الظاهر إطلاق المصيبة على الرزية وما يسوء العبد ، أي : في نفس أو مال أو ولد أو قول أو فعل ، وخصت بالذكر ، وإن كان جميع الحوادث لا تصيب إلا بإذن الله . وقيل : ويحتمل أن يريد بالمصيبة الحادثة من خير وشر ، إذ الحكمة في كونها بإذن الله . وما نافية ، ومفعول أصاب محذوف ، أي : ما أصاب أحدا ، والفاعل " من مصيبة " ، و " من " زائدة ، ولم تلحق التاء أصاب ، وإن كان الفاعل مؤنثا ، وهو فصيح ، والتأنيث لقوله - تعالى - : ما تسبق من أمة أجلها وقوله : وما تأتيهم من آية إلا بإذن الله أي : بإرادته وعلمه وتمكينه . ومن يؤمن بالله أي : يصدق بوجوده ، ويعلم أن كل حادثة بقضائه وقدره يهد قلبه على طريق الخير والهداية . وقرأ الجمهور : يهد بالياء ، مضارعا لهدى ، مجزوما على جواب الشرط . وقرأ ابن جبير وطلحة وابن هرمز والأزرق عن حمزة : [ ص: 279 ] بالنون . و السلمي والضحاك وأبو جعفر : يهد مبنيا للمفعول ، " قلبه " : رفع . و عكرمة وعمرو بن دينار : ( يهدأ ) بهمزة ساكنة ، " قلبه " بالرفع : يطمئن قلبه ويسكن بإيمانه ولا يكون فيه اضطراب . و ومالك بن دينار عمرو بن فايد : " يهدا " بألف بدلا من الهمزة الساكنة . و عكرمة أيضا : " يهد " بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة الساكنة ، وإبدال الهمزة ألفا في مثل يهدأ ويقرأ ، ليس بقياس خلافا لمن أجاز ذلك قياسا ، وبنى عليه جواز حذف تلك الألف للجازم ، وخرج عليه قول ومالك بن دينار زهير بن أبي سلمى :
جزى متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا وإن لا يبد بالظلم يظلم
أصله يبدأ ، ثم أبدل من الهمزة ألفا ، ثم حذفها للجازم تشبيها بألف يخشى إذا دخل الجازم .
ولما قال تعالى : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ثم أمر بطاعة الله وطاعة رسوله ، وحذر مما يلحق الرجل من امرأته وولده بسبب ما يصدر من بعضهم من العداوة ، ولا أعدى على الرجل من زوجته وولده إذا كانا عدوين ، وذلك في الدنيا والآخرة . أما في الدنيا فبإذهاب ماله وعرضه ، وأما في الآخرة فبما يسعى في اكتسابه من الحرام لهما ، وبما يكسبانه منه بسبب جاهه . وكم من امرأة قتلت زوجها وجذمت وأفسدت عقله ، وكم من ولد قتل أباه . وفي التواريخ وفيما شاهدناه من ذلك كثير . وعن : أن عطاء بن أبي رباح أراد الغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجتمع أهله وولده ، فثبطوه وشكوا إليه فراقه ، فرق ولم يغز ، ثم إنه ندم بمعاقبتهم ، فنزلت : عوف بن مالك الأشجعي ذلك بأن الذين كفروا الآية . وقيل : آمن قوم بالله ، وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة ، ولم يهاجروا إلا بعد مدة ، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين ، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم ، فنزلت . وقيل : قالوا لهم : أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم ؟ فغضبوا عليهم وقالوا : لئن جمعنا الله في دار الهجرة لم نصبكم بخير . فلما هاجروا ، منعوهم الخير ، فحبوا أن يعفوا عنهم ويردوا إليهم البر والصلة . و " من " في من أزواجكم وأولادكم للتبعيض ، وقد توجد زوجة تسر زوجها وتعينه على مقاصده في دينه ودنياه ، وكذلك الولد . وقال الشاعر العبسي يمدح ولده رباطا :
إذا كان أولاد الرجال حزازة فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
لنا جانب منه دميث وجانب إذا رامه الأعداء مركبه صعب
وتأخذه عند المكارم هزة كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب
وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
فلما رآني أحسب الشخص أشخصا بعيدا وذا الشخص البعيد أقاربه
تعمد حقي ظالما ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه