فإن قيل : كيف قلتم بوجوبه على القادر على المشي على رجليه ، دون الراحلة مع اعترافكم بقبول تفسير النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالزاد والراحلة ، وذلك يدل على أن المشي على الرجلين ليس من السبيل المذكور في الآية .
فالجواب من وجهين :
الأول : أن الظاهر المتبادر أنه صلى الله عليه وسلم فسر الآية بأغلب حالات الاستطاعة ; لأن الغالب أن أكثر الحجاج أفاقيون ، قادمون من بلاد بعيدة ، والغالب عجز الإنسان عن المشي على رجليه في المسافات الطويلة ، وعدم إمكان سفره بلا زاد ، ففسر صلى الله عليه وسلم الآية بالأغلب ، والقاعدة المقررة في الأصول : أن ، ولأجل هذا منع جماهير العلماء تزويج الرجل ربيبته التي لم تكن في حجره قائلين : إن قوله تعالى : النص إذا كان جاريا على الأمر الغالب ، لا يكون له مفهوم مخالفة اللاتي في حجوركم [ 4 \ 23 ] جرى على الغالب ، فلا مفهوم مخالفة له كما قدمناه مرارا ، وإذا كان أغلب حالات الاستطاعة الزاد والراحلة ، وجرى الحديث على ذلك فلا مفهوم مخالفة له ، فيجب الحج على القادر على المشي على رجليه ، إما لعدم طول المسافة ، وإما لقوة ذلك الشخص على المشي ، وكذلك يجب على ذي الصنعة التي يحصل منها قوته في سفره ، لأنه في حكم واجد الزاد في المعنى ، والعلم عند الله تعالى .
الوجه الثاني : أن الله جل وعلا سوى في كتابه بين الحاج الراكب والحاج الماشي على رجليه . وقدم الماشي على الراكب ، وذلك في قوله تعالى : [ ص: 319 ] وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق [ 22 \ 27 ] .
وقد قدمنا الكلام على هذه الآية الكريمة مستوفى ، هذا هو حاصل ما يتعلق بالمستطيع بنفسه .