لم يعين تعالى في هذه الآية [ ص: 106 ] الكريمة ، واختلف العلماء في هذه الآية ، هل جاء في القرآن ما يبين المراد منها أو لا ، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها بينتها آيات المواريث ، كما قدمنا نظيره في قوله : المراد بأولي الأرحام للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون [ 4 \ 7 ] .
قالوا : فلا إرث لأحد من أولي الأرحام غير من عينت لهم حقوقهم في آيات المواريث .
وممن قال بهذا ، زيد بن ثابت ومالك ، ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأبو ثور وداود ، وغيرهم ، وقالوا : الباقي عن نصيب الورثة المنصوص على إرثهم لبيت مال المسلمين ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " وابن جرير " رواه إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث الإمام أحمد وصححه ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارقطني والبيهقي ، من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه أيضا ، الإمام أحمد وأبو داود ، ، والترمذي من حديث وابن ماجه أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحسنه الترمذي ، ولا يضعف بأن في إسناده وابن حجر ، لما قدمنا مرارا أن روايته عن الشاميين قوية ، وشيخه في حديث إسماعيل بن عياش أبي أمامة هذا شرحبيل بن مسلم ، وهو شامي ثقة ، وقد صرح في روايته بالتحديث .
وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق فيه لين ، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي صححه الترمذي ، من رواية عمرو بن خارجة ، وحسنه الترمذي ، من رواية وابن حجر أبي أمامة : " " يدل بعمومه على أنه لم يبق في التركة حق لغير من عينت لهم أنصباؤهم في آيات المواريث . إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه
وقد قال بعض أهل هذا القول : المراد بذوي الأرحام العصبة خاصة ، قالوا : ومنه قول العرب : وصلتك رحم ، يعنون قرابة الأب دون قرابة الأم ، ومنه قول قتيلة بن الحارث ، أو بنت النضر بنت الحارث : [ الكامل ]
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق
فأطلقت الأرحام على قرابة بني أبيه ، والأظهر على القول بعدم التوريث ، أن المراد بذوي الأرحام القرباء ، الذين بينت حقوقهم بالنص مطلقا . واحتج أيضا من قال : لا يرث ذوو الأرحام ، بما روي عن ، عطاء بن يسار ، أخرجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة فأنزل عليه : " لا ميراث لهما " أبو داود ، في المراسيل ، والدارقطني والبيهقي ، من طريق ، عن زيد بن أسلم عطاء ، مرسلا ، وأخرجه في [ ص: 107 ] " سننه " ، النسائي وعبد الرزاق ، ، من مرسل وابن أبي شيبة ، ليس فيه ذكر زيد بن أسلم عطاء ، ورد المخالف هذا بأنه مرسل .وأجيب بأن مشهور مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد : الاحتجاج بالمرسل ، وبأنه رواه البيهقي ، والحاكم ، ، موصولا من حديث والطبراني أبي سعيد ، وما ذكره البيهقي من وصله من طريقين .
إحداهما : من رواية ضرار بن صرد أبي نعيم .
والثانية : من رواية ، عن شريك بن أبي نمر الحارث بن عبد ، مرفوعا .
وقال محشيه ، صاحب " الجوهر النقي " في ضرار المذكور : إنه متروك ، وعزا ذلك ، وعزا تكذيبه للنسائي . ليحيى بن معين
وقال في : فيه كلام يسير ، وفي ابن أبي نمر الحارث بن عبد : إنه لا يعرفه ، ولا ذكر له إلا عند الحاكم في " المستدرك " في هذا الحديث .
قال مقيده عفا الله عنه : ما ذكره من أن ضرار بن صرد متروك غير صحيح ; لأنه صدوق له بعض أوهام لا توجب تركه .
وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق له أوهام وخطأ ، ورمي بالتشيع ، وكان عارفا بالفرائض .
وأما : فهو من رجال ابن أبي نمر ، البخاري ومسلم .
وأما إسناد الحاكم : فقال فيه الشوكاني ، في " نيل الأوطار " : إنه ضعيف وقال في إسناد : فيه الطبراني محمد بن الحارث المخزومي ، قلت : قال فيه ابن حجر في " التقريب " : مقبول ، وقال الشوكاني أيضا ، قالوا : وصله أيضا من حديث الطبراني . أبي هريرة
ويجاب : بأنه ضعفه بمسعدة بن اليسع الباهلي .
قالوا : وصله الحاكم أيضا من حديث ، وصححه . ابن عمر
ويجاب : بأن في إسناده ، وهو ضعيف . عبد الله بن جعفر المدني
قالوا : روى له الحاكم شاهدا من حديث ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر الحارث بن عبد ، مرفوعا .
[ ص: 108 ] ويجاب : بأن في إسناده ، وهو متروك . سليمان بن داود الشاذكوني
قالوا : أخرجه من وجه آخر عن شريك . الدارقطني
ويجاب : بأنه مرسل . اهـ .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضا ، فيصلح مجموعها للاحتجاج ، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء ، كالطريق التي صححها الحاكم ، وتضعيفها بعبد الله بن جعفر المدني : فيه أنه من رجال مسلم ، وأخرج له تعليقا ، وقال فيه البخاري ابن حجر في " التقريب " : ليس به بأس . اهـ .
واحتجوا أيضا بما رواه مالك في " الموطأ " ، والبيهقي ، عن محمد بن أبي بكر بن حزم ، عن عبد الرحمن بن حنظلة الزرقي : أنه أخبره عن مولى لقريش كان قديما يقال له ابن موسى ، أنه قال : كنت جالسا عند ، فلما صلى الظهر ، قال : " يا يرفأ " ، هلم ذلك الكتاب - لكتاب كتبه في شأن العمة - فنسأل عنها ، ونستخبر عنها ، فأتاه به " يرفأ " فدعا بتور أو قدح فيه ماء ، فمحا ذلك الكتاب فيه ، ثم قال : لو رضيك الله أقرك ، لو رضيك الله أقرك . عمر بن الخطاب
وقال مالك في " الموطأ " عن محمد بن أبي بكر بن حزم : أنه سمع أباه : كثيرا يقول : كان يقول : عجبا للعمة ترث ولا تورث ، والجميع فيه مقال ، وقال جماعة من أهل العلم : لا بيان للآية من القرآن ، بل هي باقية على عمومها ، فأوجبوا عمر بن الخطاب . الميراث لذوي الأرحام
وضابطهم : أنهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب .
وهم أحد عشر حيزا :
1 - أولاد البنات .
2 - وأولاد الأخوات .
3 - وبنات الإخوة .
4 - وأولاد الإخوة من الأم .
5 - والعمات من جميع الجهات .
6 - والعم من الأم .
[ ص: 109 ] 7 - والأخوال .
8 - والخالات .
9 - وبنات الأعمام .
10 - والجد أبو الأم .
11 - وكل جدة أدلت بأب بين أمين ، أو بأب أعلى من الجد .
فهؤلاء ، ومن أدلى لهم يسمون ذوي الأرحام ، وممن قال بتوريثهم إذا لم يوجد وارث بفرض أو تعصيب إلا الزوج والزوجة . الإمام أحمد
ويروى هذا القول ، عن عمر ، وعلي ، وعبد الله ، ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ، وبه قال وأبي الدرداء شريح ، وعمر بن عبد العزيز وعطاء ، ، وطاوس وعلقمة ، ومسروق ، وأهل الكوفة ، وغيرهم .
نقله في " المغني " ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ابن قدامة وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ 8 \ 75 ] ، وعموم قوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية ، ومن السنة بحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " المقدام بن معديكرب " أخرجه من ترك مالا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له ، أعقل عنه ، وأرثه ، والخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان والحاكم وصححاه ، وحسنه ، وأعله أبو زرعة الرازي البيهقي بالاضطراب ، ونقل عن ، أنه كان يقول : ليس فيه حديث قوي ، قاله في " نيل الأوطار " . يحيى بن معين
واحتجوا أيضا بما رواه ، أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ، وليس له وارث إلا خال ، فكتب في ذلك أبو أمامة بن سهل إلى أبو عبيدة بن الجراح عمر ، فكتب إليه عمر : " رواه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له أحمد ، ، وروى وابن ماجه الترمذي المرفوع منه ، وقال : حديث حسن .
قال الشوكاني رحمه الله : وفي الباب عن عائشة عند الترمذي ، والنسائي ، من رواية والدارقطني ، عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طاوس " ، قال الخال وارث من لا وارث له الترمذي : حسن غريب ، وأعله بالاضطراب ، ورجح النسائي ، [ ص: 110 ] الدارقطني والبيهقي وقفه .
قال الترمذي : وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة .
وقال البزار : أحسن إسناد فيه حديث ، وأخرجه أبي أمامة بن سهل عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة ، والعقيلي عن وابن عساكر ، أبي الدرداء وابن النجار عن ، كلها مرفوعة . اهـ . أبي هريرة
قال الترمذي : وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، واحتجوا أيضا بما رواه أبو داود ، عن ، عن أبيه ، عن جده ، عمرو بن شعيب : وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها . ابن لهيعة
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال دليلا عندي ، أن الخال يرث من لا وارث له ، دون غيره من ذوي الأرحام ; لثبوت ذلك فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديثين المذكورين دون غيره ; لأن الميراث لا يثبت إلا بدليل ، وعموم الآيتين المذكورتين لا ينهض دليلا ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " " كما تقدم . إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه
فإذا علمت أقوال العلماء ، وحججهم في وعدمه ، فاعلم أن القائلين بالتوريث : اختلفوا في كيفيته ، فذهب المعروفون منهم بأهل التنزيل إلى تنزيل كل واحد منهم منزلة من يدلي به من الورثة ، فيجعل له نصيبه ، فإن بعدوا نزلوا درجة درجة ، إلى أن يصلوا من يدلون به ، فيأخذون ميراثه ، فإن كان واحدا أخذ المال كله ، وإن كانوا جماعة ، قسم المال بين من يدلون به ، فما حصل لكل وارث جعل لمن يدلي به ، فإن بقي من سهام المسألة شيء ، رد عليهم على قدر سهامهم . إرث ذوي الأرحام
وهذا هو مذهب ، وهو قول الإمام أحمد علقمة ، ومسروق ، ، والشعبي والنخعي ، وحماد ، ونعيم ، وشريك ، ، وابن أبي ليلى ، وغيرهم ; كما نقله عنهم والثوري في " المغني " . ابن قدامة
وقال أيضا : قد روي عن علي ، وعبد الله رضي الله عنهما : أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت ، وبنت الأخ منزلة الأخ ، وبنت الأخت منزلة الأخت ، والعمة منزلة الأب ، والخالة منزلة الأم ، وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة ، والخالة .
وعن علي أيضا : أنه نزل العمة منزلة العم ، وروي ذلك عن علقمة ، ومسروق ، وهي الرواية الثانية عن أحمد ، وعن الثوري وأبي عبيد : أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد [ ص: 111 ] الإخوة والأخوات ، ونزلها آخرون منزلة الجدة .
وإنما صار هذا الخلاف في ; لأنها أدلت بأربع جهات وارثات : فالأب والعم أخواها ، والجد والجدة أبواها ، ونزل قوم الخالة منزلة جدة ; لأن الجدة أمها ، والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا ، والخالة أما . اهـ . من " المغني " . العمة
وذهبت جماعة أخرى ممن قال بالتوريث منهم أبو حنيفة ، وأصحابه إلى أنهم يورثون على ترتيب العصبات ، فقالوا : يقدم أولاد الميت وإن سفلوا ، ثم أولاد أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ، ثم أولاد أبوي أبويه وإن سفلوا ، وهكذا أبدا لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه ، وإن نزلت درجتهم .
وعن أبي حنيفة : أنه جعل أبا الأم ، وإن علا أولى من ولد البنات ، ويسمى مذهب هؤلاء : مذهب أهل القرابة .
و العلم عند الله تعالى