اعلم أن : هو جعل القلادة في العنق . التقليد في اللغة
وتقليد الولاة هو جعل الولايات قلائد في أعناقهم ، ومنه قول لقيط الإيادي :
وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
وأما : فهو الأخذ بمذهب الغير من غير معرفة دليله . التقليد في اصطلاح الفقهاءوالمراد بالمذهب هو ما يصح فيه الاجتهاد خاصة .
[ ص: 305 ] من كتابه أو سنة ثابتة ، سالما من المعارض ; لأن الكتاب والسنة حجة على كل أحد كائنا من كان ، لا تسوغ مخالفتهما البتة لأحد كائنا من كان فيجب التفطن ; لأن المذهب الذي فيه التقليد يختص بالأمور الاجتهادية ولا يتناول ما جاء فيه نص صحيح من الوحي سالم من المعارض . ولا يصح الاجتهاد البتة في شيء يخالف نصا
قال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل في مختصره : مختصرا على مذهب الإمام ما نصه : مالك بن أنس
( والمذهب لغة : الطريق ومكان الذهاب ، ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية ) انتهى محل الغرض منه بلفظه .
فقوله : من الأحكام الاجتهادية تدل على أن اسم المذهب لم يتناول مواقع النصوص الشرعية السالمة من المعارض .
وذلك أمر لا خلاف فيه ; لإجماع العلماء على أن ، أن دليله ذلك باطل بلا خلاف . المجتهد المطلق إذا أقام باجتهاده دليلا ، مخالفا لنص من كتاب أو سنة أو إجماع
وأنه يرد بالقادح المسمى في الأصول بفساد الاعتبار .
الذي هو مخالفة الدليل لنص أو إجماع من القوادح التي لا نزاع في إبطال الدليل بها ، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود في القوادح : وفساد الاعتبار
والخلف للنص أو إجماع دعا فسادا لاعتبار كل من وعى وبما ذكرنا
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن بعض الناس من المتأخرين أجاز التقليد ، ولو كان فيه مخالفة نصوص الوحي ، كما ذكرنا عن الصاوي وأضرابه .
وعليه أكثر المقلدين للمذاهب في هذا الزمان وأزمان قبله .
وبعض العلماء منع التقليد مطلقا ، وممن ذهب إلى ذلك ابن خويز منداد من المالكية ، والشوكاني في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد .
[ ص: 306 ] والتحقيق : أن التقليد منه ما هو جائز ، ومنه ما ليس بجائز ، ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين من الصحابة وغيرهم من القرون الثلاثة المفضلة .