مسألتان
الأولى : اعلم
nindex.php?page=treesubj&link=10028_19051أن عدم احترام النبي - صلى الله عليه وسلم - المشعر بالغض منه ، أو تنقيصه - صلى الله عليه وسلم - والاستخفاف به أو الاستهزاء به - ردة عن الإسلام وكفر بالله .
وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وسخروا منه في غزوة
تبوك لما ضلت
[ ص: 404 ] راحلته :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [ 9 \ 65 - 66 ] .
المسألة الثانية : وهي من أهم المسائل ، اعلم أنه يجب على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته ، التي لا يجوز صرفها لغيره ، وبين حقوق خلقه كحق النبي - صلى الله عليه وسلم - ليضع كل شيء في موضعه ، على ضوء ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا القرآن العظيم والسنة الصحيحة .
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30489_32498من الحقوق الخاصة بالله التي هي من خصائص ربوبيته - التجاء عبده إليه إذا دهمته الكروب التي لا يقدر على كشفها إلا الله .
فالتجاء المضطر الذي أحاطت به الكروب ودهمته الدواهي لا يجوز إلا لله وحده ، لأنه من خصائص الربوبية ، فصرف ذلك الحق لله وإخلاصه له هو عين طاعة الله ومرضاته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومرضاته ، وهو عين التوقير والتعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن أعظم أنواع توقيره وتعظيمه هو اتباعه والاقتداء به في إخلاص التوحيد والعبادة له وحده - جل وعلا .
وقد بين - جل وعلا - في آيات كثيرة من كتابه أن التجاء المضطر من عباده إليه وحده في أوقات الشدة والكرب من خصائص ربوبيته تعالى .
من أصرح ذلك الآيات التي في سورة النمل ، أعني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ 27 \ 59 - 64 ] .
فإنه - جل وعلا - قال في هذه الآيات الكريمات العظيمات :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون [ 27 \ 59 ] .
ثم بين
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28659خصائص ربوبيته الدالة على أنه المعبود وحده ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون [ 27 \ 60 ] .
فهذه المذكورات التي هي خلق السماوات والأرض ، وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق ذات البهجة ، التي لا يقدر على إنبات شجرها إلا الله - من خصائص ربوبية الله ;
[ ص: 405 ] ولذا قال تعالى بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أإله مع الله يقدر على خلق السماوات والأرض وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق به ، والجواب لا ; لأنه لا إله إلا الله وحده .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون [ 27 \ 61 ] .
فهذه المذكورات أيضا ، التي هي جعل الأرض قرارا ، وجعل الأنهار خلالها ، وجعل الجبال الرواسي فيها ، وجعل الحاجز بين البحرين - من خصائص ربوبيته - جل وعلا - ولذا قال بعد ذكرها
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أإله مع الله ؟ والجواب : لا .
فالاعتراف لله - جل وعلا - بأن خلق السماوات والأرض وإنزال الماء وإنبات النبات ونحو ذلك مما ذكر في الآيات من خصائص ربوبيته - جل وعلا - هو الحق ، وهو من طاعة الله ورسوله ، ومن تعظيم الله وتعظيم رسوله بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في تعظيم الله .
ثم قال تعالى وهو محل الشاهد :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون [ 27 \ 62 ] .
فهذه المذكورات التي هي إجابة المضطر إذا دعا ، وكشف السوء وجعل الناس خلفاء في الأرض من خصائص ربوبيته - جل وعلا - ولذا قال بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أإله مع الله قليلا ما تذكرون .
فتأمل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أإله مع الله مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء - تعلم أن إجابة المضطرين إذا التجئوا ودعوا وكشف السوء عن المكروبين ، لا فرق في كونه من خصائص الربوبية بينه وبين خلق السماوات والأرض ، وإنزال الماء وإنبات النبات ، ونصب الجبال وإجراء الأنهار ، لأنه - جل وعلا - ذكر الجميع بنسق واحد في سياق واحد ، وأتبع جميعه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أإله مع الله .
فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله توجه إليه الإنكار السماوي الذي هو في ضمن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أإله مع الله فلا فرق البتة بين تلك المذكورات في كونها كلها من خصائص الربوبية .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون [ 27 \ 63 ] .
[ ص: 406 ] فهذه المذكورات التي هي هدي الناس في ظلمات البر والبحر ، وإرسال الرياح بشرا ، أي مبشرات ، بين يدي رحمته التي هي المطر - من خصائص ربوبيته - جل وعلا .
ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أإله مع الله ، ثم نزه - جل وعلا - نفسه عن أن يكون معه إله يستحق شيئا مما ذكر فقال - جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63تعالى الله عما يشركون .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ 27 \ 64 ] .
فهذه المذكورات التي هي
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30337_30340بدء خلق الناس وإعادته يوم البعث ، ورزقه للناس من السماء بإنزال المطر ، ومن الأرض بإنبات النبات - من خصائص ربوبيته - جل وعلا - ولذا قال بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أإله مع الله .
ثم عجز - جل وعلا - كل من يدعي شيئا من ذلك كله لغير الله ، فقال آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يخاطبهم بصيغة التعجيز :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
وقد اتضح من هذه الآيات القرآنية أن
nindex.php?page=treesubj&link=19749إجابة المضطرين الداعين ، وكشف السوء عن المكروبين ، من خصائص الربوبية كخلق السماوات والأرض وإنزال الماء ، وإنبات النبات ، والحجز بين البحرين إلى آخر ما ذكر .
وكون إجابة المضطرين وكشف السوء عن المكروبين من خصائص الربوبية ، كما أوضحه تعالى في هذه الآيات من سورة النمل - جاء موضحا في آيات أخر ، كقوله تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده [ 10 \ 107 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير [ 6 \ 17 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له [ 35 \ 2 ] .
فعلينا معاشر المسلمين أن نتأمل هذه الآيات القرآنية ونعتقد ما تضمنته ونعمل به
[ ص: 407 ] لنكون بذلك مطيعين لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - معظمين لله ولرسوله ; لأن أعظم أنواع تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو اتباعه والاقتداء به في إخلاص العبادة لله - جل وعلا - وحده .
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678_30999فإخلاص العبادة له - جل وعلا - وحده هو الذي كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - ويأمر به وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ 98 \ 5 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=11قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه [ 39 \ 11 - 15 ] .
واعلم أن الكفار في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعلمون علما يقينا أن ما ذكر من إجابة المضطر وكشف السوء عن المكروب ، من خصائص الربوبية وكانوا إذا دهمتهم الكروب ، كإحاطة الأمواج بهم في البحر في وقت العواصف يخلصون الدعاء لله وحده ، لعلمهم أن كشف ذلك من خصائصه ، فإذا أنجاهم من الكرب رجعوا إلى الإشراك .
وقد بين الله - جل وعلا - هذا في آيات من كتابه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق [ 10 \ 22 - 23 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية [ 6 \ 63 - 65 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون [ 6 \ 40 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا [ 17 \ 67 - 69 ] .
[ ص: 408 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد [ 31 \ 32 ] .
وقد قدمنا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه [ 17 \ 67 ] ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=33960سبب إسلام nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم -
مكة ذهب فارا منه إلى بلاد
الحبشة فركب في البحر متوجها إلى
الحبشة فجاءتهم ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده . فقال
عكرمة في نفسه : والله إن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره . اللهم لك علي عهد لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد
محمد - صلى الله عليه وسلم - فلأجدنه رءوفا رحيما ، فخرجوا من البحر فخرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه . انتهى .
وقد قدمنا هناك أن بعض المتسمين باسم الإسلام أسوأ حالا من هؤلاء الكفار المذكورين ; لأنهم في وقت الشدائد يلجئون لغير الله طالبين منه ما يطلب المؤمنون من الله ، وبما ذكر تعلم أن ما انتشر في أقطار الدنيا من
nindex.php?page=treesubj&link=29431_29432الالتجاء في أوقات الكروب والشدائد إلى غير الله - جل وعلا - كما يفعلون ذلك قرب قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند قبور من يعتقدون فيهم الصلاح زاعمين أن ذلك من دين الله ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه ومحبة الصالحين ، كله من أعظم الباطل ، وهو انتهاك لحرمات الله وحرمات رسوله .
لأن صرف الحقوق الخاصة بالخالق التي هي من خصائص ربوبيته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره ممن يعتقد فيهم الصلاح - مستوجب سخط الله وسخط النبي - صلى الله عليه وسلم - وسخط كل متبع له بالحق .
ومعلوم أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يأمر بذلك هو ولا أحد من أصحابه ، وهو ممنوع في شريعة كل نبي من الأنبياء ، والله - جل وعلا - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ 3 \ 79 - 80 ] .
[ ص: 409 ] بل الذي كان يأمر به - صلى الله عليه وسلم - هو ما يأمره الله بالأمر به في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ 3 \ 64 ] .
واعلم أن كل عاقل إذا رأى رجلا متدينا في زعمه مدعيا حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وهو يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمدحه بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأنزل الماء من السماء وأنبت به الحدائق ذات البهجة ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا إلى آخر ما تضمنته الآيات المتقدمة ، فإن ذلك العاقل لا يشك في أن ذلك المادح المعظم في زعمه من أعداء الله ورسوله المتعدين لحدود الله .
وقد علمت من الآيات المحكمات أنه لا فرق بين ذلك وبين إجابة المضطرين وكشف السوء عن المكروبين .
فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومة الجهل وأن نعظم ربنا بامتثال أمره واجتناب نهيه ، وإخلاص العبادة له ، وتعظيم نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباعه والاقتداء به في تعظيم الله والإخلاص له والاقتداء به في كل ما جاء به .
وألا نخالفه - صلى الله عليه وسلم - ولا نعصيه ، وألا نفعل شيئا يشعر بعدم التعظيم والاحترام ، كرفع الأصوات قرب قبره - صلى الله عليه وسلم - وقصدنا النصيحة والشفقة لإخواننا المسلمين ليعملوا بكتاب الله ، ويعظموا نبيه - صلى الله عليه وسلم - تعظيم الموافق لما جاء به - صلى الله عليه وسلم - ويتركوا ما يسميه الجهلة محبة وتعظيما وهو في الحقيقة احتقار وازدراء وانتهاك لحرمات الله ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم : ليس
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا [ 4 \ 123 - 124 ] .
واعلم أيضا رحمك الله : أنه لا فرق بين ما ذكرنا من إجابة المضطر وكشف السوء عن المكروب ، وبين تحصيل المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله ، كالحصول على الأولاد والأموال وسائر أنواع الخير .
[ ص: 410 ] فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28684_30489_28657التجاء العبد إلى ربه في ذلك أيضا من خصائص ربوبيته - جل وعلا - كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31قل من يرزقكم من السماء والأرض [ 10 \ 31 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له [ 29 \ 17 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور [ 42 \ 49 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات [ 16 \ 72 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32واسألوا الله من فضله [ 4 \ 32 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007467 " إذا سألت فاسأل الله " .
وقد أثنى الله - جل وعلا - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالتجائهم إليه وقت الكرب يوم بدر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=9إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم [ 8 \ 9 ] ، فنبينا - صلى الله عليه وسلم - كان هو وأصحابه إذا أصابهم أمر أو كرب التجئوا إلى الله وأخلصوا له الدعاء ، فعلينا أن نتبع ولا نبتدع .
تنبيه
اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يتأمل في
nindex.php?page=treesubj&link=29530معنى العبادة ، وهي تشمل جميع ما أمر الله أن يتقرب إليه به من جميع القربات فيخلص تقربه بذلك إلى الله ولا يصرف شيئا منه لغير الله كائنا ما كان .
والظاهر أن ذلك يشمل هيئات العبادة فلا ينبغي للمسلم عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يضع يده اليمنى على اليسرى كهيئة المصلي ، لأن هيئة الصلاة داخلة في جملتها فينبغي أن تكون خالصة لله ، كما كان - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه يخلصون العبادات وهيئاتها لله وحده .
مَسْأَلَتَانِ
الْأُولَى : اعْلَمْ
nindex.php?page=treesubj&link=10028_19051أَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْعِرَ بِالْغَضِّ مِنْهُ ، أَوْ تَنْقِيصَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاسْتِخْفَافَ بِهِ أَوِ الِاسْتِهْزَاءَ بِهِ - رِدَّةٌ عَنِ الْإِسْلَامِ وَكُفْرٌ بِاللَّهِ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الَّذِينَ اسْتَهْزَءُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَخِرُوا مِنْهُ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ لَمَّا ضَلَّتْ
[ ص: 404 ] رَاحِلَتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=65وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ 9 \ 65 - 66 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ الْمَسَائِلِ ، اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ ، الَّتِي لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِ ، وَبَيْنَ حُقُوقِ خَلْقِهِ كَحَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ ، عَلَى ضَوْءِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30489_32498مِنَ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - الْتِجَاءَ عَبْدِهِ إِلَيْهِ إِذَا دَهَمَتْهُ الْكُرُوبُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى كَشْفِهَا إِلَّا اللَّهُ .
فَالْتِجَاءُ الْمُضْطَرِّ الَّذِي أَحَاطَتْ بِهِ الْكُرُوبُ وَدَهَمَتْهُ الدَّوَاهِي لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ ، فَصَرْفُ ذَلِكَ الْحَقِّ لِلَّهِ وَإِخْلَاصُهُ لَهُ هُوَ عَيْنُ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرْضَاتِهِ ، وَهُوَ عَيْنُ التَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ هُوَ اتِّبَاعُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا .
وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ الْتِجَاءَ الْمُضْطَرِّ مِنْ عِبَادِهِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى .
مِنْ أَصْرَحِ ذَلِكَ الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ ، أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ 27 \ 59 - 64 ] .
فَإِنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ الْعَظِيمَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ [ 27 \ 59 ] .
ثُمَّ بَيَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28659خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [ 27 \ 60 ] .
فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنْبَاتُ الْحَدَائِقِ ذَاتِ الْبَهْجَةِ ، الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إِنْبَاتِ شَجَرِهَا إِلَّا اللَّهُ - مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ ;
[ ص: 405 ] وَلِذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنْبَاتِ الْحَدَائِقِ بِهِ ، وَالْجَوَابُ لَا ; لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [ 27 \ 61 ] .
فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ أَيْضًا ، الَّتِي هِيَ جَعْلُ الْأَرْضِ قَرَارًا ، وَجَعْلُ الْأَنْهَارِ خِلَالَهَا ، وَجَعْلُ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي فِيهَا ، وَجَعْلُ الْحَاجِزِ بَيْنَ الْبَحْرِينِ - مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَلِذَا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ وَالْجَوَابُ : لَا .
فَالِاعْتِرَافُ لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنْزَالَ الْمَاءِ وَإِنْبَاتَ النَّبَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَاتِ مِنْ خَصَائِصِ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - هُوَ الْحَقُّ ، وَهُوَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَتَعْظِيمِ رَسُولِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [ 27 \ 62 ] .
فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ إِجَابَةُ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَا ، وَكَشْفُ السُّوءِ وَجَعْلُ النَّاسِ خُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَلِذَا قَالَ بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ .
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ - تَعْلَمْ أَنَّ إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّينَ إِذَا الْتَجَئُوا وَدَعَوْا وَكَشْفَ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ ، لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنْزَالِ الْمَاءِ وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ ، وَنَصْبِ الْجِبَالِ وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ ، لِأَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - ذَكَرَ الْجَمِيعَ بِنَسَقٍ وَاحِدٍ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ ، وَأَتْبَعَ جَمِيعَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ .
فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْإِنْكَارُ السَّمَاوِيُّ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ فَلَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فِي كَوْنِهَا كُلِّهَا مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [ 27 \ 63 ] .
[ ص: 406 ] فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ هَدْيُ النَّاسِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَإِرْسَالُ الرِّيَاحِ بُشْرًا ، أَيْ مُبَشِّرَاتٍ ، بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَطَرُ - مِنْ خَصَائِصِ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا .
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ، ثُمَّ نَزَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ فَقَالَ - جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=63تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ 27 \ 64 ] .
فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30337_30340بَدْءُ خَلْقِ النَّاسِ وَإِعَادَتُهُ يَوْمَ الْبَعْثِ ، وَرِزْقُهُ لِلنَّاسِ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ ، وَمِنَ الْأَرْضِ بِإِنْبَاتِ النَّبَاتِ - مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَلِذَا قَالَ بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ .
ثُمَّ عَجَّزَ - جَلَّ وَعَلَا - كُلَّ مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَقَالَ آمِرًا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِصِيغَةِ التَّعْجِيزِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=64قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وَقَدِ اتَّضَحَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19749إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّينَ الدَّاعِينَ ، وَكَشْفَ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ ، مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ كَخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنْزَالِ الْمَاءِ ، وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ ، وَالْحَجْزِ بَيْنَ الْبَحْرِينِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ .
وَكَوْنُ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ وَكَشْفُ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ ، كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [ 10 \ 107 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ 6 \ 17 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ [ 35 \ 2 ] .
فِعْلَيْنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ وَنَعْتَقِدَ مَا تَضَمَّنَتْهُ وَنَعْمَلَ بِهِ
[ ص: 407 ] لِنَكُونَ بِذَلِكَ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَظِّمِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ; لِأَنَّ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ تَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ اتِّبَاعُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَحْدَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28678_30999فَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْمُرُ بِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ 98 \ 5 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=11قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [ 39 \ 11 - 15 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّ وَكَشْفَ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِ ، مِنْ خَصَائِصَ الرُّبُوبِيَّةِ وَكَانُوا إِذَا دَهَمَتْهُمُ الْكُرُوبُ ، كَإِحَاطَةِ الْأَمْوَاجِ بِهِمْ فِي الْبَحْرِ فِي وَقْتِ الْعَوَاصِفِ يُخْلِصُونَ الدُّعَاءَ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ كَشْفَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ ، فَإِذَا أَنْجَاهُمْ مِنَ الْكَرْبِ رَجَعُوا إِلَى الْإِشْرَاكِ .
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - هَذَا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=23فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [ 10 \ 22 - 23 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ الْآيَةَ [ 6 \ 63 - 65 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [ 6 \ 40 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا [ 17 \ 67 - 69 ] .
[ ص: 408 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [ 29 \ 65 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [ 31 \ 32 ] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [ 17 \ 67 ] ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33960سَبَبَ إِسْلَامِ nindex.php?page=showalam&ids=28عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَكَّةَ ذَهَبَ فَارًّا مِنْهُ إِلَى بِلَادِ
الْحَبَشَةِ فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ مُتَوَجِّهًا إِلَى
الْحَبَشَةِ فَجَاءَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ ، فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ وَحْدَهُ . فَقَالَ
عِكْرِمَةُ فِي نَفْسِهِ : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ . اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ لَئِنْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهُ لَأَذْهَبَنَّ فَلَأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا ، فَخَرَجُوا مِنَ الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . انْتَهَى .
وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَسَمِّينَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ ; لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ الشَّدَائِدِ يَلْجَئُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ طَالِبِينَ مِنْهُ مَا يَطْلُبُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ اللَّهِ ، وَبِمَا ذُكِرَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا انْتَشَرَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=29431_29432الِالْتِجَاءِ فِي أَوْقَاتِ الْكُرُوبِ وَالشَّدَائِدِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - كَمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قُرْبَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ قُبُورِ مَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الصَّلَاحَ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ ، كُلُّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ ، وَهُوَ انْتِهَاكٌ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ وَحُرُمَاتِ رَسُولِهِ .
لِأَنَّ صَرْفَ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ بِالْخَالِقِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ فِيهِمُ الصَّلَاحُ - مُسْتَوْجِبٌ سَخَطَ اللَّهِ وَسَخَطَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَخَطَ كُلِّ مُتَّبِعٍ لَهُ بِالْحَقِّ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي شَرِيعَةِ كُلِّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ 3 \ 79 - 80 ] .
[ ص: 409 ] بَلِ الَّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ 3 \ 64 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ إِذَا رَأَى رَجُلًا مُتَدَيِّنًا فِي زَعْمِهِ مُدَّعِيًا حُبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمَهُ وَهُوَ يُعَظِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَمْدَحُهُ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ وَأَنْبَتَ بِهِ الْحَدَائِقَ ذَاتَ الْبَهْجَةِ ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا إِلَى آخِرِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَاقِلَ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْمَادِحَ الْمُعَظِّمَ فِي زَعْمِهِ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِ اللَّهِ .
وَقَدْ عَلِمْتَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ وَكَشْفِ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ .
فِعْلَيْنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَنْتَبِهَ مِنْ نَوْمَةِ الْجَهْلِ وَأَنْ نُعَظِّمَ رَبَّنَا بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ ، وَتَعْظِيمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ .
وَأَلَّا نُخَالِفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَعْصِيَهُ ، وَأَلَّا نَفْعَلَ شَيْئًا يُشْعِرُ بِعَدَمِ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ ، كَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ قُرْبَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصْدُنَا النَّصِيحَةُ وَالشَّفَقَةُ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ لِيَعْمَلُوا بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيُعَظِّمُوا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمَ الْمُوَافِقِ لِمَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتْرُكُوا مَا يُسَمِّيهِ الْجَهَلَةُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ احْتِقَارٌ وَازْدِرَاءٌ وَانْتِهَاكٌ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ ، وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [ 4 \ 123 - 124 ] .
وَاعْلَمْ أَيْضًا رَحِمَكَ اللَّهُ : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّ وَكَشْفِ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِ ، وَبَيْنَ تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ ، كَالْحُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ .
[ ص: 410 ] فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28684_30489_28657الْتِجَاءَ الْعَبْدِ إِلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [ 10 \ 31 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ [ 29 \ 17 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [ 42 \ 49 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [ 16 \ 72 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [ 4 \ 32 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007467 " إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ " .
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بِالْتِجَائِهِمْ إِلَيْهِ وَقْتَ الْكَرْبِ يَوْمَ بَدْرٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=9إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [ 8 \ 9 ] ، فَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا أَصَابَهُمْ أَمْرٌ أَوْ كَرْبٌ الْتَجَئُوا إِلَى اللَّهِ وَأَخْلَصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ وَلَا نَبْتَدِعَ .
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29530مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ تَشْمَلُ جَمِيعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْقُرُبَاتِ فَيُخْلِصَ تَقَرُّبَهُ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَلَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْهُ لِغَيْرِ اللَّهِ كَائِنًا مَا كَانَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ هَيْئَاتِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَهَيْئَةِ الْمُصَلِّي ، لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ دَاخِلَةٌ فِي جُمْلَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِلَّهِ ، كَمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ يُخْلِصُونَ الْعِبَادَاتِ وَهَيْئَاتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ .