( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) لما ذكر ( سأريكم دار الفاسقين ) ذكر ما يفعل بهم تعالى من صرفه إياهم عن آياته لفسقهم وخروجهم عن طورهم إلى وصف ليس لهم ، ثم ذكر تعالى من أحوالهم ما استحقوا به اسم الفسق ، قال ابن جبير سأصرفهم عن الاعتبار والاستدلال بالدلائل والآيات على هذه المعجزات وبدائع المخلوقات ، وقال قتادة : سأصدهم عن الإعراض والطعن والتحريف والتبديل والتغيير ، فالآيات : القرآن فإنه مختص بصونه عن ذلك ، وقال سأمنعهم من تدبرها ونظرها النظر الصحيح المؤدي إلى الحق ، وقال سفيان بن عيينة : أجعل جزاءهم سأصرفهم عن دفع الانتقام ، أي : إذا أصابتهم عقوبة لم يدفعها عنهم ، فالآيات على هذا ما حل بهم من المثلات التي [ ص: 390 ] صاروا بها مثلة وعبرة ، وعلى هذه الأقوال يكون الذين يتكبرون عام ، أي : كل من قام به هذا الوصف ، وقيل : هذا من تمام خطاب الزجاج موسى ، والآيات هي التسع التي أعطيها ، والمتكبرون هم فرعون وقومه صرف الله قلوبهم عن الاعتبار بها بما انهمكوا فيه من لذات الدنيا ، وأخذ بعض أقوال المفسرين فقال سأصرف عن آياتي بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها غفلة وانهماكا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم وفيه إنذار المخاطبين من عاقبة والذين يصرفون عن الآيات لتكبرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم . انتهى . والذين يتكبرون عن الإيمان قال الزمخشري ابن عطية : هم الكفرة ، والمعنى في هذه الآية : سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة المتكبرين على تكبرهم . انتهى . وقيل : هم الذين يحتقرون الناس ويرون لهم الفضل عليهم ، وفي الحديث الصحيح : . ويتعلق بغير الحق بـ " يتكبرون " ، أي : بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم ، وقد يكون التكبر بالحق كتكبر المحق على المبطل لقوله تعالى : ( إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس أعزة على الكافرين ) ويجوز أن يكون في موضع الحال ، فيتعلق بمحذوف ، أي : ملتبسين بغير الحق ، والمعنى : غير مستحقين ؛ لأن التكبر بالحق لله وحده ؛ لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد .
( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) وصفهم هذا الوصف الذميم ، وهو التكبر عن الإيمان حتى لو عرضت عليهم كل آية لم يروها آية فيؤمنوا بها ، وهذا ختم منه تعالى على الطائفة التي قدر أن لا يؤمنوا . وقرأ : وإن ( يروا ) بضم الياء . مالك بن دينار