nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29030لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون .
لما حذر المسلمين من الوقوع في مهواة نسيان الله التي وقع فيها الفاسقون وتوعد الذين نسوا الله بالنار ، وبين حالهم بأن الشيطان سول لهم الكفر . وكان القرآن
[ ص: 116 ] دالا على مسالك الخير ومحذرا من مسالك الشر ، وما وقع الفاسقون في الهلكة إلا من جراء إهمالهم التدبر فيه ، وذلك من نسيانهم الله تعالى انتقل الكلام إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28890التنويه بالقرآن وهديه البين الذي لا يصرف الناس عنه إلا أهواءهم ومكابرتهم ، وكان إعراضهم عنه أصل استمرار ضلالهم وشركهم ، ضرب لهم هذا المثل تعجيبا من تصلبهم في الضلال .
وفي هذا الانتقال إيذان بانتهاء السورة لأنه انتقال بعد طول الكلام في غرض فتح قرى
اليهود وما ينال المنافقين من جرائه من خسران في الدنيا والآخرة .
و هذا القرآن إشارة إلى المقدار الذي نزل منه ، وهو ما عرفوه وتلوه وسمعوا تلاوته .
وفائدة الإتيان باسم إشارة القريب التعريض لهم بأن القرآن غير بعيد عنهم . وأنه في متناولهم ولا كلفة عليهم في تدبره ولكنهم قصدوا الإعراض عنه .
وهذا مثل ساقه الله تعالى كما دل عليه قوله ( وتلك الأمثال ) إلخ . وقد ضرب هذا مثلا لقسوة الذين نسوا الله وانتفاء تأثرهم بقوارع القرآن .
والمراد بالجبل : حقيقته ، لأن الكلام فرض وتقدير كما هو مقتضى ( لو ) أن تجيء في الشروط المفروضة .
فالجبل : مثال لأشد الأشياء صلابة وقلة تأثر بما يقرعه . وإنزال القرآن مستعار للخطاب به . عبر عنه بالإنزال على طريقة التبعية تشبيها لشرف الشيء بعلو المكان ، ولإبلاغه للغير بإنزال الشيء من علو .
والمعنى : لو كان المخاطب بالقرآن جبلا ، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بخطاب القرآن تأثرا ناشئا من خشية لله خشية تؤثرها فيه معاني القرآن .
والمعنى : لو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا الله وأعرضوا عن فهم القرآن ولم يتعظوا بمواعظه لاتعظ
nindex.php?page=treesubj&link=31929الجبل وتصدع صخره وتربه من شدة تأثره بخشية الله .
وضرب التصدع مثلا لشدة الانفعال والتأثر لأن منتهى تأثر الأجسام الصلبة أن تنشق وتتصدع إذ لا يحصل ذلك لها بسهولة .
[ ص: 117 ] nindex.php?page=treesubj&link=29509والخشوع : التطأطؤ والركوع ، أي لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض .
والتصدع : التشقق ، أي لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى .
والخطاب في لرأيته لغير معين فيعم كل من يسمع هذا الكلام ، والرؤية بصرية ، وهي منفية لوقوعها جوابا لحرف ( لو ) الامتناعية .
والمعنى : لو كان كذلك لرأيت الجبل في حالة الخشوع والتصدع .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21وتلك الأمثال نضربها للناس تذييل لأن ما قبلها سيق مساق المثل فذيل بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28902الأمثال التي يضربها الله في كلامه مثل المثل أراد منها أن يتفكروا فإن لم يتفكروا بها فقد سجل عليهم عنادهم ومكابرتهم ، فالإشارة بتلك إلى مجموع ما مر على أسماعهم من الأمثال الكثيرة ، وتقدير الكلام : ضربنا هذا مثلا ، وتلك الأمثال نضربها للناس .
وضرب المثل سوقه ، أطلق عليه الضرب بمعنى الوضع كما يقال : ضرب بيتا ، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما في سورة البقرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29030لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .
لَمَّا حَذَّرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مَهْوَاةِ نِسْيَانِ اللَّهِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْفَاسِقُونَ وَتَوَعَّدَ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ بِالنَّارِ ، وَبَيَّنَ حَالَهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّلَ لَهُمُ الْكُفْرَ . وَكَانَ الْقُرْآنُ
[ ص: 116 ] دَالًّا عَلَى مَسَالِكِ الْخَيْرِ وَمُحَذِّرًا مِنْ مَسَالِكِ الشَّرِّ ، وَمَا وَقَعَ الْفَاسِقُونَ فِي الْهَلَكَةِ إِلَّا مِنْ جَرَّاءِ إِهْمَالِهِمُ التَّدَبُّرَ فِيهِ ، وَذَلِكَ مِنْ نِسْيَانِهِمُ اللَّهَ تَعَالَى انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28890التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَهَدْيِهِ الْبَيِّنِ الَّذِي لَا يَصْرِفُ النَّاسَ عَنْهُ إِلَّا أَهْوَاءُهُمْ وَمُكَابَرَتُهُمْ ، وَكَانَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْهُ أَصْلَ اسْتِمْرَارِ ضَلَالِهِمْ وَشِرْكِهِمْ ، ضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ تَعْجِيبًا مِنْ تَصَلُّبِهِمْ فِي الضَّلَالِ .
وَفِي هَذَا الِانْتِقَالِ إِيذَانٌ بِانْتِهَاِءِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ بَعْدَ طُولِ الْكَلَامِ فِي غَرَضِ فَتْحِ قُرَى
الْيَهُودِ وَمَا يَنَالُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ جَرَّائِهِ مِنْ خُسْرَانٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَ هَذَا الْقُرْآنُ إِشَارَةٌ إِلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ مَا عَرِفُوهُ وَتَلَوْهُ وَسَمِعُوا تِلَاوَتَهُ .
وَفَائِدَةُ الْإِتْيَانِ بِاسْمِ إِشَارَةِ الْقَرِيبِ التَّعْرِيضُ لَهُمْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ بَعِيدٍ عَنْهُمْ . وَأَنَّهُ فِي مُتَنَاوُلِهِمْ وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِمْ فِي تَدَبُّرِهِ وَلَكِنَّهُمْ قَصَدُوا الْإِعْرَاضَ عَنْهُ .
وَهَذَا مَثَلٌ سَاقَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ) إِلَخْ . وَقَدْ ضَرَبَ هَذَا مَثَلًا لِقَسْوَةِ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ وَانْتِفَاءِ تَأَثُّرِهِمْ بِقَوَارِعِ الْقُرْآنِ .
وَالْمُرَادُ بِالْجَبَلِ : حَقِيقَتُهُ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فَرْضٌ وَتَقْدِيرٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى ( لَوْ ) أَنْ تَجِيءَ فِي الشُّرُوطِ الْمَفْرُوضَةِ .
فَالْجَبَلُ : مِثَالٌ لِأَشَدِّ الْأَشْيَاءِ صَلَابَةً وَقِلَّةَ تَأَثُّرٍ بِمَا يَقْرَعُهُ . وَإِنْزَالُ الْقُرْآنِ مُسْتَعَارٌ لِلْخِطَابِ بِهِ . عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِنْزَالِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّبَعِيَّةِ تَشْبِيهًا لِشَرَفِ الشَّيْءِ بِعُلُوِّ الْمَكَانِ ، وَلِإِبْلَاغِهِ لِلْغَيْرِ بِإِنْزَالِ الشَّيْءِ مِنْ عُلُوٍّ .
وَالْمَعْنَى : لَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ بِالْقُرْآنِ جَبَلًا ، وَكَانَ الْجَبَلُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ لَتَأَثَّرَ بِخِطَابِ الْقُرْآنِ تَأَثُّرًا نَاشِئًا مِنْ خَشْيَةٍ لِلَّهِ خَشْيَةٍ تُؤَثِّرُهَا فِيهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ .
وَالْمَعْنَى : لَوْ كَانَ الْجَبَلُ فِي مَوْضِعِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ وَأَعْرَضُوا عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِهِ لَاتَّعَظَ
nindex.php?page=treesubj&link=31929الْجَبَلُ وَتَصَدَّعَ صَخْرُهُ وَتُرْبُهُ مِنْ شِدَّةِ تَأَثُّرِهِ بِخَشْيَةِ اللَّهِ .
وَضَرَبَ التَّصَدُّعَ مَثَلًا لِشِدَّةِ الِانْفِعَالِ وَالتَّأَثُّرِ لِأَنَّ مُنْتَهَى تَأَثُّرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ أَنْ تَنْشَقَّ وَتَتَصَدَّعَ إِذْ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لَهَا بِسُهُولَةٍ .
[ ص: 117 ] nindex.php?page=treesubj&link=29509وَالْخُشُوعُ : التَّطَأْطُؤُ وَالرُّكُوعُ ، أَيْ لَرَأَيْتَهُ يَنْزِلُ أَعْلَاهُ إِلَى الْأَرْضِ .
وَالتَّصَدُّعُ : التَّشَقُّقُ ، أَيْ لَتَزَلْزَلَ وَتَشَقَّقَ مِنْ خَوْفِهِ اللَّهَ تَعَالَى .
وَالْخِطَابُ فِي لَرَأَيْتَهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَعُمُّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الْكَلَامَ ، وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ ، وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ لِوِقُوعِهَا جَوَابًا لِحَرْفِ ( لَوِ ) الِامْتِنَاعَيَّةِ .
وَالْمَعْنَى : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَأَيْتَ الْجَبَلَ فِي حَالَةِ الْخُشُوعِ وَالتَّصَدُّعِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ تَذْيِيلٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا سِيقَ مَسَاقَ الْمَثَلِ فَذُيِّلَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28902الْأَمْثَالَ الَّتِي يَضْرِبُهَا اللَّهُ فِي كَلَامِهِ مِثْلُ الْمَثَلِ أَرَادَ مِنْهَا أَنْ يَتَفَكَّرُوا فَإِنْ لَمْ يَتَفَكَّرُوا بِهَا فَقَدْ سُجِّلَ عَلَيْهِمْ عِنَادُهُمْ وَمُكَابَرَتُهُمْ ، فَالْإِشَارَةُ بِتِلْكَ إِلَى مَجْمُوعِ مَا مَرَّ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ مِنَ الْأَمْثَالِ الْكَثِيرَةِ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : ضَرَبْنَا هَذَا مَثَلًا ، وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ .
وَضَرْبُ الْمَثَلِ سَوْقُهُ ، أَطْلَقَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِمَعْنَى الْوَضْعِ كَمَا يُقَالُ : ضَرَبَ بَيْتًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .