والإشارة بـ ( ذلك ) في قوله : ( من بعد ذلك ) إلى قبول ما أوتوه ، أو إلى أخذ الميثاق والوفاء به ، ورفع الجبل ، أو خروج موسى من بينهم ، أو الإيمان . أقوال .
( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) ، الفضل : الإسلام ، والرحمة : القرآن ، قاله أبو العالية . أو الفضل : قبول التوبة ، والرحمة : العفو عن الزلة ، أو الفضل : التوفيق للتوبة ، والرحمة : القبول . أو الفضل : الرحمة ، فأخبر الله عنهم . أو الفضل والرحمة : بعثة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وإدراكهم لمدته ، وعلى هذا القول يكون من تلوين الخطاب ، إذ صار هذا عائدا على الحاضرين . والأقوال قبله تدل على أن المخاطب به من سلف ; لأنه جاء في سياق قصتهم . وفضل الله على مذهب البصريين مرفوع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : موجود ، وما يشبهه مما يليق بالموضع . وعليكم : متعلق بـ ( فضل ) ، أو معمول له ، فلا يكون في موضع الخبر . والتقدير : ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) موجودان .
( لكنتم ) : جواب لولا ، والأكثر أنه إذا كان مثبتا تدخله اللام ، ولم يجئ في القرآن مثبتا إلا باللام ، إلا فيما زعم بعضهم أن قوله تعالى : ( وهم بها ) ، جواب لولا قدم فإنه لا لام معه . وقد جاء في كلام العرب بغير لام ، وبعض النحويين يخص ذلك بالشعر ، قال الشاعر :
لولا الحياء ولولا الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
وقد جاء في كلامهم بعد اللام قد ، قال الشاعر :
لولا الأمير ولولا حق طاعته لقد شربت دما أحلى من العسل
[ ص: 245 ] وقد جاء في كلامهم أيضا حذف اللام وإبقاء ( قد ) نحو : لولا زيد قد أكرمتك .
( من الخاسرين ) : تقدم أن الخسران : هو النقصان ، ومعناه من الهالكين في الدنيا والأخرى . ويحتمل أن يكون ( كان ) هنا بمعنى : صار . قال القشيري : أخذ سبحانه ميثاق المكلفين ، ولكن قوما أجابوه طوعا ; لأنه تعرف إليهم ، فوحدوه ، وقوما أجابوه كرها ; لأنه ستر عليهم فجحدوه ، ولا حجة أقوى من عيان ما رفع فوقهم من الطور ، ولكن عدموا نور البصيرة ، فلم ينفعهم عيان البصر . قال تعالى : ( ثم توليتم ) ، أي رجعتم إلى العصيان بعد مشاهدتكم الإيمان بالعيان ، ولولا حكمه بإمهاله ، وحكمه بإفضاله ، لعاجلكم بالعقوبة ، ولحل بكم عظيم المصيبة .
وقال بعض أهل اللطائف : كانت نفوس بني إسرائيل من ظلمات عصيانها ، تخبط في عشواء حالكة الجلباب ، وتخطر من غلوائها وعلوها ، في حلتي كبر وإعجاب . فلما أمروا بأخذ التوراة ، ورأوا ما فيها من أثقال التكاليف ، ثارت نفوسهم الآبية ، فرفع الله عليهم الجبل ، فوجدوه أثقل مما كلفوه ، فهان عليهم حمل التوراة مع ما فيها من التكليف والنصب ، إذ ذاك أهون من الهلاك ، قال الشاعر :
إلى الله يدعى بالبراهين من أبى فإن لم يجب نادته بيض الصوارم