قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=23683_29020_32305_32459_32460_32461_32462ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون .
سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009463لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد تميم ، أشار عليه أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس ، وأشار عليه عمر أن يؤمر عليهم الأقرع بن حابس بن عقال ، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما فأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه وغيره .
وهذه الآية الكريمة علم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحترموه ويوقروه ، فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته ، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض ، أي ينادونه باسمه : يا
محمد ، يا
أحمد ، كما ينادي بعضهم بعضا .
وإنما أمروا أن يخاطبوه خطابا يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض ، كأن
[ ص: 402 ] يقولوا : يا نبي الله أو يا رسول الله ونحو ذلك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أن تحبط أعمالكم أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم ، أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحبط أعمالكم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وأنتم لا تشعرون أي : لا تعلمون بذلك .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من لزوم
nindex.php?page=treesubj&link=23683_23680_32458توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه واحترامه جاء مبينا في مواضع أخر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [ 48 \ 9 ] ، على القول بأن الضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9وتعزروه وتوقروه للنبي - صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ 24 \ 63 ] ، كما تقدم وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه [ 7 \ 157 ] ، وقوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2ولا تجهروا له بالقول أي لا تنادوه باسمه : كـ : يا
محمد .
وقد دلت آيات من كتاب الله على أن
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31034الله تعالى لا يخاطبه في كتابه باسمه ، وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم والتوقير ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73ياأيها النبي [ 9 \ 73 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41ياأيها الرسول [ 5 \ 41 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1ياأيها المزمل [ 73 \ 1 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=1ياأيها المدثر [ 74 \ 1 ] ، مع أنه ينادي غيره من الأنبياء بأسمائهم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وقلنا ياآدم [ 2 \ 35 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وناديناه أن ياإبراهيم [ 37 \ 104 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قال يانوح إنه ليس من أهلك [ 11 \ 46 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قيل يانوح اهبط بسلام منا [ 11 \ 48 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس [ 7 \ 144 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك [ 3 \ 55 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ياداود إنا جعلناك خليفة [ 38 \ 29 ] .
أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب ، وإنما يذكر في غير ذلك كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [ 3 \ 144 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=2وآمنوا بما نزل على محمد [ 47 \ 2 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله والذين معه [ 48 \ 29 ] .
وقد بين تعالى أن توقيره واحترامه - صلى الله عليه وسلم - بغض الصوت عنده لا يكون إلا من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، أي أخلصها لها وأن لهم بذلك عند الله المغفرة والأجر العظيم ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=3إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم [ 49 \ 3 ] .
[ ص: 403 ] وقال بعض العلماء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2ولا تجهروا له بالقول أي لا ترفعوا عنده الصوت كرفع بعضكم صوته عند بعض .
قال
القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه : وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا ، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة ، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة ، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم ، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة ، وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها . انتهى محل الغرض منه .
وظاهر هذه الآية الكريمة أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر ، وقد قال
القرطبي : إنه لا يحبط عمله بغير شعوره ، وظاهر الآية يرد عليه .
وقد قال
ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه : وقوله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري ، كما جاء في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009464 " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " انتهى محل الغرض منه بلفظه .
ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=32461_32459حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته كحرمته في أيام حياته ، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره - صلى الله عليه وسلم - وهم في صخب ولغط . وأصواتهم مرتفعة ارتفاعا مزعجا كله لا يجوز ، ولا يليق ، وإقرارهم عليه من المنكر .
وقد شدد
عمر رضي الله عنه النكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وقال : لو كنتما من
أهل المدينة لأوجعتكما ضربا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=23683_29020_32305_32459_32460_32461_32462يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ .
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009463لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ تَمِيمٍ ، أَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمُ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدَسٍ ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمُ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي ، فَقَالَ عُمْرُ : مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعَظِّمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَرِمُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ ، فَنَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ فَوْقَ صَوْتِهِ ، وَعَنْ أَنْ يَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، أَيْ يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ : يَا
مُحَمَّدُ ، يَا
أَحْمَدُ ، كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا .
وَإِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُخَاطِبُوهُ خِطَابًا يَلِيقُ بِمَقَامِهِ لَيْسَ كَخِطَابِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، كَأَنْ
[ ص: 402 ] يَقُولُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ أَيْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ، أَوْ يَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ كَرَاهَةَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَيْ : لَا تَعْلَمُونَ بِذَلِكَ .
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ لُزُومِ
nindex.php?page=treesubj&link=23683_23680_32458تَوْقِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِهِ وَاحْتِرَامِهِ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [ 48 \ 9 ] ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [ 24 \ 63 ] ، كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ [ 7 \ 157 ] ، وَقَوْلُهُ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ أَيْ لَا تُنَادُوهُ بِاسْمِهِ : كَـ : يَا
مُحَمَّدُ .
وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31034اللَّهَ تَعَالَى لَا يُخَاطِبُهُ فِي كِتَابِهِ بِاسْمِهِ ، وَإِنَّمَا يُخَاطِبُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ [ 9 \ 73 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ [ 5 \ 41 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ 73 \ 1 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=1يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ 74 \ 1 ] ، مَعَ أَنَّهُ يُنَادِي غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِأَسْمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَقُلْنَا يَاآدَمُ [ 2 \ 35 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ [ 37 \ 104 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [ 11 \ 46 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا [ 11 \ 48 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [ 7 \ 144 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [ 3 \ 55 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً [ 38 \ 29 ] .
أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي خِطَابٍ ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [ 3 \ 144 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=2وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [ 47 \ 2 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [ 48 \ 29 ] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ تَوْقِيرَهُ وَاحْتِرَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَضِّ الصَّوْتِ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ، أَيْ أَخْلَصَهَا لَهَا وَأَنَّ لَهُمْ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ وَالْأَجْرَ الْعَظِيمَ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=3إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [ 49 \ 3 ] .
[ ص: 403 ] وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ أَيْ لَا تَرْفَعُوا عِنْدَهُ الصَّوْتَ كَرَفْعِ بَعْضِكُمْ صَوْتَهُ عِنْدَ بَعْضٍ .
قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا نَصُّهُ : وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْهُوا عَنِ الْجَهْرِ مُطْلَقًا ، حَتَّى لَا يَسُوغَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِالْهَمْسِ وَالْمُخَافَتَةِ ، وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ جَهْرٍ مَخْصُوصٍ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ ، أَعْنِي الْجَهْرَ الْمَنْعُوتَ بِمُمَاثَلَةِ مَا قَدِ اعْتَادُوهُ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَهُوَ الْخُلُوُّ مِنْ مُرَاعَاةِ أُبَّهَةِ النُّبُوَّةِ ، وَجَلَالَةِ مِقْدَارِهَا وَانْحِطَاطِ سَائِرِ الرُّتَبِ وَإِنْ جَلَّتْ عَنْ رُتْبَتِهَا . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُحْبَطُ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ، وَقَدْ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : إِنَّهُ لَا يَحْبَطُ عَمَلَهُ بِغَيْرِ شُعُورِهِ ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ .
وَقَدْ قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا نَصُّهُ : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَيْ إِنَّمَا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْضَبَ مِنْ ذَلِكَ فَيَغْضَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِغَضَبِهِ فَيَحْبَطَ عَمَلُ مَنْ أَغْضَبَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009464 " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يُكْتَبُ لَهُ بِهَا الْجَنَّةُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32461_32459حُرْمَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ كَحُرْمَتِهِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْيَوْمَ مِنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ قُرْبَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي صَخَبٍ وَلَغَطٍ . وَأَصْوَاتُهُمْ مُرْتَفِعَةٌ ارْتِفَاعًا مُزْعِجًا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَلِيقُ ، وَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنْكَرِ .
وَقَدْ شَدَّدَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّكِيرَ عَلَى رَجُلَيْنِ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ : لَوْ كُنْتُمَا مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَوْجَعَتْكُمَا ضَرْبًا .