ت لي آل عوف فاندهم لي جماعة وسل آل عوف أي شيء يضيرها
وقال آخر :
فإن نحن لم ننهض لكم فنبركم فتونا قفوا دونا إذن بالجرائم
السورة : الدرجة الرفيعة . ألم تر أن الله أعطاك سورة ؟ وسميت سورة القرآن بها لأن قارئها يشرف بقراءتها على من لم تكن عنده ، كسور البناء . وقيل : لتمامها وكمالها ، ومنه قيل للناقة التامة : سورة ، أو لأنها قطعة من القرآن ، من أسأرت ، والسؤر ، فأصلها الهمز وخففت ، قاله أبو عبيدة ، والهمز فيها لغة . من مثله : المماثلة تقع بأدنى مشابهة ، وقد ذكر - رحمه الله - أن : مررت برجل مثلك ، يحتمل وجوها ثلاثة ، ولفظة مثل لازمة الإضافة لفظا ، ولذلك لحن بعض المولدين في قوله : سيبويه
ومثلك من يملك الناس طرا على أنه ليس في الناس مثل
ولا يكون محلا خلافا للكوفيين . وله في باب الصفة ، إذا جرى على مفرد ومثنى ومجموع حكم ذكر في [ ص: 102 ] النحو . الدعاء : الهتف باسم المدعو . الشهداء : جمع شهيد ، للمبالغة ، كعليم وعلماء ، ولا يبعد أن يكون جمع شاهد ، كشاعر وشعراء ، وليس فعلاء باب فاعل ، دون : ظرف مكان ملازم للظرفية الحقيقية أو المجازية ، ولا يتصرف فيه بغير من . قال : وأما دونك فلا يرفع أبدا . قال سيبويه الفراء : وقد ذكر دونك وظروفا نحوها لا تستعمل أسماء مرفوعة على اختيار ، وربما رفعوا . وظاهر قول الأخفش : جواز تصرفه ، خرج قوله تعالى : ( ومنا دون ذلك ) على أنه مبتدأ وبني لإضافته إلى المبني ، وقد جاء مرفوعا في الشعر أيضا ، قال الشاعر :
ألم ترني أني حميت حقيبتي وباشرت حد الموت والموت دونها
وتجيء دون صفة بمعنى رديء ، يقال : ثوب دون ، أي رديء ، حكاه في أحد قوليه ، فعلى هذا يعرب بوجوه الإعراب ويكون دون مشتركا . الصدق : يقابله الكذب ، وهو مطابقة الخبر للمخبر عنه . لن : حرف نفي ثنائي الوضع بسيط ، لا مركب من لا وإن ، خلافا سيبويه للخليل في أحد قوليه ، ولا نونها بدل من ألف ، فيكون أصلها لا خلافا للفراء ، ولا يقتضي النفي على التأبيد خلافا في أحد قوليه ، ولن هي أقصر نفيا من لا إذ " لن " تنفي ما قرب ، ولا يمتد معنى النفي فيها كما يمتد في لا خلافا لزاعمه ، ولا يكون دعاء خلافا لزاعمه ، وعملها النصب ، وذكروا أن الجزم بها لغة ، وأنشد للزمخشري ابن الطراوة :
لن يخب الآن من رجائك من حرك دون بابك الحلقة
ولها أحكام كثيرة ذكرت في النحو . الوقود : اسم لما يوقد به ، وقد سمع مصدرا ، وهو أحد المصادر التي جاءت على فعول ، وهي قليلة ، لم يحفظ منها فيما ذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور سوى هذا ، والوضوء والطهور والولوع والقبول ، الحجارة : جمع الحجر ، والتاء فيها لتأكيد تأنيث الجمع كالفحولة . أعدت : هيئت .
( وإن كنتم في ريب ) نزلت في جميع الكفار . وقال ومقاتل : نزلت في ابن عباس اليهود ، وسبب ذلك أنهم قالوا : هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي وإنا لفي شك منه ، والأظهر القول الأول . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما احتج تعالى عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الاشتراك ، وعرفهم أن من جعل لله شريكا فهو بمعزل من العلم والتمييز ، أخذ يحتج على من شك في النبوة بما يزيل شبهته ، وهو كون القرآن معجزة ، وبين لهم كيف يعلمون أنه من عند الله أم من عنده ، بأن يأتوا هم ومن يستعينون به بسورة هذا ، وهم الفصحاء البلغاء المجيدون حوك الكلام ، من النثار والنظام والمنقلبون في أفانين البيان ، والمشهود لهم في ذلك بالإحسان . ولما كانوا في ريب حقيقة ، وكانت إن الشرطية إنما تدخل على الممكن أو المحقق المبهم زمان وقوعه ، ادعى بعض المفسرين أن إن هنا معناها : إذا ؛ لأن إذا تفيد مضي ما أضيفت إليه ، ومذهب المحققين أن إن لا تكون بمعنى إذا . وزعم ومن وافقه أن لكان الماضية الناقصة معان حكما ليست لغيرها من الأفعال الماضية ، فلقوة كان زعم أن إن لا يقلب معناها إلى الاستقبال ، بل يكون على معناه من المضي إن دخلت عليه إن ، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن كان كغيرها من الأفعال ، وتأولوا ما ظاهره ما ذهب إليه المبرد ، إما على إضمار يكن بعد إن نحو : ( المبرد إن كان قميصه قد ) أي إن يكن كان قميصه ، أو على أن المراد به التبيين ، أي أن يتبين كون قميصه قد . فعلى قول أبي العباس يكون كونهم في ريب ماضيا ، ويصير نظير ما لو جاء إن كنت أحسنت إلي فقد أحسنت إليك ، إذا حمل على ظاهره ولم يتأول . ولهذا قال بعض المفسرين في قوله : ( وإن كنتم في ريب ) : جرى كلام الله فيه على التحقيق ، مثال قول الرجل لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ؛ لأن الله - تعالى - عالم بما تكنه القلوب ، قال : وبين هذا أن سبب نزول هذه الآية قول اليهود : وإنا لفي شك مما جاء به ، وجعلها بمعنى إذا وكان ماضيه اللفظ والمعنى ، أو مثل قول القائل : إن كنت عبدي فأطعني ، فرارا من جعل ما بعد إن [ ص: 103 ] مستقبل المعنى ، وذلك ممكن ، ولا تنافي بين إن كانوا في ريب فيما مضى وإن تعلق على كونهم في ريب في المستقبل ؛ لأن الماضي من الجائز أن يستدام ، بأن يظهر لمعتقد الريب فيما مضى خلاف ذلك فيزول عنه الريب ، فقيل : وإن كنتم ، أي وإن تكونوا في ريب ، باستصحاب الحالة الماضية التي سبقت لكم فأتوا ، وهذا مثل من يقول لولده العاق له : إن كنت تعصيني فارحل عني ، فمعناه : إن تكن في المستقبل تعصيني فارحل عني ، لا يريد التعليق على الماضي ، ولا أن إن بمعنى إذا ، إذ لا تنافي بين تقدم العصيان وتعليق الرحيل على وقوعه في المستقبل ، ولا حاجة إلى جعل ما يثبت حرفيته بمعنى إذا الظرفية .
وقد تقدم لنا أنه لا تنافي بين قوله تعالى : ( لا ريب فيه ) وبين قوله : ( وإن كنتم في ريب ) عند الكلام على قوله : ( لا ريب فيه ) . وفي ريب من تنزيل المعاني منزلة الأجرام . ومن تحتمل ابتداء الغاية والسببية ، ولا يجوز أن تكون للتبعيض . وما موصولة ، أي من الذي نزلناه ، والعائد محذوف ، أي نزلناه ، وشرط حذفه موجود . وأجاز بعضهم أن تكون ما نكرة موصوفة ، وقد تقدم لنا الكلام على ما النكرة الموصوفة ، ونزلنا التضعيف فيه هنا للنقل ، وهو المرادف لهمزة النقل . ويدل على مرادفتهما في هذه الآية قراءة يزيد بن قطيب مما أنزلنا بالهمزة ، وليس التضعيف هنا دالا على نزوله منجما في أوقات مختلفة ، خلافا ، قال : فإن قلت لم قيل : مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الإنزال ؟ قلت : لأن المراد النزول على التدريج والتنجيم ، وهو من مجازه لمكان التحدي . وهذا الذي ذهب إليه للزمخشري في تضعيف عين الكلمة هنا ، هو الذي يعبر عنه بالتكثير ، أي يفعل ذلك مرة بعد مرة ، فيدل على هذا المعنى بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة . وذهل الزمخشري عن أن ذلك إنما يكون غالبا في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية ، نحو : جرحت زيدا ، وفتحت الباب ، وقطعت ، وذبحت ، لا يقال : جلس زيد ، ولا قعد عمر ، ولا صوم جعفر ، ونزلنا لم يكن متعديا قبل التضعيف إنما كان لازما ، وتعديه إنما يفيده التضعيف أو الهمزة ، فإن جاء في لازم فهو قليل . قالوا : مات المال ، وموت المال ، إذا كثر ذلك فيه ، وأيضا فالتضعيف الذي يراد به التكثير إنما يدل على كثرة وقوع الفعل ، أما أن يجعل اللازم متعديا فلا ، ونزلنا قبل التضعيف كان لازما ولم يكن متعديا ، فيكون التعدي المستفاد من التضعيف دليلا على أنه للنقل لا للتكثير ، إذ لو كان للتكثير وقد دخل على اللازم بقي لازما نحو : مات المال ، وموت المال . وأيضا فلو كان التضعيف في نزل مفيدا للتنجيم لاحتاج قوله تعالى : ( الزمخشري لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) إلى تأويل ؛ لأن التضعيف دال على التنجيم والتكثير ، وقوله : ( جملة واحدة ) ينافي ذلك . وأيضا فالقراءات بالوجهين في كثير مما جاء يدل على أنهما بمعنى واحد . وأيضا مجيء نزل حيث لا يمكن فيه التكثير والتنجيم إلا على تأويل بعيد جدا يدل على ذلك . قال تعالى : ( وقالوا لولا نزل عليه آية ) ، وقال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) ، ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول الآية ، ولا أنه علق تكرير نزول ملك رسول على تقدير كون ملائكة في الأرض ، وإنما المعنى ، والله أعلم ، مطلق الإنزال . وفي نزلنا التفات لأنه انتقال من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم ؛ لأن قبله ( اعبدوا ربكم ) و ( فلا تجعلوا لله أندادا ) . فلو جرى الكلام على هذا السياق لكان مما نزل على عبده ، لكن في هذا الالتفات من التفخيم للمنزل والمنزل عليه ما لا يؤديه ضمير غائب ، لا سيما كونه أتى بـ " نا " المشعرة بالتعظيم التام وتفخيم الأمر ، ونظيره ( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا ) ، وتعدي نزل بعلى إشارة إلى استعلاء المنزل على المنزل عليه وتمكنه منه ، وأنه قد صار كالملابس له ، بخلاف إلى فإنها تدل على الانتهاء والوصول . ولهذا المعنى الذي أفادته على تكرر ذلك في القرآن في آيات ، قال تعالى : ( نزل عليك الكتاب بالحق ) ، ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ، ( هو الذي أنزل [ ص: 104 ] عليك الكتاب ) . وفي إضافة العبد إليه تعالى تنبيه على عظيم قدره واختصاصه بخالص العبودية ، ورفع محله وإضافته إلى نفسه تعالى ، واسم العبد عام وخاص ، وهذا من الخاص :
لا تدعني إلا بيا عبدها لأنه أشرف أسمائي
ومن قرأ : على عبادنا بالجمع ، فقيل : يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، قاله ، وصار نظير قوله تعالى : ( الزمخشري أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ) ؛ لأن جدوى المنزل والهداية الحاصلة به من امتثال التكاليف ، والموعود على ذلك لا يختص بل يشترك فيه المتبوعون والتباع ، فجعل كأنه نزل عليهم . وذلك نوع من المجاز يجعل فيه من لم يباشر الشيء إذا كان مكلفا به منزلة من باشر ، ويحتمل أن يريد به النبيين الذين أنزل عليهم الوحي والكتب ، والرسول أول مقصود بذلك ، وأسبق داخل في العموم ؛ لأنه هو الذي طلب معاندوه بالتحدي في كتابه ، ويكون ذلك خطابا لمنكري النبوات ، كما قال تعالى حكاية عن بعضهم : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) . ويحتمل أن يراد بالمفرد الجمع . وتبينه هذه القراءة كقوله تعالى : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) ، في قراءة من أفرد ، فيكون إذ ذاك للجنس .
فأتوا بسورة : طلب منهم الإتيان بمطلق سورة ، وهي القطعة من القرآن التي أقلها ثلاث آيات ، فلم يقترح عليهم الإتيان بسورة طويلة فيتعنتوا في ذلك ، بل سهل عليهم وأراح عليهم بطلب الإتيان بسورة ما ، وهذا هو غاية التبكيت والتخجيل لهم . فإذا كنتم لا تقدرون أنتم ولا معاضدوكم بالإتيان بسورة من مثله ، فكيف تزعمون أنه من جنس كلامكم ؟ وكيف يلحقكم في ذلك ارتياب أنه من عند الله ؟ وقد تعرض هنا لذكر الزمخشري ، وليس ذلك من علم التفسير ، وإنما هو من فوائد التفصيل والتسوير . من مثله : الهاء عائدة على ما ، أو على عبدنا ، والراجح الأول وهو قول أكثر المفسرين ورجحانه من وجوه ، أحدها : أن الارتياب أولا إنما جيء به منصبا على المنزل لا على المنزل عليه ، وإن كان الريب في المنزل ريبا في المنزل عليه بالالتزام ، فكان عود الضمير عليه أولى . الثاني : أنه قد جاء في نظير هذه الآية وهذا السياق قوله : ( فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سورا فأتوا بسورة من مثله ) ، ( فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) ، ( على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) . الثالث : اقتضاء ذلك كونهم عاجزين عن الإتيان ، سواء اجتمعوا أو انفردوا ، وسواء كانوا أميين أم كانوا غير أميين ، وعوده على المنزل يقتضي كون آحاد الأميين عاجزا عنه ؛ لأنه لا يكون مثله إلا الشخص الواحد الأمي . فأما لو اجتمعوا أو كانوا قارئين فلا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى ، فإذا جعلنا الضمير عائدا على المنزل ، فمن : للتبعيض وهي في موضع الصفة لسورة أي بسورة كائنة من مثله . ويظهر من كلام تناقض في من هذه ، قال : من مثله متعلق بسورة صفة لها ، أي بسورة كائنة من مثله فقوله متعلق بسورة يقتضي أن يكون معمولا لها ، وقوله صفة لها ، أي بسورة كائنة من مثله يقتضي أن لا يكون معمولا لها فتناقض كلامه ودافع آخره أوله ، ولكن يحمل على أنه لا يريد التعلق الصناعي كتعلق الباء في نحو : مروري بزيد حسن ، لكنه يريد التعلق المعنوي ، أي تعلق الصفة بالموصوف ، واحترز من القول الآخر أنها تتعلق بقوله : فأتوا ، فلا يكون من مثله عائدا على المنزل ، على ما سيأتي تبيينه إن شاء الله . وأجاز الزمخشري المهدوي وأبو محمد بن عطية أن تكون لبيان الجنس على تقدير أن يكون الضمير عائدا على المنزل ، وتفسر المثلية بنظمه ورصفه وفصاحة معانيه التي تعرفونها ، ولا يعجزهم إلا التأليف الذي خص به القرآن ، أو في غيوبه وصدقه ، وأجازا على هذا الوجه أيضا أن تكون زائدة ، وستأتي الأقوال في تفسير المثلية على عود الضمير إلى المنزل ، [ ص: 105 ] إن شاء الله .
وقد اختلف النحويون في إثبات هذا المعنى لمن ، والذي عليه أصحابنا أن من لا تكون لبيان الجنس ، والفرق بين كونها للتبعيض ولبيان الجنس مذكور في كتب النحو . وأما كونها زائدة في هذا الموضع فلا يجوز ، على مذهب الكوفيين وجمهور البصريين . وفي المثلية على كون الضمير عائدا على المنزل أقوال ، الأول : من مثله في حسن النظم ، وبديع الرصف ، وعجيب السرد ، وغرابة الأسلوب وإيجازه وإتقان معانيه . الثاني : من مثله في غيوبه من إخباره بما كان وبما يكون . الثالث : في احتوائه على الأمر ، والنهي ، والوعد ، والوعيد ، والقصص ، والحكم ، والمواعظ ، والأمثال . الرابع : من مثله في صدقه وسلامته من التبديل والتحريف . الخامس : من مثله ، أي كلام العرب الذي هو من جنسه . السادس : في أنه لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تمله الأسماع ، ولا يمحوه الماء ، ولا تغنى عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه ، ولا تزول طلاوته على تواليه ، ولا تذهب حلاوته من لهوات تاليه . السابع : من مثله في دوام آياته وكثرة معجزاته . الثامن : من مثله ، أي مثله في كونه من كتب الله المنزلة على من قبله ، تشهد لكم بأن ما جاءكم به ليس هو من عند الله ، كما قال تعالى : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وإن جعلنا الضمير عائدا على المنزل عليه ، فمن متعلقة بقوله : فأتوا من مثل الرسول بسورة . ومعنى من على هذا الوجه ابتداء الغاية ، ويجوز أن تكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف . وهي أيضا لابتداء الغاية ، أي بسورة كائنة من رجل مثل الرسول ، أي ابتداء كينونتها من مثله . وفي المثلية على كون الضمير عائدا على المنزل على أقوال ، الأول : من مثله من أمي لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية . الثاني : من مثله لم يدارس العلماء ، ولم يجالس الحكماء ، ولم يؤثر عنه قبل ذلك تعاطي الأخبار ، ولم يرحل من بلده إلى غيره من الأمصار . الثالث : من مثله على زعمكم أنه ساحر شاعر مجنون . الرابع : من مثله من أبناء جنسه وأهل مدرته ، وذكر المثل في قوله : من مثله هو على سبيل الفرض على أكثر الأقوال التي فسرت بها المماثلة ، إذا كان الضمير عائدا على المنزل ، وعلى بعضها لا يكون على سبيل الفرض ، وهو على قول من فسر أنه أراد بالمثل كلام العرب الذي هو من جنسه ، وأما إذا كان عائدا على المنزل عليه فليس على سبيل الفرض لوجود أمي لا يحسن الكتابة ، ولوجود من لم يدارس العلماء ، ولوجود من هو ساحر على زعمهم ذلك في المنزل عليه . واختار أن لا مثل ولا نظير . قال بعد أن فسر المثل على تقدير عود الضمير على المنزل : فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم ، وعلى تقدير عوده على المنزل عليه ، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ، قال الزمخشري : ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك ، ولكنه نحو قول الزمخشري القبعثري للحجاج ، وقال له : لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب . أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقوة وبسطة اليد ، ولم يقصد أحدا يجعله مثلا للحجاج . انتهى كلام . وعلى ما فسرت به المماثلة إذ جعل الضمير عائدا على المنزل عليه ، وقد تقدم بيان وجود المثل ، وعلى أنه عائد على المنزل يمكن وجوده في بعض تفاسير المماثلة . فقول الزمخشري : لا مثل ولا نظير مع تفسيره المماثلة في كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ليس بصحيح ؛ لأن المماثل في هذا الشيء الخاص موجود . ولما طلب منهم المعارضة بسورة على تقدير حصولهم في ريب من كونه من عند الله ، لم يكتف بقولهم ذلك بأنفسهم ، حتى طلب منهم أن يدعو شهداءهم على الاجتماع على ذلك والتظافر والتعاون والتناصر ، فقال : ( الزمخشري وادعوا شهداءكم ) ، وفسر هنا ادعوا باستغيثوا . قال أبو الهيثم : الدعاء طلب الغوث ، دعا : استغاث ، وباستحضروا ، دعا فلان فلانا إلى الحاكم ، استحضره ، وشهداؤهم : آلهتهم ، فإنهم كانوا [ ص: 106 ] يعتقدون أنهم يشهدون لهم عند الله ، قاله ابن عباس والسدي ومقاتل ، أو من يشهدهم ويحضرهم من الأعوان والأنصار ، قاله والفراء ابن قتيبة . وروي عن ، أو من يشهد لكم أن ما تأتون به مثل القرآن ، روي عن ابن عباس مجاهد ، وكونه جمع شهيدا حسن من جمع شاهد لجريانه على قياس جمع فعيل نحو هذا ولما في فعيل من المبالغة ، وكأنه أشار إلى أن يأتوا بشهداء بالغين في الشهادة يصلحون أن تقام بهم الحجة .
( من دون الله ) : تتعلق بادعوا ، أي وادعوا من دون الله شهداءكم ، أي لا تستشهدوا بالله فتقولوا : الله يشهد أن ما ندعيه حق ، كما يقول العاجز عن إقامة البينة بل ادعوا من الناس الشهداء الذين شهادتهم تصحح بها الدعاوى ، فكأنه قال : وادعوا من غير الله من يشهد لكم ، ويحتمل أن يتعلق من دون الله بشهداءكم . والمعنى : ادعوا من اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق ، أو أعوانكم من دون الله ، أي من دون أولياء الله الذين يستعينون بهم دون الله ، أو يكون معنى من دون الله : بين يدي الله ، كما قال الأعشى :
تريك القذى من دونها وهي دونه
أي تريك القذى قدامها ، وهي قدام القذى لرقتها وصفائها . وأمره تعالى إياهم بالمعارضة وبدعاء الأنصار والأعوان ، مع علمه أنهم لا يقدرون على ذلك ، أمر تهكم وتعجيز . وقد بين تعالى بعد ذلك أن ذلك لا يقع منهم سيما تفسير الشهداء بآلهتهم لأنها جماد لا تنطق ، فالأمر بأن يستعينوا بما لا ينطق في معارضة المعجز غاية التهكم بهم ، فظاهر قوله : ( إن كنتم صادقين ) معناه : في كونكم في ريب من المنزل على عبدنا أنه من عندنا ، وقيل : فيما تقتدرون عليه من المعارضة . وقد حكى عنهم في آية أخرى : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ، لكن لم يجر ذكر المعارضة في هذه الآية ، إلا أن كونهم في ريب يقتضي عندهم أنه ليس من عند الله ، وما لم يكن من عند الله فهو عندهم تمكن معارضته ، فيحتمل أن يكون المعنى : إن كنتم صادقين في القدرة على المعارضة . ولما كان أمره تعالى إياهم بالإتيان بسورة من مثله أمر تهكم وتعجيز لأنهم غير قادرين على ذلك ، انتقل إلى إرشادهم ، إذ ليسوا بقادرين على المعارضة ، وأمرهم باتقاء النار التي أعدت لمن كذب ، وأتى بإن ، وإن كان من مواضع إذا تهكما بهم ، كما يقول القائل : إن غلبتك لم أبق عليك ، وهو يعلم أنه غالب ، أو أتى بإن على حسب ظنهم ، وإن المعجز منهم كان قبل التأمل ، كالمشكوك فيه عندهم لاتكالهم على فصاحتهم . ومعنى : ( فإن لم تفعلوا ) فإن لم تأتوا ، وعبر عن الإتيان بالفعل ، والفعل يجري مجرى الكناية ، فيعبر به عن كل فعل ، ويغنيك عن طول ما تكنى عنه . قال : لو لم يعدل عن لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال : فإن لم تأتوا بسورة من مثله ، ولن تأتوا بسورة من مثله ، ولا يلزم ما قال الزمخشري ؛ لأنه لو قيل : فإن لم تأتوا ولن تأتوا ، كان المعنى على ما ذكر ويكون قد حذف ذلك اختصارا ، كما حذف اختصارا مفعول لم تفعلوا ولن تفعلوا . ألا ترى أن التقدير : فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله فهما سيان في الحذف ؟ وفي كتاب الزمخشري ابن عطية تعليل غريب لعمل " لم " الجزم ، قال : وجزمت لم لأنها أشبهت لا في التبرئة في أنهما ينفيان ، فكما تحذف لا تنوين الاسم ، كذلك تحذف " لم " الحركة أو العلامة من الفعل . وفي قوله : ( ولن تفعلوا ) إثارة لهممهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبلغ وأبدع ، وفي ذلك دليلان على إثبات النبوة . أحدهما : صحة كون المتحدى به معجزا ، الثاني : الإخبار بالغيب من أنهم لن يفعلوا ، وهذا لا يعلمه إلا الله - تعالى - ويدل على ذلك أنهم لو عارضوه لتوفرت الدواعي على نقله خصوصا من الطاعنين عليه ، فإذا لم ينقل دل على أنه إخبار بالغيب وكان ذلك معجزه . وأما ما أتى به مسيلمة الكذاب في هذره ، وأبو الطيب المتنبي في عبره ونحوهما ، فلم يقصدوا به المعارضة ، إنما ادعوا أنه نزل عليهم وحي بذلك ، فأتوا من ذلك باللفظ الغث ، والمعنى السخيف ، واللغة المهجنة ، والأسلوب الرذل ، والفقرة غير المتمكنة ، [ ص: 107 ] والمطلع المستقبح ، والمقطع المستوهن ، بحيث لو قرن ذلك بكلامهم في غير ما ادعوا أنه وحي ، كان بينهما من التفاوت في الفصاحة والتباين في البلاغة ما لا يخفى عمن له يسير تمييز في ذلك ، فكيف الجهابذة النقاد والبلغاء الفصحاء ، فسلبهم الله فصاحتهم بادعائهم وافترائهم على الله الكذب . وقوله : ( ولن تفعلوا ) جملة اعتراض ، فلا موضع لها من الإعراب ، وفيها من تأكيد المعنى ما لا يخفى ؛ لأنه لما قال : فإن لم تفعلوا ، وكان معناه نفي في المستقبل مخرجا ذلك مخرج الممكن ، أخبر أن ذلك لا يقع ، وهو إخبار صدق ، فكان في ذلك تأكيد أنهم لا يعارضونه . واقتران الفعل بلن مميز لجملة الاعتراض من جملة الحال ؛ لأن جملة الحال لا تدخل عليها لن ، وكان النفي بلن في هذه الجملة دون لا ، وإن كانتا أختين في نفي المستقبل ؛ لأن في لن توكيدا وتشديدا ، تقول لصاحبك : لا أقيم غدا ، فإن أنكر عليك قلت : لن أقيم غدا ، كما تفعل في : أنا مقيم ، وإنني مقيم ، قاله ، وما ذكره هنا مخالف لما حكي عنه أن لن تقتضي النفي على التأبيد . وأما ما ذهب إليه الزمخشري ابن خطيب زملكي من أن " لن " تنفي ما قرب وأن " لا " يمتد النفي فيها ، فكاد يكون عكس قول . وهذه الأقوال ، أعني التوكيد والتأبيد ونفي ما قرب : أقاويل المتأخرين ، وإنما المرجوع في معاني هذه الحروف وتصرفاتها لأئمة العربية المقانع الذين يرجع إلى أقاويلهم . قال الزمخشري - رحمه الله - : ولن نفي لقوله : سيفعل ، وقال : وتكون لا نفيا لقوله : تفعل ، ولم تفعل ، انتهى كلامه . ويعني بقوله : تفعل ، ولم تفعل المستقبل ، فهذا نص منه أنهما ينفيان المستقبل إلا أن لن نفي لما دخلت عليه أداة الاستقبال ، ولا نفي للمضارع الذي يراد به الاستقبال . فلن أخص ، إذ هي داخلة على ما ظهر فيه دليل الاستقبال لفظا . ولذلك وقع الخلاف في لا : هل تختص بنفي المستقبل ، أم يجوز أن تنفي بها الحال ؟ وظاهر كلام سيبويه - رحمه الله - هنا أنها لا تنفي الحال ، إلا أنه قد ذكر في الاستثناء من أدواته لا يكون ولا يمكن حمل النفي فيه على الاستقبال لأنه بمعنى إلا ، فهو للإنشاء ، وإذا كان للإنشاء فهو حال ، فيفيد كلام سيبويه في قوله : وتكون لا نفيا لقوله يفعل ، ولم يفعل هذا الذي ذكر في الاستثناء ، فإذا تقرر هذا الذي ذكرناه ، كان الأقرب من هذه الأقوال قول سيبويه ، أولا : من أن فيها توكيدا وتشديدا لأنها تنفي ما هو مستقبل بالأداة ، بخلاف لا ، فإنها تنفي المراد به الاستقبال مما لا أداة فيه تخلصه له ، ولأن لا قد ينفى بها الحال قليلا ، فلن أخص بالاستقبال وأخص بالمضارع ، ولأن ولن تفعلوا أخصر من : ولا تفعلون ، فلهذا كله ترجيح النفي بلن على النفي بلا . الزمخشري
فاتقوا النار : جواب للشرط ، وكنى به عن ترك العناد ؛ لأن من عاند بعد وضوح الحق له استوجب العقاب بالنار . واتقاء النار من نتائج ترك العناد ومن لوازمه . وعرف النار هنا لأنه قد تقدم ذكرها نكرة في سورة التحريم ، والتي في سورة التحريم نزلت بمكة ، وهذه بالمدينة . وإذا كررت النكرة سابقة ذكرت ثانية بالألف واللام ، وصارت معرفة لتقدمها في الذكر ووصفت بالتي وصلتها ، والصلة معلومة للسامع لتقدم ذكر قوله : ( نارا وقودها الناس والحجارة ) ، أو لسماع ذلك من أهل الكتاب قبل نزول الآية ، والجمهور على فتح الواو . وقرأ الحسن باختلاف ، ومجاهد وطلحة وأبو حياة وعيسى بن عمر الهمداني بضم الواو . وقرأ وقيدها على وزن فعيل . فعلى قراءة الجمهور وقراءة عبيد بن عمير ابن عمير هو الحطب ، وعلى قراءة الضم هو المصدر على حذف مضاف ، أي ذو وقودها لأن الناس والحجارة ليسا هما الوقود ، أو على أن جعلوا نفس الوقود مبالغة ، كما يقول : فلان فخر بلده ، وهذه النار ممتازة عن غيرها بأنها تتقد بالناس والحجارة ، وهما نفس ما يحرق ، وظاهر هذا الوصف أنها نار واحدة ولا يدل على أنها نيران شتى قوله تعالى : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) ، ولا قوله تعالى : ( فأنذرتكم نارا تلظى ) ؛ لأن الوصف قد يكون بالواقع لا للامتياز عن مشترك فيه ، والناس يراد به الخصوص ممن [ ص: 108 ] شاء الله دخولها ، وإن كان لفظه عاما ، والحجارة الأصنام ، وكانا وقودا للنار مقرونين معا ، كما كانا في الدنيا حيث نحتوها وعبدوها آلهة من دون الله . ويوضحه قوله تعالى : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ، أو حجارة الكبريت ، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس . واختصت بذلك لما فيه من سرعة الالتهاب ، ونتن الرائحة ، وعظم الدخان ، وشدة الالتصاق بالبدن ، وقوة حرها إذا حميت . وقيل : هو الكبريت الأسود ، أو حجارة مخصوصة أعدت لجهنم ، إذا اتقدت لا ينقطع وقودها . وقيل : إن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا ، فينشئ الله سحابة سوداء مظلمة ، فيرجون الفرج ، ويرفعون رءوسهم إليها ، فتمطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرحى ، فتزداد النار إيقادا والتهابا إذ الحجارة ما اكتنزوه من الذهب والفضة تقذف معهم في النار ويكوون بها . وعلى هذه الأقوال لا تكون الألف واللام في الحجارة للعموم بل لتعريف الجنس . وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجوز أن تكون لاستغراق الجنس ، ويكون المعنى أن النار التي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين ، فعبر عن صلاحيتها واستعدادها بالأمر المحقق ، قال : وإنما ذكر الناس والحجارة تعظيما لشأن جهنم وتنبيها على شدة وقودها ، ليقع ذلك من النفوس أعظم موقع ، ويحصل به من التخويف ما لا يحصل بغيره ، وليس المراد الحقيقة . وابن جريج
وما ذهب إليه هذا الذاهب من أن هذا الوصف هو بالصلاحية لا بالفعل غير ظاهر ، بل الظاهر أن هذا الوصف واقع لا محالة بالفعل ، ولذلك تكرر الوصف بذلك ، وليس في ذلك أيضا ما يدل على أنها ليس فيها غير الناس والحجارة ، بدليل ما ذكر في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها ، وقدم الناس على الحجارة لأنهم العقلاء الذين يدركون الآلام والمعذبون ، أو لكونهم أكثر إيقادا للنار من الجماد لما فيهم من الجلود واللحوم والشحوم والعظام والشعور ، أو لأن ذلك أعظم في التخويف . فإنك إذا رأيت إنسانا يحرق اقشعر بدنك وطاش لبك ، بخلاف الحجر . قال ابن عطية : وفي قوله تعالى : ( أعدت ) رد على من قال : إن النار لم تخلق حتى الآن ، وهو القول الذي سقط فيه ، انتهى كلامه . ومعناه أنه زعم أن الإعداد لا يكون إلا للموجود ؛ لأن الإعداد هو التهيئة والإرصاد للشيء ، قال الشاعر : منذر بن سعيد
أعددت للحدثان سابغة وعداء علندا
أي هيأت . قالوا : ولا يكون ذلك إلا للموجود . قال بعضهم : أو ما كان في معنى الموجود نحو قوله تعالى : ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . ومنذر الذي ذكره ابن عطية كان يعرف بالبلوطي ، وكان قاضي القضاة بالأندلس ، وكان معتزليا في أكثر [ ص: 109 ] الأصول ظاهريا في الفروع ، وله ذكر ومناقب في التواريخ ، وهو أحد رجالات الكمال بالأندلس . وسرى إليه ذلك القول من قول كثير من المعتزلة ، وهي مسألة تذكر في أصول الدين وهو أن مذهب أهل السنة أن . وذهب كثير من الجنة والنار مخلوقتان على الحقيقة المعتزلة والجهمية والنجاومية إلى أنهما لم يخلقا بعد ، وأنهما سيخلقان . وقرأ عبد الله : اعتدت ، من العتاد بمعنى العدة . وقرأ : أعدها الله للكافرين ، ولا يدل إعدادها للكافرين على أنهم مخصوصون بها ، كما ذهب إليه بعض المتأولين من أن نار العصاة غير نار الكفار ، بل إنما نص على الكافرين لانتظام المخاطبين فيهم ، إذ فعلهم كفر . وقد ثبت في الحديث الصحيح إدخال طائفة من أهل الكبائر النار ، لكنه اكتفى بذكر الكفار تغليبا للأكثر على الأقل ، أو لأن الكافرين يشتمل من كفر بالله وكفر بأنعمه ، أو لأن من أخرج منها من المؤمنين لم تكن معدة له دائما بخلاف الكفار . والجملة من قوله : أعدت للكافرين في موضع الحال من النار ، والعامل فيها : فاتقوا ، قاله ابن أبي عبلة أبو البقاء ، وفي ذلك نظر ؛ لأن جعله الجملة حالا يصير المعنى : فاتقوا النار في حال إعدادها للكافرين ، وهي معدة للكافرين اتقوا النار أو لم يتقوها ، فتكون إذ ذاك حالا لازمة . والأصل في الحال التي ليست للتأكيد أن تكون منتقلة ، والأولى عندي أن تكون الجملة لا موضع لها من الإعراب ، وكأنها سؤال جواب مقدر ، كأنه لما وصفت بأن وقودها الناس والحجارة قيل : لمن أعدت ؟ فقيل : أعدت للكافرين .