البرهان : الدليل الذي لا يترك في الحق لبسا ، وقوله : لا برهان له به كقوله ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا الآية [ 22 \ 71 ] ، والسلطان : هو الحجة الواضحة وهو بمعنى : البرهان ، وقوله في هذه الآية الكريمة فإنما حسابه عند ربه قد بين أن حسابه الذي عند ربه ، لا فلاح له فيه بقوله بعده إنه لا يفلح الكافرون ، ونفي الفلاح عنه يدل على هلاكه وأنه من أهل النار ، وقد حذر الله من دعاء إله معه في آيات كثيرة كقوله : وأعظم الكافرين كفرا هو من يدعو مع الله إلها آخر ، لا برهان له به ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين [ 51 \ 51 ] وقوله : ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ 28 \ 88 ] وقوله تعالى : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا [ 17 \ 22 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، ولا خلاف بين أهل العلم أن قوله هنا : لا برهان له به لا مفهوم مخالفة له ، فلا يصح لأحد أن يقول : أما من عبد معه إلها آخر له برهان به فلا مانع من ذلك ; لاستحالة وجود برهان على عبادة إله آخر معه ، بل البراهين القطعية المتواترة ، دالة على أنه هو المعبود وحده - جل وعلا - ولا يمكن أن يوجد دليل على عبادة غيره ألبتة .
وقد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة ، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم ، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق ، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع .
ومن أمثلته في القرآن هذه الآية ; لأن قوله : لا برهان له به وصف مطابق للواقع ; لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان ، فذكر الوصف لموافقته الواقع ، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق .
ومن أمثلته في القرآن أيضا قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [ 3 \ 28 ] ; لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين ، فقوله من دون المؤمنين ذكر لموافقته للواقع لا لإخراج المفهوم ، عن حكم المنطوق ومعلوم أن ، ممنوع على كل حال ، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في ذكره موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله : اتخاذ [ ص: 365 ] المؤمنين الكافرين أولياء
أو امتنان أو وفاق الواقع والجهل والتأكيد عند السامع