أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون .
تفريع عن التذكير بما كان عليه الأنبياء .
والاستفهام للتوبيخ والتحذير .
وقرأه الجمهور تبغون بتاء خطاب لأهل الكتاب جار على طريقة الخطاب في قوله آنفا ولا يامركم أن تتخذوا الملائكة وقرأه أبو عمرو ، وحفص ، [ ص: 301 ] ويعقوب : بياء الغيبة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إعراضا عن مخاطبتهم إلى مخاطبة المسلمين بالتعجيب من أهل الكتاب . وكله تفريع ذكر أحوال خلف أولئك الأمم كيف اتبعوا غير ما أخذ عليهم العهد به . والاستفهام حينئذ للتعجيب .
ودين الله هو الإسلام لقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام وإضافته إلى الله لتشريفه على غيره من الأديان ، أو لأن غيره يومئذ قد نسخ بما هو دين الله .
ومعنى تبغون تطلبون يقال بغى الأمر يبغيه بغاء - بضم الباء وبالمد ، ويقصر - والبغية بضم الباء وكسرها وهاء في آخره قيل مصدر ، وقيل اسم ، ويقال ابتغى بمعنى بغى ، وهو موضوع للطلب ويتعدى إلى مفعول واحد . وقياس مصدره البغي ، لكنه لم يسمع البغي إلا في معنى الاعتداء والجور ، وذلك فعله قاصر ، ولعلهم أرادوا التفرقة بين الطلب وبين الاعتداء ، فأماتوا المصدر القياسي لبغى بمعنى طلب وخصوه ببغى بمعنى اعتدى وظلم ، قال تعالى : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس وتبغون في الأرض بغير الحق ويقال تبغى بمعنى ابتغى .
وجملة وله أسلم حال من اسم الجلالة وتقدم تفسير معنى الإسلام لله عند قوله تعالى فقل أسلمت وجهي لله .
ومعنى طوعا وكرها أن من العقلاء من أسلم عن اختيار لظهور الحق له ، ومنهم من أسلم بالجبلة والفطرة كالملائكة ، أو الإسلام كرها هو الإسلام بعد الامتناع أي أكرهته الأدلة والآيات أو هو إسلام الكافرين عند الموت ورؤية سوء العاقبة ، أو هو الإكراه على الإسلام قبل نزول آية لا إكراه في الدين .
والكره بفتح الكاف هو الإكراه ، والكره بضم الكاف المكروه .
ومعنى وإليه ترجعون أنه يرجعكم إليه ففعل رجع : المتعدي أسند إلى المجهول لظهور فاعله ، أي يرجعكم الله بعد الموت ، وعند القيامة ، ومناسبة ذكر هذا ، عقب التوبيخ والتحذير ، أن الرب الذي لا مفر من حكمه لا يجوز للعاقل أن يعدل عن دين أمره به ، وحقه أن يسلم إليه نفسه مختارا قبل أن يسلمها اضطرارا .
وقد دل قوله وإليه ترجعون على المراد من قوله وكرها .
وقرأ الجمهور : إليه ترجعون بتاء الخطاب ، وقرأه حفص بياء الغيبة .