وضمير المفرد الغائب في قوله سنسمه عائد إلى كل حلاف باعتبار [ ص: 77 ] لفظه وإن كان معناه الجماعات فإفراد ضميره كإفراد ما أضيف إليه ( كل ) من الصفات التي جاءت بحالة الإفراد .
والمعنى : سنسم كل هؤلاء على الخراطيم ، وقد علمت آنفا أن ذلك تعريض بمعين بصفة قوله أساطير الأولين وبأنه ذو مال وبنين .
والخرطوم : أريد به الأنف . والظاهر أن حقيقة الخرطوم الأنف المستطيل كأنف الفيل والخنزير ونحوهما من كل أنف مستطيل . وقد خلط أصحاب اللغة في ذكر معانيه خلطا لم تتبين منه حقيقته من مجازه .
وذكر في الأساس معانيه المجازية ولم يذكر معناه الحقيقي ، وانبهم كلامه في الكشاف إلا أن قوله فيه : وفي لفظ الخرطوم استخفاف وإهانة ، يقتضي أن إطلاقه على أنف الإنسان مجاز مرسل . وجزم الزمخشري ابن عطية : أن حقيقة الخرطوم مخطم السبع ، أي أنف ، مثل الأسد ، فإطلاق الخرطوم على أنف الإنسان هنا استعارة كإطلاق المشفر وهو شفة البعير على شفة الإنسان في قول : الفرزدق
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ولكن زنجي غليظ المشافر
وكإطلاق الجحفلة على شفة الإنسان وهي للخيل والبغال والحمير في قول النابغة يهجو لبيد بن ربيعة :ألا من مبلغ عني لبـيدا أبا الورداء جحفلة الأتان
فالمعنى : سنعامله معاملة يعرف بها أنه عبدنا وأنه لا يغني عنه ماله وولده منا شيئا .
فالوسم : تمثيل تتبعه كناية عن التمكن منه وإظهار عجزه .
وأصل ( نسمه ) نوسمه مثل : يعد ويصل .
وذكر الخرطوم فيه جمع بين التشويه والإهانة فإن الوسم يقتضي التمكن وكونه في الوجه إذلالا وإهانة ، وكونه على الأنف أشد إذلالا . والتعبير عن الأنف بالخرطوم [ ص: 78 ] تشويه ، والضرب والوسم ونحوهما على الأنف كناية عن قوة التمكن وتمام الغلبة وعجز صاحب الأنف عن المقاومة ؛ لأن الأنف أبرز ما في الوجه وهو مجرى النفس ، ولذلك غلب ذكر الأنف في التعبير عن إظهار العزة في قولهم : شمخ بأنفه ، وهو أشم الأنف ، وهم شم العرانين . وعبر عن ظهور الذلة والاستكانة بكسر الأنف ، وجدعه ، ووقوعه في التراب في قولهم : رغم أنفه ، وعلى رغم أنفه ، قال جرير :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
وقد كانوا إذا ضربوا بالسيوف قصدوا الوجوه والرءوس . قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لما بلغه قول لعمر بن الخطاب أبي حذيفة لئن لقيت العباس لألجمنه السيف ، فقال رسول الله يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟ .
وقيل هذا وعيد بتشويه أنفه يوم القيامة مثل قوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وجعل تشويهه يومئذ في أنفه لأنه إنما بالغ في عداوة الرسول والطعن في الدين بسبب الأنفة والكبرياء ، وقد كان الأنف مظهر الكبر ولذلك سمي الكبر أنفة اشتقاقا من اسم الأنف فجعلت شوهته في مظهر آثار كبريائه .