استئناف لبيان وأراد بـ ( يوم التقى الجمعان ) يوم سبب الهزيمة الخفي ، وهي استزلال الشيطان إياهم ، أحد ، و ( استزلهم ) بمعنى أزلهم أي جعلهم زالين ، والزلل [ ص: 140 ] مستعار لفعل الخطيئة ، والسين والتاء فيه للتأكيد ، مثل استفاد واستبشر واستنشق وقول النابغة :
وهم قتلوا الطائي بالجو عنوة أبا جابر فاستنكحوا أم جابر
أي نكحوا . ومنه قوله تعالى واستغنى الله وقوله أبى واستكبر . ولا يحسن حمل السين والتاء على معنى الطلب لأن المقصود لومهم على وقوعهم في معصية الرسول ، فهو زلل واقع .والمراد بالزلل ، وإطلاق الزلل عليه معلوم مشهور كإطلاق ثبات القدم على ضده وهو النصر قال تعالى وثبت أقدامنا . الانهزام
والباء في ببعض ما كسبوا للسببية وأريد ببعض ما كسبوا مفارقة موقفهم ، ، والتنازع ، والتعجيل إلى الغنيمة ، والمعنى أن ما أصابهم كان من آثار الشيطان ، وما هم فيه ببعض ما كسبوا من صنيعهم ، والمقصد من هذا إلقاء تبعة ذلك الانهزام على عواتقهم ، وإبطال ما عرض به المنافقون من رمي تبعته على أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالخروج ، وتحريض الله المؤمنين على الجهاد . وذلك شأن ضعاف العقول أن يشتبه عليهم مقارن الفعل بسببه ، ولأجل تخليص الأفكار من هذا الغلط الخفي وضع أهل المنطق باب القضية اللزومية والقضية الاتفاقية . وعصيان أمر الرسول
ومناسبة ذكر هذه الآية عقب التي قبلها أنه تعالى بعد أن بين لهم مرتبة حق اليقين بقوله قل لو كنتم في بيوتكم انتقل بهم إلى مرتبة الأسباب الظاهرة ، فبين لهم أنه إن كان للأسباب تأثير فسبب مصيبتهم هي أفعالهم التي أملاها الشيطان عليهم وأضلهم ، فلم يتفطنوا إلى السبب ، والتبس عليهم بالمقارن ، ومن شأن هذا الضلال أن يحول بين المخطئ وبين تدارك خطئه ولا يخفى ما في الجمع بين هذه الأغراض من العلم الصحيح ، وتزكية النفوس ، وتحبيب الله ورسوله للمؤمنين ، وتعظيمه عندهم ، وتنفيرهم من الشيطان ، والأفعال الذميمة ، ومعصية الرسول ، وتسفيه أحلام المشركين والمنافقين . وعلى هذا فالمراد من [ ص: 141 ] الذين تولوا نفس المخاطبين بقوله ثم صرفكم عنهم الآيات . وضمير منكم راجع إلى عامة جيش أحد فشمل الذين ثبتوا ولم يفروا . وعن أن الذين تولوا جماعة هربوا إلى السدي المدينة .
وللمفسرين في قوله استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا احتمالات ذكرها صاحب الكشاف والفخر ، وهي بمعزل عن القصد .
وقوله ولقد عفا الله عنهم أعيد تأنيسا لهم كقوله ولقد عفا عنكم . الإخبار بالعفو