(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186nindex.php?page=treesubj&link=28973وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) سبب النزول فيما قال
الحسن :
أن قوما ، قيل : اليهود ، وقيل : المؤمنون ، قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ وقال
عطاء : لما نزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) قال قوم : في أي ساعة ندعو ؟ فنزل (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك ) . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما تضمن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) طلب تكبيره وشكره ، بين أنه مطلع على ذكر من ذكره وشكر من شكره ، يسمع نداءه ويجيب دعاءه أو رغباته ، تنبيها على أن يكون ولا بد مسبوقا بالثناء الجميل . والكاف في : سألك خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يجر له ذكر في اللفظ لكن في قوله الذي أنزل فيه القرآن أي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنه قيل : " أنزل عليك فيه القرآن ، فجاء هذا الخطاب مناسبا لهذا المحذوف " . و " عبادي " ، ظاهره العموم ، وقيل : أريد به الخصوص : إما
اليهود وإما المؤمنون على الخلاف في السبب ، وأما عبادي ، و " عني " ، فالضمير فيه لله تعالى ، وهو من باب الالتفات : لأنه سبق ولتكبروا الله ، فهو خروج من غائب إلى متكلم ، و " عني " متعلق بسألك ، وليس المقصود هنا عن ذاته : لأن الجواب وقع بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فإني قريب " ، والقرب المنسوب إلى الله تعالى يستحيل أن يكون قربا بالمكان ، وإنما القرب هنا عبارة عن كونه تعالى سامعا لدعائه ، مسرعا في إنجاح طلبة من سأله ، فمثل حالة تسهيله ذلك بحالة من قرب مكانه ممن يدعوه ، فإنه لقرب المسافة يجيب دعاءه ، ونظير هذا القرب هنا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ، وما روي من قوله عليه السلام :
" هو بينكم وبين أعناق رواحلكم " . والفاء في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فإني قريب " جواب " إذا " ، وثم قول محذوف تقديره : فقل لهم إني قريب : لأنه لا يترتب على الشرط القرب ، إنما يترتب الإخبار عن القرب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186nindex.php?page=treesubj&link=28973أجيب دعوة الداع إذا دعان ) أجيب : إما صفة لـ " قريب " ، أو خبر بعد خبر ، وروعي الضمير في " فإني " فلذلك جاء أجيب ، ولم يراع الخبر فيجيء " يجيب " على طريقة الإسناد للغائب طريقان للعرب : أشهرهما مراعاة السابق من تكلم أو خطاب كهذا ، وكقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47بل أنتم قوم تفتنون ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بل أنتم قوم تجهلون ) . وكقول الشاعر :
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة
والطريق الثاني : مراعاة الخبر كقولك : أنا رجل يأمر بالمعروف ، وأنت امرؤ يريد الخير ، والكلام على هذه المسألة متسع في علم العربية ، وقد تكلمنا عليها في كتابنا المسمى بـ ( منهج السالك ) . والعامل في إذا قوله " أجيب " وروي أنه نزل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أجيب دعوة الداع [ ص: 46 ] إذا دعان ) لما نزل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فإني قريب ) ، وقال المشركون : كيف يكون قريبا من بيننا وبينه على قولك سبع سموات في غلظ ، سمك كل سماء خمسمائة عام ، وفي ما بين كل سماء وسماء مثل ذلك ، فبين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أجيب ) أن ذلك القرب هو الإجابة والقدرة ، وظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أجيب دعوة الداع ) عموم الدعوات ، إذ لا يريد دعوة واحدة ، والهاء في " دعوة " هنا ليست للمرة ، وإنما المصدر هنا بني على فعلة نحو " رحمة " والظاهر عموم الداعي : لأنه لا يدل على داع مخصوص : لأن الألف واللام فيه ليست للعهد ، وإنما هي للعموم . والظاهر تقييد الإجابة بوقت الدعاء ، والمعنى على هذا الظاهر أن الله تعالى يعطي من سأله ما سأله .
وذكروا قيودا في هذا الكلام وتخصيصات ، فقيدت الإجابة بمشيئة الله تعالى . التقدير : إن شئت ، ويدل عليه التصريح بهذا القيد في الآية الأخرى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ، وقيل : بوفق القضاء أي : أجيب إن وافق قضائي ، وهو راجع لمعنى المشيئة ، وقيل : يكون المسئول خيرا للسائل ، أي : إن كان خيرا . وقيل : يكون المسئول غير محال ، وقد يثبت بصريح العقل وصحيح النقل أن بعض الدعاة لا يجيبه الله إلى ما سأل ، ولا يبلغه المقصود مما طلب ، فخصصوا الداعي بأن يكون مطيعا مجتنبا لمعاصيه . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373904صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، nindex.php?page=treesubj&link=19745ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، ومشربه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له " ؟
قالوا : ومن شرطه أن لا يمل ، ففي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373905nindex.php?page=treesubj&link=19744يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : قد دعوت فلم يستجب لي . وخصص
nindex.php?page=treesubj&link=19742الدعاء بأن
nindex.php?page=treesubj&link=19746يدعوا بما ليس فيه إثم ، ولا قطيعة رحم ، ولا معصية ، ففي الصحيح عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373906ما من مسلم يدعوه بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تبارك وتعالى إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخر له ، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها " . وينبغي أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=27699الدعاء بالمأثور ،
nindex.php?page=treesubj&link=19774وأن لا يقصد فيه السجع ، سجع الجاهلية ،
nindex.php?page=treesubj&link=19774وأن يكون غير ملحون .
وترتجى الإجابة من الأزمان
nindex.php?page=treesubj&link=19753عند السحر ، وفي
nindex.php?page=treesubj&link=33171الثلث الأخير من الليل ،
nindex.php?page=treesubj&link=19750ووقت الفطر ، وما
nindex.php?page=treesubj&link=19754بين الأذان والإقامة ، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء ، وأوقات الاضطرار ، وحالة
nindex.php?page=treesubj&link=19756السفر nindex.php?page=treesubj&link=33163والمرض ،
nindex.php?page=treesubj&link=19750وعند نزول المطر ، والصف في سبيل الله ، والعيدين ،
nindex.php?page=treesubj&link=19752والساعة التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة : وهي من الإقامة إلى فراغ الصلاة ، كذا ورد مفسرا في الحديث ، وقيل : بعد عصر الجمعة ، وعندما تزول الشمس . ومن الأماكن : في
الكعبة ، وتحت ميزابها ، وفي
الحرم ، وفي
حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم ،
والجامع الأقصى . وإذا كان الداعي بالأوصاف التي تقدمت غلب على الظن قبول دعائه ، وأما إن كان على غير تلك الأوصاف فلا ييأس من رحمة الله ، ولا يقطع رجاءه من فضله ، فإن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلم من نفسه ، فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) .
وقالت
المعتزلة : الإجابة مختصة بالمؤمنين (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) : لأن وصف الإنسان بأن الله أجاب دعوته صفة مدح وتعظيم ، والفاسق لا يستحق التعظيم ، بل الفاسق قد يطلب الشيء فيفعله الله ولا يسمى إجابة . قيل : والدعاء أعظم مقامات العبودية : لأنه إظهار الافتقار إلى الله تعالى ، والشرع قد ورد بالأمر به ، وقد دعت الأنبياء والرسل ، ونزلت بالأمر به الكتب الإلهية ، وفي هذا رد على من زعم من الجهال أن الدعاء لا فائدة فيه ، وذكر شبها له على ذلك ردها أهل العلم بالشريعة ، وقالوا : الأولى بالعبد التضرع والسؤال إلى الله تعالى ، وإظهار الحاجة إليه لما روي من النصوص الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=19734الترغيب في الدعاء والحث عليه ، وقال قوم ممن يقول فيهم بعض الناس ، إنهم علماء الحقيقة : يستحب الدعاء فيما يتعلق بأمور
[ ص: 47 ] الآخرة ، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فالله متكفل ، فلا حاجة إليها . وقال قوم منهم : إن كان في حالة الدعاء أصلح ، وقلبه أطيب ، وسره أصفى ، ونفسه أزكى ، فليدع : وإن كان في الترك أصلح فالإمساك عن الدعاء أولى به . وقال قوم منهم : ترك الدعاء في كل حال أصلح لما فيه من الثقة بالله ، وعدم الاعتراض : ولأنه اختيار والعارف ليس له اختيار . وقال قوم منهم : ترك الذنوب هو الدعاء : لأنه إذا تركها تولى الله أمره وأصلح شأنه ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) . وقد تؤولت الإجابة والدعاء هنا على وجوه :
أحدها : أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله : لأنك دعوته ووحدته ، والإجابة عبارة عن القبول ، لما سمي التوحيد دعاء سمي القبول إجابة ، لتجانس اللفظ .
الوجه الثاني : أن الإجابة هو السماع فكأنه قال : أسمع .
الوجه الثالث : أن الدعاء هو التوبة عن الذنوب : لأن التائب يدعو الله عند التوبة ، والإجابة قبول التوبة . الوجه الرابع : أن يكون الدعاء هو العبادة ، وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373907الدعاء العبادة " قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) ، والإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب .
الوجه الخامس : الإجابة أعم من أن يكون بإعطاء المسئول وبمنعه ، فالمعنى : إني أختار له خير الأمرين من العطاء والرد . وكل هذه التفاسير خلاف الظاهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فليستجيبوا لي ) أي : فيطلبوا ، أي : فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني ، قاله
ثعلب ، فيكون استفعل ، قد جاءت بمعنى الطلب ، كاستغفر ، وهو الكثير فيها ، أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ، قاله
مجاهد ،
وأبو عبيدة ، وغيرهما . ويكون استفعل فيه بمعنى افعل ، وهو كثير في القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ) : إلا أن تعديته في القرآن باللام ، وقد جاء في كلام العرب معدى بنفسه ، قال :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : فلم يجبه ، ومثل ذلك ، أعني كون " استفعل " موافق " أفعل " ، قولهم : استبل بمعنى أبل ، واستحصد الزرع وأحصد ، واستعجل الشيء وأعجل ، واستثاره وأثاره ، ويكون " استفعل " موافقة " أفعل " متعديا ولازما ، وهذا المعنى أحد المعاني التي ذكرناها لاستفعل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين ) .
وقال
أبو رجاء الخراساني : معناه فليدعوا لي ، وقال
الأخفش : فليذعنوا للإجابة ، وقال
مجاهد أيضا ،
والربيع : " فليطيعوا " ، وقيل : الاستجابة هنا التلبية ، وهو : لبيك اللهم لبيك ، واللام لام الأمر ، وهي ساكنة ، ولا نعلم أحدا قرأها بالكسر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وليؤمنوا بي ) معطوف على : فليستجيبوا لي ، ومعناه الأمر بالإيمان بالله ، وحمله على الأمر بإنشاء الإيمان فيه بعد : لأن صدر الآية يقتضي أنهم مؤمنون ، فلذلك يؤول على الديمومة ، أو على إخلاص الدين ، والدعوة والعمل ، أو في الثواب على الاستجابة لي بالطاعة ، أو بالإيمان وتوابعه ، أو بالإيمان ، في أني أجيب دعاءهم ، خمسة أقوال آخرها
لأبي رجاء الخراساني .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186لعلهم يرشدون ) قراءة الجمهور بفتح الياء وضم الشين ، وقرأ قوم : " يرشدون " مبنيا للمفعول ، وروي عن
أبي حيوة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وإبراهيم بن أبي عبلة : " يرشدون " بفتح الياء وكسر الشين ، وذلك باختلاف عنهما ، وقرئ أيضا " يرشدون " بفتحهما ، والمعنى : أنهم إذا استجابوا لله وآمنوا به كانوا على رجاء من حصول الرشد لهم ، وهو الاهتداء لمصالح دينهم ودنياهم ، وختم الآية برجاء الرشد من أحسن الأشياء : لأنه تعالى لما أمرهم بالاستجابة له وبالإيمان به ، نبه على أن هذا التكليف ليس القصد منه إلا وصولك بامتثاله إلى رشادك في نفسك ، لا يصل إليه تعالى منه شيء من منافعه ، وإنما ذلك مختص بك . ولما كان الإيمان شبه بالطريق المسلوك في القرآن ، ناسب ذكر الرشاد وهو الهداية ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=118وهديناهما الصراط المستقيم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186nindex.php?page=treesubj&link=28973وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) سَبَبُ النُّزُولِ فِيمَا قَالَ
الْحَسَنُ :
أَنَّ قَوْمًا ، قِيلَ : الْيَهُودُ ، وَقِيلَ : الْمُؤْمِنُونَ ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ ؟ وَقَالَ
عَطَاءٌ : لَمَّا نَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) قَالَ قَوْمٌ : فِي أَيِّ سَاعَةٍ نَدْعُو ؟ فَنَزَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ ) . وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا تَضَمَّنَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) طَلَبَ تَكْبِيرِهِ وَشُكْرِهِ ، بَيَّنَ أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى ذِكْرِ مَنْ ذَكَرَهُ وَشُكْرِ مَنْ شَكَرَهُ ، يَسْمَعُ نِدَاءَهُ وَيُجِيبُ دُعَاءَهُ أَوْ رَغَبَاتَهُ ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَا بُدَّ مَسْبُوقًا بِالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ . وَالْكَافُ فِي : سَأَلَكَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي اللَّفْظِ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَيْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ قِيلَ : " أُنْزِلَ عَلَيْكَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، فَجَاءَ هَذَا الْخِطَابُ مُنَاسِبًا لِهَذَا الْمَحْذُوفِ " . وَ " عِبَادِي " ، ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ ، وَقِيلَ : أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ : إِمَّا
الْيَهُودُ وَإِمَّا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي السَّبَبِ ، وَأَمَّا عِبَادِي ، وَ " عَنِّي " ، فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ : لِأَنَّهُ سَبَقَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ، فَهُوَ خُرُوجٌ مِنْ غَائِبٍ إِلَى مُتَكَلِّمٍ ، وَ " عَنِّي " مُتَعَلِّقٌ بِسَأَلَكَ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا عَنْ ذَاتِهِ : لِأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَإِنِّي قَرِيبٌ " ، وَالْقُرْبُ الْمَنْسُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قُرْبًا بِالْمَكَانِ ، وَإِنَّمَا الْقُرْبُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ تَعَالَى سَامِعًا لِدُعَائِهِ ، مُسْرِعًا فِي إِنْجَاحِ طَلَبَةِ مَنْ سَأَلَهُ ، فَمَثَّلَ حَالَةَ تَسْهِيلِهِ ذَلِكَ بِحَالَةِ مَنْ قَرُبَ مَكَانُهُ مِمَّنْ يَدْعُوهُ ، فَإِنَّهُ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ يُجِيبُ دُعَاءَهُ ، وَنَظِيرُ هَذَا الْقُرْبِ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
" هُوَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رَوَاحِلِكُمْ " . وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَإِنِّي قَرِيبٌ " جَوَابُ " إِذَا " ، وَثَمَّ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : فَقُلْ لَهُمْ إِنِّي قَرِيبٌ : لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّرْطِ الْقُرْبُ ، إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الْإِخْبَارُ عَنِ الْقُرْبِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186nindex.php?page=treesubj&link=28973أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) أُجِيبُ : إِمَّا صِفَةٌ لِـ " قَرِيبٌ " ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ ، وَرُوعِيَ الضَّمِيرُ فِي " فَإِنِّي " فَلِذَلِكَ جَاءَ أُجِيبُ ، وَلَمْ يُرَاعَ الْخَبَرُ فَيَجِيءُ " يُجِيبُ " عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْنَادِ لِلْغَائِبِ طَرِيقَانِ لِلْعَرَبِ : أَشْهَرُهُمَا مُرَاعَاةُ السَّابِقِ مِنْ تَكَلُّمٍ أَوْ خِطَابٍ كَهَذَا ، وَكَقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) . وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : مُرَاعَاةُ الْخَبَرِ كَقَوْلِكَ : أَنَا رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَنْتَ امْرُؤٌ يُرِيدُ الْخَيْرَ ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَّسِعٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِـ ( مَنْهَجِ السَّالِكِ ) . وَالْعَامِلُ فِي إِذَا قَوْلُهُ " أُجِيبُ " وَرُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [ ص: 46 ] إِذَا دَعَانِ ) لَمَّا نَزَلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَإِنِّي قَرِيبٌ ) ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : كَيْفَ يَكُونُ قَرِيبًا مَنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَى قَوْلِكَ سَبْعُ سَمَوَاتٍ فِي غِلَظٍ ، سُمْكُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ، وَفِي مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ ، فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أُجِيبُ ) أَنَّ ذَلِكَ الْقُرْبَ هُوَ الْإِجَابَةُ وَالْقُدْرَةُ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ) عُمُومُ الدَّعَوَاتِ ، إِذْ لَا يُرِيدُ دَعْوَةً وَاحِدَةً ، وَالْهَاءُ فِي " دَعْوَةَ " هُنَا لَيْسَتْ لِلْمَرَّةِ ، وَإِنَّمَا الْمَصْدَرُ هُنَا بُنِيَ عَلَى فَعْلَةٍ نَحْوَ " رَحْمَةٍ " وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الدَّاعِي : لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى دَاعٍ مَخْصُوصٍ : لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعُمُومِ . وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُ الْإِجَابَةِ بِوَقْتِ الدُّعَاءِ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ مَا سَأَلَهُ .
وَذَكَرُوا قُيُودًا فِي هَذَا الْكَلَامِ وَتَخْصِيصَاتٍ ، فَقُيِّدَتِ الْإِجَابَةُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى . التَّقْدِيرُ : إِنْ شِئْتُ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ، وَقِيلَ : بِوَفْقِ الْقَضَاءِ أَيْ : أُجِيبُ إِنْ وَافَقَ قَضَائِيَ ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ ، وَقِيلَ : يَكُونُ الْمَسْئُولُ خَيْرًا لِلسَّائِلِ ، أَيْ : إِنْ كَانَ خَيْرًا . وَقِيلَ : يَكُونُ الْمَسْئُولُ غَيْرَ مُحَالٍ ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَصَحِيحِ النَّقْلِ أَنَّ بَعْضَ الدُّعَاةِ لَا يُجِيبُهُ اللَّهُ إِلَى مَا سَأَلَ ، وَلَا يُبَلِّغُهُ الْمَقْصُودَ مِمَّا طَلَبَ ، فَخَصَّصُوا الدَّاعِيَ بِأَنْ يَكُونَ مُطِيعًا مُجْتَنِبًا لِمَعَاصِيهِ . وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373904صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ ، nindex.php?page=treesubj&link=19745وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ " ؟
قَالُوا : وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَمَلَّ ، فَفِي الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373905nindex.php?page=treesubj&link=19744يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ ، يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي . وَخُصِّصَ
nindex.php?page=treesubj&link=19742الدُّعَاءُ بِأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19746يَدْعُوَا بِمَا لَيْسَ فِيهِ إِثْمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، وَلَا مَعْصِيَةٌ ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373906مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا " . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=27699الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19774وَأَنْ لَا يُقْصَدَ فِيهِ السَّجْعُ ، سَجْعُ الْجَاهِلِيَّةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19774وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَلْحُونٍ .
وَتُرْتَجَى الْإِجَابَةُ مِنَ الْأَزْمَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=19753عِنْدَ السَّحَرِ ، وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=33171الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19750وَوَقْتِ الْفِطْرِ ، وَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19754بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، وَمَا بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ، وَأَوْقَاتِ الِاضْطِرَارِ ، وَحَالَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=19756السَّفَرِ nindex.php?page=treesubj&link=33163وَالْمَرَضِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19750وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ ، وَالصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْعِيدَيْنِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19752وَالسَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ : وَهِيَ مِنَ الْإِقَامَةِ إِلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ ، كَذَا وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ ، وَقِيلَ : بَعْدَ عَصْرِ الْجُمُعَةِ ، وَعِنْدَمَا تَزُولُ الشَّمْسُ . وَمِنَ الْأَمَاكِنِ : فِي
الْكَعْبَةِ ، وَتَحْتَ مِيزَابِهَا ، وَفِي
الْحَرَمِ ، وَفِي
حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَالْجَامِعِ الْأَقْصَى . وَإِذَا كَانَ الدَّاعِي بِالْأَوْصَافِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ قَبُولُ دُعَائِهِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَلَا يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَلَا يَقْطَعْ رَجَاءَهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنَ الدُّعَاءِ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ الْخَلْقِ إِبْلِيسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .
وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْإِجَابَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) : لِأَنَّ وَصْفَ الْإِنْسَانِ بِأَنَّ اللَّهَ أَجَابَ دَعْوَتَهُ صِفَةُ مَدْحٍ وَتَعْظِيمٍ ، وَالْفَاسِقُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ ، بَلِ الْفَاسِقُ قَدْ يَطْلُبُ الشَّيْءَ فَيَفْعَلُهُ اللَّهُ وَلَا يُسَمَّى إِجَابَةً . قِيلَ : وَالدُّعَاءُ أَعْظَمُ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ : لِأَنَّهُ إِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِهِ ، وَقَدْ دَعَتِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ ، وَنَزَلَتْ بِالْأَمْرِ بِهِ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَذَكَرَ شُبَهًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ رَدَّهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ ، وَقَالُوا : الْأَوْلَى بِالْعَبْدِ التَّضَرُّعُ وَالسُّؤَالُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِظْهَارُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِمَا رُوِيَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19734التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَقُولُ فِيهِمْ بَعْضُ النَّاسِ ، إِنَّهُمْ عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ : يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ
[ ص: 47 ] الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَاللَّهُ مُتَكَفِّلٌ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ : إِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الدُّعَاءِ أَصْلَحَ ، وَقَلَبُهُ أَطْيَبَ ، وَسَرُّهُ أَصْفَى ، وَنَفْسُهُ أَزْكَى ، فَلْيَدْعُ : وَإِنْ كَانَ فِي التَّرْكِ أَصْلَحَ فَالْإِمْسَاكُ عَنِ الدُّعَاءِ أَوْلَى بِهِ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ : تَرْكُ الدُّعَاءِ فِي كُلِّ حَالٍ أَصْلَحُ لِمَا فِيهِ مِنَ الثِّقَةِ بِاللَّهِ ، وَعَدَمِ الِاعْتِرَاضِ : وَلِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ وَالْعَارِفُ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ : تَرْكُ الذُّنُوبِ هُوَ الدُّعَاءُ : لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَهَا تَوَلَّى اللَّهُ أَمْرَهُ وَأَصْلَحَ شَأْنَهُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) . وَقَدْ تُؤُوِّلَتِ الْإِجَابَةُ وَالدُّعَاءُ هُنَا عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ عِبَارَةً عَنِ التَّوْحِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ : لِأَنَّكَ دَعَوْتَهُ وَوَحَّدْتَهُ ، وَالْإِجَابَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَبُولِ ، لَمَّا سُمِّيَ التَّوْحِيدُ دُعَاءً سُمِّيَ الْقَبُولُ إِجَابَةً ، لِتَجَانُسِ اللَّفْظِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْإِجَابَةَ هُوَ السَّمَاعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَسْمَعُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ التَّوْبَةُ عَنِ الذُّنُوبِ : لِأَنَّ التَّائِبَ يَدْعُو اللَّهَ عِنْدَ التَّوْبَةِ ، وَالْإِجَابَةُ قَبُولُ التَّوْبَةِ . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةَ ، وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373907الدُّعَاءُ الْعِبَادَةُ " قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) ، وَالْإِجَابَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَفَاءِ بِمَا ضُمِنَ لِلْمُطِيعِينَ مِنَ الثَّوَابِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : الْإِجَابَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِعْطَاءِ الْمَسْئُولِ وَبِمَنْعِهِ ، فَالْمَعْنَى : إِنِّي أَخْتَارُ لَهُ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْعَطَاءِ وَالرَّدِّ . وَكُلُّ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) أَيْ : فَيَطْلُبُوا ، أَيْ : فَلْيَطْلُبُوا إِجَابَتِي لَهُمْ إِذَا دَعَوْنِي ، قَالَهُ
ثَعْلَبٌ ، فَيَكُونُ اسْتَفْعِلْ ، قَدْ جَاءَتْ بِمَعْنَى الطَّلَبِ ، كَاسْتَغْفِرْ ، وَهُوَ الْكَثِيرُ فِيهَا ، أَوْ فَلْيُجِيبُوا لِي إِذَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ كَمَا أَنِّي أُجِيبُهُمْ إِذَا دَعَوْنِي لِحَوَائِجِهِمْ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ ،
وَأَبُو عُبَيْدَةَ ، وَغَيْرُهُمَا . وَيَكُونُ اسْتَفْعِلْ فِيهِ بِمَعْنَى افْعَلْ ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) : إِلَّا أَنَّ تَعْدِيَتَهُ فِي الْقُرْآنِ بِاللَّامِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُعَدًّى بِنَفْسِهِ ، قَالَ :
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
أَيْ : فَلَمْ يُجِبْهُ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ، أَعْنِي كَوْنَ " اسْتَفْعَلَ " مُوَافِقَ " أَفْعَلَ " ، قَوْلُهُمُ : اسْتَبْلَ بِمَعْنَى أَبْلَ ، وَاسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ وَأَحْصَدَ ، وَاسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ وَأَعْجَلَ ، وَاسْتَثَارَهُ وَأَثَارَهُ ، وَيَكُونُ " اسْتَفْعَلَ " مُوَافِقَةً " أَفْعَلَ " مُتَعَدِّيًا وَلَازِمًا ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَاسْتَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) .
وَقَالَ
أَبُو رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ : مَعْنَاهُ فَلْيَدْعُوا لِي ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : فَلْيُذْعِنُوا لِلْإِجَابَةِ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا ،
وَالرَّبِيعُ : " فَلْيُطِيعُوا " ، وَقِيلَ : الِاسْتِجَابَةُ هُنَا التَّلْبِيَةُ ، وَهُوَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، وَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَرَأَهَا بِالْكَسْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) مَعْطُوفٌ عَلَى : فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ بِإِنْشَاءِ الْإِيمَانِ فِيهِ بُعْدٌ : لِأَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ، فَلِذَلِكَ يُؤَوَّلُ عَلَى الدَّيْمُومَةِ ، أَوْ عَلَى إِخْلَاصِ الدِّينِ ، وَالدَّعْوَةِ وَالْعَمَلِ ، أَوْ فِي الثَّوَابِ عَلَى الِاسْتِجَابَةِ لِي بِالطَّاعَةِ ، أَوْ بِالْإِيمَانِ وَتَوَابِعِهِ ، أَوْ بِالْإِيمَانِ ، فِي أَنِّي أُجِيبُ دُعَاءَهُمْ ، خَمْسَةُ أَقْوَالٍ آخِرُهَا
لِأَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ ، وَقَرَأَ قَوْمٌ : " يُرْشَدُونَ " مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي حَيْوَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ : " يَرْشِدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ ، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا ، وَقُرِئَ أَيْضًا " يَرْشَدُونَ " بِفَتْحِهِمَا ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَآمَنُوا بِهِ كَانُوا عَلَى رَجَاءٍ مِنْ حُصُولِ الرُّشْدِ لَهُمْ ، وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ لِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَخَتْمُ الْآيَةِ بِرَجَاءِ الرُّشْدِ مِنْ أَحْسَنِ الْأَشْيَاءِ : لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِجَابَةِ لَهُ وَبِالْإِيمَانِ بِهِ ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ إِلَّا وُصُولَكَ بِامْتِثَالِهِ إِلَى رَشَادِكَ فِي نَفْسِكَ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ تَعَالَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِكَ . وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ شُبِّهَ بِالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ فِي الْقُرْآنِ ، نَاسَبَ ذِكْرُ الرَّشَادِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=118وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .