nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=28976_31822_28862واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين .
عطف نبأ على نبإ ليكون
nindex.php?page=treesubj&link=25124مقدمة للتحذير من قتل النفس والحرابة والسرقة ، ويتبع بتحريم الخمر وأحكام الوصية وغيرها ، وليحسن التخلص مما استطرد من الأنباء والقصص التي هي مواقع عبرة وتنظم كلها في جرائر الغرور . والمناسبة بينها وبين القصة التي قبلها مناسبة تماثل ومناسبة تضاد . فأما التماثل فإن في كلتيهما عدم الرضا بما حكم الله تعالى : فإن بني إسرائيل عصوا أمر رسولهم إياهم بالدخول إلى الأرض المقدسة ، وأحد ابني آدم عصى حكم الله تعالى بعدم قبول قربانه لأنه لم يكن من المتقين . وفي كلتيهما جرأة على الله بعد المعصية; فبنو إسرائيل قالوا : اذهب أنت وربك ، وابن آدم قال : لأقتلن الذي تقبل الله منه . وأما التضاد فإن في إحداهما إقداما مذموما من ابن آدم ، وإحجاما مذموما من بني إسرائيل ، وإن في إحداهما اتفاق أخوين هما
موسى وأخوه على امتثال أمر الله تعالى ، وفي الأخرى اختلاف أخوين بالصلاح والفساد .
ومعنى ابني آدم هنا ولداه ، وأما ابن آدم مفردا فقد يراد به واحد من البشر
[ ص: 169 ] نحو :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341627يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ، أو مجموعا نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم .
والباء في قوله : بالحق للملابسة متعلقا بـ " اتل " . والمراد من الحق هنا الصدق من حق الشيء إذا ثبت ، والصدق هو الثابت ، والكذب لا ثبوت له في الواقع ، كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13نحن نقص عليك نبأهم بالحق . ويصح أن يكون الحق ضد الباطل وهو الجد غير الهزل ، أي اتل هذا النبأ متلبسا بالحق ، أي بالغرض الصحيح لا لمجرد التفكه واللهو . ويحتمل أن يكون قوله : بالحق مشيرا إلى ما حف بالقصة من زيادات زادها أهل القصص من بني إسرائيل في أسباب قتل أحد الأخوين أخاه .
و " إذ " ظرف زمان لـ " نبأ " أي خبرهما الحاصل وقت تقريبهما قربانا ، فينتصب " إذ " على المفعول فيه .
وفعل " قربا " هنا مشتق من القربان الذي صار بمنزلة الاسم الجامد ، وأصله مصدر كالشكران والغفران والكفران ، يسمى به ما يتقرب به المرء إلى ربه من صدقة أو نسك أو صلاة ، فاشتق من القربان قرب ، كما اشتق من النسك نسك ، ومن الأضحية ضحى ، ومن العقيقة عق . وليس " قربا " هنا بمعنى أدنيا إذ لا معنى لذلك هنا .
وفي التوراة هما ( قايين ) والعرب يسمونه
قابيل وأخوه (
هابيل ) . وكان
قابيل فلاحا في الأرض ، وكان
هابيل راعيا للغنم ، فقرب
قابيل من ثمار حرثه قربانا وقرب
هابيل من أبكار غنمه قربانا . ولا ندري هل كان القربان عندهم يعطى للفقراء ونحوهم أو كان يترك للناس عامة . فتقبل الله قربان
هابيل ولم يتقبل قربان
قابيل . والظاهر أن قبول قربان أحدهما دون الآخر حصل بوحي من الله لآدم . وإنما لم يتقبل الله قربان
قابيل لأنه لم يكن رجلا صالحا بل كانت له خطايا . وقيل : كان كافرا ، وهذا ينافي كونه يقرب قربانا .
وأفرد القربان في الآية لإرادة الجنس ، وإنما قرب كل واحد منهما
[ ص: 170 ] قربانا وليس هو قربانا مشتركا . ولم يسم الله تعالى المتقبل منه والذي لم يتقبل منه إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة .
وإنما حمله على قتل أخيه حسده على مزية القبول .
nindex.php?page=treesubj&link=18717والحسد أول جريمة ظهرت في الأرض .
وقوله في الجواب
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27إنما يتقبل الله من المتقين موعظة وتعريض وتنصل مما يوجب قتله . يقول : القبول فعل الله لا فعل غيره ، وهو يتقبل من المتقي لا من غيره . يعرض به أنه ليس بتقي ، ولذلك لم يتقبل الله منه . وآية ذلك أنه يضمر قتل النفس . ولذا فلا ذنب لمن تقبل الله قربانه يستوجب القتل . وقد أفاد قول ابن آدم
nindex.php?page=treesubj&link=19885حصر القبول في أعمال المتقين ، فإذا كان المراد من " المتقين " معناه المعروف شرعا المحكي بلفظه الدال عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أن عمل غير المتقي لا يقبل ; فيحتمل أن هذا كان شريعتهم ، ثم نسخ في الإسلام بقبول الحسنات من المؤمن وإن لم يكن متقيا في سائر أحواله; ويحتمل أن يراد بالمتقين المخلصون في العمل ، فيكون عدم القبول أمارة على عدم الإخلاص ، وفيه إخراج لفظ التقوى عن المتعارف; ويحتمل أن يريد بالتقبل تقبلا خاصا ، وهو التقبل التام الدال عليه احتراق القربان ، فيكون على حد قوله تعالى هدى للمتقين ، أي هدى كاملا لهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35والآخرة عند ربك للمتقين ، أي الآخرة الكاملة ، ويحتمل أن يريد تقبل القرابين خاصة; ويحتمل أن يراد المتقين بالقربان ، أي المريدين به تقوى الله ، وأن أخاه أراد بقربانه بأنه المباهاة .
ومعنى هذا الحصر أن الله لا يتقبل من غير المتقين وكان ذلك شرع زمانهم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك لتقتلني إلخ ، موعظة لأخيه ليذكره خطر هذا الجرم الذي أقدم عليه . وفيه إشعار بأنه يستطيع دفاعه ولكنه منعه منه خوف الله تعالى . والظاهر أن هذا اجتهاد من
هابيل في استعظام جرم قتل النفس ، ولو كان القتل دفاعا . وقد علم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح
[ ص: 171 ] الحيوان والصيد ، فكان القتل معروفا لهما ، ولهذا عزم عليه
قابيل فرأى
هابيل للنفوس حرمة ولو كانت ظالمة ، ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض . ويمكن أن يكونا تلقيا من أبيهما الوصاية بحفظ النفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدفاع ، ولذلك قال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28إني أخاف الله رب العالمين . فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28إني أخاف الله يدل على أن الدفاع بما يفضي إلى القتل كان محرما وأن هذا شريعة منسوخة لأن الشرائع تبيح
nindex.php?page=treesubj&link=16800للمعتدى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعتدي ، ولكنه لا يتجاوز الحد الذي يحصل به الدفاع . وأما حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341628إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فذلك في القتال على الملك وقصد التغالب الذي ينكف فيه المعتدي بتسليم الآخر له ; فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلح الفريقين بالتسليم للآخر وحمل التبعة عليه تجنبا للفتنة ، وهو الموقف الذي وقفه
عثمان رضي الله عنه رجاء الصلاح .
ومعنى أريد : أريد من إمساكي عن الدفاع .
وأطلقت الإرادة على العزم كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر . فالجملة تعليل للتي قبلها ، ولذلك فصلت وافتتحت بـ ( إن ) المشعرة بالتعليل بمعنى فاء التفريع .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29تبوء ترجع ، وهو رجوع مجازي ، أي تكتسب ذلك من فعلك ، فكأنه خرج يسعى لنفسه فباء بإثمين .
والأظهر في معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29بإثمي ما له من الآثام الفارطة في عمره ، أي أرجو أن يغفر لي وتحمل ذنوبي عليك . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341629يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فيزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه . رواه
مسلم فإن كان قد قال هذا عن علم من وحي فقد كان مثل ما شرع في
[ ص: 172 ] الإسلام ، وإن كان قد قاله عن اجتهاد فقد أصاب في اجتهاده وإلهامه ونطق عن مثل نبوءة .
ومصدر
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29أن تبوء هو مفعول " أريد " ، أي أريد من الإمساك عن أن أقتلك إن أقدمت على قتلي أريد أن يقع إثمي عليك ، فـ " إثم " مراد به الجنس ، أي ما عسى أن يكون له من إثم . وقد أراد بهذا موعظة أخيه ، ولذلك عطف عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29وإثمك تذكيرا له بفظاعة عاقبة فعلته ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم . فعطف قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29وإثمك إدماج بذكر ما يحصل في نفس الأمر وليس هو مما يريده . وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فتكون من أصحاب النار تذكيرا لأخيه بما عسى أن يكفه عن الاعتداء .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29من أصحاب النار أي ممن يطول عذابه في النار ، لأن أصحاب النار هم ملازموها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فطوعت له نفسه قتل أخيه دلت الفاء على التفريع والتعقيب ، ودل ( طوع ) على حدوث تردد في نفس
قابيل ومغالبة بين دافع الحسد ودافع الخشية ، فعلمنا أن المفرع عنه محذوف ، تقديره : فتردد مليا ، أو فترصد فرصا فطوعت له نفسه . فقد قيل : إنه بقي زمانا يتربص بأخيه ، ( وطوع ) معناه جعله طائعا ، أي مكنه من المطوع . والطوع والطواعية ضد الإكراه ، والتطويع : محاولة الطوع . شبه قتل أخيه بشيء متعاص عن
قابيل ولا يطيعه بسبب معارضة التعقل والخشية . وشبهت داعية القتل في نفس
قابيل بشخص يعينه ويذلل له القتل المتعاصي ، فكان ( طوعت ) استعارة تمثيلية ، والمعنى الحاصل من هذا التمثيل أن نفس
قابيل سولت له قتل أخيه بعد ممانعة .
وقد سلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله مسلك الإطناب ، وكان مقتضى الإيجاز أن يحذف
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فطوعت له نفسه قتل أخيه ويقتصر على قوله : فقتله . لكن عدل عن ذلك لقصد تفظيع حالة القاتل في تصوير خواطره الشريرة وقساوة قلبه ، إذ حدثه بقتل من كان شأنه الرحمة به والرفق ، فلم يكن ذلك إطنابا .
[ ص: 173 ] ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فأصبح من الخاسرين صار ، ويكون المراد بالخسارة هنا خسارة الآخرة ، أي صار بذلك القتل ممن خسر الآخرة ، ويجوز إبقاء ( أصبح ) على ظاهرها ، أي غدا خاسرا في الدنيا . والمراد بالخسارة ما يبدو على الجاني من الاضطراب وسوء الحالة وخيبة الرجاء ، فتفيد أن القتل وقع في الصباح .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27nindex.php?page=treesubj&link=28976_31822_28862وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
عَطَفَ نَبَأً عَلَى نَبَإٍ لِيَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=25124مُقَدِّمَةً لِلتَّحْذِيرِ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ ، وَيُتْبَعُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَأَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَلِيَحْسُنَ التَّخَلُّصُ مِمَّا اسْتُطْرِدَ مِنَ الْأَنْبَاءِ وَالْقَصَصِ الَّتِي هِيَ مَوَاقِعُ عِبْرَةٍ وَتُنْظَمُ كُلُّهَا فِي جَرَائِرِ الْغُرُورِ . وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِصَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُنَاسَبَةُ تَمَاثُلٍ وَمُنَاسَبَةُ تَضَادٍّ . فَأَمَّا التَّمَاثُلُ فَإِنَّ فِي كِلْتَيْهِمَا عَدَمَ الرِّضَا بِمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَصَوْا أَمْرَ رَسُولِهِمْ إِيَّاهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَأَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ عَصَى حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ قَبُولِ قُرْبَانِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُتَّقِينَ . وَفِي كِلْتَيْهِمَا جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ; فَبَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ ، وَابْنُ آدَمَ قَالَ : لَأَقْتُلَنَّ الَّذِي تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ . وَأَمَّا التَّضَادُّ فَإِنَّ فِي إِحْدَاهُمَا إِقْدَامًا مَذْمُومًا مِنِ ابْنِ آدَمَ ، وَإِحْجَامًا مَذْمُومًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَإِنَّ فِي إِحْدَاهُمَا اتِّفَاقَ أَخَوَيْنِ هُمَا
مُوسَى وَأَخُوهُ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي الْأُخْرَى اخْتِلَافُ أَخَوَيْنِ بِالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ .
وَمَعْنَى ابْنَيْ آدَمَ هُنَا وَلَدَاهُ ، وَأَمَّا ابْنُ آدَمَ مُفْرَدًا فَقَدْ يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ
[ ص: 169 ] نَحْوَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341627يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ، أَوْ مَجْمُوعًا نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ مُتَعَلِّقًا بِـ " اتْلُ " . وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَقِّ هُنَا الصِّدْقُ مِنْ حَقَّ الشَّيْءُ إِذَا ثَبَتَ ، وَالصِّدْقُ هُوَ الثَّابِتُ ، وَالْكَذِبُ لَا ثُبُوتَ لَهُ فِي الْوَاقِعِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ . وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ ضِدَّ الْبَاطِلِ وَهُوَ الْجِدُّ غَيْرُ الْهَزْلِ ، أَيِ اتْلُ هَذَا النَّبَأَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ ، أَيْ بِالْغَرَضِ الصَّحِيحِ لَا لِمُجَرَّدِ التَّفَكُّهِ وَاللَّهْوِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : بِالْحَقِّ مُشِيرًا إِلَى مَا حَفَّ بِالْقِصَّةِ مِنْ زِيَادَاتٍ زَادَهَا أَهْلُ الْقَصَصِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَسْبَابِ قَتْلِ أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ أَخَاهُ .
وَ " إِذْ " ظَرْفُ زَمَانٍ لِـ " نَبَأٍ " أَيْ خَبَرِهِمَا الْحَاصِلِ وَقْتَ تَقْرِيبِهِمَا قُرْبَانًا ، فَيَنْتَصِبُ " إِذْ " عَلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ .
وَفِعْلُ " قَرَّبَا " هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُرْبَانِ الَّذِي صَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْجَامِدِ ، وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ كَالشُّكْرَانِ وَالْغُفْرَانِ وَالْكُفْرَانِ ، يُسَمَّى بِهِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمَرْءُ إِلَى رَبِّهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ أَوْ صَلَاةٍ ، فَاشْتُقَّ مِنَ الْقُرْبَانِ قَرَّبَ ، كَمَا اشْتُقَّ مِنَ النُّسُكِ نَسَكَ ، وَمِنَ الْأُضْحِيَّةِ ضَحَّى ، وَمِنَ الْعَقِيقَةِ عَقَّ . وَلَيْسَ " قَرَّبَا " هُنَا بِمَعْنَى أَدْنَيَا إِذْ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ هُنَا .
وَفِي التَّوْرَاةِ هُمَا ( قَايِينُ ) وَالْعَرَبُ يُسَمُّونَهُ
قَابِيلَ وَأَخُوهُ (
هَابِيلُ ) . وَكَانَ
قَابِيلُ فَلَّاحًا فِي الْأَرْضِ ، وَكَانَ
هَابِيلُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ ، فَقَرَّبَ
قَابِيلُ مِنْ ثِمَارِ حَرْثِهِ قُرْبَانًا وَقَرَّبَ
هَابِيلُ مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ قُرْبَانًا . وَلَا نَدْرِي هَلْ كَانَ الْقُرْبَانُ عِنْدَهُمْ يُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ أَوْ كَانَ يُتْرَكُ لِلنَّاسِ عَامَّةً . فَتَقَبَّلَ اللَّهُ قُرْبَانَ
هَابِيلَ وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ
قَابِيلَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَبُولَ قُرْبَانِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حَصَلَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّه لِآدَمَ . وَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ قُرْبَانَ
قَابِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا صَالِحًا بَلْ كَانَتْ لَهُ خَطَايَا . وَقِيلَ : كَانَ كَافِرًا ، وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ يُقَرِّبُ قُرْبَانًا .
وَأُفْرِدَ الْقُرْبَانُ فِي الْآيَةِ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ ، وَإِنَّمَا قَرَّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
[ ص: 170 ] قُرْبَانًا وَلَيْسَ هُوَ قُرْبَانًا مُشْتَرَكًا . وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَقَبَّلَ مِنْهُ وَالَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ إِذْ لَا جَدْوَى لِذَلِكَ فِي مَوْقِعِ الْعِبْرَةِ .
وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ حَسَدُهُ عَلَى مَزِيَّةِ الْقَبُولِ .
nindex.php?page=treesubj&link=18717وَالْحَسَدُ أَوَّلُ جَرِيمَةٍ ظَهَرَتْ فِي الْأَرْضِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=27إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ مَوْعِظَةٌ وَتَعْرِيضٌ وَتَنَصُّلٌ مِمَّا يُوجِبُ قَتْلَهُ . يَقُولُ : الْقَبُولُ فِعْلُ اللَّهِ لَا فِعْلُ غَيْرِهِ ، وَهُوَ يَتَقَبَّلُ مِنَ الْمُتَّقِي لَا مِنْ غَيْرِهِ . يُعَرِّضُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَقِيٍّ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ مِنْهُ . وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُضْمِرُ قَتْلَ النَّفْسِ . وَلِذَا فَلَا ذَنْبَ لِمَنْ تَقَبَّلَ اللَّهُ قُرْبَانَهُ يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ . وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُ ابْنِ آدَمَ
nindex.php?page=treesubj&link=19885حَصْرَ الْقَبُولِ فِي أَعْمَالِ الْمُتَّقِينَ ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ " الْمُتَّقِينَ " مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفَ شَرْعًا الْمَحْكِيَّ بِلَفْظِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مُرَادُ ابْنِ آدَمَ كَانَ مُفَادُ الْحَصْرِ أَنَّ عَمَلَ غَيْرِ الْمُتَّقِي لَا يُقْبَلُ ; فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ شَرِيعَتَهُمْ ، ثُمَّ نُسِخَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَبُولِ الْحَسَنَاتِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّقِيًا فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ; وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُتَّقِينَ الْمُخْلِصُونَ فِي الْعَمَلِ ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْقَبُولِ أَمَارَةً عَلَى عَدَمِ الْإِخْلَاصِ ، وَفِيهِ إِخْرَاجُ لَفْظِ التَّقْوَى عَنِ الْمُتَعَارَفِ; وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقَبُّلِ تَقَبُّلًا خَاصًّا ، وَهُوَ التَّقَبُّلُ التَّامُّ الدَّالُّ عَلَيْهِ احْتِرَاقُ الْقُرْبَانِ ، فَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، أَيْ هُدًى كَامِلًا لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ، أَيِ الْآخِرَةُ الْكَامِلَةُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَقَبُّلَ الْقَرَابِينِ خَاصَّةً; وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْمُتَّقِينَ بِالْقُرْبَانِ ، أَيِ الْمُرِيدِينَ بِهِ تَقْوَى اللَّهِ ، وَأَنَّ أَخَاهُ أَرَادَ بِقُرْبَانِهِ بِأَنَّهُ الْمُبَاهَاةُ .
وَمَعْنَى هَذَا الْحَصْرِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَقَبَّلُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَكَانَ ذَلِكَ شَرْعَ زَمَانِهِمْ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي إِلَخْ ، مَوْعِظَةٌ لِأَخِيهِ لِيُذَكِّرَهُ خَطَرَ هَذَا الْجُرْمِ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْهِ . وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ دِفَاعَهُ وَلَكِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ
هَابِيلَ فِي اسْتِعْظَامِ جُرْمِ قَتْلِ النَّفْسِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ دِفَاعًا . وَقَدْ عَلِمَ الْأَخَوَانِ مَا هُوَ الْقَتْلُ بِمَا يَعْرِفَانِهِ مِنْ ذَبْحِ
[ ص: 171 ] الْحَيَوَانِ وَالصَّيْدِ ، فَكَانَ الْقَتْلُ مَعْرُوفًا لَهُمَا ، وَلِهَذَا عَزَمَ عَلَيْهِ
قَابِيلُ فَرَأَى
هَابِيلُ لِلنُّفُوسِ حُرْمَةً وَلَوْ كَانَتْ ظَالِمَةً ، وَرَأَى فِي الِاسْتِسْلَامِ لِطَالِبِ قَتْلِهِ إِبْقَاءً عَلَى حِفْظِ النُّفُوسِ لِإِكْمَالِ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ تَعْمِيرِ الْأَرْضِ . وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا تَلَقَّيَا مِنْ أَبِيهِمَا الْوِصَايَةَ بِحِفْظِ النُّفُوسِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الدِّفَاعِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدِّفَاعَ بِمَا يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ كَانَ مُحَرَّمًا وَأَنَّ هَذَا شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ الشَّرَائِعَ تُبِيحُ
nindex.php?page=treesubj&link=16800لِلْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ بِقَتْلِ الْمُعْتَدِي ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الدِّفَاعُ . وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341628إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَذَلِكَ فِي الْقِتَالِ عَلَى الْمُلْكِ وَقَصْدِ التَّغَالُبِ الَّذِي يَنْكَفُّ فِيهِ الْمُعْتَدِي بِتَسْلِيمِ الْآخَرِ لَهُ ; فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَحَ الْفَرِيقَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ لِلْآخَرِ وَحَمْلِ التَّبِعَةِ عَلَيْهِ تَجَنُّبًا لِلْفِتْنَةِ ، وَهُوَ الْمَوْقِفُ الَّذِي وَقَفَهُ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَاءَ الصَّلَاحِ .
وَمَعْنَى أُرِيدُ : أُرِيدُ مِنْ إِمْسَاكِي عَنِ الدِّفَاعِ .
وَأُطْلِقَتِ الْإِرَادَةُ عَلَى الْعَزْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ . فَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ وَافْتُتِحَتْ بِـ ( إِنَّ ) الْمُشْعِرَةِ بِالتَّعْلِيلِ بِمَعْنَى فَاءِ التَّفْرِيعِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29تَبُوءَ تَرْجِعُ ، وَهُوَ رُجُوعٌ مَجَازِيٌّ ، أَيْ تَكْتَسِبُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِكَ ، فَكَأَنَّهُ خَرَجَ يَسْعَى لِنَفْسِهِ فَبَاءَ بِإِثْمَيْنِ .
وَالْأَظْهَرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29بِإِثْمِي مَا لَهُ مِنَ الْآثَامِ الْفَارِطَةِ فِي عُمْرِهِ ، أَيْ أَرْجُو أَنْ يُغْفَرَ لِي وَتُحْمَلَ ذُنُوبِي عَلَيْكَ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341629يُؤْتَى بِالظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ فَيُزَادُ فِي حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُطْرَحُ عَلَيْهِ . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ هَذَا عَنْ عِلْمٍ مِنْ وَحْيٍ فَقَدْ كَانَ مِثْلَ مَا شُرِعَ فِي
[ ص: 172 ] الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ فَقَدْ أَصَابَ فِي اجْتِهَادِهِ وَإِلْهَامِهِ وَنَطَقَ عَنْ مِثْلِ نُبُوءَةٍ .
وَمَصْدَرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29أَنْ تَبُوءَ هُوَ مَفْعُولُ " أُرِيدُ " ، أَيْ أُرِيدُ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ أَنْ أَقْتُلَكَ إِنْ أَقْدَمْتَ عَلَى قَتْلِي أُرِيدُ أَنْ يَقَعَ إِثْمِي عَلَيْكَ ، فَـ " إِثْمٌ " مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ ، أَيْ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ إِثْمٍ . وَقَدْ أَرَادَ بِهَذَا مَوْعِظَةَ أَخِيهِ ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29وَإِثْمِكَ تَذْكِيرًا لَهُ بِفَظَاعَةِ عَاقِبَةِ فِعْلَتِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ . فَعَطْفُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29وَإِثْمِكَ إِدْمَاجٌ بِذِكْرِ مَا يَحْصُلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُرِيدُهُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ تَذْكِيرًا لِأَخِيهِ بِمَا عَسَى أَنْ يَكُفَّهُ عَنِ الِاعْتِدَاءِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَيْ مِمَّنْ يَطُولُ عَذَابُهُ فِي النَّارِ ، لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ هُمْ مُلَازِمُوهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ دَلَّتِ الْفَاءُ عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّعْقِيبِ ، وَدَلَّ ( طَوَّعَ ) عَلَى حُدُوثِ تَرَدُّدٍ فِي نَفْسِ
قَابِيلَ وَمُغَالَبَةٍ بَيْنَ دَافِعِ الْحَسَدِ وَدَافِعِ الْخَشْيَةِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُفَرَّعَ عَنْهُ مَحْذُوفٌ ، تَقْدِيرُهُ : فَتَرَدَّدَ مَلِيًّا ، أَوْ فَتَرَصَّدَ فُرَصًا فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ . فَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ بَقِيَ زَمَانًا يَتَرَبَّصُ بِأَخِيهِ ، ( وَطَوَّعَ ) مَعْنَاهُ جَعَلَهُ طَائِعًا ، أَيْ مَكَّنَهُ مِنَ الْمُطَوَّعِ . وَالطَّوْعُ وَالطَّوَاعِيَةُ ضِدُّ الْإِكْرَاهِ ، وَالتَّطْوِيعُ : مُحَاوَلَةُ الطَّوْعِ . شَبَّهَ قَتْلَ أَخِيهِ بِشَيْءٍ مُتَعَاصٍ عَنْ
قَابِيلَ وَلَا يُطِيعُهُ بِسَبَبِ مُعَارَضَةِ التَّعَقُّلِ وَالْخَشْيَةِ . وَشُبِّهَتْ دَاعِيَةُ الْقَتْلِ فِي نَفْسِ
قَابِيلَ بِشَخْصٍ يُعِينُهُ وَيُذَلِّلُ لَهُ الْقَتْلَ الْمُتَعَاصِيَ ، فَكَانَ ( طَوَّعَتْ ) اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً ، وَالْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ نَفْسَ
قَابِيلَ سَوَّلَتْ لَهُ قَتْلَ أَخِيهِ بَعْدَ مُمَانَعَةٍ .
وَقَدْ سُلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْإِيجَازِ أَنْ يُحْذَفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ وَيُقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : فَقَتَلَهُ . لَكِنْ عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ لِقَصْدِ تَفْظِيعِ حَالَةِ الْقَاتِلِ فِي تَصْوِيرِ خَوَاطِرِهِ الشِّرِّيرَةِ وَقَسَاوَةِ قَلْبِهِ ، إِذْ حَدَّثَهُ بِقَتْلِ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ الرَّحْمَةَ بِهِ وَالرِّفْقَ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِطْنَابًا .
[ ص: 173 ] وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ صَارَ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْخَسَارَةِ هُنَا خَسَارَةَ الْآخِرَةِ ، أَيْ صَارَ بِذَلِكَ الْقَتْلِ مِمَّنْ خَسِرَ الْآخِرَةَ ، وَيَجُوزُ إِبْقَاءُ ( أَصْبَحَ ) عَلَى ظَاهِرِهَا ، أَيْ غَدَا خَاسِرًا فِي الدُّنْيَا . وَالْمُرَادُ بِالْخَسَارَةِ مَا يَبْدُو عَلَى الْجَانِي مِنَ الِاضْطِرَابِ وَسُوءِ الْحَالَةِ وَخَيْبَةِ الرَّجَاءِ ، فَتُفِيدُ أَنَّ الْقَتْلَ وَقَعَ فِي الصَّبَاحِ .