أي من اليهود طائفة تخيل للمسلمين أشياء أنها مما جاء في التوراة ، وليست كذلك ، إما في الاعتذار عن بعض أفعالهم الذميمة ، كقولهم : ليس علينا في الأميين سبيل ، وإما للتخليط على المسلمين حتى يشككوهم فيما يخالف ذلك مما ذكره القرآن ، أو لإدخال الشك عليهم في بعض ما نزل به القرآن ، فاللي مجمل ، ولكنه مبين بقوله لتحسبوه من الكتاب وقوله ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله .
واللي في الأصل : الإراغة أي إدارة الجسم غير المتصلب إلى غير الصوب الذي هو ممتد إليه : فمن ذلك لي الحبل ، ولي العنان للفرس لإدارته إلى جهة غير صوب سيره ، ومنه لي العنق ، ولي الرأس بمعنى الالتفات الشزر أو الإعراض قال تعالى : لووا رءوسهم .
واللي في هذه الآية يحتمل أن يكون حقيقة بمعنى تحريف اللسان عن طريق حرف من حروف الهجاء إلى طريق حرف آخر يقاربه لتعطي الكلمة في أذن السامع جرس كلمة أخرى ، وهذا مثل ما حكى الله عنهم في قولهم راعنا وفي الحديث من قولهم في السلام على النبيء السام عليك أي الموت أو السلام - بكسر السين - عليك وهذا اللي يشابه الإشمام والاختلاس ومنه إمالة الألف إلى الياء ، وقد تتغير الكلمات بالترقيق والتفخيم وباختلاف صفات الحروف ، والظاهر أن الكتاب التوراة فلعلهم كانوا إذا قرءوا بعض التوراة بالعربية نطقوا بحروف من كلماتها بين بين ليوهموا المسلمين معنى غير المعنى المراد ، وقد كانت لهم مقدرة ومراس في هذا .
وقريب من هذا ما ذكره في الكامل أن بعض الأزارقة أعاد بيت المبرد في مجلس عمر بن أبي ربيعة . ابن عباس
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر
[ ص: 292 ] فجعل يضحى يحزى وجعل يخصر يخسر بالسين ليشوه المعنى لأنه غضب من إقبال على سماع شعره . وفي الأحاجي والألغاز من هذا كقولهم : إن للاهي إلها فوقه فيقولها أحد بحضرة ناس ولا يشبع كسرة اللاهي يخالها السامع لله فيظنه كفر . أو لعلهم كانوا يقرءون ما ليس من التوراة بالكيفيات أو اللحون التي كانوا يقرءون بها التوراة ليخيلوا للسامعين أنهم يقرءون التوراة . ابن عباسويحتمل أن يكون اللي هنا مجازا عن صرف المعنى إلى معنى آخر كقولهم : لوى الحجة أي ألقى بها على غير وجهها ، وهو تحريف الكلم عن مواضعه : بالتأويلات الباطلة ، والأقيسة الفاسدة ، والموضوعات الكاذبة ، وينسبون ذلك إلى الله ، وأيا ما كان فهذا اللي يقصدون منه التمويه على المسلمين لغرض ، كما فعل ابن صوريا في إخفاء حكم رجم الزاني في التوراة وقوله : نحمم وجهه .
والمخاطب بتحسبوه المسلمون دون النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، أو هو والمسلمون في ظن اليهود .
وجيء بالمضارع في هاته الأفعال : يلوون ، يقولون ، للدلالة على تجدد ذلك وأنه دأبهم .
وتكرير الكتاب في الآية مرتين ، واسم الجلالة أيضا مرتين ، لقصد الاهتمام بالاسمين ، وذلك يجر إلى الاهتمام بالخبر المتعلق بهما ، والمتعلقين به ، قال المرزوقي في شرح الحماسة في باب الأدب عند قول : يحيى بن زياد
ولما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
لا أرى الموت يسبق الموت شيء قهر الموت ذا الغنى والفقيرا
[ ص: 293 ] والقراءة المعروفة يلوون : بفتح التحتية وسكون اللام وتخفيف الواو مضارع لوى ، وذكر ابن عطية أن أبا جعفر قرأه : يلوون بضم ففتح فواو مشددة مضارع لوى بوزن فعل للمبالغة ولم أر نسبة هذه القراءة إلى أبي جعفر في كتب القراءات .