بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر ، فأخرجه الله صاغرا حقيرا ذليلا ، متصفا بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة ، وذلك في قوله : فاخرج إنك من الصاغرين [ 7 \ 13 ] ، والصغار : أشد الذل والهوان ، وقوله : اخرج منها مذءوما مدحورا [ 7 \ 18 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، ويفهم من الآية أن ، وإنما يحصل له نقيض ذلك . وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله : المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [ 40 \ 56 ] . وبين في مواضع أخر كثيرا من ، أعاذنا الله والمسلمين منه ، فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله ، والاهتداء بها كما في قوله تعالى : العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق الآية [ 7 \ 146 ] . ومن ذلك أنه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى : أليس في جهنم مثوى للمتكبرين [ 39 \ 60 ] ، وقوله : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون [ 37 \ 35 ] ، ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله : لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين [ 16 \ 23 ] ، ومن ذلك أن موسى استعاذ من المتصف به ولا يستعاذ إلا مما هو شر ، كما في قوله : وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [ 40 \ 27 ] إلى غير ذلك من [ ص: 11 ] نتائجه السيئة ، وعواقبه الوخيمة ، ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية : أن . المتواضع لله جل وعلا يرفعه الله
وقد أشار تعالى إلى له عنده في مواضع أخر كقوله : مكانة المتواضعين وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 \ 63 ] ، وقوله : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين [ 28 \ 83 ] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " ، وقد قال الشاعر : [ الطويل ]
تواضع تكن كالبدر تبصر وجهه على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
إلى صفحات الجو وهو وضيع
ولو لم يعل إلا ذو محل تعال الجيش وانحط القتام