nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=28974_34001إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=57وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فنوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين .
استئناف ; و " إذ " ظرف غير متعلق بشيء ، أو متعلق بمحذوف ، أي اذكر إذ قال الله . كما تقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة وهذا حكاية لأمر
nindex.php?page=treesubj&link=34001رفع المسيح وإخفائه عن أنظار أعدائه . وقدم الله في خطابه إعلامه بذلك استئناسا له ، إذ لم يتم ما يرغبه من هداية قومه . مع العلم بأنه يحب لقاء الله ،
[ ص: 258 ] وتبشيرا له بأن الله مظهر دينه ، لأن غاية هم الرسول هو الهدى ، وإبلاغ الشريعة ، فلذلك قال له :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا والنداء فيه للاستئناس ، وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341404لا يقبض نبيء حتى يخير .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إني متوفيك ظاهر معناه : إني مميتك ، هذا هو معنى هذا الفعل في مواقع استعماله لأن أصل فعل توفى الشيء أنه قبضه تاما واستوفاه . فيقال : توفاه الله أي قدر موته ، ويقال : توفاه ملك الموت أي أنفذ إرادة الله بموته ، ويطلق التوفي على النوم مجازا بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وهو الذي يتوفاكم بالليل وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . أي وأما التي لم تمت الموت المعروف فيميتها في منامها موتا شبيها بالموت التام كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وهو الذي يتوفاكم بالليل ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا فالكل إماتة في التحقيق ، وإنما فصل بينهما العرف والاستعمال ، ولذلك فرع بالبيان بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ، فالكلام منتظم غاية الانتظام ، وقد اشتبه نظمه على بعض الأفهام . وأصرح من هذه الآية آية المائدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم لأنه دل على أنه قد توفي الوفاة المعروفة التي تحول بين المرء وبين علم ما يقع في الأرض ، وحملها على النوم بالنسبة
لعيسى لا معنى له ; لأنه إذا أراد رفعه لم يلزم أن ينام ; ولأن النوم حينئذ وسيلة للرفع فلا ينبغي الاهتمام بذكره وترك ذكر المقصد ، فالقول بأنها بمعنى الرفع عن هذا العالم إيجاد معنى جديد للوفاة في اللغة بدون حجة ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه : إنها وفاة موت وهو ظاهر قول
مالك في جامع
العتبية قال
مالك : مات
عيسى وهو ابن إحدى وثلاثين سنة ، قال
ابن رشد في البيان والتحصيل : يحتمل أن قوله : مات وهو ابن ثلاث وثلاثين على الحقيقة لا على المجاز .
وقال
الربيع : هي وفاة نوم رفعه الله في منامه ، وقال
الحسن وجماعة : معناه إني قابضك من الأرض ، ومخلصك في السماء ، وقيل : متوفيك متقبل عملك . والذي دعاهم إلى تأويل معنى الوفاة ما ورد في الأحاديث الصحيحة :
nindex.php?page=treesubj&link=31993_31995أن عيسى ينزل في آخر مدة الدنيا ، فأفهم أن له حياة خاصة أخص من حياة أرواح بقية الأنبياء ، التي هي حياة
[ ص: 259 ] أخص من حياة بقية الأرواح ; فإن حياة الأرواح متفاوتة كما دل عليه حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341406أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر . ورووا أن تأويل المعنى في هذه الآية أولى من تأويل الحديث في معنى حياته وفي نزوله ، فمنهم من تأول معنى الوفاة فجعله حيا بحياته الأولى ، ومنهم من أبقى الوفاة على ظاهرها ، وجعل حياته بحياة ثانية ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : توفاه الله ثلاث ساعات ورفعه فيها ، ثم أحياه عنده في السماء ، وقال بعضهم : توفي سبع ساعات . وسكت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومالك عن تعيين كيفية ذلك ، ولقد وفقا وسددا . ويجوز أن تكون حياته كحياة سائر الأنبياء ، وأن يكون نزوله إن حمل على ظاهره بعثا له قبل إبان البعث على وجه الخصوصية ، وقد جاء التعبير عن نزوله بلفظ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341407يبعث الله عيسى فيقتل الدجال رواه
مسلم عن
عبد الله بن عمر ، ولا يموت بعد ذلك بل يخلص من هنالك إلى الآخرة .
وقد قيل في تأويله : إن عطف
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55ورافعك إلي على التقديم والتأخير ; إذ الواو لا تفيد ترتيب الزمان أي إني رافعك إلي ثم متوفيك بعد ذلك ، وليس في الكلام دلالة على أنه يموت في آخر الدهر سوى أن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في كتاب
أبي داود nindex.php?page=hadith&LINKID=10341408ويمكث أي عيسى أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون والوجه أن يحمل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إني متوفيك على حقيقته ، وهو الظاهر ، وأن تؤول الأخبار التي يفيد ظاهرها أنه حي على معنى حياة كرامة عند الله ، كحياة الشهداء وأقوى ، وأنه إذا حمل نزوله على ظاهره دون تأويل ، أن ذلك يقوم مقام البعث ، وأن قوله في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=10341409ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون مدرج من
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة لأنه لم يروه غيره ممن رووا حديث نزول
عيسى ، وهم جمع من الصحابة ، والروايات مختلفة وغير صريحة . ولم يتعرض القرآن في عد مزاياه إلى أنه ينزل في آخر الزمان .
والتطهير في قوله ومطهرك مجازي بمعنى العصمة والتنزيه ; لأن طهارة
عيسى هي هي ، ولكن لو سلط عليه أعداؤه لكان ذلك إهانة له .
وحذف متعلق " كفروا " لظهوره أي الذين كفروا بك وهم
اليهود ، لأن
اليهود ما كفروا بالله بل كفروا برسالة
عيسى ، لأن
عيسى لم يبعث لغيرهم فتطهيره لا يظن أنه تطهير من المشركين بقرينة السياق .
[ ص: 260 ] والفوقية في قوله فوق الذين كفروا بمعنى الظهور والانتصار ، وهي فوقية دنيوية بدليل قوله إلى يوم القيامة .
والمراد بالذين اتبعوه : الحواريون ومن اتبعه بعد ذلك ، إلى أن نسخت شريعته بمجيء
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وجملة ثم إلي مرجعكم عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إذ مضمون كلتا الجملتين من شأن جزاء الله متبعي
عيسى والكافرين به ، و " ثم " للتراخي الرتبي ; لأن الجزاء الحاصل عند مرجع الناس إلى الله يوم القيامة ، مع ما يقارنه من الحكم بين الفريقين فيما اختلفوا فيه - أعظم درجة وأهم من جعل متبعي
عيسى فوق الذين كفروا في الدنيا .
والظاهر أن هذه الجملة مما خاطب الله به
عيسى ، وأن ضمير " مرجعكم " وما معه من ضمائر المخاطبين ، عائد إلى
عيسى والذين اتبعوه والذين كفروا به .
ويجوز أن يكون خطابا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، فتكون " ثم " للانتقال من غرض إلى غرض ، زيادة على التراخي الرتبي والتراخي الزمني .
والمرجع مصدر ميمي معناه الرجوع . وحقيقة الرجوع غير مستقيمة هنا فتعين أنه رجوع مجازي ، فيجوز أن يكون المراد به البعث للحساب بعد الموت ، وإطلاقه على هذا المعنى كثير في القرآن بلفظه وبمرادفه نحو : المصير . ويجوز أن يكون مرادا به انتهاء إمهال الله إياهم في أجل أراده فينفذ فيهم مراده في الدنيا .
ويجوز الجمع بين المعنيين باستعمال اللفظ في مجازيه ، وهو المناسب لجمع العذابين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وعلى الوجهين يجري تفسير حكم الله بينهم فيما هم فيه يختلفون .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فأما الذين كفروا فأعذبهم إلى قوله : فنوفيهم أجورهم - تفصيل لما أجمل في قوله : فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة المقصود من هذا الوعيد هو عذاب الآخرة ؛ لأنه وقع في حيز تفصيل الضمائر من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون [ ص: 261 ] وإنما يكون ذلك في الآخرة ، فذكر عذاب الدنيا هنا إدماج . فإن كان هذا مما خاطب الله
عيسى فهو مستعمل في صريح معناه ، وإن كان كلاما من الله في القرآن خوطب به النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، صح أن يكون مرادا منه أيضا التعريض بالمشركين في ظلمهم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - عن مكابرة منهم وحسد . وتقدم تفسير إسناد المحبة إلى الله عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله في هذه السورة .
وجملة وما لهم من ناصرين تذييل لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56أعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة أي ولا يجدون ناصرين ينصرونهم في تعذيبهم الذي قدره الله تعالى .
واعلم أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة قضية جزئية لا تقتضي استمرار العذابين : فأما عذاب الدنيا فهو يجري على نظام أحوال الدنيا : من شدة وضعف وعدم استمرار ، فمعنى انتفاء الناصرين لهم منه انتفاء الناصرين في المدة التي قدرها الله لتعذيبهم في الدنيا ، وهذا متفاوت ، وقد وجد
اليهود ناصرين في بعض الأزمان مثل قصة استير في الماضي وقضية
فلسطين في هذا العصر .
وأما عذاب الآخرة : فهو مطلق هنا ، ومقيد في آيات كثيرة بالتأبيد ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وما هم بخارجين من النار .
وجملة والله لا يحب الظالمين تذييل للتفصيل كله فهي تذييل ثان لجملة فأعذبهم عذابا شديدا بصريح معناها ، أي أعذبهم لأنهم ظالمون والله لا يحب الظالمين ، وتذييل لجملة وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى آخرها ، بكناية معناها ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=25987_18805_19884انتفاء محبة الله الظالمين يستلزم أنه يحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلذلك يعطيهم ثوابهم وافيا .
ومعنى كونهم ظالمين أنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998_29705وظلم النصارى الله بأن نقصوه بإثبات ولد له وظلموا عيسى بأن نسبوه ابنا لله تعالى ، وظلمه
اليهود بتكذيبهم إياه وأذاهم .
[ ص: 262 ] وعذاب الدنيا هو زوال الملك وضرب الذلة والمسكنة والجزية ، والتشريد في الأقطار ، وكونهم يعيشون تبعا للناس ، وعذاب الآخرة هو جهنم . ومعنى وما لهم من ناصرين أنهم لا يجدون ناصرا يدفع عنهم ذلك وإن حاوله لم يظفر به وأسند " فنوفيهم " إلى نون العظمة تنبيها على عظمة مفعول هذا الفاعل ; إذ العظيم يعطي عظيما . والتقدير فنوفيهم أجورهم في الدنيا والآخرة بدليل مقابله في ضدهم من قوله فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ، وتوفية الأجور في الدنيا تظهر في أمور كثيرة : منها رضا الله عنهم ، وبركاته معهم ، والحياة الطيبة ، وحسن الذكر . وجملة والله لا يحب الظالمين تذييل ، وفيها اكتفاء : أي ويحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
وقرأ الجمهور : فنوفيهم - بالنون - وقرأه
حفص عن
عاصم ،
ورويس عن
يعقوب ، " فيوفيهم " بياء الغائب على الالتفات .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=28974_34001إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=57وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَنُوَفِّيهِمُ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ .
اسْتِئْنَافٌ ; وَ " إِذْ " ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِشَيْءٍ ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ ، أَيِ اذْكُرْ إِذْ قَالَ اللَّهُ . كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وَهَذَا حِكَايَةٌ لِأَمْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=34001رَفْعِ الْمَسِيحِ وَإِخْفَائِهِ عَنْ أَنْظَارِ أَعْدَائِهِ . وَقَدَّمَ اللَّهُ فِي خِطَابِهِ إِعْلَامَهُ بِذَلِكَ اسْتِئْنَاسًا لَهُ ، إِذْ لَمْ يَتِمَّ مَا يَرْغَبُهُ مِنْ هِدَايَةِ قَوْمِهِ . مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَ اللَّهِ ،
[ ص: 258 ] وَتَبْشِيرًا لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ ، لِأَنَّ غَايَةَ هَمِّ الرَّسُولِ هُوَ الْهُدَى ، وَإِبْلَاغُ الشَّرِيعَةِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالنِّدَاءُ فِيهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341404لَا يُقْبَضُ نَبِيءٌ حَتَّى يُخَيَّرَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ظَاهِرُ مَعْنَاهُ : إِنِّي مُمِيتُكَ ، هَذَا هُوَ مَعْنَى هَذَا الْفِعْلِ فِي مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّ أَصْلَ فِعْلِ تَوَفَّى الشَّيْءَ أَنَّهُ قَبَضَهُ تَامًّا وَاسْتَوْفَاهُ . فَيُقَالُ : تَوَفَّاهُ اللَّهُ أَيْ قَدَّرَ مَوْتَهُ ، وَيُقَالُ : تَوَفَّاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ أَيْ أَنْفَذَ إِرَادَةَ اللَّهِ بِمَوْتِهِ ، وَيُطْلَقُ التَّوَفِّي عَلَى النَّوْمِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى . أَيْ وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَمُتِ الْمَوْتَ الْمَعْرُوفَ فَيُمِيتُهَا فِي مَنَامِهَا مَوْتًا شَبِيهًا بِالْمَوْتِ التَّامِّ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا فَالْكُلُّ إِمَاتَةٌ فِي التَّحْقِيقِ ، وَإِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا الْعُرْفُ وَالِاسْتِعْمَالُ ، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ بِالْبَيَانِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَالْكَلَامُ مُنْتَظِمٌ غَايَةَ الِانْتِظَامِ ، وَقَدِ اشْتَبَهَ نَظْمُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ . وَأَصْرَحُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ آيَةُ الْمَائِدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ الْوَفَاةَ الْمَعْرُوفَةَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عِلْمِ مَا يَقَعُ فِي الْأَرْضِ ، وَحَمْلُهَا عَلَى النَّوْمِ بِالنِّسْبَةِ
لِعِيسَى لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ رَفْعَهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَنَامَ ; وَلِأَنَّ النَّوْمَ حِينَئِذٍ وَسِيلَةٌ لِلرَّفْعِ فَلَا يَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِذِكْرِهِ وَتَرْكُ ذِكْرِ الْمَقْصِدِ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا بِمَعْنَى الرَّفْعِ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ إِيجَادُ مَعْنًى جَدِيدٍ لِلْوَفَاةِ فِي اللُّغَةِ بِدُونِ حُجَّةٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : إِنَّهَا وَفَاةُ مَوْتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ
مَالِكٍ فِي جَامِعِ
الْعُتْبِيَّةِ قَالَ
مَالِكٌ : مَاتَ
عِيسَى وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ : يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ : مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ .
وَقَالَ
الرَّبِيعُ : هِيَ وَفَاةُ نَوْمٍ رَفَعَهُ اللَّهُ فِي مَنَامِهِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ : مَعْنَاهُ إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَمُخَلِّصُكَ فِي السَّمَاءِ ، وَقِيلَ : مُتَوَفِّيكَ مُتَقَبِّلٌ عَمَلَكَ . وَالَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى تَأْوِيلِ مَعْنَى الْوَفَاةِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=31993_31995أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ فِي آخِرِ مُدَّةِ الدُّنْيَا ، فَأَفْهَمَ أَنَّ لَهُ حَيَاةً خَاصَّةً أَخَصَّ مِنْ حَيَاةِ أَرْوَاحِ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ، الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ
[ ص: 259 ] أَخَصُّ مِنْ حَيَاةِ بَقِيَّةِ الْأَرْوَاحِ ; فَإِنَّ حَيَاةَ الْأَرْوَاحِ مُتَفَاوِتَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341406أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ . وَرَوَوْا أَنَّ تَأْوِيلَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فِي مَعْنَى حَيَاتِهِ وَفِي نُزُولِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ مَعْنَى الْوَفَاةِ فَجَعَلَهُ حَيًّا بِحَيَاتِهِ الْأُولَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْقَى الْوَفَاةَ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَجَعَلَ حَيَاتَهُ بِحَيَاةٍ ثَانِيَةٍ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَرَفَعَهُ فِيهَا ، ثُمَّ أَحْيَاهُ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُوُفِّيَ سَبْعَ سَاعَاتٍ . وَسَكَتَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ عَنْ تَعْيِينِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ ، وَلَقَدْ وُفِّقَا وَسُدِّدَا . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ كَحَيَاةِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَعْثًا لَهُ قَبْلَ إِبَّانِ الْبَعْثِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِيَّةِ ، وَقَدْ جَاءَ التَّعْبِيرُ عَنْ نُزُولِهِ بِلَفْظِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341407يَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَلَا يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يَخْلُصُ مِنْ هُنَالِكَ إِلَى الْآخِرَةِ .
وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ : إِنَّ عَطْفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55وَرَافِعُكَ إِلَيَّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; إِذِ الْوَاوُ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبَ الزَّمَانِ أَيْ إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ ثُمَّ مُتَوَفِّيكَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمُوتُ فِي آخِرِ الدَّهْرِ سِوَى أَنَّ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ
أَبِي دَاوُدَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341408وَيَمْكُثُ أَيْ عِيسَى أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إِنِّي مُتَوَفِّيكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَأَنْ تُؤَوَّلَ الْأَخْبَارُ الَّتِي يُفِيدُ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ حَيٌّ عَلَى مَعْنَى حَيَاةِ كَرَامَةٍ عِنْدَ اللَّهِ ، كَحَيَاةِ الشُّهَدَاءِ وَأَقْوَى ، وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ نُزُولُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَأْوِيلٍ ، أَنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَعْثِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341409ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مُدْرَجٌ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ رَوَوْا حَدِيثَ نُزُولِ
عِيسَى ، وَهُمْ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَالرِّوَايَاتُ مُخْتَلِفَةٌ وَغَيْرُ صَرِيحَةٍ . وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْقُرْآنُ فِي عَدِّ مَزَايَاهُ إِلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ .
وَالتَّطْهِيرُ فِي قَوْلِهِ وَمُطَهِّرُكَ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْعِصْمَةِ وَالتَّنْزِيهِ ; لِأَنَّ طَهَارَةَ
عِيسَى هِيَ هِيَ ، وَلَكِنْ لَوْ سُلِّطَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ لَكَانَ ذَلِكَ إِهَانَةً لَهُ .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ " كَفَرُوا " لِظُهُورِهِ أَيِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِكَ وَهُمُ
الْيَهُودُ ، لِأَنَّ
الْيَهُودَ مَا كَفَرُوا بِاللَّهِ بَلْ كَفَرُوا بِرِسَالَةِ
عِيسَى ، لِأَنَّ
عِيسَى لَمْ يُبْعَثْ لِغَيْرِهِمْ فَتَطْهِيرُهُ لَا يُظَنُّ أَنَّهُ تَطْهِيرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ .
[ ص: 260 ] وَالْفَوْقِيَّةُ فِي قَوْلِهِ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَالِانْتِصَارِ ، وَهِيَ فَوْقِيَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ : الْحَوَارِيُّونَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، إِلَى أَنْ نُسِخَتْ شَرِيعَتُهُ بِمَجِيءِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَجُمْلَةُ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِذْ مَضْمُونُ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ شَأْنِ جَزَاءِ اللَّهِ مُتَّبِعِي
عِيسَى وَالْكَافِرِينَ بِهِ ، وَ " ثُمَّ " لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْحَاصِلَ عِنْدَ مَرْجِعِ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَعَ مَا يُقَارِنُهُ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - أَعْظَمُ دَرَجَةً وَأَهَمُّ مِنْ جَعْلِ مُتَّبِعِي
عِيسَى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الدُّنْيَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِمَّا خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ
عِيسَى ، وَأَنَّ ضَمِيرَ " مَرْجِعُكُمْ " وَمَا مَعَهُ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُخَاطَبِينَ ، عَائِدٌ إِلَى
عِيسَى وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ ، فَتَكُونَ " ثُمَّ " لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ ، زِيَادَةً عَلَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ وَالتَّرَاخِي الزَّمَنِيِّ .
وَالْمَرْجِعُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ . وَحَقِيقَةُ الرُّجُوعِ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ هُنَا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ رُجُوعٌ مَجَازِيٌّ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْبَعْثَ لِلْحِسَابِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِهِ وَبِمُرَادِفِهِ نَحْوَ : الْمَصِيرِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ انْتِهَاءُ إِمْهَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي أَجَلٍ أَرَادَهُ فَيَنْفُذُ فِيهِمْ مُرَادُهُ فِي الدُّنْيَا .
وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازَيْهِ ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِجَمْعِ الْعَذَابَيْنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَجْرِي تَفْسِيرُ حُكْمِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ : فَنُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ - تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ : فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَيِّزِ تَفْصِيلِ الضَّمَائِرِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [ ص: 261 ] وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، فَذِكْرُ عَذَابِ الدُّنْيَا هُنَا إِدْمَاجٌ . فَإِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا خَاطَبَ اللَّهُ
عِيسَى فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي صَرِيحِ مَعْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مِنَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ خُوطِبَ بِهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ ، صَحَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهُ أَيْضًا التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي ظُلْمِهِمْ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُكَابَرَةٍ مِنْهُمْ وَحَسَدٍ . وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ إِسْنَادِ الْمَحَبَّةِ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .
وَجُمْلَةُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56أُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَيْ وَلَا يَجِدُونَ نَاصِرِينَ يَنْصُرُونَهُمْ فِي تَعْذِيبِهِمُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=56فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَضِيَّةٌ جُزْئِيَّةٌ لَا تَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ الْعَذَابَيْنِ : فَأَمَّا عَذَابُ الدُّنْيَا فَهُوَ يَجْرِي عَلَى نِظَامِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا : مِنْ شِدَّةٍ وَضَعْفٍ وَعَدَمِ اسْتِمْرَارٍ ، فَمَعْنَى انْتِفَاءِ النَّاصِرِينَ لَهُمْ مِنْهُ انْتِفَاءُ النَّاصِرِينَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ لِتَعْذِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَهَذَا مُتَفَاوِتٌ ، وَقَدْ وَجَدَ
الْيَهُودُ نَاصِرِينَ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ مِثْلَ قِصَةِ اسْتِيرَ فِي الْمَاضِي وَقَضِيَّةِ
فِلَسْطِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ .
وَأَمَّا عَذَابُ الْآخِرَةِ : فَهُوَ مُطْلَقٌ هُنَا ، وَمُقَيَّدٌ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ بِالتَّأْبِيدِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ .
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ لِلتَّفْصِيلِ كُلِّهِ فَهِيَ تَذْيِيلٌ ثَانٍ لِجُمْلَةِ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا بِصَرِيحِ مَعْنَاهَا ، أَيْ أُعَذِّبُهُمْ لِأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَتَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى آخِرِهَا ، بِكِنَايَةِ مَعْنَاهَا ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25987_18805_19884انْتِفَاءَ مَحَبَّةِ اللَّهِ الظَّالِمِينَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يُحِبُّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلِذَلِكَ يُعْطِيهِمْ ثَوَابَهُمْ وَافِيًا .
وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998_29705وَظَلَمَ النَّصَارَى اللَّهَ بِأَنْ نَقَصُوهُ بِإِثْبَاتِ وَلَدٍ لَهُ وَظَلَمُوا عِيسَى بِأَنْ نَسَبُوهُ ابْنًا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَظَلَمَهُ
الْيَهُودُ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَأَذَاهُمْ .
[ ص: 262 ] وَعَذَابُ الدُّنْيَا هُوَ زَوَالُ الْمُلْكِ وَضَرْبُ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْجِزْيَةِ ، وَالتَّشْرِيدُ فِي الْأَقْطَارِ ، وَكَوْنُهُمْ يَعِيشُونَ تَبَعًا لِلنَّاسِ ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ هُوَ جَهَنَّمُ . وَمَعْنَى وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ نَاصِرًا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ حَاوَلَهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَأَسْنَدَ " فَنُوَفِّيهِمْ " إِلَى نُونِ الْعَظَمَةِ تَنْبِيهًا عَلَى عَظَمَةِ مَفْعُولِ هَذَا الْفَاعِلِ ; إِذِ الْعَظِيمُ يُعْطِي عَظِيمًا . وَالتَّقْدِيرُ فَنُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ فِي ضِدِّهِمْ مِنْ قَوْلِهِ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَتَوْفِيَةُ الْأُجُورِ فِي الدُّنْيَا تَظْهَرُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ : مِنْهَا رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ ، وَبَرَكَاتُهُ مَعَهُمْ ، وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ ، وَحُسْنُ الذِّكْرِ . وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ ، وَفِيهَا اكْتِفَاءٌ : أَيْ وَيُحِبُّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : فَنُوَفِّيهِمْ - بِالنُّونِ - وَقَرَأَهُ
حَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ ،
وَرُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ ، " فَيُوَفِّيهِمْ " بِيَاءِ الْغَائِبِ عَلَى الِالْتِفَاتِ .