nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28975_22210_27984واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .
[ ص: 269 ] موقع هذه الآية في هذه السورة معضل ، وافتتاحها بواو العطف أعضل ، لاقتضائه اتصالها بكلام قبلها . وقد جاء حد الزنى في سورة النور ، وهي نازلة في سنة ست بعد غزوة
بني المصطلق على الصحيح ، والحكم الثابت في سورة النور أشد من العقوبة المذكورة هنا ، ولا جائز أن يكون الحد الذي في سورة النور قد نسخ بما هنا لأنه لا قائل به . فإذا مضينا على معتادنا في اعتبار الآي نازلة على ترتيبها في القراءة في سورها ، قلنا : إن هذه الآية نزلت في سورة النساء عقب أحكام المواريث وحراسة أموال اليتامى ، وجعلنا الواو عاطفة هذا الحكم على ما تقدم من الآيات في أول السورة بما يتعلق بمعاشرة النساء ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وجزمنا بأن أول هذه السورة نزل قبل أول سورة النور ، وأن هذه العقوبة كانت مبدأ شرع العقوبة على الزنى - فتكون هاته الآية منسوخة بآية سورة النور لا محالة ، كما يدل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أو يجعل الله لهن سبيلا قال
ابن عطية : أجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور . اهـ . وحكى
ابن الفرس في ترتيب النسخ أقوالا ثمانية لا نطيل فيها . فالواو عاطفة حكم تشريع عقب تشريع لمناسبة : هي الرجوع إلى أحكام النساء ، فإن الله لما ذكر أحكاما من النكاح إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وما النكاح إلا اجتماع الرجل والمرأة على معاشرة عمادها التآنس والسكون إلى الأنثى ، ناسب أن يعطف إلى ذكر أحكام اجتماع الرجل بالمرأة على غير الوجه المذكور فيه شرعا ، وهو الزنى المعبر عنه بالفاحشة .
فالزنى هو أن يقع شيء من تلك المعاشرة على غير الحال المعروف المأذون فيه ، فلا جرم أن كان يختلف باختلاف أحوال الأمم والقبائل في خرق القوانين المجعولة لإباحة اختصاص الرجل بالمرأة .
ففي الجاهلية كان طريق الاختصاص بالمرأة السبي أو الغارة أو التعويض أو رغبة في مصاهرة قوم ورغبتهم فيه أو إذن الرجل امرأته بأن تستبضع من رجل ولدا ، كما تقدم .
nindex.php?page=treesubj&link=10803_10801وفي الإسلام بطلت الغارة وبطل الاستبضاع ، ولذلك تجد الزنى لا يقع إلا
[ ص: 270 ] خفية لأنه مخالفة لقوانين الناس في نظامهم وأخلاقهم .
nindex.php?page=treesubj&link=19457وسمي الزنى الفاحشة لأنه تجاوز الحد في الفساد وأصل الفحش : الأمر الشديد الكراهية والذم ، من فعل أو قول أو حال . ولم أقف على وقوع العمل بهاتين الآيتين قبل نسخهما .
ومعنى ( يأتين ) يفعلن ، وأصل الإيتاء المجيء إلى شيء . فاستعير هنا الإتيان لفعل شيء لأن فاعل شيء عن قصد يشبه السائر إلى مكان حتى يصله ، يقال : أتى الصلاة ، أي صلاها ، وقال
الأعشى :
ليعلم كل الورى أنني أتيت المروءة من بابها
وربما قالوا : أتى بفاحشة وبمكروه . كأنه جاء مصاحبا له .
وقوله : من نسائكم بيان للموصول وصلته . والنساء اسم جمع امرأة ، وهي الأنثى من الإنسان ، وتطلق المرأة على الزوجة . فلذلك يطلق النساء على الإناث مطلقا ، وعلى الزوجات خاصة ويعرف المراد بالقرينة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا نساء من نساء فقابل بالنساء القوم . والمراد الإناث كلهن ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فإن كن نساء فوق اثنتين الآية المتقدمة آنفا . والمراد هنا مطلق النساء فيشمل العذارى العزبات .
وضمير جمع المخاطبين في قوله : من نسائكم والضمائر الموالية له ، عائدة إلى المسلمين على الإجمال ، ويتعين للقيام بما خوطبوا به من لهم أهلية القيام بذلك . فضمير نسائكم عام مراد به نساء المسلمين ، وضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فاستشهدوا مخصوص بمن يهمه الأمر من الأزواج ، وضمير فأمسكوهن مخصوص بولاة الأمور ، لأن الإمساك المذكور سجن وهو حكم لا يتولاه إلا القضاة ، وهم الذين ينظرون في قبول الشهادة . فهذه عمومها مراد به الخصوص .
هذه الآية الأصل في
nindex.php?page=treesubj&link=16100اشتراط أربعة في الشهادة على الزنى ، وقد تقرر ذلك بآية سورة النور .
ويعتبر في الشهادة الموجبة للإمساك في البيوت ما يعتبر في شهادة الزنى لإقامة الحد سواء .
[ ص: 271 ] والمراد بالبيوت البيوت التي يعينها ولاة الأمور لذلك . وليس المراد إمساكهن في بيوتهن بل يخرجن من بيوتهن إلى بيوت أخرى إلا إذا حول بيت المسجونة إلى الوضع تحت نظر القاضي وحراسته ، وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى في آية سورة الطلاق عند ذكر العدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15يتوفاهن الموت يتقاضاهن . يقال : توفى فلان حقه من فلان واستوفاه حقه . والعرب تتخيل العمر مجزءا . فالأيام والزمان والموت يستخلصه من صاحبه منجما إلى أن تتوفاه . قال
طرفة :
أرى العمر كنزا ناقصا كل ليلة وما تنقص الأيام والدهر ينفد
وقال
أبو حية النميري :
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
ولذلك يقولون : توفي فلان . بالبناء للمجهول أي توفى عمره . فجعل الله الموت هو المتقاضي لأعمار الناس على استعمالهم في التعبير ، وإن كان الموت هو أثر آخر أنفاس المرء ، فالتوفي في هذه الآية وارد على أصل معناه الحقيقي في اللغة .
معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أو يجعل الله لهن سبيلا أي حكما آخر . فالسبيل مستعار للأمر البين بمعنى العقاب المناسب تشبيها له بالطريق الجادة . وفي هذا إشارة إلى أن إمساكهن في البيوت زجر موقت سيعقبه حكم شاف لما يجده الناس في نفوسهم من السخط عليهن مما فعلن .
ويشمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15واللاتي يأتين الفاحشة جميع النساء اللاتي يأتين الفاحشة من محصنات وغيرهن .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها فهو مقتض نوعين من الذكور فإنه تثنية ( الذي ) وهو اسم موصول للمذكر ، وقد قوبل به اسم موصول النساء الذي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15واللاتي يأتين الفاحشة ولا شك أن المراد بـ ( اللذان ) صنفان من الرجال : وهما صنف
[ ص: 272 ] المحصنين ، وصنف غير المحصنين منهم ، وبذلك فسره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
مجاهد ، وهو الوجه في تفسير الآية ، وبه يتقوم معنى بين غير متداخل ولا مكرر . ووجه الإشعار بصنفي الزناة من الرجال التحرز من التماس العذر فيه لغير المحصنين . ويجوز أن يكون أطلق على صنفين مختلفين أي الرجال والنساء على طريقة التغليب الذي يكثر في مثله ، وهو تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وقتادة ، فعلى الوجه الأول تكون الآية قد جعلت للنساء عقوبة واحدة على الزنى وهي عقوبة الحبس في البيوت ، وللرجال عقوبة على الزنى ، هي الأذى سواء كانوا محصنين بزوجات أم غير محصنين ، وهم الأعزبون . وعلى الوجه الثاني تكون قد جعلت للنساء عقوبتين : عقوبة خاصة بهن وهي الحبس ، وعقوبة لهن كعقوبة الرجال وهي الأذى ، فيكون الحبس لهن مع عقوبة الأذى . وعلى كلا الوجهين يستفاد استواء المحصن وغير المحصن من الصنفين في كلتا العقوبتين ، فأما الرجال فبدلالة تثنية اسم الموصول المراد بها صنفان اثنان ، وأما النساء فبدلالة عموم صيغة ( نسائكم ) .
وضمير النصب في قوله ( يأتيانها ) عائد إلى الفاحشة المذكورة وهي الزنى . ولا التفات لكلام من توهم غير ذلك . والإيذاء : الإيلام غير الشديد بالفعل كالضرب غير المبرح ، والإيلام بالقول من شتم وتوبيخ ، فهو أعم من الجلد ، والآية أجملته ، فهو موكول إلى اجتهاد الحاكم .
وقد اختلف أيمة الإسلام في كيفية انتزاع هاتين العقوبتين من هذه الآية : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومجاهد :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15واللاتي يأتين الفاحشة يعم النساء خاصة فشمل كل امرأة في سائر الأحوال بكرا أم ثيبا ، وقوله ( اللذان ) تثنية أريد بها نوعان من الرجال ، وهم المحصن والبكر ، فيقتضي أن حكم الحبس في البيوت يختص بالزواني كلهن ، وحكم الأذى يختص بالزناة كلهم ، فاستفيد التعميم في الحالتين إلا أن استفادته في الأولى من صيغة العموم ، وفي الثانية من انحصار النوعين ، وقد كان يغني أن يقال : واللاتي يأتين ، والذين يأتون ، إلا أنه سلك هذا الأسلوب ليحصل العموم بطريقين مع التنصيص على شمول النوعين .
وجعل لفظ ( اللاتي ) للعموم ليستفاد العموم من صيغة الجمع فقط .
[ ص: 273 ] وجعل لفظ ( اللذان ) للنوعين لأن مفرده وهو ( الذي ) صالح للدلالة على النوع ، إذ النوع يعبر عنه بالمذكر مثل الشخص ونحو ذلك ، وحصل مع ذلك كله تفنن بديع في العبارة فكانت بمجموع ذلك هاته الآية غاية في الإعجاز ، وعلى هذا الوجه فالمراد من النساء معنى ما قابل الرجال وهذا هو الذي يجدر حمل معنى الآية عليه .
والأذى أريد به هنا غير الحبس لأنه سبق تخصيصه بالنساء ، وغير الجلد ، لأنه لم يشرع بعد ، فقيل : هو الكلام الغليظ والشتم والتعيير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو النيل باللسان واليد وضرب النعال ، بناء على تأويله أن الآية
nindex.php?page=treesubj&link=27984_22220شرعت عقوبة للزنا قبل عقوبة الجلد . واتفق العلماء على أن هذا الحكم منسوخ بالجلد المذكور في سورة النور ، وبما ثبت في السنة من رجم المحصنين . وليس تحديد هذا الحكم بغاية قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أو يجعل الله لهن سبيلا بصارف معنى النسخ عن هذا الحكم كما توهم
ابن العربي ، لأن الغاية جعلت مبهمة ، فالمسلمون يترقبون ورود حكم آخر بعد هذا ، لا غنى لهم عن إعلامهم به .
واعلم أن شأن
nindex.php?page=treesubj&link=22184النسخ في العقوبات على الجرائم التي لم تكن فيها عقوبة قبل الإسلام ، أن تنسخ بأثقل منها ، فشرع الحبس والأذى للزناة في هذه السورة ، وشرع الجلد بآية سورة النور ، والجلد أشد من الحبس ومن الأذى ، وقد سوي في الجلد بين المرأة والرجل ، إذ التفرقة بينهما لا وجه لبقائها ، إذ كلاهما قد خرق حكما شرعيا تبعا لشهوة نفسية أو طاعة لغيره .
ثم إن الجلد المعين شرع بآية سورة النور مطلقا أو عاما على الاختلاف في محمل التعريف في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني ; فإن كان قد وقع العمل به كذلك في الزناة والزواني : محصنين أو أبكارا ، فقد نسخه الرجم في خصوص المحصنين منهم ، وهو ثابت بالعمل المتواتر ، وإن كان الجلد لم يعمل به إلا في البكرين فقد قيد أو خصص بغير المحصنين ، إذ جعل حكمهما الرجم . والعلماء متفقون على أن حكم المحصنين من الرجال والنساء الرجم . والمحصن هو من تزوج بعقد شرعي صحيح ووقع البناء بعد ذلك العقد بناء صحيحا . وحكم الرجم ثبت من قبل الإسلام في شريعة
[ ص: 274 ] التوراة للمرأة إذا زنت وهي ذات زوج ، فقد أخرج
مالك ، في الموطأ ، ورجال الصحيح كلهم ، حديث
عبد الله بن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341494أن اليهود جاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلا وامرأة زنيا ، فقال رسول الله : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا : نفضحهم ويجلدون . فقال nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم . فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على nindex.php?page=treesubj&link=32394آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ارفع يدك . فرفع يده فإذا فيها آية الرجم . فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم . فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما . وقد ذكر حكم الزنى في سفر التثنية ( 22 ) فقال : إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان ، وإذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة فاضطجع معها فوجدا ، يعطي الرجل الذي اضطجع معها لأبي الفتاة خمسين من الفضة وتكون هي له زوجة ولا يقدر أن يطلقها كل أيامه .
وقد ثبت
nindex.php?page=treesubj&link=24364الرجم في الإسلام بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341495خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر ضرب مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم . ومقتضاه
nindex.php?page=treesubj&link=10410الجمع بين الرجم والجلد ، ولا أحسبه إلا توهما من الراوي عن
عبادة أو اشتبه عليه ، وأحسب أنه لذلك لم يعمل به العلماء فلا يجمع بين الجلد والرجم . ونسب
ابن العربي إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل الجمع بين الرجم والجلد . وهو خلاف المعروف من مذهبه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أنه جمع بين الجلد والرجم . ولم يصح . ثم ثبت من فعل النبيء - صلى الله عليه وسلم - في القضاء بالرجم ثلاثة أحاديث : أولها قضية
ماعز بن مالك الأسلمي ، أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341496جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترف بالزنى فأعرض عنه ثلاث مرات ثم بعث إلى أهله فقال : به جنون ؟ قالوا : لا ، و : أبكر هو أم ثيب ؟ قالوا : بل ثيب . فأمر به فرجم .
الثاني :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341497قضية الغامدية ، أنها جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترفت بالزنى وهي حبلى فأمرها أن تذهب حتى تضع ، ثم حتى ترضعه ، فلما أتمت رضاعه جاءت فأمر بها فرجمت .
[ ص: 275 ] الثالث : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وخالد الجهني ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10341498أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله . وقال الآخر وهو أفقههما : أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم . قال : تكلم . قال : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأخبروني أنما الرجم على امرأته . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك - وجلد ابنه مائة وغربه عاما - واغد يا أنيس - هو أنيس بن الضحاك ويقال ابن مرثد الأسلمي - على زوجة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، فاعترفت فرجمها . قال
مالك والعسيف : الأجير . هذه الأحاديث مرسل منها اثنان في الموطأ ، وهي مسندة في غيره ، فثبت بها وبالعمل حكم الرجم للمحصنين ، قال
ابن العربي : هو خبر متواتر نسخ القرآن . يريد أنه متواتر لدى الصحابة فلتواتره أجمعوا على العمل به . وأما ما بلغ إلينا وإلى
ابن العربي وإلى من قبله فهو أخبار آحاد لا تبلغ مبلغ التواتر ، فالحق أن دليل رجم المحصنين هو ما نقل إلينا من إجماع الصحابة . وسنتعرض إلى ذلك في سورة النور ، ولذلك قال بالرجم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مع أنه لا يقول
nindex.php?page=treesubj&link=22218بنسخ القرآن بالسنة .
والقائلون بأن حكم الرجم ناسخ لحكم الحبس في البيوت قائلون بأن دليل النسخ هو حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341499قد جعل الله لهن سبيلا وفيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341500والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام فتضمن الجلد ، ونسب هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي وجماعة ، وأورد
الجصاص على
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه يلزمه أن القرآن نسخ بالسنة ، وأن السنة نسخت بالقرآن ، وهو لا يرى الأمرين ، وأجاب
الخطابي بأن آية النساء مغياة ، فالحديث بين الغاية ، وأن آية النور نزلت بعد ذلك ، والحديث خصصها من قبل نزولها . قلت : وعلى هذا تكون آية النور نزلت تقريرا لبعض الحكم الذي في حديث الرجم ، على أن قوله : إن آية النساء مغياة ، لا يجدي لأن الغاية المبهمة لما كان بيانها إبطالا لحكم المغيى فاعتبارها اعتبار النسخ ، وهل النسخ كله إلا إيذان بوصول غاية الحكم المرادة لله غير مذكورة في اللفظ ،
[ ص: 276 ] فذكرها في بعض الأحكام على إبهامها لا يكسو النزول غير شعار النسخ ، وقال بعضهم : شرع الأذى ثم نسخ بالحبس في البيوت وإن كان في القراءة متأخرا . وهذا قول لا ينبغي الالتفات إليه فلا مخلص من هذا الإشكال إلا بأن نجعل إجماع الصحابة على ترك الإمساك في البيوت ، وعلى تعويضه بالحد في زمان النبوة فيأول إلى نسخ القرآن بالسنة المتواترة ، ويندفع ما أورده
الجصاص على
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن مخالفة الإجماع للنص تتضمن أن مستند الإجماع ناسخ للنص .
ويتعين أن يكون حكم الرجم للمحصن شرع بعد الجلد ، لأن الأحاديث المروية فيه تضمنت
nindex.php?page=treesubj&link=33507التغريب مع الجلد ، ولا يتصور تغريب بعد الرجم ، وهو زيادة لا محالة لم يذكرها القرآن ، ولذلك أنكر
أبو حنيفة التغريب لأنه زيادة على النص فهو نسخ عنده . قال
ابن العربي في الأحكام : أجمع رأي خيار
بني إسماعيل على أن من أحدث حدثا في الحرم يغرب منه ، وتمادى ذلك في الجاهلية فكان كل من أحدث حدثا غرب من بلده إلى أن جاء الإسلام فأقره في الزنى خاصة . قلت : وكان في العرب الخلع وهو أن يخلع الرجل من قبيلته ، ويشهدون بذلك في الموسم ، فإن جر جريرة لا يطالب بها قومه ، وإن اعتدي عليه لا يطلب قومه دية ولا نحوها ، وقد قال
امرؤ القيس :
به الذيب يعوي كالخليع المعيل
واتفقوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=17907_10420المرأة لا تغرب لأن تغريبها ضيعة ، وأنكر
أبو حنيفة التغريب لأنه نقل ضر من مكان إلى آخر وعوضه بالسجن ولا يعرف بين أهل العلم الجمع بين الرجم والضرب ولا يظن بشريعة الإسلام ذلك . وروي أن
عليا جلد
شراحة الهمدانية ورجمها بعد الجلد ، وقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله .
وقرن بالفاء خبر الموصولين من قوله ( فاستشهدوا ) وقوله ( فآذوهما ) لأن الموصول أشرب معنى الشرط تنبيها على أن صلة الموصول سبب في الحكم الدال عليه خبره ، فصار خبر الموصول مثل جواب الشرط ويظهر لي أن ذلك عندما يكون الخبر جملة ، وغير صالحة لمباشرة أدوات الشرط ، بحيث لو كانت جزاء للزم
[ ص: 277 ] اقترانها بالفاء . هكذا وجدنا من استقراء كلامهم ، وهذا الأسلوب إنما يقع في الصلات التي تومئ إلى وجه بناء الخبر ، لأنها التي تعطي رائحة التسبب في الخبر الوارد بعدها . ولك أن تجعل دخول الفاء علامة على كون الفاء نائبة عن ( أما ) .
ومن البين أن إتيان النساء بالفاحشة هو الذي سبب إمساكهن في البيوت ، وإن كان قد بني نظم الكلام على جعل
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فاستشهدوا عليهن هو الخبر ، لكنه خبر صوري وإلا فإن الخبر هو فأمسكوهن ، لكنه جيء به جوابا لشرط هو متفرع على فإن شهدوا ففاء فاستشهدوا هي الفاء المشبهة لفاء الجواب ، وفاء فإن شهدوا تفريعية ، وفاء فأمسكوهن جزائية ، ولولا قصد الاهتمام بإعداد الشهادة قبل الحكم بالحبس في البيوت لقيل : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأمسكوهن في البيوت إن شهد عليهن أربعة منكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28975_22210_27984وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَاءِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبِيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا .
[ ص: 269 ] مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْضِلٌ ، وَافْتِتَاحُهَا بِوَاوِ الْعَطْفِ أَعْضَلُ ، لِاقْتِضَائِهِ اتِّصَالَهَا بِكَلَامٍ قَبْلَهَا . وَقَدْ جَاءَ حَدُّ الزِّنَى فِي سُورَةِ النُّورِ ، وَهِيَ نَازِلَةٌ فِي سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ غَزْوَةِ
بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي سُورَةِ النُّورِ أَشَدُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ الَّذِي فِي سُورَةِ النُّورِ قَدْ نُسِخَ بِمَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ . فَإِذَا مَضَيْنَا عَلَى مُعْتَادِنَا فِي اعْتِبَارِ الْآيِ نَازِلَةً عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي سُوَرِهَا ، قُلْنَا : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ عَقِبَ أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ وَحِرَاسَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ، وَجَعَلْنَا الْوَاوَ عَاطِفَةً هَذَا الْحُكْمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً وَجَزَمْنَا بِأَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَ قَبْلَ أَوَّلِ سُورَةِ النُّورِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ كَانَتْ مَبْدَأَ شَرْعِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزِّنَى - فَتَكُونُ هَاتِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ لَا مَحَالَةَ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَنْسُوخَتَانِ بِآيَةِ الْجَلْدِ فِي سُورَةِ النُّورِ . اهـ . وَحَكَى
ابْنُ الْفُرْسِ فِي تَرْتِيبِ النَّسْخِ أَقْوَالًا ثَمَانِيَةً لَا نُطِيلُ فِيهَا . فَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ حُكْمَ تَشْرِيعٍ عَقِبَ تَشْرِيعٍ لِمُنَاسَبَةٍ : هِيَ الرُّجُوعُ إِلَى أَحْكَامِ النِّسَاءِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامًا مِنَ النِّكَاحِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً وَمَا النِّكَاحُ إِلَّا اجْتِمَاعُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى مُعَاشَرَةٍ عِمَادُهَا التَّآنُسُ وَالسُّكُونُ إِلَى الْأُنْثَى ، نَاسَبَ أَنْ يَعْطِفَ إِلَى ذِكْرِ أَحْكَامِ اجْتِمَاعِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ شَرْعًا ، وَهُوَ الزِّنَى الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفَاحِشَةِ .
فَالزِّنَى هُوَ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمُعَاشَرَةِ عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الْمَعْرُوفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ فِي خَرْقِ الْقَوَانِينِ الْمَجْعُولَةِ لِإِبَاحَةِ اخْتِصَاصِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ .
ففِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ طَرِيقُ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَرْأَةِ السَّبْيَ أَوِ الْغَارَةَ أَوِ التَّعْوِيضَ أَوْ رَغْبَةً فِي مُصَاهَرَةِ قَوْمٍ وَرَغْبَتَهُمْ فِيهِ أَوْ إِذْنَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِأَنْ تَسْتَبْضِعَ مِنْ رَجُلٍ وَلَدًا ، كَمَا تَقَدَّمَ .
nindex.php?page=treesubj&link=10803_10801وَفِي الْإِسْلَامِ بَطَلَتِ الْغَارَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِبْضَاعُ ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الزِّنَى لَا يَقَعُ إِلَّا
[ ص: 270 ] خِفْيَةً لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِقَوَانِينِ النَّاسِ فِي نِظَامِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19457وَسُمِّيَ الزِّنَى الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي الْفَسَادِ وَأَصْلُ الْفُحْشِ : الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْكَرَاهِيَةِ وَالذَّمِّ ، مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ حَالٍ . وَلَمْ أَقِفْ عَلَى وُقُوعِ الْعَمَلِ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ قَبْلَ نَسْخِهِمَا .
وَمَعْنَى ( يَأْتِينَ ) يَفْعَلْنَ ، وَأَصْلُ الْإِيتَاءِ الْمَجِيءُ إِلَى شَيْءٍ . فَاسْتُعِيرَ هُنَا الْإِتْيَانُ لِفِعْلِ شَيْءٍ لِأَنَّ فَاعِلَ شَيْءٍ عَنْ قَصْدٍ يُشْبِهُ السَّائِرَ إِلَى مَكَانٍ حَتَّى يَصِلَهُ ، يُقَالُ : أَتَى الصَّلَاةَ ، أَيْ صَلَّاهَا ، وَقَالَ
الْأَعْشَى :
لِيَعْلَمَ كُلُّ الْوَرَى أَنَّنِي أَتَيْتُ الْمُرُوءَةَ مِنْ بَابِهَا
وَرُبَّمَا قَالُوا : أَتَى بِفَاحِشَةٍ وَبِمَكْرُوهٍ . كَأَنَّهُ جَاءَ مُصَاحِبًا لَهُ .
وَقَوْلُهُ : مِنْ نِسَائِكُمْ بَيَانٌ لِلْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ . وَالنِّسَاءُ اسْمُ جَمْعِ امْرَأَةٍ ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْإِنْسَانِ ، وَتُطْلَقُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ . فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِنَاثِ مُطْلَقًا ، وَعَلَى الزَّوْجَاتِ خَاصَّةً وَيُعْرَفُ الْمُرَادُ بِالْقَرِينَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ فَقَابَلَ بِالنِّسَاءِ الْقَوْمَ . وَالْمُرَادُ الْإِنَاثُ كُلُّهُنَّ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ آنِفًا . وَالْمُرَادُ هَنَا مُطْلَقُ النِّسَاءِ فَيَشْمَلُ الْعَذَارَى الْعَزَبَاتِ .
وَضَمِيرُ جَمْعِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ : مِنْ نِسَائِكُمْ وَالضَّمَائِرُ الْمُوَالِيَةُ لَهُ ، عَائِدَةٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِجْمَالِ ، وَيَتَعَيَّنُ لِلْقِيَامِ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ مَنْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِذَلِكَ . فَضَمِيرُ نِسَائِكُمْ عَامٌّ مُرَادٌ بِهِ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ ، وَضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَاسْتَشْهِدُوا مَخْصُوصٌ بِمَنْ يُهِمُّهُ الْأَمْرُ مِنَ الْأَزْوَاجِ ، وَضَمِيرُ فَأَمْسِكُوهُنَّ مَخْصُوصٌ بِوُلَاةِ الْأُمُورِ ، لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ الْمَذْكُورَ سِجْنٌ وَهُوَ حُكْمٌ لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الْقُضَاةُ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ . فَهَذِهِ عُمُومُهَا مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصُ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْأَصْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16100اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى ، وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ .
وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ مَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى لِإِقَامَةِ الْحَدِّ سَوَاءٌ .
[ ص: 271 ] وَالْمُرَادُ بِالْبُيُوتِ الْبُيُوتُ الَّتِي يُعَيِّنُهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ لِذَلِكَ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِمْسَاكَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ بَلْ يَخْرُجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ إِلَى بُيُوتٍ أُخْرَى إِلَّا إِذَا حُوِّلَ بَيْتُ الْمَسْجُونَةِ إِلَى الْوَضْعِ تَحْتَ نَظَرِ الْقَاضِي وَحِرَاسَتِهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ عِنْدَ ذِكْرِ الْعِدَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ يَتَقَاضَاهُنَّ . يُقَالُ : تَوَفَّى فُلَانٌ حَقَّهُ مِنْ فُلَانٍ وَاسْتَوْفَاهُ حَقَّهُ . وَالْعَرَبُ تَتَخَيَّلُ الْعُمْرَ مُجَزَّءًا . فَالْأَيَّامُ وَالزَّمَانُ وَالْمَوْتُ يَسْتَخْلِصُهُ مِنْ صَاحِبِهِ مُنَجَّمًا إِلَى أَنْ تَتَوَفَّاهُ . قَالَ
طَرَفَةُ :
أَرَى الْعُمْرَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ وَمَا تَنْقُصُ الْأَيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَدُ
وَقَالَ
أَبُو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ :
إِذَا مَا تَقَاضَى الْمَرْءَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ تَقَاضَاهُ شَيْءٌ لَا يَمَلُّ التَّقَاضِيَا
وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ : تُوُفِّيَ فُلَانٌ . بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ تَوَفَّى عُمُرَهُ . فَجَعَلَ اللَّهُ الْمَوْتَ هُوَ الْمُتَقَاضِيَ لِأَعْمَارِ النَّاسِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ هُوَ أَثَرُ آخِرِ أَنْفَاسِ الْمَرْءِ ، فَالتَّوَفِّي فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي اللُّغَةِ .
مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أَيْ حُكْمًا آخَرَ . فَالسَّبِيلُ مُسْتَعَارٌ لِلْأَمْرِ الْبَيِّنِ بِمَعْنَى الْعِقَابِ الْمُنَاسِبِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالطَّرِيقِ الْجَادَّةِ . وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِمْسَاكَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ زَجْرٌ مُوَقَّتٌ سَيَعْقُبُهُ حُكْمٌ شَافٍ لِمَا يَجِدُهُ النَّاسُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ السُّخْطِ عَلَيْهِنَّ مِمَّا فَعَلْنَ .
وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ جَمِيعَ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ مُحْصَنَاتٍ وَغَيْرِهِنَّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا فَهُوَ مُقْتَضٍ نَوْعَيْنِ مِنَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ تَثْنِيَةُ ( الَّذِي ) وَهُوَ اسْمٌ مَوْصُولٌ لِلْمُذَكَّرِ ، وَقَدْ قُوبِلَ بِهِ اسْمُ مَوْصُولِ النِّسَاءِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِـ ( اللَّذَانِ ) صِنْفَانِ مِنَ الرِّجَالِ : وَهُمَا صِنْفُ
[ ص: 272 ] الْمُحْصَنِينَ ، وَصِنْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِينَ مِنْهُمْ ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
مُجَاهِدٍ ، وَهُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَبِهِ يَتَقَوَّمُ مَعْنًى بَيِّنٌ غَيْرُ مُتَدَاخِلٍ وَلَا مُكَرَّرٍ . وَوَجْهُ الْإِشْعَارِ بِصِنْفَيِ الزُّنَاةِ مِنَ الرِّجَالِ التَّحَرُّزُ مِنِ الْتِمَاسِ الْعُذْرِ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِينَ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقَ عَلَى صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَيِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي مِثْلِهِ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَكُونُ الْآيَةُ قَدْ جَعَلَتْ لِلنِّسَاءِ عُقُوبَةً وَاحِدَةً عَلَى الزِّنَى وَهِيَ عُقُوبَةُ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ ، وَلِلرِّجَالِ عُقُوبَةً عَلَى الزِّنَى ، هِيَ الْأَذَى سَوَاءٌ كَانُوا مُحْصَنِينَ بِزَوْجَاتٍ أَمْ غَيْرَ مُحْصَنِينَ ، وَهُمُ الْأَعْزَبُونَ . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تَكُونُ قَدْ جَعَلَتْ لِلنِّسَاءِ عُقُوبَتَيْنِ : عُقُوبَةٌ خَاصَّةٌ بِهِنَّ وَهِيَ الْحَبْسُ ، وَعُقُوبَةٌ لَهُنَّ كَعُقُوبَةِ الرِّجَالِ وَهِيَ الْأَذَى ، فَيَكُونُ الْحَبْسُ لَهُنَّ مَعَ عُقُوبَةِ الْأَذَى . وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يُسْتَفَادُ اسْتِوَاءُ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ مِنَ الصِّنْفَيْنِ فِي كِلْتَا الْعُقُوبَتَيْنِ ، فَأَمَّا الرِّجَالُ فَبِدَلَالَةِ تَثْنِيَةِ اسْمِ الْمَوْصُولِ الْمُرَادِ بِهَا صِنْفَانِ اثْنَانِ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَبِدَلَالَةِ عُمُومِ صِيغَةِ ( نِسَائِكُمْ ) .
وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ ( يَأْتِيَانِهَا ) عَائِدٌ إِلَى الْفَاحِشَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الزِّنَى . وَلَا الْتِفَاتَ لِكَلَامِ مَنْ تَوَهَّمَ غَيْرَ ذَلِكَ . وَالْإِيذَاءُ : الْإِيلَامُ غَيْرُ الشَّدِيدِ بِالْفِعْلِ كَالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ ، وَالْإِيلَامُ بِالْقَوْلِ مِنْ شَتْمٍ وَتَوْبِيخٍ ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْجَلْدِ ، وَالْآيَةُ أَجْمَلَتْهُ ، فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَيِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي كَيْفِيَّةِ انْتِزَاعِ هَاتَيْنِ الْعُقُوبَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ : فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ يَعُمُّ النِّسَاءَ خَاصَّةً فَشَمَلَ كُلَّ امْرَأَةٍ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ، وَقَوْلُهُ ( اللَّذَانِ ) تَثْنِيَةٌ أُرِيدَ بِهَا نَوْعَانِ مِنَ الرِّجَالِ ، وَهُمُ الْمُحْصَنُ وَالْبِكْرُ ، فَيَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ يَخْتَصُّ بِالزَّوَانِي كُلِّهِنَّ ، وَحُكْمَ الْأَذَى يَخْتَصُّ بِالزُّنَاةِ كُلِّهِمْ ، فَاسْتُفِيدَ التَّعْمِيمُ فِي الْحَالَتَيْنِ إِلَّا أَنَّ اسْتِفَادَتَهُ فِي الْأُولَى مِنْ صِيغَةِ الْعُمُومِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنِ انْحِصَارِ النَّوْعَيْنِ ، وَقَدْ كَانَ يُغْنِي أَنْ يُقَالَ : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ ، وَالَّذِينَ يَأْتُونَ ، إِلَّا أَنَّهُ سُلِكَ هَذَا الْأُسْلُوبُ لِيَحْصُلَ الْعُمُومُ بِطَرِيقَيْنِ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى شُمُولِ النَّوْعَيْنِ .
وَجُعِلَ لَفْظُ ( اللَّاتِي ) لِلْعُمُومِ لِيُسْتَفَادَ الْعُمُومُ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ فَقَطْ .
[ ص: 273 ] وَجُعِلَ لَفْظُ ( اللَّذَانِ ) لِلنَّوْعَيْنِ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ وَهُوَ ( الَّذِي ) صَالِحٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى النَّوْعِ ، إِذِ النَّوْعُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ مِثْلِ الشَّخْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَحَصَلَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ تَفَنُّنٌ بَدِيعٌ فِي الْعِبَارَةِ فَكَانَتْ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ هَاتِهِ الْآيَةُ غَايَةً فِي الْإِعْجَازِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْمُرَادُ مِنَ النِّسَاءِ مَعْنَى مَا قَابَلَ الرِّجَالَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجْدُرُ حَمْلُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ .
وَالْأَذَى أُرِيدَ بِهِ هُنَا غَيْرُ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ سَبَقَ تَخْصِيصُهُ بِالنِّسَاءِ ، وَغَيْرُ الْجَلْدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بَعْدُ ، فَقِيلَ : هُوَ الْكَلَامُ الْغَلِيظُ وَالشَّتْمُ وَالتَّعْيِيرُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ النَّيْلُ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَضَرْبُ النِّعَالِ ، بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِهِ أَنَّ الْآيَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=27984_22220شُرِعَتْ عُقُوبَةً لِلزِّنَا قَبْلَ عُقُوبَةِ الْجَلْدِ . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ بِالْجَلْدِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ النُّورِ ، وَبِمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ مِنْ رَجْمِ الْمُحْصَنِينَ . وَلَيْسَ تَحْدِيدُ هَذَا الْحُكْمِ بِغَايَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا بِصَارِفٍ مَعْنَى النَّسْخِ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا تَوَهَّمَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، لِأَنَّ الْغَايَةَ جُعِلَتْ مُبْهَمَةً ، فَالْمُسْلِمُونَ يَتَرَقَّبُونَ وُرُودَ حُكْمٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا ، لَا غِنًى لَهُمْ عَنْ إِعْلَامِهِمْ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ شَأْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=22184النَّسْخِ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْجَرَائِمِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِيهَا عُقُوبَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، أَنْ تُنْسَخَ بِأَثْقَلَ مِنْهَا ، فَشُرِعَ الْحَبْسُ وَالْأَذَى لِلزُّنَاةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَشُرِعَ الْجَلْدُ بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ ، وَالْجَلْدُ أَشَدُّ مِنَ الْحَبْسِ وَمِنَ الْأَذَى ، وَقَدْ سُوِّيَ فِي الْجَلْدِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ، إِذِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا لَا وَجْهَ لِبَقَائِهَا ، إِذْ كِلَاهُمَا قَدْ خَرَقَ حُكْمًا شَرْعِيًّا تَبَعًا لِشَهْوَةٍ نَفْسِيَّةٍ أَوْ طَاعَةً لِغَيْرِهِ .
ثُمَّ إِنَّ الْجَلْدَ الْمُعَيَّنَ شُرِعَ بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ مُطْلَقًا أَوْ عَامًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَحْمَلِ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ; فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الْعَمَلُ بِهِ كَذَلِكَ فِي الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي : مُحْصَنِينَ أَوْ أَبْكَارًا ، فَقَدْ نَسَخَهُ الرَّجْمُ فِي خُصُوصِ الْمُحْصَنِينَ مِنْهُمْ ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ ، وَإِنْ كَانَ الْجَلْدُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ إِلَّا فِي الْبِكْرَيْنِ فَقَدْ قُيِّدَ أَوْ خُصِّصَ بِغَيْرِ الْمُحْصَنِينَ ، إِذْ جُعِلَ حُكْمُهُمَا الرَّجْمَ . وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُحْصَنِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الرَّجْمُ . وَالْمُحَصَنُ هُوَ مَنْ تَزَوَّجَ بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ وَوَقَعَ الْبِنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِنَاءً صَحِيحًا . وَحُكْمُ الرَّجْمِ ثَبَتَ مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ فِي شَرِيعَةِ
[ ص: 274 ] التَّوْرَاةِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا زَنَتْ وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ ، فَقَدْ أَخْرَجَ
مَالِكٌ ، فِي الْمُوَطَّأِ ، وَرِجَالُ الصَّحِيحِ كُلُّهُمْ ، حَدِيثَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341494أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً زَنَيَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ ؟ فَقَالُوا : نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ . فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ . فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى nindex.php?page=treesubj&link=32394آيَةِ الرَّجْمِ ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ . فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَقَالُوا : صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا . وَقَدْ ذُكِرَ حُكْمُ الزِّنَى فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ ( 22 ) فَقَالَ : إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ يُقْتَلُ الِاثْنَانِ ، وَإِذَا وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ فَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَوُجِدَا ، يُعْطِي الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا لِأَبِي الْفَتَاةِ خَمْسِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَتَكُونُ هِيَ لَهُ زَوْجَةً وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ .
وَقَدْ ثَبَتَ
nindex.php?page=treesubj&link=24364الرَّجْمُ فِي الْإِسْلَامِ بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341495خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ ضَرْبُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . وَمُقْتَضَاهُ
nindex.php?page=treesubj&link=10410الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ ، وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا تَوَهُّمًا مِنَ الرَّاوِي عَنْ
عُبَادَةَ أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْعُلَمَاءُ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ . وَنَسَبَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ . وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِهِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ . وَلَمْ يَصِحَّ . ثُمَّ ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ : أَوَّلُهَا قَضِيَّةُ
مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيِّ ، أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341496جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ : بِهِ جُنُونٌ ؟ قَالُوا : لَا ، وَ : أَبِكْرٌ هُوَ أَمْ ثَيِّبٌ ؟ قَالُوا : بَلْ ثَيِّبٌ . فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341497قَضِيَّةُ الْغَامِدِيَّةِ ، أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَى وَهِيَ حُبْلَى فَأَمَرَهَا أَنْ تَذْهَبَ حَتَّى تَضَعَ ، ثُمَّ حَتَّى تُرْضِعَهُ ، فَلَمَّا أَتَمَّتْ رَضَاعَهُ جَاءَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ .
[ ص: 275 ] الثَّالِثُ : حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَخَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10341498أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ . وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ . قَالَ : تَكَلَّمْ . قَالَ : إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي ، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ - وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا - وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ - هُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ وَيُقَالُ ابْنُ مَرْثَدٍ الْأَسْلَمِيُّ - عَلَى زَوْجَةِ هَذَا ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا . قَالَ
مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ : الْأَجِيرُ . هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُرْسَلٌ مِنْهَا اثْنَانِ فِي الْمُوَطَّأِ ، وَهِيَ مُسْنَدَةٌ فِي غَيْرِهِ ، فَثَبَتَ بِهَا وَبِالْعَمَلِ حُكْمُ الرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِينَ ، قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : هُوَ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ نَسَخَ الْقُرْآنَ . يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ لَدَى الصَّحَابَةِ فَلِتَوَاتُرِهِ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ . وَأَمَّا مَا بَلَغَ إِلَيْنَا وَإِلَى
ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَإِلَى مَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ أَخْبَارُ آحَادٍ لَا تَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ ، فَالْحَقُّ أَنَّ دَلِيلَ رَجْمِ الْمُحْصَنِينَ هُوَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . وَسَنَتَعَرَّضُ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ النُّورِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بِالرَّجْمِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=22218بِنَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ .
وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ نَاسِخٌ لِحُكْمِ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ قَائِلُونَ بِأَنَّ دَلِيلَ النَّسْخِ هُوَ حَدِيثُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341499قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَفِيهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341500وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَتَضَمَّنَ الْجَلْدَ ، وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ ، وَأَوْرَدَ
الْجَصَّاصُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ نُسِخَ بِالسُّنَّةِ ، وَأَنَّ السُّنَّةَ نُسِخَتْ بِالْقُرْآنِ ، وَهُوَ لَا يَرَى الْأَمْرَيْنِ ، وَأَجَابَ
الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ مُغَيَّاةٌ ، فَالْحَدِيثُ بَيَّنَ الْغَايَةَ ، وَأَنَّ آيَةَ النُّورِ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَالْحَدِيثُ خَصَّصَهَا مِنْ قَبْلِ نُزُولِهَا . قُلْتُ : وَعَلَى هَذَا تَكُونُ آيَةُ النُّورِ نَزَلَتْ تَقْرِيرًا لِبَعْضِ الْحُكْمِ الَّذِي فِي حَدِيثِ الرَّجْمِ ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : إِنَّ آيَةَ النِّسَاءِ مُغَيَّاةٌ ، لَا يُجْدِي لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُبْهَمَةَ لَمَّا كَانَ بَيَانُهَا إِبْطَالًا لِحُكْمِ الْمُغَيَّى فَاعْتِبَارُهَا اعْتِبَارُ النَّسْخِ ، وَهَلِ النَّسْخُ كُلُّهُ إِلَّا إِيذَانٌ بِوُصُولِ غَايَةِ الْحُكْمِ الْمُرَادَةِ لِلَّهِ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فِي اللَّفْظِ ،
[ ص: 276 ] فَذِكْرُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى إِبْهَامِهَا لَا يَكْسُو النُّزُولَ غَيْرَ شِعَارِ النَّسْخِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : شُرِعَ الْأَذَى ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ مُتَأَخِّرًا . وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ فَلَا مُخَلِّصَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ إِلَّا بِأَنْ نَجْعَلَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ الْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ ، وَعَلَى تَعْوِيضِهِ بِالْحَدِّ فِي زَمَانِ النُّبُوَّةِ فَيَأُولُ إِلَى نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَيَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ
الْجَصَّاصُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لِلنَّصِّ تَتَضَمَّنُ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخٌ لِلنَّصِّ .
وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ شُرِعَ بَعْدَ الْجَلْدِ ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْوِيَّةَ فِيهِ تَضَمَّنَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=33507التَّغْرِيبَ مَعَ الْجَلْدِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَغْرِيبٌ بَعْدَ الرَّجْمِ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْقُرْآنُ ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ
أَبُو حَنِيفَةَ التَّغْرِيبَ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَهُوَ نَسْخٌ عِنْدَهُ . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ : أَجْمَعَ رَأْيُ خِيَارِ
بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ يُغَرَّبُ مِنْهُ ، وَتَمَادَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانَ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا غُرِّبَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَقَرَّهُ فِي الزِّنَى خَاصَّةً . قُلْتُ : وَكَانَ فِي الْعَرَبِ الْخَلْعُ وَهُوَ أَنْ يُخْلَعَ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَتِهِ ، وَيَشْهَدُونَ بِذَلِكَ فِي الْمَوْسِمِ ، فَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً لَا يُطَالَبُ بِهَا قَوْمُهُ ، وَإِنِ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ لَا يَطْلُبُ قَوْمُهُ دِيَةً وَلَا نَحْوَهَا ، وَقَدْ قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
بِهِ الذِّيبُ يَعْوِي كَالْخَلِيعِ الْمُعَيَّلِ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17907_10420الْمَرْأَةَ لَا تُغَرَّبُ لِأَنَّ تَغْرِيبَهَا ضَيْعَةٌ ، وَأَنْكَرَ
أَبُو حَنِيفَةَ التَّغْرِيبَ لِأَنَّهُ نَقْلُ ضُرٍّ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَعَوَّضَهُ بِالسَّجْنِ وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالضَّرْبِ وَلَا يُظَنُّ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ . وَرُوِيَ أَنَّ
عَلِيًّا جَلَدَ
شَرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ وَرَجَمَهَا بَعْدَ الْجَلْدِ ، وَقَالَ : جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .
وَقُرِنَ بِالْفَاءِ خَبَرُ الْمَوْصُولَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ ( فَاسْتَشْهِدُوا ) وَقَوْلِهِ ( فَآذُوهُمَا ) لِأَنَّ الْمَوْصُولَ أُشْرِبَ مَعْنَى الشَّرْطِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ صِلَةَ الْمَوْصُولِ سَبَبٌ فِي الْحُكْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ خَبَرُهُ ، فَصَارَ خَبَرُ الْمَوْصُولِ مِثْلَ جَوَابِ الشَّرْطِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَكُونُ الْخَبَرُ جُمْلَةً ، وَغَيْرَ صَالِحَةٍ لِمُبَاشَرَةِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ جَزَاءً لَلَزِمَ
[ ص: 277 ] اقْتِرَانُهَا بِالْفَاءِ . هَكَذَا وَجَدْنَا مِنِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمْ ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الصِّلَاتِ الَّتِي تُومِئُ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ ، لِأَنَّهَا الَّتِي تُعْطِي رَائِحَةَ التَّسَبُّبِ فِي الْخَبَرِ الْوَارِدِ بَعْدَهَا . وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ دُخُولَ الْفَاءِ عَلَامَةً عَلَى كَوْنِ الْفَاءِ نَائِبَةً عَنْ ( أَمَّا ) .
وَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ إِتْيَانَ النِّسَاءِ بِالْفَاحِشَةِ هُوَ الَّذِي سَبَّبَ إِمْسَاكَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بُنِيَ نَظْمُ الْكَلَامِ عَلَى جَعْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ هُوَ الْخَبَرَ ، لَكِنَّهُ خَبَرٌ صُورِيٌّ وَإِلَّا فَإِنَّ الْخَبَرَ هُوَ فَأَمْسِكُوهُنَّ ، لَكِنَّهُ جِيءَ بِهِ جَوَابًا لِشَرْطٍ هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى فَإِنْ شَهِدُوا فَفَاءُ فَاسْتَشْهِدُوا هِيَ الْفَاءُ الْمُشْبِهَةُ لِفَاءِ الْجَوَابِ ، وَفَاءُ فَإِنْ شَهِدُوا تَفْرِيعِيَّةٌ ، وَفَاءُ فَأَمْسِكُوهُنَّ جَزَائِيَّةٌ ، وَلَوْلَا قَصْدُ الِاهْتِمَامِ بِإِعْدَادِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ لَقِيلَ : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ إِنْ شَهِدَ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةٌ مِنْكُمْ .