخْرُ : كَانَ عَلَى صُورَةِ نَبَاتٍ وَلَعَلَّهُ يَعْنِي : أَنَّ الصَّخْرَةَ فِيهَا صُورَةُ شَجَرٍ ، وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ وَكَانَ جُمْهُورُ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهَا وَخَاصَّةً
قُرَيْشًا وَقَدْ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ
أُحُدٍ يُخَاطِبُ الْمُسْلِمِينَ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29255_28680_28676الْعَرَبَ كَانُوا إِذْ شَرَعُوا فِي عَمَلٍ قَالُوا : بِاسْمِ اللَّاتِ بِاسْمِ الْعُزَّى .
وَأَمَّا مَنَاةُ فَعَلَمٌ مُرْتَجَلٌ ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَحَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ بِهَاءِ تَأْنِيثِ فِي آخِرِهِ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ ، وَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنَ الصَّرْفِ ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِالتَّاءِ الْأَصْلِيَّةِ فِي آخِرِهِ
[ ص: 105 ] فَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ وَيَكُونُ مَصْرُوفًا ؛ لِأَنَّ تَاءَ لَاتٍ مِثْلُ بَاءِ بَابٍ ، وَأَصْلُهُ : مَنَوَاةُ بِالتَّحْرِيكِ وَقَدْ يُمَدُّ فَيُقَالُ : مَنَاءَةُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ . وَقِيَاسُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ ، وَبَعْضُهُمْ يَقِفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ تَبَعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ ، وَكَانَ صَخْرَةً وَقَدْ عَبَدَهُ جُمْهُورُ الْعَرَبِ وَكَانَ مَوْضِعُهُ فِي الْمُشَلَّلِ حَذْوَ قُدَيْدٍ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ
الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَطُوفُونَ حَوْلَهُ فِي الْحَجِّ عِوَضًا عَنِ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا حَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَسَعَوْا بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَحَرَّجَ
الْأَنْصَارُ مِنَ السَّعْيِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْعَوْنَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَنَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي الْمُوَطَّإِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " وَمَنَاةَ " بِتَاءٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ . وَالْجُمْهُورُ يَقِفُونَ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ تَبَعًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ فَتَكُونُ التَّاءُ حَرْفًا مِنَ الْكَلِمَةِ غَيْرَ عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ فَهِيَ مِثْلُ تَاءِ اللَّاتِ وَيَجْعَلُونَ رَسْمَهَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ .
وَوَصْفُهَا بِالثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ فِي الذِّكْرِ وَهُوَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ ، وَوَصْفُهَا بِالْأُخْرَى أَيْضًا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا ثَالِثَةً فِي الذِّكْرِ غَيْرِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَبْلَهَا مَعْلُومٌ لِلسَّامِعِ ، فَالْحَاصِلُ مِنَ الصِّفَتَيْنِ تَأْكِيدُ ذِكْرِهَا ؛ لِأَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى عِنْدَ
قُرَيْشٍ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ أَشْهَرُ مِنْ مَنَاةَ لِبُعْدِ مَكَانِ مَنَاةَ عَنْ بِلَادِهِمْ وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ مَوَاقِعِ بُيُوتِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ كَذَلِكَ ، فَاللَّاتُ فِي أَعْلَى
تِهَامَةَ بِالطَّائِفِ ، وَالْعُزَّى فِي وَسْطِهَا بِنَخْلَةٍ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، وَمَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهِيَ ثَالِثَةُ الْبِقَاعِ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29255كَانَتْ مَنَاةُ أَعْظَمَ هَذِهِ الْأَوْثَانِ قَدْرًا وَأَكْثَرَهَا عِبَادَةً وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى فَأَكَّدَهَا بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ .
وَالْأَحْسَنُ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى جَرَى عَلَى أُسْلُوبِ الْعَرَبِ إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ مُتَعَدِّدٍ وَكَانَ فِيهِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْخَبَرِ لِعِظَمَةٍ أَوْ تَبَاعُدٍ عَنِ التَّلَبُّسِ بِمِثْلِ مَا تَلَبَّسَ بِهِ نُظَرَاؤُهُ أَنْ يَخْتِمُوا الْخَبَرَ فَيَقُولُوا : وَفُلَانٌ هُوَ الْآخَرُ ، وَوَجْهُهُ هُنَا أَنَّ عُبَّادَ مَنَاةَ كَثِيرُونَ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ عَبَدَتِهَا لَا يَزِيدُهَا قُوَّةً عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَامِ فِي مَقَامِ إِبْطَالِ إِلَهِيَّتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ جَارٍ مَجْرَى التَّهَكُّمِ وَالتَّسْفِيهِ .
[ ص: 106 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ارْتِقَاءٌ فِي الْإِبْطَالِ وَالتَّهَكُّمِ وَالتَّسْفِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهِيَ مُجَارَاةٌ لِاعْتِقَادِهِمُ أَنَّ تِلْكَ الْأَصْنَامَ الثَّلَاثَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، أَيْ : أَجَعَلْتُمْ لِلَّهِ بَنَاتٍ خَاصَّةً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ لَكُمْ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَأَنَّكُمْ تُفَضِّلُونَ الذُّكُورَ وَتَكْرَهُونَ الْإِنَاثَ وَقَدْ خَصَصْتُمُ اللَّهَ بِالْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ وَاللَّهُ أَوْلَى بِالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَكَانَ فِي هَذَا زِيَادَةُ تَشْنِيعٍ لِكُفْرِهِمْ إِذْ كَانَ كُفْرًا وَسَخَافَةَ عَقْلٍ .
وَكَوْنُ الْعُزَّى وَمَنَاةَ عِنْدَهُمُ انْثَتَيْنِ ظَاهِرٌ مِنْ صِيغَةِ اسْمَيْهِمَا ، وَأَمَّا اللَّاتُ فَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اعْتِبَارِ التَّاءِ فِي الِاسْمِ عَلَامَةَ تَأْثِيثٍ أَوْ أَصْلًا مِنَ الْكَلِمَةِ فَهُمْ كَانُوا يَتَوَهَّمُونَ اللَّاتَ أُنْثَى ، وَلِذَلِكَ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ امْصُصْ أَوِ اعْضُضْ بَظْرَ اللَّاتِ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَيْنِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى لِلِاهْتِمَامِ بِالِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَهُ اللَّامُ اهْتِمَامًا فِي مَقَامِ التَّهَكُّمِ وَالتَّسْفِيهِ عَلَى أَنَّ فِي تَقْدِيمِ ( وَلَهُ الْأُنْثَى ) إِفَادَةَ الِاخْتِصَاصِ ، أَيْ : دُونَ الذَّكَرِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى تَعْلِيلٌ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّهَكُّمِ الْمُفَادُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ، أَيْ : قَدْ جُرْتُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَمَا عَدَلْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحِقَّاءُ بِالْإِنْكَارِ .
وَالْإِشَارَةُ بِ " تِلْكَ " إِلَى الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِلَفْظِ " قِسْمَةٌ " فَإِنَّهُ مُؤَنَّثُ اللَّفْظِ .
وَ " إِذَنْ " حَرْفُ جَوَابٍ أُرِيدَ بِهِ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ ، أَيْ : يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29024_28907قِسْمَةٌ ضِيزَى ، أَيْ : قَسَمْتُمْ قِسْمَةً جَائِرَةً .
وَضِيزَى : وَزْنُهُ فُعْلَى بِضَمِ الْفَاءِ مِنْ ضَازَهُ حَقَّهُ ، إِذَا نَقَصَهُ ، وَأَصْلُ عَيْنِ ضَازَ هَمْزَةٌ ، يُقَالُ : ضَأَزَهُ حَقَّهُ كَمَنَعَهُ ثُمَّ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ فَقَالُوا : ضَازَهُ بِالْأَلِفِ . وَيَجُوزُ فِي مُضَارِعِهِ أَنْ يَكُونَ يَائِيَّ الْعَيْنِ أَوْ وَاوِيَّهَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ : يَجُوزُ ضَازَ يَضِيزُ ، وَضَازَ يَضُوزُ . وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ لَكَ الْخِيَارَ فِي الْمَهْمُوزِ الْعَيْنِ إِذَا خُفِّفَ
[ ص: 107 ] أَنْ تُلْحِقَهُ بِالْوَاوِ أَوِ الْيَاءِ ، لَكِنَّ الْأَكْثَرَ فِي كَلَامِهِمُ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ يَاءً فَقَالُوا : ضَازَهُ حَقَّهُ ضَيْزًا وَلَمْ يَقُولُوا ضَوْزًا ؛ لِأَنَّ الضَّوْزَ لَوْكُ التَّمْرِ فِي الْفَمِ ، فَأَرَادُوا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَصْدَرَيْنِ ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الِاسْتِعْمَالِ . وَعَنِ
الْمُؤَرِّجِ السَّدُوسِيِّ كَرِهُوا ضَمَّ الضَّادِ فِي ضُوزَى فَقَالُوا : ضِيزَى . كَأَنَّهُ يُرِيدُ اسْتَثْقَلُوا ضَمَّ الضَّادِ ، أَيْ : فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ مَعَ أَنَّ لَهُمْ مَنْدُوحَةً عَنْهُ بِالزِّنَةِ الْأُخْرَى .
وَوَزْنُ ضِيزَى : فُعْلَى اسْمُ تَفْصِيلٍ مِثْلَ كُبْرَى وَطُوبَى أَيْ : شَدِيدَةُ الضَّيْزِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْيَاءُ السَّاكِنَةُ بَعْدَ الضَّمَّةِ حَرَّكُوهُ بِالْكَسْرِ مُحَافَظَةً عَلَى الْيَاءِ لِئَلَّا يَقْلِبُوهَا وَاوًا فَتَصِيرَ ضُوزَى وَهُوَ مَا كَرِهُوهُ كَمَا قَالَ
الْمُؤَرِّجُ . وَهَذَا كَمَا فَعَلُوا فِي بِيضٍ جَمْعُ أَبْيَضَ وَلَوِ اعْتَبَرُوهُ تَفْضِيلًا مِنْ ضَازَ يَضُوزُ لَقَالُوا : ضَوْزَى وَلَكِنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ .
وَقِيلَ : وَزْنُ ضِيزَى فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ ، مِثْلُ دِفْلَى وَشِعْرَى ، وَيُبَعِّدُ هَذَا أَنَّهُ مُشْتَقٌّ فَهُوَ بِالْوَصْفِيَّةِ أَجْدَرُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : لَا يُوجَدُ فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ فِي الصِّفَاتِ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ ، مِثْلُ ذِكْرَى وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ كَسْرَتُهُ أَصْلِيَّةٌ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ضِيزَيْ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الضَّادِ ، وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الضَّادِ مُرَاعَاةً لِأَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا . وَهَذَا وَسْمٌ لَهُمْ بِالْجَوْرِ زِيَادَةٌ عَلَى الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ التَّفْكِيرَ فِي الْجَوْرِ كَفِعْلِهِ فَإِنَّ تَخَيُّلَاتِ الْإِنْسَانِ وَمُعْتَقَدَاتِهِ عُنْوَانٌ عَلَى أَفْكَارِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا اسْتِئْنَافٌ يَكُرُّ بِالْإِبْطَالِ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ مِنْ أَصْلِهِ بَعْدَ إِبْطَالِهِ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ عَلَى مُجَارَاتِهِمْ فِيهِ لِإِظْهَارِ اخْتِلَالِ مُعْتَقَدِهِمْ وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ إِنْكَارَ نِسْبَتِهِمُ الْبَنَاتِ لِلَّهِ أَنَّهُ إِنْكَارٌ لِتَخْصِيصِهِمُ اللَّهَ بِالْبَنَاتِ وَأَنَّ لَهُ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَوْ أَنَّ مَصَبَّ الْإِنْكَارِ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّهَا بَنَاتٌ وَلَيْسَتْ بِبَنَاتٍ فَيَكُونُ كَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ فِي زَعْمِهِمُ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتٍ . وَالضَّمِيرُ هِيَ عَائِدٌ إِلَى اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ . وَمَاصَدَقَ الضَّمِيرِ الذَّاتُ وَالْحَقِيقَةُ ، أَيْ : لَيْسَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ إِلَّا أَسْمَاءً لَا مُسَمَّيَاتِ لَهَا وَلَا حَقَائِقَ ثَابِتَةً وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا .
وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ ، أَيْ : هِيَ أَسْمَاءٌ لَا حَقَائِقُ عَاقِلَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ كَمَا تَزْعُمُونَ ، وَلَيْسَ
[ ص: 108 ] الْقَصْرُ حَقِيقِيًّا ؛ لِأَنَّ لِهَاتِهِ الْأَصْنَامِ مُسَمَّيَاتٌ وَهِيَ الْحِجَارَةُ أَوِ الْبُيُوتُ الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِالْعِبَادَةِ وَيَجْعَلُونَ لَهَا سَدَنَةً .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ تَعْلِيلٌ لِمَعْنَى الْقَصْرِ بِطَرِيقَةِ الِاكْتِفَاءِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا لَا حَقَائِقَ لَهَا فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ إِذْ لَيْسَتْ إِلَّا حِجَارَةً .
وَأَمَّا كَوْنُهَا لَا حَقَائِقَ لَهَا مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ فَلِأَنَّ عَالَمَ الْغَيْبِ لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ مَا يَحْتَوِيهِ إِلَّا بِإِعْلَامٍ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ سُبْحَانَهُ ، أَوْ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ كَدَلَالَةِ الْعَالَمِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَبَعْضِ صِفَاتِهِ ، وَاللَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا مِنْ رُسُلِهِ بِأَنَّ لِلْأَصْنَامِ أَرْوَاحًا أَوْ مَلَائِكَةً ، مِثْلَ مَا أَخْبَرَ عَنْ حَقَائِقِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ .
وَالسُّلْطَانُ : الْحُجَّةُ ، وَإِنْزَالُهَا مِنَ اللَّهِ : الْإِخْبَارُ بِهَا ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهَا حُجَّةٌ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحُجَّةِ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا ، فَنَفْيُ إِنْزَالِ الْحُجَّةِ بِهَا مِنْ بَابِ :
عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ
، أَيْ : لَا مَنَارَ لَهُ فَيُهْتَدَى بِهِ .
وَعَبَّرَ عَنِ الْإِخْبَارِ الْمُوحَى بِهِ بِفِعْلِ " أَنْزَلَ " ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ يَرِدُ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ فَشُبِّهَ بِإِدْلَاءِ جِسْمٍ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ .
وَكَذَلِكَ عَبَّرَ عَنْ إِقَامَةِ دَلَائِلِ الْوُجُودِ بِالْإِنْزَالِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ الْفِكْرِيَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَشُبِّهَ بِالْإِنْزَالِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَاسْتِعْمَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ الْمَجَازِيَّيْنِ . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=71وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ فِي سُورَةِ الْحَجِّ ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
وَأَكَّدَ نَفْيَ إِنْزَالِ السُّلْطَانِ بِحَرْفِ مِنْ الزَّائِدَةِ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْجِنْسِ .