بين رماحي مالك ونهشل
وأمما بدل من اثنتي عشرة ، بمعنى وقطعناهم أمما ; لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد ، وكل واحدة تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف ، انتهى ، وما ذهب إليه من أن كل قبيلة أسباط خلاف ما ذكر الناس ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب ، وقالوا : الأسباط جمع سبط وهم الفرق ، والأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل ويكون على زعمه قوله تعالى : وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط معناه القبيلة ، وقوله : ونظيره :بين رماحي مالك ونهشل
ليس نظيره ; لأن هذا من تثنية الجمع ، وهو لا يجوز إلا في الضرورة ، وكأنه يشير إلى أنه لو لم يلحظ في الجمع كونه أريد به نوع من الرماح لم يصح تثنيته كذلك هنا ، لحظ هنا الأسباط وإن كان جمعا معنى القبيلة فميز به ، كما يميز بالمفرد ، وقال الحوفي : يجوز أن يكون على الحذف ، والتقدير : اثنتي عشرة فرقة ، ويكون أسباطا نعتا لفرقة ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، وأمما نعت لأسباط ، وأنث العدد ، وهو واقع على الأسباط ، وهو مذكر لأنه بمعنى الفرقة أو الأمة ، كما قال : ثلاثة أنفس ، يعني رجالا وعشر أبطن بالنظر إلى القبيلة ، انتهى ، ونظير وصف التمييز المفرد بالجمع مراعاة للمعنى . قول الشاعر :فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كحافته الغراب الأسحم
ولم يقل سوداء . وقيل : جعل كل واحدة من اثنتي عشرة أسباطا ، كما تقول : لزيد دراهم ، ولفلان دراهم ، ولعمر دراهم ، فهذه عشرون دراهم ; وقيل : التقدير : وقطعناهم فرقا اثنتي عشرة ، فلا يحتاج إلى تمييز ، وقال البغوي : في الكلام تأخير وتقديم ، تقديره : وقطعناهم أسباطا أمما اثنتي عشرة ، وهذه كلها تقادير متكلفة ، والأجرى على قواعد العرب القول الذي بدأنا به .
أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه تقدم تفسير نظير هذه الجمل في البقرة ، وانبجست : إن كان معناه ما قال ، فقيل : كان يظهر على كل موضع من الحجر فضربه أبو عمرو بن العلاء موسى ، مثل ثدي [ ص: 408 ] المرأة فيعرق أولا ثم يسيل ، وإن كان مرادفا لانفجرت فلا فرق ، وقال : هنا الأناس اسم جمع غير تكسير ، نحو رخاء وثناء وثؤام وأخوات لها ، ويجوز أن يقال : إن الأصل الكسر والتكسير ، والضمة بدل من الكسر ، كما أبدلت في نحو سكارى وغيارى من الفتحة ، انتهى ، ولا يجوز ما قال ; لوجهين ، أحدهما : أنه لم ينطق بإناس بكسر الهمزة ، فيكون جمع تكسير حتى تكون الضمة بدلا من الكسرة ، بخلاف سكارى وغيارى ، فإن القياس فيه فعالى بفتح فاء الكلمة ، وهو مسموع فيهما ، ( والثاني ) : أن سكارى وغيارى وعجالى وما ورد من نحوها ليست الضمة فيه بدلا من الفتحة ، بل نص الزمخشري في كتابه على أنه جمع تكسير أصل ، كما أن فعالى جمع تكسير أصل وإن كان لا ينقاس الضم ، كما ينقاس الفتح ، قال سيبويه في حد تكسير الصفات : وقد يكسرون بعض هذا على فعالى ، وذلك قول بعضهم : سكارى وعجالى ، وقال سيبويه في الأبنية أيضا : ويكون فعالى في الاسم نحو حبارى وسمانى ولبادى ، ولا يكون وصفا إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع ، نحو عجالى وكسالى وسمانى ، فهذان نصان من سيبويه على أنه جمع تكسير ، وإذا كان جمع تكسير أصلا لم يسغ أن يدعي أن أصله فعالى ، وأنه أبدلت الحركة فيه ، وذهب سيبويه إلى أنه اسم جامع - أعني فعالى بضم الفاء - ، وليس بجمع تكسير المبرد فالزمخشري لم يذهب إلى ما ذهب إليه ، ولا إلى ما ذهب إليه سيبويه ; لأنه عند المبرد اسم جمع ، فالضمة في فائه أصل ليست بدلا من الفتحة ، بل أحدث قولا ثالثا . وقرأ المبرد عيسى الهمداني : ( من طيبات ما رزقتكم ) موحدا للضمير .