( يوم ) مفعول فيه منصوب بفعل مضمر دل عليه وصف القارعة ; لأنه في تقدير : تقرع ، أو دل عليه الكلام كله ، فيقدر : تكون ، أو تحصل ، يوم يكون الناس كالفراش .
وجملة يوم يكون الناس مع متعلقها المحذوف بيان للإبهامين الذين في قوله : ما القارعة وقوله : وما أدراك ما القارعة .
وليس قوله : يوم يكون الناس خبرا عن ( القارعة ) ، إذ ليس سياق الكلام لتعيين يوم وقوع القارعة .
والمقصود بهذا التوقيت زيادة التهويل بما أضيف إليه ( يوم ) من الجملتين المفيدتين أحوالا هائلة إلا أن شأن التوقيت أن يكون بزمان معلوم ، وإذ قد كان هذا الحال الموقت بزمانه غير معلوم مداه . كان التوقيت له إطماعا في تعيين وقت [ ص: 512 ] حصوله ، إذ كانوا يسألون متى هذا الوعد ، ثم توقيته بما هو مجهول لهم إبهاما آخر للتهويل والتحذير من مفاجأته ، وأبرز في صورة التوقيت للتشويق إلى البحث عن تقديره ، فإذا باء الباحث بالعجز عن أخذ بحيطة الاستعداد لحلوله بما ينجيه من مصائبه التي قرعت به الأسماع في آي كثيرة .
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإظهار في مقام الإضمار أول مرة ، والاستفهام عما ينبئ بكنه القارعة ، وتوجيه الخطاب إلى غير معين ، والإظهار في مقام الإضمار ثاني مرة ، والتوقيت بزمان مجهول حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة .
والفراش : فرخ الجراد حين يخرج من بيضه من الأرض يركب بعضه بعضا ، وهو ما في قوله تعالى : يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . وقد يطلق الفراش على ما يطير من الحشرات ، ويتساقط على النار ليلا ، وهو إطلاق آخر لا يناسب تفسير لفظ الآية هنا به .
والمبثوث : المتفرق على وجه الأرض .
وجملة وتكون الجبال كالعهن المنفوش معترضة بين جملة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وجملة فأما من ثقلت موازينه إلخ . وهو إدماج لزيادة التهويل .
ووجه الشبه كثرة الاكتظاظ على أرض المحشر .
والعهن : الصوف ، وقيل : يختص بالمصبوغ الأحمر ، أو ذي الألوان ، كما في قول زهير :
كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم
لأن الجبال مختلفة الألوان بحجارتها ونبتها قال تعالى : ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها .
والمنفوش : المفرق بعض أجزائه عن بعض ليغزل أو تحشى به الحشايا ، ووجه [ ص: 513 ] الشبه تفرق الأجزاء ; لأن الجبال تندك بالزلازل ونحوها فتتفرق أجزاء .
وإعادة كلمة ( تكون ) مع حرف العطف للإشارة إلى اختلاف الكونين ، فإن أولهما كون إيجاد ، والثاني كون اضمحلال ، وكلاهما علامة على زوال عالم وظهور عالم آخر .
وتقدم قوله تعالى : وتكون الجبال كالعهن في سورة المعارج .